=KTML_Bold=الكرد وأزمة الهويات الوطنية=KTML_End=
#بير رستم#
من نحن؟! سؤال توقفت عنده كثيراً مثل الآخرين في زحمة القراءات والانتماءات والهويات التي ننتسب أو بالأحرى نُنسب إليها، هل نحن كرد كردستانيين أم “أكراد” سوريين وعراقيين وتركيين وإيرانيين، أم أمم وشعوب “ديمقراطية” متآخية، أم ناس مهجرين همجيين رعاع غجريين بويجيين، بل أبناء جان وعفاريت وأبناء أقوام وشعوب أخرى نسينا لغتنا الأصل وبتنا نتحدث لغة لا يفهمها حتى الله، كما يدعي البعض الآخر حيث هناك من نسبنا للعرب وقال في تناقض فظيع؛ بأننا “الأكراد العرب” وهناك من نسبنا ل”أتراك الجبال” الذين نسوا لغتهم وباتوا يتحدثون بلغة لا تتجاوز عدد كلماتها الثلاثمائة كلمة على حد تعبير أحد كتبة الأتراك ذوي الأصول الألبانية، بل مؤخراً هناك من يريد أن يجعلنا من أصول غجرية وهي آخر فصول المسرحيات الهزلية التي تحاك حول الهوية الوطنية لشعب وأمة تضرب بجذورها التاريخية في هذه المنطقة التي ابتليت بالحقد والكراهية وإلغاء الآخر حيث الآخر هو الزنديق الكافر الملحد الملعون المطعون في هويته وشهادته وانتمائه ووطنيته أولاً وأخيراً ولكن وبالرغم من كل تلك الادعاءات من أجهزة الدول الغاصبة للثقافة والهوية والجغرافيا الكردية؛ وبأن لا جغرافيا ولا تاريخ ولا ثقافة مختلفة لنا نحن الكرد، لكن ومع أول تحقيق لمثقف أو سياسي في سجونهم، كنا نتهم بالانفصال وخيانة الوطن ولا نعلم عن أي وطنٍ كانوا يتحدثون، هل ذاك الوطن الجميل في مخيلتنا دون احتلالات أم وطن القهر والقمع والإذلال بحقنا وحق هويتنا الوطنية؟ ثم أي وطنية وأنت ووطنك تحت الاحتلال!
لكن وقبل الدخول في الحيثيات والتفاصيل دعونا نتعرف على بعض المصطلحات الضرورية وفق تعريف الموسوعة الحرة ويكيبيديا مثل مفاهيم الهوية والوطن والهويات الوطنية أو الثقافية والجغرافيا الوطنية حيث تقول الموسوعة بخصوص الهوية ما يلي: “الهوية هو مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات (كالهوية الوطنية أو الهوية الثقافية). يستخدم المصطلح خصوصا في علم الاجتماع وعلم النفس، وتلتفت إليه الأنظار بشكل كبير في علم النفس الاجتماعي. جاء مصطلح الهوية في اللغة العربية من كلمة: هو” وتضيف؛ “الهوية هي مجمل السمات التي تميز شيئا عن غيره أو شخصا عن غيره أو مجموعة عن غيرها. كل منها يحمل عدة عناصر في هويته. عناصر الهوية هي شيء متحرك ديناميكي يمكن أن يبرز أحدها أو بعضها في مرحلة معينة وبعضها الآخر في مرحلة أخرى” وتستزيد أكثر وتقول: “الهوية الشخصية تعرف شخصا بشكله واسمه وصفاته وجنسيته وعمره وتاريخ ميلاده. الهوية الجمعية (وطنية أو قومية) تدل على ميزات مشتركة أساسية لمجموعة من البشر، تميزهم عن مجموعات أخرى. أفراد المجموعة يتشابهون بالميزات الأساسية التي كونتهم كمجموعة، وربما يختلفون في عناصر أخرى لكنها لا تؤثر على كونهم مجموعة.. فما يجمع الشعب الهندي مثلا هو وجودهم في وطن واحد ولهم تاريخ طويل مشترك، وفي العصر الحديث لهم أيضا دولة واحدة ومواطنة واحدة، كل هذا يجعل منهم شعبا هنديا متمايزا رغم أنهم يختلفون فيما بينهم في الأديان واللغات وأمور أخرى. العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية هي كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة في: الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح وغيرها”.
