=KTML_Bold=برمجة الاضطهاد ضد الأكراد في سورية-1- خالد عيسى=KTML_End=
دراسة تاريخية
=KTML_Bold=أولاً :المقدمات الأولية :=KTML_End=
يلاحظ أغلب الباحثين في دور الأكراد السياسي في الدولة السورية, بأن التخطيط المنهجي لاقصاء الكوادر الكردية عن مراكز القرار السياسي, ومنع تشكل أية قوة سياسي أو ثقافية أو اقتصادية كردية, ومحاولة مسخ الوجود الكردي في الدولة السورية, قد بدأ منذ أواسط الخمسينات من القرن العشرين. ولكن على الصعيد الرسمي, بدأت برمجة الاضطهاد مع صدور مرسوم الاحصاء في 23-08-1962 الذي وقع عليه كلاً من رئيس الجمهورية ناظم القدسي ورئيس الوزاء بشير العظمة, والذي بموجبه أقدمت السلطات السورية علناً, ولأول مرة, باضطهاد الأكراد بشكل مبرمج رسمي. لذا, سنعود في القسم الأول من المقال الى عهد اتحاد سورية ومصر في الجمهورية العربية المتحدة, لنمهد لدراسة بداية برمجة اضطهاد الكراد في سورية
نتيجة لمحاولة تطبيق ما سمي بقوانين الاصلاح الزراعي, ومصادرة بعض الملكيات الصناعية بحجة التأميم, ونتيجة للاجراءات القمعية التي تعرضت لها أكثر من شريحة اجتماعية في سورية ومنع الحريات العامة, وسياسة تفضيل المصريين على السوريين في الوظائف, ونقل بعض الكوادر السورية الهامة الى مصر لتجميدها, كل هذا ساهم في خلق جو عام ضد الوحدة المصرية السورية.
بالنسبة للأكراد, فتحت تأثير الأفكار العروبية التي سادت بين الأوساط النخبوية العربية, جرت حملة كبيرة لفصل وتجميد الكوادر الكردية في الادارة والجيش.ومنعت السلطات الناصرية أية تظاهرة ثقافية أو سياسية كردية.
وبعد أن فشلت المباحث في استخدام البارتي كأداة لها, أقدمت في آب 1960 , على اعتقال أغلب العناصر القيادية في هذا الحزب الكردي الناشئ ومحاكمتهم أمام محكمة أمن الدولة العسكري, وتم زجهم في سجن المزة العسكري قبل أن يتم تحويلهم الى سجن القلعة. و تبين للسلطات العربية بأن البارتي يجسد فعلاً طموحات الأكراد, ويستطيع الارتقاء السياسي بالجماهيرالكردية و تحريكها, وهو مأهل للعب دور هام في تهيئة الشروط المناسبة لتسهيل مشاركة الكوادر الكردية في تقرير المصير السياسي في سورية.
وكان لا يزال يوجد بعض الكوادر الكردية العالية في أجهزة الدولة, ومنهم رئيس الأركان اللواء توفيق نظام الدين, وأخويه زكي و عبد الباقي, و العقيد وجيه البرازي الذي استقبل المعتقلين الأكراد في سجن القلعة الذي كان يديره. وكغيره من الكوادر القيادية الكردية, تم احالة وجيه البرازي الى التقاعد وهو في الأربعينيات من عمره.
لكن لم تكن هذه الكوادر الكردية قادرة على أخذ المبادرة في القرارات الحاسمة, وذلك لعدم امكانية تشكيكيل كتلة موحدة قادرة على الدخول في المساومات والصراعات على السلطة, وبالتالي كان كل كادر كردي يتصرف بنفسه,ويدخل أحياناً التكتلات التي يعتبرها في مصلحته الشخصية ومصلحة المنصب الذي يشغله.
وكنموذج للنجاح و التفوق المسلكي للكوادر الكردية على الصعيد الفردي, يمكن أن نذكر اللواء توفيق نظام الدين وأخويه, وكنموذج لضعف الكوادر الكردية في مراكز القرار, يمكننا أن نذكر مرة أخرى اللواء توفيق نظام الدين وأخويه. فرغم وصول توفيق الى رئاسة الأركان وزكي أصبح نائباً ووزيراً وعبد الباقي نائبا ووزيراًً, وكل ذلك بجهودهم الفردية والعائلية, لكن لم يكن أحداً منهم يمارس صلاحيات منصبه بحرية تامة, وذلك لعدم وجود كتلة مستقرة يستندون اليها في تحالفاتهم وصراعاتهم المسلكية والسلطوية. وللحفاظ على مراكزهم كانوا مضطريين للدخول كأفراد ضمن احدى الشلل,ويعرضوا فيها مقابل المنصب الولاء والمناصرة.
فعندما خلف توفيق نظام الدين رئاسة الأركان العامة, توجب عليه مراعاة التكتلات العسكرية الموجودة داخل الجيش, ولاسيما لم يكن يوجد أي ارتباط منظم بين الضباط الأكراد المنتشرين في مختلف القطعات العسكرية, ولم يكن باستطاعة اللواء الكردي و هو رئيس للأركان العامة أن يحرك أية وحدة عسكرية بدون أمر قادتها الميدانيين.
