=KTML_Bold=د. محمود عباس: كيف نحن الكورد نعالج قضايانا=KTML_End=
د. محمود عباس
كنا نعاني من عدمية الحوارات فأصبحنا نتخبط بين مواضيعها وضحالتها. كنا نعمل على أيقاف النقد المدمر، فأصبحنا نغرق في التخوين وتهم العمالة، كنا نأمل بإيجاد الحلول لخلافاتنا الكارثية، ودواء لرأب الصدع، فأصبحنا ندفع ببعضها نحو العدمية ونتناسى منهجية الصوابية. ضيعنا الحلول، وأبعدنا احتمالات الثورة التنويرية، فأصبحت إعادة تركيبة المفاهيم والبناء الفكري للشعب قبل الحراك من الضرورات، وإلغاء الأساليب الكلاسيكية لحل الخلافات من مهمات كل حراكنا الثقافي.
جدلية ديمومة الحوارات، وتطبيقها تظل من بين المقومات المنطقية الأنسب في هذه المرحلة الحرجة، ستنمي النواة التي قد تجد الحلول المنطقية للخلافات المستمرة، رغم شبه عدمية الحل الحزبي-السياسي الداخلي، لأن الشعب الكوردي كغيره من الشعوب، تجاوز المرحلة الحزبية الكلاسيكية، بل أصبح ينبذها، وبدأ يتأثر بمفاهيم القوى الفكرية العالمية، والمنهجيات المتضاربة ما بين اليسار واليمين، المحافظين والديمقراطيين، بين الراديكاليين والليبراليين، إن كانت من الأبعاد السياسية أو الدينية، القومية أو الأممية، وينجرف وبدون إراداته إلى موجة الإستراتيجيات المتحكمة بالشعوب والدول، ويفرض عليه خوض الصراع الإيديولوجي ما بين قطبي المفاهيم المتحكمة بها قوى عظمى، المهيمنة على الأنظمة والقوى السياسية العالمية، والحركات التحررية بل والمنظمات الإرهابية.
ظهر ما ننوه إليه بعد سقوط القطب الآخر من الحرب الباردة، وانتقلت الحروب غير المرئية إلى عمق جغرافيات الدول الكبرى ذاتها، مثلما بدأت تتضح بين القوى السياسية في أمريكا وأوروبا، ليس بين الأحزاب الحاكمة، بل داخل الأحزاب ذاتها. وأطراف حراكنا الكوردستاني حلقة من حلقات الصراع المذكور حتى ولو كانت في أخر السلسلة، عليها مهمات يجب القيام به، ومن بينها تقسيم الشعب على منهجية قطبي الصراع، القومي والأممي، الليبرالي أو الراديكالي، وعلى أسسه تقديم الخدمات في منطقتها للقوى الكبرى المتحكمة، ولم يكن تدميرنا لمنظمة داعش سوى واحدة من المهمات.
رغم عدمية وضوح، خلفيات التناقضات، وأسباب التآكل الداخلي، وتوسع شرخ الخلافات، لدى الأغلبية، والتي لا تزال تفسر على أنه صراع بين الأحزاب حسب المنهجيات، حتى لدى قادة طرفي الحراك المتصارع، الذين يعيشون الدوامة الفكرية ذاتها، ويدفعون بالشعب إلى مسيرة الصراع الداخلي، إلا أن النتائج على الساحة تبين يوما بعد أخر على أن شعبنا حلقة من حلقات مجريات الصراع الدولي، وهو ما نراه بشكل جلي ضمن حراكنا الكوردستاني المنقسم رغما عنه إلى طرفي الصراع شبه المميت، ومعهم الأحزاب التابعة لهم، دون إدراك ما يملى عليه خارجيا، وعلى الأغلب القوى الكوردستانية ذاتها والتي تغرق الشعب في منهجيتها التخوينية وتهم العمالة، لا تزال بعيدة عن إدراك موقعها، والتي لا تزيد عن إن تكون إحدى الأدوات السهلة التحكم بها، وإنها حلقة من سلسلة طويلة قبل أن تبلغ المهيمنة والمتحكمة بمسيرة الصراع العالمي.
