=KTML_Bold=الاعتقالات لن تتمكن من ثني عزيمة إعلان دمشق=KTML_End=
تقرير سياسي
كان أبرز ما شهده الحراك الديمقراطي السياسي في الداخل السوري هو انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق قبل شهر من هذا التاريخ بملاك تجاوز 160 عضواً، مثّلوا مختلف القوى السياسية المؤتلفة في الإعلان والعشرات من الفعاليات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وأنصار حقوق الإنسان ونشطاء المجتمع المدني، وبذلك نجحت قوى المعارضة في الداخل في التقدم بخطوات جيدة نحو تحقيق مهمتها في التغيير الديمقراطي السلمي، كخيار لا بديل عنه للتصدي للأزمة الراهنة التي تواجهها البلاد، من جهة، ورفض أي شكل من أشكال التغيير المحمول بعوامل خارجية من جهة أخرى، كما نجح الإعلان من خلال قرارات المجلس وبيانه الختامي في تطمين الشارع الوطني العام بأن مكوّناته، من كل القوميات والمذاهب والاتجاهات السياسية، قادرة على التوافق واحترام التعددية والاحتكام للتعامل الديمقراطي، وأكّد كذلك على أن مفهوم دولة المواطنة الحرة والديمقراطية سيبقى الملاذ الآمن لكل مكونات الشعب السوري المتساويين في الحقوق والواجبات، وأن الشعب الكردي هو مكوّن أساسي منها وله قضية قومية تستحق حلاً ديمقراطياً عادلاً في إطار حماية وحدة البلاد.
وقد أثبتت التجربة أن ولادة الإعلان وضرورات وجوده كانت حاجة وطنية ماسّة، خاصة بعد أن عجزت السلطة عن الإصلاح المطلوب الذي تتعارض معه مصالح قوى الممانعة داخل النظام، وكذلك بعد أن اتّسعت وعمّقت عمليات الاعتقال والتضييق على الحراك السياسي بمختلف أشكاله وملاحقة الناشطين السياسيين ومنظمات حقوق الإنسان وبث الخوف بين المواطنين، مما جعل من إعلان دمشق علامة بارزة في هذا الحراك المعارض بعد انعقاد مجلسه الوطني الأخير، الذي كان مجرّد انعقاده، وخاصة في هذه الظروف، خطوة هامة، أثارت معها مخاوف السلطة التي أقدمت على اعتقال العشرات من كوادر الإعلان من مختلف الاتجاهات والمحافظات، في محاولة لإرهاب الناس وثنيهم عن التعاطف مع والالتفاف حول الإعلان، وتحجيم نشاطاته ودوره الوطني.
ولا يزال سبعة من تلك الكوادر رهن الاعتقال الكيفي وهم: الدكتورة فداء الحوراني-رئيسة المجلس وكل من الدكتور أحمد طعمة والأستاذ أكرم البني – أميني السر، والدكتور وليد البني والأستاذ علي العبدالله والاستاذ جبر الشوفي والدكتور ياسر العيتي، أعضاء الأمانة العامة للإعلان، وقد جاءت تلك الاعتقالات المدانة على ضوء النتائج الجيدة التي خرج بها المجلس الوطني وأصدائه الإيجابية في الداخل السوري، وكذلك على صعيد المعارضة في الخارج بين أبناء الجاليات السورية، كما جاءت بعد فشل السلطة في احتواء الإعلان وإصرار قيادته على التوجّه نحو العلنية في أعماله.
ويجمع المراقبون على أن تلك الاعتقالات، في الوقت الذي لن تتمكن فيه من ثني عزيمة الإعلان، فإنها تخدم الجهات المراهنة على التدخل الخارجي وتزيد من عزلة السلطة في الداخل والخارج على حد سواء.
أما في الساحة السياسة الكردية، فإن انعقاد المجلس الوطني لإعلان دمشق بنجاح يشهد له الجميع، يثير المزيد من التساؤل حول عدم قدرة الجانب الكردي من إنجاز مشروعه الوطني القومي الذي يجسده المؤتمر الوطني الكردي ووليده المنتظر المرجعية الكردية المنشودة، رغم تذليل الخلافات السياسية، مما يعني أن هناك إشكالات أخرى وعوامل ذاتية تعيق التنفيذ.
