=KTML_Bold=برمجة الاضطهاد ضد الأكراد في سورية-3- خالد عيسى=KTML_End=
دراسة تاريخية
خالد عيسى
رابعاً:الديموقراطية العسكرية العروبية في الديار الكردية
بغية كسب الحد الأدنى من السند الشعبي, ولاعطاء الصبغة الشرعية لحكمهم, وعد العسكر بتنظيم انتخابات تشريعية حرة لانتخاب برلمان يمارس السلطة التشريعية في البلاد. وفي 15-11-1961, نشروا مشروع دستور, و حددوا اليوم الأول من كانون الأول عام 1961 موعداَ لهذه الانتخابات التشريعية وللتصديق على مشروع الدستور. فرحبت بذلك أغلب الفئات الشعبية في عموم سورية, آملة أن ترى عهداَ جديداَ في الحكم والادارة.
على الصعيد الكردي, كان أغلب أعضاء قيادة البارتي قد خرجت من السجن بعد أن انتهت من تنفيذ الأحكام التي كانت قد صدرت بحقها من قبل محكمة أمن الدولة, و ذلك قبيل الانقلاب العسكري الذي فصل سورية عن مصر. و كان هذا التوقيت بين اخلاء سبيل المعتقلين و الانقلاب قد حدث بمحض الصدفة, لكن كان البعض يعتقد بأن الإفراج عن معتقلي الأكراد قد تم بفضل الانقلابيين.
رحبت قيادة البارتي بمبادرة إجراء الانتخابات التشريعية في سورية, مقتنعة بأنها قادرة على ايصال ممثلين عن الشعب الكردي الى الهيئة التشريعية التي من المفترض أن تسن القوانين, فضلاً عن أنها تقرر مصير البلاد.
بعد مداولات طويلة ضمن قيادة البارتي, و بعد مفاوضات صعبة, رشحت اللجنة المركزية للبارتي قائمة مؤلفة من قياديين حزبيين, هما الشيخ محمد عيسى ملا محمود و الدكتور نور الدين ظاظا, و شخصية عشائرية معروفة و هي فؤاد قدري جميل باشا.
حسب ما يذكرالاستاذ محمد ملا أحمد في كتابه (صفحات من تاريخ الحركة التحرر الوطني الكردية في سوريا, صفحة 104-108), كانت اللجنة المركزية للبارتي مؤلفة من الشيخ محمد عيسى و حميد حاج درويش و حمزة نويران, و سعد الله ايبو و عبد الفريد عبد الله, كانت قد اختارت مرشحين اثنين للانتخابات هما الشيخ محمد عيسى ملا محمود و حميد حاج درويش, و لكن تبين صغر سن حميد عن السن القانوني للمرشحين , فلم يقدم ترشيحه, فاختارت اللجنة المركزية حينها بدلا عنه الدكتور نور الدين ظاظا كمرشح ثان للبارتي. و تعرضت قيادة البارتي لضغوطات كثيرة من قبل بعض قادة العشائر الكردية لاستبدال مرشحها الشيج محمد عيسى ببعض الزعمات الكردية. استطاعت قيادة البارتي بالاحتفاظ بقائمتها الخاصة دون الأخذ بعين الاعتبار تلك الضغوطات.
رغم الامكانيات المالية الضعيفة للبارتي, استطاع مرشحو هذا الحزب أن يعبئوا الجماهير الكردية لعدة أسباب أهمها انتعاش الفكر القومي الكردي منذ نهاية الأربعينات و سياسة الاضطهاد التي طبقها الحكام العرب في المناطق الكردية, و الشعبية الكبيرة التي تمتعت بها قيادة البارتي بعد تعرضها للاعتقال و الملاحقات.
لجأت السلطات الأمنية المحلية بتشكيل قائمة بعناصر موالية للحكومة لمنافسة مرشحي البارتي. و كانت قائمة مرشحي الحكومة تتمتع بكل الدعم اللازم للتأثير على نتائج الانتخابات بما يخدم مصلحة السلطة المركزية. و مع ذلك, كان مرشحو البارتي يتهيئون لدخول المعركة الانتخابية معتمدين على امكانيات الأكراد الذين كانوا يثقون بهم و بقدرتهم على تمثيل مصالح الشعب الكردي.
جرت في كل مراكز المدن الكردية ندوات توجيهية انتخابية, أظهر الأكراد التفافهم حول مرشحيهم اللذين كانوا يباركون الحكم الجديد الذي أنقذ البلاد و العباد من حكم فرعون مصر و أجهزة مخابراته و ممثليه في مختلف البقاع السورية, والذي يقدم على انتخابات تشريعية.
,يقول الاستاذ محمد ملا أحمد “بأن الدكتور نور الدين كان قد التقى بوزير الداخلية ورئيس الأركان, اللذين طمأناه على ديموقراطية الانتخابات وحرية التصويت”, ولم يذكر الدكتور نور الدين ظاظا هذه التفصيلات في مذكراته, لكن على ما يبدوا كان يتوقع أن تكون الانتخابات حرة.
وقبيل الانتخابات لاحظت السلطات المحلية بتعاظم شعبية مرشحي البارتي, فتم فرض الاقامة الجبرية على حميد حاج درويش في قريته(القرمانية), وذلك للحد من تحركاته الدعائية.
و في مذكراته يقول الدكتور نور الدين ظاظا بأنه تم اعتقاله من قبل مدير منطقة القامشلي لحضوره حشداً جماهيريا في كل من بلدتي عامودا و الدرباسية وذلك في يوم 29-11-1961 بحجة أنه تجاوز المدة المسموح بها للدعاية الانتخابية.
