=KTML_Bold=عفرين بوابة الدولة الكردية القادمة إلى العالم!=KTML_End=
#بير رستم# (أحمد مصطفى)
ربما يبدو المقال غريباً، بل مفاجأً للكثيرين وخاصةً في ظل واقع عفرين الاحتلالي الحالي من قبل تركيا ومرتزقتها، وهم محقين في ذلك تماماً؛ أي في قضية الاستغراب من هكذا طرح سياسي أقرب للخيال والحلم منه للواقع أو حتى لقراءة سياسية واقعية، ولكي لا نبقى في مسألة التوقعات أو النيات، فإننا سنحاول قدر الإمكان إبداء قراءتنا فيما جرى -ويجري- لنستشف من خلاله ما طرحناه أو “تنبأنا به” -والأصح نتبناه- في طرحنا السياسي، ألا وهو؛ أن الدولة الكردية قادمة لا محالة وأن عفرين ستكون بوابتها إلى العالم الخارجي ولكن وقبل الوصول إلى هذه القضية المفصلية، دعونا نعود قليلاً للخلف ونقف على الأسباب الجوهرية والحقيقية وراء هذه الحروب والصراعات التي استعرت في المنطقة وبالأخص منها منطقة الشرق الأوسط وتحديداً سوريا والعراق ومعهم جغرافية كردستان. ربما تتعدد الإجابات ويقول البعض؛ بأنها “ثورات شعبية” دعت المرحلة إلى قيام تلك الجماهير للتخلص من نظمها الاستبدادية وشجعتها في ذلك دول غربية ومنظمات عالمية بهدف تحسين سلوكيات هذه الأنظمة العسكريتارية بخصوص حقوق الإنسان والديمقراطيات العامة وإلى آخرها من الأسطوانة الحقوقية التي بتنا نرددها بطريقة تلقينية وكأن العالم بحق لا تهمها شيء غير حقوق الشعوب المضطهدة أو حرياتهم، رغم إدراكنا جميعاً؛ بأن هذه الحكومات المستبدة ما كانت لها أن تستمر لولا دعم تلك الدول السيادية بالعالم ولو أن أمريكا -مثلاً- أرادت إسقاط أي حكومة بالعالم الثالث مثل سوريا وغيرها، ما كانت كلفتها أكثر من فرقة كوماندس لاعتقال رأس النظام، كما فعلت مع ديكتاتور بنما سابقاً!
إذاً القضية أبعد وأعمق من تلك المقولات الساذجة عن حقوق الانسان، رغم أن ذلك قد تكون جزء من واقع سياسي قادم مع المنظومات الجديدة وعوالمها ومتطلباتها التي تلزم قدر أكبر من الحريات، ينسجم مع المرحلة التاريخية ومتطلباتها وثورتها التقنية التي حطمت الكثير من القيود والأغلال على الحريات العامة، لكن بالتأكيد ليس ذاك هو السبب الجوهري في هذا “الحراك الثوري” في منطقة الشرق الأوسط، بل تكمن في عدد من القضايا والتي تشكل الاستراتيجيات الجديدة للسياسات الدولية ومنها الأمريكية طبعاً والتي أدلى بها قادتها وزعمائها أكثر من مرة وحددوا تلك القضايا بالنقاط التالية:
1- حماية أمن وسلامة إسرائيل من التهديدات الخارجية.
2- الحفاظ على مصالح الدول السيادية بالعالم وبالأخص الروس والأمريكان وحلفائهما.
3- محاربة التطرف والإرهاب بالمنطقة وبالأخص الجماعات الإسلامية الراديكالية مثل “داعش” وأخواتها!
إننا لو دققنا بالنقاط الثلاث السابقة، لوجدنا لا خلاف حولها بين الروس والأمريكان، بل ومعظم دول العالم، ما عدا العالم الإسلامي حيث الصراع العقائدي الديني والعرقي والتي تجعلها منطقة استهداف من قبل الدول السيادية بمشروعها الاستعماري الجديد في تقسيمها وفق المنظومة العالمية الجديدة، بعد أن فقدت الدولتان الاستعماريتان القديمتان نفوذهما؛ ونقصد الفرنسيين والبريطانيين والتي كانت قسمت منطقة الشرق الأوسط بين نفوذ وانتداب الدولتين وفق معاهدات فرساي وسايكس-بيكو ولوزان وغيرها من التفاهمات والاتفاقيات ولكن وبعد بروز أمريكا كقوة عالمية جديدة من بعد الحرب العالمية الثانية، من جهة، وانتصار البلاشفة في روسيا القيصرية وإسقاط نظام القياصرة وتأسيس ما عرف بالاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية المعادية للرأسمالية العالمية بقيادة الولايات الأمريكية المتحدة، من جهة أخرى، فقد انقسم العالم بين قطبي السياسة الدولية، لكن مع انهيار المنظومة الاشتراكية والقيادة الأمريكية، كقطب واحد مستفرد، خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي، كان لا بد من بروز قطب آخر لكي يعود التوازن للسياسات الدولية حيث وكما الحياة والكينونة غير قادرة على السير على قدم واحد فكذلك السياسة غير قادرة على المضي قدماً بقطب واحد، فكان بروز الدور الروسي عسكرياً والذي يقف خلفه عملاق اقتصادي جديد يتمثل في الصين.