وعلى المستوى الإقليمي، لا يزال الوضع اللبناني، بما يشهده من تجاذبات وصراعات، تدلّ على حدّتها سلسلة التأجيلات المتكررة لاجتماع مجلس النواب الخاص بالاستحقاق الرئاسي، يتقدم بقية بؤر التوتر في المنطقة التي تتنازعها العوامل الإقليمية والدولية التي لا زالت تلعب دوراً محورياً في تقرير مصير هذا البلد ووضعه عند مفترق تاريخي، بين امتلاكه لقراره الوطني المستقل، وبين الإبقاء عليه كساحة لتصفية حسابات ومشاريع خارجية، أو كورقة مساومة واستدراج لعروض إقليمية ومنها محاولة السلطة السورية استعادة الدور المباشر الذي فقدته، رغم أن هذا الدور يُمارَس عبر حلفائها في المعارضة اللبنانية التي تتمسك بالصيغة التوافقية، التي تعطّل بها الحياة السياسية في لبنان، في حال اختيار رئيس جمهورية لا دور له، بهذه الصيغة، سوى الاحتفاظ بسلاح حزب الله تحت غطاء المقاومة وتمييع موضوع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري، أو إطالة حالة الفراغ الدستوري الذي من شأنه إشاعة الفوضى وتفجير الوضع الداخلي، وبالتالي تدويل المسألة اللبنانية وفتح أبوابها أمام التدخلات الإقليمية والدولية بما فيها التدخل السوري والإيراني المباشر. ورغم أن المبادرة الفرنسية السارية المفعول كانت قد حقّقت تقدّماً ملموساً في هذا المجال قبل اجتماع أنابوليس تجسّد في تلافي تشكيل حكومة معارضة موازية ، ورغم أن الاجتماع المذكور كان قد شهد توافقاً أمريكياً سورياً حول ترشيح العماد ميشيل سليمان، فإن هذا التوافق لا يزال يحتاج إلى تدخل سوري – إيراني مشروط بالمزيد من المطالب للإفراج عن رهينتهما اللبنانية، خاصة بعد أن تجاهلت الوساطة الفرنسية الدور الإيراني الممتد عبر مروحة من القوى السياسية والمذهبية التي تدور في فلك طهران، وكذلك بعد أن تشدّد موقف فرنسا من الملف النووي الإيراني باتجاه رفع حدة العقوبات ، مما أثار الجانب الإيراني الذي رأى بالمقابل بأن اجتماع أنابوليس هو غطاء لتشكيل تحالف عربي معتدل مع إسرائيل ضد إيران وعزلها عن قضايا المنطقة، وبالتالي تشكيل إطار أمني واسع للشرق الأوسط بدعم من الإدارة الأمريكية، التي أرادت من طرح مشروع الدولتين (الفلسطينية والإسرائيلية) وسيلة لترتيب أوضاع المنطقة والتخفيف من حالة الاحتقان السائدة ومن موجة العداء وعوامل الرفض التي تعترض مشاريعها، في حين أرادت منه إسرائيل تثبيت الأمر الواقع وفرض بعض الشروط في ظل ظروف من الضعف والانقسام الفلسطيني وتداعياته الخطيرة، إثر الانقلاب الذي شهده قطاع غزة بقيادة حركة حماس. أما الحضور السوري تحت غطاء إدراج وضع الجولان، فإنه جاء للاستفادة من الفرصة التي وفّرها ذلك الاجتماع لاستثمارها من أجل مقايضة دور ما في لبنان وتطوير تعاونها الأمني في العراق، بعد أن خفّت حركة التنقل الإرهابي عبر الحدود السورية، بما يمكن تسميته بإحداث ثغرة في جدار العزلة المحيطة والخروج من دائرة التصارع مع الدول العربية المعتدلة، وتمهيد الأجواء أمام نجاح مؤتمر القمة العربية الذي سيعقد في دمشق خلال شهر آذار القادم.