ولذلك, عندما أصدر قراراً بتعيين عبد الحميد السراج ملحقاً عسكرياً في السفارة السورية في باريس, فلم يرضي ذلك الضباط الموالين لعبد الحميد السّراج, وطالبوا اللواء توفيق نظام الدين بالغاء قراره. بل تحرك طعمة العودة الله فوج الدبابات, وحاصر مبنى الأركان العامة, وهدد بدكه على رأس توفيق نظام الدين وضباط أركانه ان لم يتراجع من قراره. فأصدر رئيس الأركان قراراً آخر ثبّت عبد الحميد السّراج في رئاسة المكتب الثاني( المخابرات).
وعندما كان عبدالباقي نظام الدين وزيراً للأشغال العامة والمواصلات في حكومة صبري العسلي, لم يكن باستطاعته منح رخصة التنقيب عن النفط في كراتشوك للمغترب السوري نجيب منهل, بدون أمر من رئيس المكتب الثاني عبد الحميد السرّاج. لكنه استطاع استغلال منصبه بقصد الاستلاء على قسم من أملاك أخيه زكي نظام الدين, الذي كان نائباً في البرلملن.
وزكي نظام الدين كان عضواً ناشطاً في الحزب القومي الاجتماعي السوري, وظهر اسمه في الساحة السياسية منذ نهاية الأربعينات, وكان مقرباً من أديب الشيشكلي الذي كان ينتسب الى نفس الحزب في البداية. أودعه عبد الحميد السرّاج في سجن المزة بتهمة التآمر لصالح نوري السعيد, وأخلي سبيله بعد أن اسبوع من التعذيب, وبفضل تدخل أخيه توفبق الذي هدد باستقالته من رئاسة الأركان. بعد الافراج عنه, توسل عبثاً زكي نظام الدين لدى مقربي عبد الحميد السرّاج لحمله على التدخل لردع شقيقه الوزير عبد الباقي نظام الدين الذي كان قد استولى على بعض من أراضيه الزراعية.
وهذا نموذج مبسط لواقع وموقع النخبة البيروقراطية الكردية في سورية, في نهاية عهد تواجد الكوادر الكردية( الغير مستعربة) في المراكز العليا في الدولة السورية.
والتنافس بين مراكز القوى السورية من جهة والمصرية من جهة أخرى , أدى الى زعزعة الروابط الوحدوية بين أوساط النخبة العربية. والتنافس بين مراكز القوى بين العسكريين السوريين أدى الى اعادة توزيع الأوراق, و خلق تكتلات عسكرية مبنية بالدرجة الاولى على أساس الانتماء المحلي (شلة ابن البلد- المحافظة).
وبسبب اضعاف الأكراد وابعادهم تدريجياً من مراكز القرار, وبسبب توزع الأكراد اقليمياً في عدة محافظات, لم تولد تكتلات كردية داخل الجيش و الادارة, وأصبح ما تبقى منهم مجبرين على الانقياد السهل خلف التكتلات العربية وأداة تنفيذية طيعة بيديها.
وازداد التطوع في قطاع الجيش في المناطق الفقيرة بثرواتها, والتي لم تكن تلقى الاهتمام المناسب من قبل الدولة, مثل المناطق العلوية والدرزية, في حين بدأت الأبواب تقفل تدريجياً في وجه الأكراد الراغبين أو المضطرين الى التطوع في الجيش.
وكان من أهم التكتلات العسكرية في نهاية عهد الوحدة:
تكتل حيدر الكزبري
كان حيدر الكزبري يسيطرعلى وحدات البادية المحمولة وبعض العسكريين المبعثرين في مختلف الوحدات السورية. وكان الكزبري على صلة بالمخابرات الاردنية التي لم تكن تبطن الود للسلطات الناصرية. كان عبد الكريم النحلاوي, كاتم أسرار الجيش, على علم بذلك ويشجعه لأنه كان مسيطراً عليه, ويريد أن يستخدمه عند الضرورة
وعبدالحميد السراج كان على علم بنشاطات الكزبري وعلاقاته مع النحلاوي, لكنه كان يظن أنه كان بامكانه الاستفادة منه أو احتواءه عند الضرورة.
تكتل أكرم الديري
بعد تعينه في الوزارة, بقي على صلة مع الجيش, وخاصة مع مجموعةمن الضباط الشوام مثل محمد منصور وعدنان شيخ فضلي ومأمون قضماني, وكان الديري مرتاحاً للموقف الايجاني لعبد الكريم النحلاوي من الضباط الشوام, كما كان لايخشى من قائد الجيش جمال فيصل, لأن هذا الأخير كان بطبيعته يتجنب المشاكل.
وكان أكرم الديري ذي علاقة جيدة بحيدر الكزبري. كما كان الديري قدأطلع عبد الحميد السراج على تكتله العسكري, لأن الاثنان كانا ضد نظام الحكومة الواحدة و الوزارات المركزية( الموحدة).