وهكذا ومع بروز قطبين جديدين في السياسات الدولية؛ كدول سيادية بدل الدولتان الاستعماريتان القديمتان؛ بريطانيا وفرنسا، كان لا بد من إعادة تقسيم مناطق النفوذ بالعالم وبالأخص في مناطق المياه الدافئة المحيطة بالمتوسط وذلك وفق مصالح “أسياد” العالم الجدد والتي تم تحديدها بالنقاط الثلاث السابقة وبتوافق تام بين الدولتان ومعهم المجموعة الدولية في غرب العالم! ولكي يتحقق ذلك كان لا بد من خلخلة النظم السياسية القديمة في هذه المنطقة والتي ستخضع لنفوذ أولئك الأسياد والاتيان ببدائل تحقق مصالحهم من جهة، وبنفس الوقت تكون مقبولة شعبياً لكي تكون قادرة على البقاء في السلطة، بعكس النظم القديمة والتي باتت شعوبها تتطلع للخلاص منها .. وهكذا كان لا بد من “ثورات شعبية” لتمرير المشروع، وفعلاً كانت لها ما أرادت ولكن ولكي يضمنوا نجاح مشروعهم السياسي، فلا بد من حلفاء جدد أوفياء بقدر حاجتهم؛ أي حاجة أولئك الحلفاء الجدد لهذه الدول السيادية، وعند استعراض مكونات المنطقة ومن هو الأصلح والأقوى ترشيحاً إلى لعب هكذا دور وكحليف للمشروع الروسي الأمريكي بالمنطقة، فإننا لن نجد أفضل من الكرد ليتم ترشيحهم للعب هكذا دور سياسي وعسكري في المرحلة القادمة من تاريخ المنطقة وربما العالم، كون الشعوب الأخرى لها أسبابها ودوافعها التي ترفض -أو غير قادرة- على لعب ذاك الدور المطلوب منها، فمثلاً الشعوب العربية لها أكثر من سبب لرفض ذاك الدور حيث العداء مع إسرائيل وكذلك الذهنية الدينية العقائدية المنحازة بأغلبية كبيرة للتيارات الدينية المتشددة ومثلهم الأتراك والفرس، أما الآشوريين والأرمن ورغم لهم الأفضلية الدينية، لكنهم يفتقرون لعاملي الجغرافيا والديموغرافيا وبالتالي لم يبقى أمام الغرب غير الكرد، ليكونوا فرسان الشرق الأوسط الجديد.
وهنا وبعد أن شخصنا واقعنا السياسي يمكننا تفسير ما بادرنا بطرحه كعنوان للمقالة التي بين يدينا وبأن عفرين ستكون بوابة الدولة الكردية القادمة إلى العالم حيث وكما سبق وأكدنا؛ بأن كل من روسيا وأمريكا تهمهما في استراتيجيتهما الموحدة -رغم الظاهر العدائي أو لنقل التنافسي بين الدولتان- تلك النقاط الثلاث وقد رأينا قبل أقل من عام، تم اجتماع ضم الدولتان مع إسرائيل في تل أبيب ومن دون أن يخرج أي بيان منها رغم الأهمية القصوى لذاك الاجتماع والذي سرب منها، بأن سيكون فيها “صفقة العصر”، مع العلم الصفقة كانت متفقة عليها من قبل ذلك بين الدول الثلاث تلك ولكن فيها تم تحديد بعض الأولويات والقضايا المستجدة التي يمكننا توضيحها -بالإضافة للنقاط الثلاث المذكورة- بإضعاف عدد من دول المنطقة وبالأخص تركيا وإيران ولأسباب عديدة؛ منها ما تتعلق بدعم هذه الدول للمنظمات الإسلامية الراديكالية، إن كانت سنية أو شيعية، وبالتالي تحقيق أحد الأهداف الثلاث؛ ألا وهو مكافحة ومحاربة التنظيمات الراديكالية الإرهابية وليس أفضل من تجفيف مصادر القوة والدعم لكي تقضي على تلك الجماعات حيث دون إيران لا قوة لحزب الله اللبناني مثلاً وكذلك الأمر للجماعات الإخوانية من دون دعم تركيا! كما أن تقويض دور إيران ضروري لحماية أمن إسرائيل من خلال ضرب هذه التنظيمات والجماعات السلفية. وأخيراً، بل وأولاً؛ هناك قضية مصالح الدولتان ومصالح حلفائهم في المنطقة مثل الدول العربية -الخليجية بالأخص- حيث الغاز والنفط ..الخ وهكذا ولما ذكر فقد تم تحديد الهدف ومن هو المرشح ليكون الحليف أو الفارس الجديد وليكلف بهذا الدور في تحقيق ما خطط له من استراتيجيات جديدة في المنطقة.