لكن انتهاء أنابوليس إلى قرارات غير واضحة وغير قادرة على منح الأمل الكافي في التحضير لمفاوضات بنّاءة تقود إلى سلام عادل قائم على مبادئ الشرعية الدولية، وانقلاب الجانب الإسرائيلي عليها عبر التنصل من قضايا الحل النهائي، مثل القدس والحدود والمستوطنات والمياه، وإقدامه على إقرار بناء المزيد من المستوطنات وقصف قطاع غزة، إضافة إلى أن تواتر فشل المشاريع والاتفاقات السابقة في تحقيق أي تقدم، انعكس كل ذلك سلباً على إمكانية تحقيق انفراج في لبنان وكذلك في الأراضي الفلسطينية ، وقد تكون له تأثيراته أيضاً على الوضع في العراق الذي يشهد تطورات أمنية وسياسية واضحة، فالاستقرار الذي تشهده العديد من المناطق المتوترة بات ملفتاً، بدت معه تجربة مجالس الصحوة المشكّلة من ائتلافات عشائرية، تلقى المزيد من الدعم الأمريكي وتراجعت معه الاعتراضات الحكومية القائمة على الخوفً من تحوّلها إلى قوة أمنية ثالثة إلى جانب الجيش والشرطة، وتكريسها لظاهرة الميليشيات التي تحمّلت مسؤولية الاقتتال الطائفي المقيت. وقد أفسحت النجاحات التي حققتها في مطاردة القوى الإرهابية أمامها فرص الانخراط في العملية السياسية وتهديد الأحزاب السنية كقوة بديلة في تركيبة الحكومة الفيدرالية، مما حدا بجبهة التوافق للتحرك باتجاه إنهاء مقاطعتها وعقد تحالفات جديدة لتعزيز موقعها، وذلك على غرار الاتفاق الثلاثي بين الحزب الإسلامي وكل من الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يعبّر عن مرحلة جديدة ويشير إلى خلافات الطرفين مع كتلة الائتلاف. وإذا كانت تلك الخلافات معروفة بالنسبة لجبهة التوافق، فإن الخلافات الكردية مع الائتلاف جاءت على خلفية فشل مهمة الوفد الكردي الذي زار بغداد مؤخراً في إقناع حكومة المالكي بمواقف حكومة الإقليم بشأن عقود النفط وتنفيذ المادة 140 من الدستور الخاصة بتحديد مستقبل كركوك، إضافة إلى ميزانية العام الجديد وحصة الإقليم فيها. ففي موضوع النفط، تبيّن أن معارضة وزير النفط للعقود البترولية الموقّعة بين حكومة الإقليم وشركات البترول، لم تكن نابعة عن موقف شخصي، بل كانت سياسة معتمدة داخل بعض الكتل السياسية والجهات الحكومية، كما أن المماطلة في تنفيذ المادة 140 من الدستور لم تكن لأسباب فنية، بل عبّرت عن محاولة انقلابية على هذا الاستحقاق الدستوري، واستوجب ذلك تدخّلاً أمريكياً عبر وزيرة الخارجية الأمريكية التي زارت كركوك لتقنع الجانب الكردي بتمديد عمل اللجنة الخاصة بتطبيق تلك المادة والإجراءات المتعلقة بها، وهي تطبيع الأوضاع وتصحيح عمليات التعريب وإجراء إحصاء، ثم القيام باستفتاء يحدد هوية المدينة .
وعلى خلفية تلك الخلافات، فقد جاءت الاتفاقية الثلاثية في إطار محاولة الضغط على حكومة بغداد على أمل أن ترضخ للمطالب الكردية، كما أنها جاءت تعبيراً عن كون الحراك السياسي يأخذ بعداً جديداً، يستعيد فيه الجانب السني دوره كلاعب مهم، لكن هذا لا يعني أن الائتلاف الحكومي الذي يشارك فيه الجانب الكردي مهدد بالتفكك، بل أن هذا الجانب يبتغي من الاتفاق تحسين موقعه السياسي، وقد يوجه بهذا الاتفاق رسالة إلى طهران التي تختلف مع هذا الجانب في موضوع اتفاقية 06-03-1975، ورسالة أخرى إلى الحكومة العراقية احتجاجاً على تصريحات العديد من أعضائها ومستشاريها بخصوص التهديدات التركية الأخيرة بالتوغل في كردستان العراق،والتي صبّت في مصلحة التبرير غير المفهوم لتلك التهديدات، في الوقت الذي كان فيه الجميع مطالبون بالدفاع عن سيادة العراق الذي يفترض أن إقليم كردستان هو جزء منه.
