=KTML_Bold=القضية الكردية بين الحق وممكناته=KTML_End=
منذر خدام
إن المتابع لجميع البيانات المشتركة التي صدرت عن لقاءات أستانا بين روسيا وسوريا وتركيا وإيران، وكذلك تلك التي صدرت عن اللقاءات بين المسؤولين السوريين والأتراك لا بد أنه لاحظ وجود بند مشترك فيها وهو “محاربة الإرهاب” الذي كانت تفسره تركيا دائماً بمحاربة السوريين الكرد وتنظيماتهم المسلحة. لكن ما تسرب عن لقاء وزير الدفاع السوري وزميله التركي برعاية زميلهم الروسي الأخير لم يترك مجالاً للتأويل.
على المقلب الآخر كانت هواجس السوريين الكرد تزداد بعد كل لقاء بين المسؤولين السوريين والأتراك، لكنها ازدادت كثيراً، على وجه الخصوص، بعد اللقاء الرسمي الأخير بين وزير الدفاع السوري وزميله التركي في موسكو، وتجلى ذلك بالمواقف المستنكرة لهذه اللقاءات السورية التركية وقد عبر عن ذلك جملة البيانات والمواقف المعلنة التي صدرت عن أغلب القوى الكردية في سوريا. ونتذكر جيداً كيف كانت هواجسهم عالية عندما لوح ترامب بالخروج من سوريا.
في القضايا الوجودية ينبغي دائماً التفكير بعقل بارد وبأقصى درجات المسؤولية للإجابة عن تساؤلاتها، وللآسف أسئلة القضية الكردية في سوريا كثيرة ومعقدة، سوف نطرح منها سؤالين فقط: هل ما يحصل لم يكن متوقعاً؟ وما هي الوسائل المتاحة للرد عليه؟
من حيث المبدأ التاريخي والسياسي والأخلاقي فإن من حق الكرد أن تكون لهم دولة مستقلة ذات سيادة مثل بقية دول المنطقة، فهم شعب أصيل من شعوب المنطقة. غير أن الجغرافيا السياسية في الإقليم التي فصلتها الدول الاستعمارية الغربية من خلال ما بات يعرف باتفاقيات سايكس بيكو، حالت دون تحقيق الحق الكردي، لتكرسه لاحقاً سياسات الحكومات في الدول التي يتواجدون فيها.
تعد المسألة الكردية في سوريا من أكثر المسائل تعقيداً، وإثارة للهواجس سواء لدى السوريين من غير الكرد، أو لدى الجهات التركية الرسمية، وحتى لدى السلطات الكردية في إقليم كردستان العراق. أغلب السوريين، على اختلاف توجهاتهم السياسية، لا يوافقون على قيام إدارة خاصة بالكرد، عداك عن قيام كيان كردي مستقل لأسباب مختلفة. من هذه الأسباب التي يتذرع بها كثير من السوريين سبب يقول بأن سوريا ليست أرضاً قومية للكرد بل مجرد وطن، وإن حدود الدولة الكردية التي حددتها عصبة الأمم المتحدة تقع بكاملها خارج نطاق حدود سوريا الحالية المعترف بها دولياً. أصحاب وجهة النظر هذه يزعمون أن المصادر التاريخية المختلفة تؤكد بأن المسألة الكردية في سوريا مشتقة من المسألة الكردية في تركيا نتيجة الثورات الكردية التي حصلت فيها، بعد إلغاء الكماليين لاتفاقية سيفر، التي نصت على إنشاء كيان كردي في جنوب شرق تركيا. في تلك الأثناء، وبحسب هذه المصادر، كان عدد الكرد في منطقة الجزيرة قليل جداً، حتى أن مدناً مثل القامشلي التي يتجاوز عدد سكانها اليوم المائتي ألف نسمة لم تكن حتى عام 1926 موجودة أصلاً. يختلف الوضع في منطقة عفرين وجوارها إلى الغرب من مدينة حلب، حيث الوجود الكردي قديم نسبياً يعود إلى المرحلة العثمانية المبكرة، في حين الوجود الكردي في المدن السورية وخصوصاً في دمشق وحلب يعود إلى المرحلة الأيوبية. اللافت أن كُرد هذه المناطق الأخيرة كانوا مندمجين “سوريا” في بيئتهم المحلية، وخرج من صفوفهم أربعة رؤساء لسوريا قبل الاستقلال عن فرنسا وبعده.