نعم إنهم الكرد حيث يتمتعون بنسبة ديموغرافية كبيرة ربما تتجاوز (60) ستون مليوناً يتوزعون على رقعة جغرافية واسعة ومتماسكة وبحدود (500) ألف كم2 وربما أزيد وكذلك والأهم حرمانهم من دولتهم وحقوقهم الوطنية وغير متطرفين دينياً – على الأقل الأغلبية الساحقة من أحزابهم وقياداتهم السياسية- وبالتالي استعدادهم الأولي، بل حاجتهم للوقوف إلى جانب من يمد لهم يد المساعدة ليصبحوا متكافئين في الحقوق مع الشعوب المجاورة لهم، ولكن هناك عامل آخر ما زلنا لم نتطرق له وبقناعتي يشكل الأكثر أهميةً في هذه المعادلة، ألا وهو العامل الجيوبوليتيكي ونقصد الموقع الجغرافي السياسي -كما يفهم من المصطلح- حيث وقوع كردستان كدولة قادمة بين مصادر الطاقة “الدول المخزنة” -وكردستان نفسها تحوي الكثير منها- وبين الدول المستهلكة في القارة الأوربية وبالتالي فإن هذه النقطة تشكل إحدى أهم أوراق القوة لدى الكرد ليلعبوا بها وللعلم فإن دول المنطقة -وبالأخص تركيا وإيران- تدركها جيداً ولذلك يحاربون ولادة دولة كردستان ليس فقط انطلاقاً من الجانب العرقي القومي -بحسب نظرياتنا الكلاسيكية للتحليل السياسي- وإنما لخوفهما ورعبهما مما سيشكل ولادة دولة كردستان من خطر وجودي عليهما حيث بذلك ستفقد تركيا موقعها الجيوبوليتيكي وبأنها ممر إجباري لإيصال النفط للقارة الأوربية، كون كردستان ستكون البديل من خلال ايصالها للبحر المتوسط عبر البوابة العفرينية والتي جعلت تركيا تعمل المستحيل لاحتلالها وهو احتلال مؤقت حيث من مصلحة كل من الروس والأمريكان إعادتها للجسد الكردي وتشكيل إقليم روجآفاي كردستان تحت الحماية الروسية مع بقاء بعض القواعد الأمريكية فيها، بينما يبقى إقليم كردستان تحت النفوذ الأمريكي بحيث يشكلا معاً تكاملاً جيوسياسياً دون أن يقدر أي قطب الإضرار بمصالح القطب الآخر.
وهكذا فإن عفرين سوف تحرر من تركيا ليس حباً بالكرد، بل لأن مصالح الدولتان السياديتان الجديدتان في تقسيم مناطق النفوذ بالمنطقة يتطلب ذلك حيث بعودة عفرين وتشكيل إقليم روجآفاي كردستان وتكاملها مع إقليم كردستان، يكسر احتكار تركيا كدولة مرور للغاز والنفط موقعها الاستراتيجي وبذلك تتحرر أوربا من نفوذها وتهديدها الدائم وكذلك فإن الروس بدورهم يتحررون من إملاءات تركيا وشروطها المجحفة ويكون لأمريكا حصتها من الثروة النفطية والغاز من خلال وجود واستثمار شركاتها في كل دول المنطقة وأيضاً تجد دول الخليج وعلى رأسها السعودية ممراً لها إلى أوربا عبر بوابة عفرين إلى البحر الأبيض المتوسط، ناهيكم عن أن جغرافية كردستان كدولة قادمة سوف تشكل منطقة عزل بين الدول العربية والإسلامية (مناطق الهجرة السكانية) وأوربا التي تعاني من قضايا التهجير والمهجرين وقبل كل هذا وذاك؛ فإن كردستان ستكون دولة جديدة تمتص الكثير من العداء الموجه لدولة إسرائيل أو على الأقل سيتم توزيع العداء على الدولتين وبذلك يخف الحمل عن دولة إسرائيل وهو جزء أساسي من الاستراتيجية المشتركة الروسية الأمريكية .. أخيراً نقول: عفرين قادمة كبوابة للدولة الكردية، كونها مصلحة دولية عامة وبالمقدمة مصلحة الدول النافذة والمنفذة الثلاث لصفقة القرن -ونقصد الروس والأمريكان ومعهم إسرائيل- وذلك بالرغم من الواقع الكارثي الحالي حيث من مصلحة كل الأطراف قيام هذا الكيان السياسي الجديد وعلى القوى الوطنية الكردية إدراك ذلك جيداً بحيث يتم رسم الخطط والاستراتيجيات وفق رؤيتنا لمصالح الحلفاء وبأن لا عداء روسي وأمريكي، بل مصالح تتقاطع مع الدولة الكردية القادمة، كما تقاطعت مصالح الفرنسيين والبريطانيين مع تشكيل كيانات سياسية عربية في القرن الماضي.[1]