أما الوطن وبحسب تعريف الموسوعة لها هو “عبارة عن المكان الذي يرتبط به الشعب ارتباطا تاريخيا طويلا. المنطقة التي تولدت فيها الهوية الوطنية للشعب”، بينما تتوسع الكاتبة عاتكة البوريني في توصيف الوطن لتقول: “الوطن، مفهومٌ واسعٌ، لا يمكن حصره في كلماتٍ قليلةٍ، فالوطن هو المكان الذي يضمّنا بين أحضانه، هو البيت الكبير الذي تستريح فيه النفس، وتأوي إليه الروح، وهو الأرض الرحبة التي نحيا فيها ونموت وندفن فيها، فإن سافرنا نشتاق إليه، وإن عدنا إليه قبّلنا ترابه شوقاً وشغفاً، فالوطن ليس مجرد كلمة تُقال بشكلٍ عابرٍ، إنما مفهومٌ واسعٌ باتساع الحياة، فهو البيوت والشوارع والمدارس والجامعات، هو المساجد والكنائس والأشجار والورود، والأهل والأصدقاء” وهناك بالتأكيد تعريفات كثيرة لا نجانب الحقيقة إن قلنا؛ بأن تعريفات الوطن هي بعدد مواطني العالم حيث ربما لكل منا تعريفه الخاص عن الوطن وهنا أسمح لنفسي بأن أقدم تعريفي الخاص حيث وبالرغم من كل ما قيل ويقال عن الوطن وبأنه مجموعة الأماكن والذكريات والأصدقاء والأحداث والوقائع التي عشناها في جغرافيا ما وكذلك ما نملكه فيه من قيم مادية وروحية معنوية وإرث ثقافي وحضاري ورثناه عن الأسلاف من لغة وثقافة وقيم أخلاقية والتي مجموعها تشكل الوطن والهوية الوطنية.
طبعاً كل ما سبق يمكن وضعها تحت العناصر التي تشكل الصورة الذهنية عن الوطن لدى الإنسان أي خاضعة لدرجة ما للمحاكمات العقلية، لكن بقناعتي إن الانتماء لوطن ما أعقد من تلك الصورة النمطية بحيث يتجاوز العقل إلى ما هو حسي شعوري أو القول بطريقة أخرى؛ بأن تلك مجتمعة تشكل الهيئة والتكوين أو الشكل الخارجي والقالب الذي يجسد هيئة الوطن، بينما روحه هو ما يختزنه كل منا من جانب عاطفي شعوري إنساني/حيواني تجاه تلك الأشياء والأماكن والذكريات بحيث يكوّن رابطاً عاطفياً يجعلك تحن إلى تلك الأشياء إلى روحها ورائحتها وذائقتها ونكهتها؛ أي بمعنى أن العلاقة هي علاقة حسية روحية معاً حيث يجتمع ما هو مخزون في الذواكر الحسية من رؤى بصرية سمعية شمية.. الخ بالإضافة إلى الجانبين المادي والمعنوي لكل تلك المعاني والقيم التي تشكل الوطن .. فمثلاً؛ كم من الناس ورغم انتقاله لبيئة جغرافية قد تكون أفضل من بيئة بلده إلا إننا نجده يقول؛ بأنه يحن إلى رائحة بلده وهوائه أو إلى رائحة التنور في بلده حيث هنا لا يكون الأمر خاضعاً لمقارنة ومحاكمة عقلية بحيث هواء هذا البلد الجديد أنقى أم هواء بلده، بل العلاقة مرتبطة بجانب عاطفي حسي وليس عقلي بارد .. وهكذا فإن هذه التفاصيل هي التي تشكل تلك العلاقة الروحية مع الوطن، بل ربما هي الوطن نفسها حيث الجغرافيا والتراب والأشجار تجدها في كل بقعة جغرافية وقد تكون في المكان الجديد الذي انتقلت إليه أفضل من بلدك ووطنك، لكنك لن تجد رائحة ذاك التراب في كل مكان وخاصة مع أول زخة للمطر بعد انحباسها في السماء لشهور عدة وبهذا الخصوص أتذكر دائماً حكاية ذاك العصفور الذي وضعه الملك في قفص ذهبي، بينما كان هو ينشد ويبكي على الوطن الذي غادره، مما جعل الملك يطلق سراحه ليرى أي وطن جميل يبكي عليه وعندما تم إطلاقه، فإنه لم يبتعد كثيراً ليحط على غصن يابس وهو ينشد ما أحلى الوطن!