و للتاريخ, يقول الدكتور نور الدين ظاظا, بأن مديرمنطقة القامشلي حاول اخلاء سبيله, لكن القيادة العسكرية في دمشق منعته من ذلك.
في اليوم التالي, (أي الانتخابات بيوم واحد), الواقع في 30-11-1961, تم اعتقال الشيخ محمد عيسى أيضا. كان القصد من اعتقال مرشحي البارتي هو منع ايصال أية شخصية قومية كردية مسيّسة الى البرلمان.
جرت الانتخابات في اجواء متوترة و حماسية لم تشهد لها المنطقة مثيلاً من قبل. إذ تحمس الفلاحون الأكراد للتصويت لمرشحيهم المعتقلين. و في كل المدن الكردية لجأت السلطات الأمنية الى منع ممثلي البارتي من حضور مراكز الاقتراع.
رغم القمع الذي تعرض لها الكرد, حسب رأي أغلب المعايشين للحدث, لو تم احصاء الاصوات بشكل دقيق لكان الفوز في جانب مرشحي البارتي المعتقلين. لكن شاءت إرادة العسكر الشامي أن لا يصل الصوت الكردي الى البرلمان السوري. وأثناء المحاكمة أمام قاضي التحقيق في القامشلي, تبين بأن الاداء كان يستند أساساً على محضر منظم من قبل مدير ناحية عامودا الذي كان قد اختلق على لسان الدكتور نور الدين ظاظا أقوالاً تفيد تحريضه الأكراد على العرب. كان مرشحو الكرد في المحكمة على قدر كبير من الكفاءة و الشجاعة في الدفاع عن قضية شعبهم, فأخلي سبيلهم لكن بعد أن حرموا من حقهم في قيادة الانتخابات والاشراف عليها. وبالنتيجة اقتضت الديموقراطية العروبية فشل الأكراد في الانتخابات الجارية في ديارهم, لسبب بسيط هو أن السائد هو قانون القوة وليس قوة القانون.
انتهت الانتخابت, و فاز فيها بأغلبية المقاعد حزب الشعب (القوي في حلب ودير الزور, والموالي للعراق فيما مضى). وتم التصديق على مشروع الدستور الذي كان قد طرح للاستفتاء, وخرج الكرد من اللعبة خائبين.
كانت تجربة الانتخابات البرلمانية هذه درساً تاريخياً استفادت منه النخبة العروبية السورية أكثر من أي طرف أخر, إذ أدركت هذه النخبة بأن الشعب الكردي في سورية ملتحم بحركتة السياسية المنظمة, وأن هذه الحركة قادرة كأ
على تعبئة الجماهير الكردية و الدخول بنجاح في المعارك الانتخابية فيما اذا سمحت لها الظروف, و أصبحت النخبة العروبية تفكر جدياً في سبل افشال أية محاولة كردية للوصوف الى المراكز القيادية أو المحافل الرسمية في الدولة السورية, و منع النخبة الكردية في المشاركة في تقرير مصير البلاد. ولا سيما وأن ثورة أيلول الكردية في العراق كانت قد انطلقت, وكانت تدخل الرعشة في قلوب العنصريين من العروبيين.
ومنذ بداية تشرين الثاني 1961 كان القادة العسكريون قد طلبوا من رئيس الوزراء تقديم استقالته, وهذا ما فعله مأمون الكزبري قبيل الانتخابات التشريعية.
اتفق الضباط فيما بينهم على توزيع المناصب الرئيسة, فبناءً على ترشيحهم, اسندت الى ناظم القدسي رئاسة الجمهورية, والى مأمون الكزبري رئاسة المجلس التشريعي ( التأسيسي). واسندت رئاسة الوزراء الى معروف الدواليبي الذي كان قدشغل منصب وزير الدفاع في الخمسينات . ويقال بأن العسكر لم يكونوا راضين بتعيين الدواليبي في هذا المنصب. وساءت العلاقات بين واجهة الحكم, النخبة المدنية من جهة و القيادة العسكرية من جهة ثانية.
فاستقال الدواليبي في 25-03-1962 . وبعد ثلاثة أيام اعتقل الضباط رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وعدداً من النواب, وتحرك قائد المنطقة الشمالية, جاسم علوان وهو سني من دير الزور, وبدعم من القيادة المصرية, وأعلن أن سورية هي الاقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة, وجرت بعض الاشتباكات داخل الجيش السوري.
بيد أنه إنهارت سريعاً جماعة النحلاوي المُكونة من ضباط دمشقيين. و يرجع ذلك جزئياً الى أن النحلاوي لم يتلق الدعم العسكري من غير الدمشقيين. و قد حاول دون جدوى في 28-03-1962 أن يقوى سلطته المتزعزعة على جهاز الجيش و الحكومة عن طريق انقلاب عسكري فاشل. و بعد هذه المحاولة الفاشلة لاعادة السيطرة, تم طرده من سوريا مع خمسة من أبرز حلفائه العسكريين الشوام. و قد أظهرت أحداث 28-03-1962 كيف أن الضباط السوريين قد تمحوروا بشكل أساسي على الأرضية الاقليمية, أي كان يجري الفرز أساساً حسب الانتماء او عدمه الى العاصمة, بين الدمشقيين و غير الدمشقيين, وباللهجة الدارجة بين الشوام وغير الشوام.
يتبع
[1]