وبما أننا لا نرى سوى الأنظمة الإقليمية الشمولية العنصرية، والتي هي جزء من الصراع، فنعيل جميع قضايانا على العمالة لها ومدى تحكمها بإرادتنا، دون إدراكنا على أن دراسة واقعنا الكوردستاني على المنهجية المذكورة، أي رؤية الذات من خلال المنظور العالمي، ستزيل الغطاء عن إشكالياتنا وعلاقاتنا مع تلك الأنظمة، وستنقذنا من استخدام الأساليب الكلاسيكية في معالجة قضايانا الداخلية، ومواجهة محتلينا، وستسهل علينا إيجاد أساليب التعامل بين بعضنا.
ب ك ك وتوابعه ومعهم أحزاب كوردستانية، ينتهجون البعد الأممي، نظريا، والقومي عندما تطلب الضرورة، والقاعدة العامة راديكالية قومية بعكس القيادة الاشتراكية الأممية، والملغية للمنهجية القومية، وهي منهجية تتحكم بها قطب عالمي، مع وجود قوى إقليمية موجودة كحلقات وصل، على أثره يتم اتهامها بالعمالة وعرضها كأدوات تحت الطلب لدول عدة مختلفة مذهبيا وسياسيا ومصالح، إلى جانب غيرها من التعريفات، كعرضها منظمة خلقت لتدمير القضية الكوردية، وغيرها.
وبالمقابل هناك التيار القومي، والذي يترأسه البارتي الديمقراطي الكوردستاني وتوابعه، المتدرج ما بين الراديكالي والليبرالي، أي الطامح لتكوين كيان كوردستاني مستقل، الوطن القومي للكورد. أو كيانات كوردستانية تابعة للأنظمة المحتلة لكوردستان، ويتم الترويج للبعد الوطني على منهجية الوطن الجامع للشعوب المختلفة في الثقافات، وكما نعلم هذا النموذج يتدرج ما بين الأنظمة الفيدرالية إلى حقوق المواطنة.
وما بين المنهجين المرتبطتين بإيديولوجيات عالمية، كانت في السابق قطبيها الإتحاد السوفيتي وأمريكا، اليوم تنتشر ضمن الدول الكبرى ذاتها، والتي بدأت تتوضح في السنوات الأخيرة حتى بين الحزبين الحاكمين في أمريكا، الجمهوري والديمقراطي على سبيل المثال. وعلى أثرها وجدنا كيف تم معالجة القضية الكوردية والكوردستانية حتى ضمن إدارة الديمقراطيين ذاتها، أي بين براك أوباما وجون بادين، ومثلها ضمن إدارة الجمهوريين، ما بين بوش الأب والابن ودونالد ترامب.
وبالتالي فخلافاتنا أوسع من أن نتمكن من حلها، وحيث توسيع حلقات التخوين، وتهم العمالة، بالأساليب الكلاسيكية، كالعمل على إلغاء الأخر، والذي هو شبه مستحيل، ما دامت هناك مهمات لكل طرف عليه القيام به كجزء من الكل العالمي المتصارع، بل نحتاج إلى الوعي، ثم الوعي، والوعي، لإدراك ليس فقط هذه الجدلية، بل الأبعد منها، وهي عدم تكرار الأساليب المهترئة ذاتها لحل قضايانا المتحكمة بها قوى كبرى، كما وحينها ستتبين لنا أسباب التآكل الداخلي.
ما أبطئ نمو الوعي بيننا، رغم عبق نتائجها، وما أقوى منطق تعزيز الجهالة تحت أغطية النقد، وتعميق الخلافات تحت منطق الآخر الخائن، وليس المخطئ.
لم يخلقنا الخالق على هذه الحالة الكارثية الفكرية النادرة على الأرض، بل ظهرت بيد فاعل، ونحن ننميها بتجهيل شعبنا، وتقزيم بعضنا، إلى أن أصبحنا حالة فريدة، كطفرة بين الطفرات.
نحن شعب تسامى فينا العظماء وقدمنا الخدمات لجميع شعوب المنطقة، وفي كل المجالات، إلا لذاتنا، فعظيمنا قزمناه في بيئتنا، ولا نزال ندمر قدرات بعضنا على خلفية منهجيات لا إرادة لنا عليه، نتفوق على جميع الشعوب في هذا المجال. فلو ندرك ما نحن فيه؛ نستطيع أن نصبح حلقة مهمة على ساحة الصراع العالمي، وبالتالي سنتمكن من جعل قضيتنا طرف رئيس في ترجيح كفة الصراع على جغرافية الشرق الأوسط، وبالتالي نفرض قضيتنا على محافلهم كما نريده نحن.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
[1]