لقد تكون الوعي القومي الكردي الحديث في سوريا بداية بتأثير الحركة القومية الكردية في العراق، إذ تشكل في عام 1957 أول حزب كردي سوري كفرع للحزب الديمقراطي الكردي في العراق (ياكيتي)، لكن التأثير الأكبر في إيقاظ الشعور القومي لدى كُرد سوريا جاء بتأثير من الحركة الأبوجية (نسبة للزعيم الكردي عبد الله اوجلان) وحزب العمال الكردي التركي، وشقيقه حزب الاتحاد الديمقراطي السوري.
يراوح عدد السوريين الكرد اليوم ما بين 2 و3 مليون بحسب مصادر مختلفة، يزيد في عددهم القوميون الكرد إلى نحو أربعة ملايين وأكثر، يسكن منهم نحو مليون كردي أو يزيد قليلاً في شمالي سوريا، في ثلاث تجمعات رئيسية هي منطقة القامشلي وجوارها، ومنطقة عين العرب/ كوباني، ومنطقة عفرين، والبقية توزعهم المدن السورية. من الناحية السياسية تتأثر ولاءات كرد سوريا بالكرد في العراق، أو في تركيا. من بين الأحزاب السياسية الكردية يعد حزب الاتحاد الديمقراطي أكثرها تأثيراً ونفوذاً في الوسط الكردي، وهو يمتلك تشكيلات مسلحة (وحدات حماية الشعب، ووحدات حماية المرأة وغيرها)، ويسيطر على مناطق شرق الفرات بكاملها، وأنشأ في شمال شرقي سوريا نوعاً من الإدارة الذاتية.
يعيش الكرد اليوم أوج حلمهم بإنشاء كيان خاص بهم، وهذا حقهم لا ينازعون فيه من حيث المبدأ، فالكُرد لهم وجودهم القومي في المنطقة عبر التاريخ. في العراق ساهم الاحتلال الأميركي في عام 2003 بخلق ظروف ملائمة لإنشاء كيان كردي شبه مستقل في شمالي العراق. كما إن ظروف الصراع المسلح في سوريا أيقظت لدى كُرد سوريا الحلم بإنشاء كيان خاص بهم في شمالي سوريا. لكن هنا، وعلى عكس ما حصل في العراق، يصعب حل المسألة الكردية بالطريقة ذاتها لأسباب عديدة. بداية ليس كل الكرد بالانتماء هم كرد بالهوية، إذ أن بعضهم قد استعرب إلى حد كبير، أو لا يهتم بانتمائه القومي. وثانياً لا يوجد تواصل جغرافي بين المناطق ذات الأغلبية الكردية في شمالي سوريا. وثالثاً لا تتوافر مقومات اقتصادية كافية لاستقرار الكانتونات الكردية خارج سوريا. ورابعاً، وهذا مهم جداً وحاسم، تبدي الحكومة التركية حساسية عالية ضد كرد سوريا، بحكم الروابط التاريخية بينهم وبين مواطنيها من الكرد.
تحسب تركيا أي انفصال لكُرد سوريا، أو لمنحهم أي شكل من أشكال الإدارة الذاتية خطاً أحمر لن تسمح بتجاوزه، وهي بهذا الموقف تتفق مع موقف النظام السوري. ولذلك فهي تسعى، مستفيدة من الأزمة السورية وتحولاتها، لإقامة منطقة عازلة بعمق ثلاثين كيلو متر على امتداد الحدود السورية معها، أو للتفاهم مع النظام لضبط الحدود المشتركة. في إطار هذه المعطيات الواقعية يبقى جواب وحيد ممكن لسؤال المسألة الكردية السورية هو العمل مع مختلف فئات الشعب السوري لإنشاء دولة ديمقراطية علمانية لامركزية على أساس مبدأ المواطنة، تتيح لجميع مكوناتها نوعاً من الإدارة المحلية لشؤونها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بنفسها. بغير ذلك سوف يظل السؤال الكردي في سوريا مفتوحاً على إجابات عسكرية لا مصلحة لأحد فيها، وفي مقدمتهم الكرد السوريون.
المصدر: نورث برس
[1]