إذا الوطن ليس فقط كل ما يجمعنا مع جغرافيا بمادياتها ومعنوياتها وقيمها الثقافية والأخلاقية فقط، بل هي روح تلك الأشياء والعناصر في جانبها الحسي الإنساني/ الحيواني العاطفي، كما علاقة عاشق بمعشوقته نعم ربما بمحاكمة عقلية يقول أحدهم؛ وما الفرق بين جسد هذه الأنثى وتلك أو العكس في علاقة الأنثى بالذكر، لكن ذاك العاشق/ة لم يقارن جسده/ا بالآخرين أساساً لكي نوجه له سؤالاً منطقياً عقلانياً، بل اقترابه/ا من هذا الكائن يفرز فيه هرموناً يعطيه إحساساً مختلفاً عما يكون مع الآخرين وهكذا العلاقة مع الوطن، فقد تزور وتلتقي بأوطان ونساء أجمل (منطقياً، محاكمة عقلانية)، لكنك بالتأكيد لن تجد الألذ والأكثر سكراً وفرحاً من وطنك ومعشوقتك بين أوطان ونساء الآخرين وهذا هو الفرق حيث لن تعيش حالة الذوبان إلا مع من ارتبطت به بتلك العاطفة الغير خاضعة للمنطق العقلاني وانطلاقاً مما سبق ومن تعريفنا للهوية الوطنية بحسب ويكيبيديا والتي تعني “التعلق العاطفي والولاء لأمة محددة بصفة خاصة واستثنائية عن البلدان الأخرى”. وبأن “الوطني هو شخص يحب بلاده، ويدعم سلطتها، ويصون مصالحها”. وبأن الوطنية “تتضمن مجموعة مفاهيم ومدارك وثيقة الصلة بالقومية مثل الارتباط، والانتماء، والتضامن، لأن واقع الحال يفيد بأن المصالح ملك للأمة التي تُعَرِّفُ الدولة بعلامات وملامح إثنية، وثقافية، وسياسية، وتاريخية مميزة” بحيث نجد تداخلاً بين المفهومين الوطني والقومي (الأمة) بحيث تربط هذه المجموعة البشرية جملة من “الروابط الواضحة مثل اللغة أو التاريخ أو الجنس أو الدين من ناحية، أو متخيلة مثل المصالح المشتركة والغايات الواحدة أو حتى النسب المشترك من ناحية أخرى، ويقطنون بقعة من الأرض حتى لو لم يخضعوا لنظام سياسي معين وتشمل الأمة أموات الشعب والأجيال التي ستأتي في المستقبل” .. إذا وانطلاقاً مما سبق ما هي الوطنية لشعبنا الكردي؟!