وفي الموضوع التركي، فإن تهديدات حكومة أردوغان بالتوغل في إقليم كردستان قبل شهر من هذا التاريخ تمت مقايضتها مع الجانب الأمريكي بتأجيل التصويت في الكونغرس الأمريكي على قانون إبادة الأرمن وبتبادل المعلومات الاستخباراتية حول مواقع وتحركات مسلّحي حزب العمال الكردستاني، وبناءاً على تلك المعلومات، فقد أغارت الطائرات التركية عدة مرات على المناطق الجبلية في كردستان العراق، وشرّدت تلك الاعتداءات العديد من المدنيين الكرد من قراهم، ومما يدعو للقلق والاستنكار معاً أن القوات البرية تقدّمت في بعض المواقع لتحتل شريطاً حدودياً تضغط به على القرار السياسي الكردي، وبتلك الاعتداءات الجوية التي ترافقت مع اعتقال رئيس حزب المجتمع الديمقراطي DTP السيد نورالدين دمرتاش لدى وصوله عائداً من ألمانيا بعد حضور مؤتمر حول المسألة الكردية ، فإن المؤسسة العسكرية تقف مرة أخرى حجرة عثرة في طريق المسار الإصلاحي لحكومة أردوغان الذي اقترح إصدار عفو جزئي عن عناصرPKK في محاولة لمواجهة قرار الاتحاد الأوربي الذي لم يعتبر العضوية الكاملة هدفاً للمفاوضات مع تركيا، وكذلك مواجهة المبادرة السلمية الصادرة عن PKK الذي عرض فيها التخلي عن السلاح مقابل الاعتراف بالقومية واللغة الكردية وضمان مشاركة الأكراد في الحياة السياسية وتنفيذ برامج ومشاريع إصلاح اقتصادي واجتماعي في المناطق الكردية التي تدعو تلك المبادرة إلى تطوير وتوسيع الإدارة المحلية فيها....
ورغم الدعاية الإعلامية التي أحيطت بتلك الغارات الجوية فإن آثارها لم تتجاوز تنفيس الاحتقان في الشارع القومي التركي وتوجيه رسائل ضاغطة لحكومة إقليم كردستان، في الوقت الذي يسعى فيه الجانب الأمريكي لتوجيه مقاتلي PKK صوب إيران عبر تنظيمه الفرعي PJK ، خاصة بعد التحول الواضح لتعامله مع الملف الإيراني والذي تجلى في التقرير الذي وضعته 16 وكالة استخبارات، وجاء فيه أن إيران أوقفت نشاطها النووي لأغراض حربية منذ عام 2003، مما يوحي بأن الإدارة الأمريكية تعمل على تحرير الرئيس بوش من تبعات تهديداته بشن حرب استباقية. وذلك بعد أن أثارت تلك التهديدات الخوف في أسواق النفط، الأمر الذي رفع سعر البرميل الواحد إلى 100 دولار، وكذلك بعد أن خلّصت بعض دوائر القرار الأمريكي بأن مشروع الحرب سيلحق الضرر بمصالحها الاقتصادية وبقواتها العاملة في العراق وأفغانستان، كما أنه سيعزّز مكانة المتشددين في إيران وخاصة الرئيس أحمدي نجاد، ويفشل مشروع الدولتين في فلسطين عن طريق حماس والتنظيمات الفلسطينية المتطرفة الأخرى، ويزيد من نفوذ حزب الله في لبنان. ومن هنا، فإن احتمالات العودة إلى سياسة الاحتواء قد تكون بديلاً لتلك الحرب، وخاصة بعد أن اقترب موعد الانتخابات الإيرانية في آذار القادم وتزايدت فرص الإصلاحيين والمعتدلين الإيرانيين في النجاح.
30-12-2007
اللجنة السياسية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)
[1]