=KTML_Bold=د. مصطفى اللباد: الأكراد رقم في معادلة الصراع الإقليمية=KTML_End=
دخلت التوازنات الإقليمية مرحلة جديدة بعد إجراء الاستفتاء في كردستان العراق، الذي صوت بموجبه الأكراد لمصلحة دولة مستقلة في شمال العراق. ومرد التغيير في التوازنات الإقليمية أن المفاوضات المتوقعة بين بغداد وأربيل حول الاستقلال ستفرض تأثيراتها في تركيبة السلطة في بغداد، مثلما على الجارتين الكبيرتين تركيا وإيران. فرض رئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البرزاني واقعاً جيوسياسياً جديداً بإجراء الاستفتاء مصطدماً ببغداد وطهران وأنقرة، التي حاولت جميعها منع الاستفتاء.
قد يبدو للوهلة الأولى أن البرزاني قد غامر كثيراً بخطوة إجراء الاستفتاء، وأن التهديدات التي تلقاها من بغداد وطهران وأنقرة بحصار إقليم كردستان العراق جوياً وتجارياً قد تثنيه عن مسعاه أو تجعله خاسراً سياسياً، لكن تقليب النظر في الموضوع يقول ان البرزاني ارتكز على عدة اعتبارات عند قيامه بهذه الخطوة. أولاً، يتمتع إقليم كردستان العراق بتأييد أميركي مستمر على الأقل منذ فرض منطقة حظر الطيران على النظام العراقي السابق في بداية التسعينات، التي سمحت بقيام منطقة الحكم الذاتي من أساسه. وتتناغم خطوة الاستفتاء الكردي مع التصميمات الأميركية الجديدة للمنطقة، إذ إن إقليم كردستان العراق سينضم في الأغلب إلى التحالف العربي – الإسرائيلي – التركي الذي تريد إدارة ترامب رؤيته واقعاً يتشكل لمواجهة إيران وتحالفاتها الإقليمية في المنطقة. ثانياً، تعتبر علاقات إقليم كردستان ممتازة مع روسيا اللاعب المهم في المشرق العربي بعد دخوله سوريا، حيث تحظى شركة «روسنفت» النفطيةالشهيرة، النافذة في عملية صنع القرار الروسي، برعاية خاصة في الإقليم. ثالثاً، تمنع تناقضات السلطة العراقية بغداد فعلياً من اتخاذ قرار عسكري باستعادة المناطق الواقعة خارج إقليم كردستان العراق، التي استولى عليها الإقليم في غمار الحرب على «داعش»، مثلما منعت ذات التناقضات بغداد من عرقلة الاستفتاء. رابعاً، بالرغم من التصريحات النارية لأردوغان ضد الاستفتاء، فإن تركيا تملك ورقة قوية في مواجهة الإقليم كونها منفذ النفط الكردي إلى العالم، وباعتبارها الُمنفذ الأساس لمشاريع البنية التحتية في الإقليم، حيث إنها شريكه التجاري الأكبر. كل ذلك سيمنع أنقرة من التصعيد كثيراً بالرغم من تصريحاتها النارية، لأنها تملك حرفياً إمكانية إغلاق الصنبور على الأكراد في العراق. خامساً، تبدو طهران وتحالفاتها في بغداد الأكثر تضرراً من إجراء الاستفتاء، لأن اصطفاف الأكراد القريبون كثيراً من إيران، ثقافياً وتاريخياً وعرقياً، ضد طهران وفق تصميمات الشرق الأوسط ستؤمن للأكراد دعماً إقليمياً من أطراف متنوعة يهمها تقليص النفوذ الإيراني في المنطقة.
في كل الأحوال هناك إشكالية تحليلية حقيقية عند التصدي للتعليق على الاستفتاء الكردي نظراً لاختلاط المستويات التحليلية، فمن ناحية يمتلك الأكراد حقاً معنوياً وأخلاقياً ثابتاً بتقرير المصير مثل باقي الشعوب. ومن ناحية مقابلة، تنعكس ممارسة هذا الحق فوراً بالسلب على حدود العراق وعلى التوازنات الداخلية في كل من إيران وتركيا، نظراً لوجود أكراد فيها يطمحون بدورهم للاستقلال. ومن ناحية ثالثة، تحالف الأكراد تاريخياً مع قوى دولية وإقليمية، بحيث أصبحوا ورقة بيد هذه القوى للتلاعب بالتوازنات الإقليمية الثابتة في غير مناسبة. ومن ناحية رابعة، يتشابه الأكراد مع اخوتهم العرب في التشرذم السياسي بين أحزابهم المختلفة، بحيث لا يمكن الارتكان إلى التعميم سواء في كردستان العراق: حزب البرزاني وحزب الاتحاد الوطني الذي يقوده طالباني وحركة التغيير الكردية كوران، أو في كردستان تركيا أو في كردستان إيران. ومن الممكن القول حتى إن هناك صراعات كردية – كردية مازالت كامنة ولم تأخذ طريقها إلى العلن بعد.
في كل الأحوال، لن تمر خطوة الاستفتاء في إقليم كردستان العراق دون ردات فعل أو تأثير على التوازنات الإقليمية، والأرجح أن يتقدم الملف الكردي خلال الفترة المقبلة ليضع نفسه على جدول الأعمال الإقليمي المزدحم بالأزمات والمشاكل. لننتظر ونرَ.
د. مصطفى اللباد
“القبس” الكويتية
[1]