هل الوطن هو ذاك الوطن المتخيل كردياً في دولة كردستان بحيث يجمع أبناء كل هذه الأمة وبالتالي تكون هويتنا كردستانية أو ما يمكن أن نقولها الوطنية الكردستانية؟ أم أن الوطن هو عبارة عن مجموعة أوطان فرض علينا بحسب تقسيمنا وإلحاقنا بعدد من دول المنطقة فيكون هوية الكردي السوري هي الوطنية السورية والكردي العراقي الهوية العراقية وهكذا للتركي والإيراني وبالأخص في تركيا حيث هوية البلد (الوطن) مطوبة باسم مكون عرقي واحد؛ أي التركي كما طالب بها مؤسسها أتاتورك حينما أدعى ب”شعب واحد، لغة واحدة، علم واحد” وهو للتركي بحيث نضطر لقول الكردي في شمال كردستان بأن هويته الوطنية هي الوطنية التركية في نفي تام لكرديته واستلابه من قبل التركي؟! أم أن القضية أعمق بكثير من هذا التبسيط حيث أحدنا يحمل أكثر من هوية وطنية أو ما يمكن أن نقول بالهويات المركبة ابتداءً من الهويات القبل دولتية مثل القبلية العشائرية والطائفية الدينية وصولاً لهوياتنا السياسية الأيديولوجية حيث الهويات الأممية كالإسلامية والشيوعية الاشتراكية أو الهويات الليبرالية والديمقراطية إلى جانب الهويات العرقية واللغوية الثقافية .. أعتقد بأن هذه الأسئلة والكثيرة المشابهة لها للإجابة عليها من قبل الحركة الوطنية الكردية بأحزابها ومثقفيها حيث دون تحديد الهوية أو الهويات لا يمكن تحديد المطالب وسيكون هناك دائماً حالة من الشك والريبة في مطالبنا من قبل الآخرين، نعم علينا أن نطرح السؤال وبجرأة؛ هل نحن سوريين -أعني كرد سوريا- أم كردستانيين؟ ووفق إجابتنا ستكون برامجنا السياسية وعلاقاتنا المستقبلية مع الجوار الداخلي والإقليمي.
بالأخير يمكنني القول؛ بأن أوجلان يحاول تقديم بعض الحلول من خلال مشروع الأمة الديمقراطية والكونفيدراليات لشعوب المنطقة، لكن ما مدى تقبل مجتمعاتنا لهكذا حلول هنا المعضلة، فهل ستكلل بالنجاح وتكون مستقبلاً هناك “أمة ديمقراطية” مثل “الأمة الإسلامية” أم سيكون مصيرها مصير الأمم الشيوعية الاشتراكية بحيث تعود مجتمعاتنا للقبلية والأقوامية .. إن التجربة علمتنا بأن حرق المراحل فيها الكثير من المخاطر ولا تكلل دائماً بالنجاح، لكنها محاولة تستحق القراءة والوقوف عندها وحتى محاولة تطبيقها وليس دائماً من يجرب المجرب يكون عقله مخرب، فقد يكون العقل الأول الذي قام بالتجربة مخرب وبالتالي تستحق تجربة جديدة بعقل غير مخرب، كما يمكن لمجتمعاتنا أن تقدم نماذجها الخاصة في التعايش معاً داخل جغرافيات بهويات تاريخية قديمة مثل سوريا حيث لكل مكوناتها جزء من مسماها ومعانيها بالتالي لا مشكلة أن تكون كردياً سورياً أو آشورياً سورياً أو عربياً درزياً مسيحياً مسلماً.. سورياً، كون سوريا وكما قلنا يجمعنا ويحمل قسطاً من هوياتنا جميعاً ومن دون أن تلغي أي هوية فرعية، بل سوريا أجمل بكل هذا التلوين والتعدد الثقافي ودون ذلك ليس لسوريا من وجود وهوية حضارية بحيث كل الهويات القومية والدينية والقبلية والمناطقية تشكل اللوحة السورية وذلك على غرار التجربة الأمريكية التي تحررت واستقلت عن إنكلترا رغم أن أغلبية مواطنيها كانوا إنكليز أو الناطقين بالإنكليزية وذلك بعض القضاء على شعبها الأصلي من الهنود الحمر، ربما أصحاب المقولات القومية يجد هذا الطرح نوع “الخيانة” للقضايا القومية والانتماء القومي، لكن ربما يأتي الزمن الذي نجد فيه ملحدين قوميين على غرار الملحدين في الأديان.[1]