تكتل المقدم عبد الله الشيخ عطية
كان أحمد جنيدي مثل عبد الله الشيخ عطية من دير الزور, وكان أحمد جنيدي صديقاً لعبد الكريم نحلاوي, وبذلك لعب دور الوسيط بين الشيخ عطية والنحلاوي. لكن النحلاوي لم يطمئن للشيخ عطية فشتت مجموعتة بعد أن نقله من سورية الى الكويت كملحق عسكري. وكان عبد الحميد سراج على علم بهذا التكتل عن طريق أكرم الديري.
تكتل عبد الكريم النحلاوي
ان منصب كاتم أسرار الجيش كان يسمح لعبد الكريم النحلاوي بالاطلاع على كل التحركات بين صفوف الضباط, ثم أنه استطاع أن يقوم باجراء التنقلات والتعيينات التي تناسبه في صفوف الجيش.
وتكتل النحلاوي كان التكتل الأقوى بين كل التكتلات الأخرى. وكان يضم أكثر التشكيلات العسكرية قوة, وكانت تشمل الوحدات المتمركزة في المنطقة المحيطة بدمشق.و كان يعتمد بالدرجة الاولى على (الضباط الشوام), ومن أبرزهم: فايز الرفاعي, مهيب هندي وهو صهر عبد الكريم النحلاوي, سعيد عاقل, فخري عمر, هشام عبد ربه, شرف الدين زعبلاوي, برهان الدين بولس, تيسير طباع, عبد الغني دهمان, موفق عضاضة.
وكان عبد الحميد السراج يقدم الحد الأدنى من المعلومات عن هذه التكتلات العسكرية الى عبد الناصر, ولا يريد أن تضعف, على أمل استخدامها هو ضد خصومه في صراعاته على السلطة.
واشدت الأزمة بين النخبة السورية من طرف والقيادة المصرية من طرف آخر,وخاصة بعد تشكيل الوزارات الموحدة في آب 1961 , لأن أغلب الشخصيات السورية كانت تشعر بالغبن وتشكومن التهميش.
يروي بشير العظمة, في كتابه جيل الهزيمة, بأنه عندما شغل منصب وزير الصحة المركزي , كان لايعرف كيف يملئ أوقاته في القاهرة, فكان كبعض زملائه يلهي نفسه بالكلمات المتقاطعة وبعض الهوايات الأخرى.
وبمباركة من الاردن والعراق وتركية والسعودية, في28 أيلول 1961 قام الضباط الشوام بقيادة عبد الكريم النحلاوي بالانقلاب على عبد الناصر ونائبه مشير عبد الحكيم عامر الذي كان مقبماً في دمشق , وكان على خلاف شديد مع الضباط السوريين بما فيهم عبد الحميد السرّاج.
ومن المفارقات في التاريخ,هو أن عبد الحميد السرّاج الذي قاد أول حملة اعتقالات جماعية لقادة الحزب الديموقراطي الكردستاني وأنصاره, كان متزوجاً من ملك بنت علي آغا زلفو المعروف باخلاصه لقومه, والأغرب هو أن عبد الحميد السرّاج,يوم اعتقاله بعد الانفصال, كان متخفياً في دار روشن خانم بدرخان, زوجة المثقف والسياسي الكردي الأمير جلادت بدرخان. وذلك لأن روشن خانم قبل أن تتزوج من جلادت كانت قد تزوجت من عمر مالك, وكان قد طلقها قبل أن تلد منه ابنتها اسيمة. وتربت اسيمة مع امها بعد زواجها من جلادت,وكانت فتاة مشبّعة بالروح القومية والأفكار اليسارية. تزوجت اسيمة من زهير زلفو ابن علي آغا زلفو, وشقيق ملك من أبيها. بعد وفاة جلادت بدرخان, كانت روشن خانم تسكن الطابق الأرضي من بيت شامي, في حيّ قريب من تمثال عدنان المالكي, وكانت ابتها اسيمة تسكن مع زوجها زهير زلفو في الطابق العلوي. ووقع اختيار عبد الحميد السرّاج على دار أم اسيمة, روشن خانم, كي يتخفى فيها. ولكن بعد المراقبة والترصد, داهم العسكر دار روشن خانم في ليلة التاسع من تشرين الأول 1961 , فاستسلم السرّاج للنقيب هشام عبد ربه, الذي كان في السابق مساعداً للسرّاج قبل أن يترك الشعبة الثانية ويلتحق بحرس الحدود ويصبح مساعداً لحيدر الكزبري في قوات البادية.
وشكّل الانقلابيون وزارة برئاسة مأمون الكزبري ضمت ممثلين عن البرجوازية الصناعية والتجارية وبعض محترفي السياسة.
أيد الشيوعيون في البداية الانقلاب الانفصالي, و بالمقابل أفرجت السلطات الجديدة عن بعض المعتقلين السياسيين. و أقر أغلب قادة البعث, بدورهم هذا الانقلاب, في حين بقي بعض العروبيين موالياً لعبد الناصر و للوحدة, و شكلوا بذلك فيما بعد قاعدة خصبة لتأسيس تنظيمات ناصرية و قوموية عربية.
يتبع
[1]