=KTML_Bold=برمجة الاضطهاد ضد الأكراد في سورية-4- خالد عيسى=KTML_End=
دراسة تاريخية
خالد عيسى
خامساً: الائتلاف العروبي واقصاء الكرد:
في جلسة22 أب 1962 للحكومة السورية الائتلافية, حضر وزيران بعثيان, ووزيران من الاخوان المسلمين, ووزيران من الحزب الوطني, ووزيران من حزب الشعب, وأربعة وزراء من المتسيبين, وبحضور ناظم القدسي رئيس الجمهورية, وبشير العظمة رئيس الوزراء. وهذان الأخيران وقعا باسم الحكومة المرسوم رقم 93 الصادر في 23-08-1962 بغية تنظيم الاجراءات التي تهدف الى تجريد قسم من أكراد الجزيرة من مواطنتهم, وحرمانهم بالمشاركة في مصير البلاد, وذلك عن طريق تنظيم احصاء استثنائي لسكان محافظة الحسكة, تمّ بموجبه تجريد أكثر من 120 ألف كردي من مواطنتهم السورية, وتم وقف العمل بالسجلات القديمة واستحداث سجلات أخرى.
وفي الحقيقة كانت الحكومة السورية الائتلافية قد تشكلت بناءً على الاتفاق الذي تم في مؤتمر حمص بين النخب العربية السورية وممثلي مختلف القطعات العسكرية المتنفذة.
وكان هذا المؤتمر قد انعقد عندما وصلت التدابير العسكرية للنحلاوي ( الذي سمي بالانقلاب) والذي بدء في 28 مارس (آذار) 1962 الى مأزق, وأصبح الوضع يهدد بالتدهور والمواجهة العنيفة بين مختلف وحدات الجيش. فبعد مناورات ومباحثات بين الكوادر القيادية في الجيش والسياسيين المحترفين, تقرر عقد مؤتمر عسكري بحمص في الأول من أبريل (نيسان) من أجل التفاهم على حلول توفيقية. و حضر المؤتمر ضباط متنفذين من جميع المناطق العسكرية و الوحدات الرئيسية (41 ضابطاً), مما جعله يعكس الهوية و المصالح المشتركة لسلك الضباط السوريين كما كانت في ذلك الحين. في حين كان رئيس الجمهورية وعدداً من النواب والوزراء قيد الاعتقال.
و مما هو جدير بالذكر أن من بين ال 41 ضابطاً كان يوجد36 ضابطاً سنياًً, ومن حيث الانتماء الإقليمي (المناطقي) نجد أن الضباط الشوام (13 ضابطاً و كلهم من المسلمين السنة) كانوا يشكلون أكبر تكتل, كما كان هناك أيضا أربعة ضباط مسيحيين (ثلاثة منهم من اللاذقية والآخر من حماة) و ضابط علوي واحد من الاسكندرون.
يؤكد اللواء عبد الكريم زهر الدين في مذكراته(ص 215, 216), بأن الانتماءات الطائفية والمناطقيةأوالاقليمية (أو المحلية ان شئت) كانت بارزة وواضحة في المؤتمر العسكري بحمص. وكانت التكتلات تتكون أو تتفكك بالاعتماد على هذه الانتماءات قبل كل شئ آخر.
فمثلاً طالب العميد الشامي مطيع السمَّان الأمين العام لوزارة الدفاع و ممثل القيادة العسكرية بدمشق بطرد ستة ضباط من غيرالشوام من سوريا, بغض النظر عن تورطهم أو عدم تورطهم في أحداث (انقلاب) 28-03-1962, و ذلك تعويضا عن طرد عبد الكريم النحلاوي و حلفائه الخمسة من الضباط الشوام.
وفي مؤتمر التفاهم في حمص, وللخروج من حالة التوتر و الفوضى اتفق العسكريون والمدنيون بأن يتم الافراج عن رئيس الجمهورية و الوزراء والنواب المعتقلين, وتأليف وزارة مهادنة للناصرية.
لكن ضعف مركزالشوام عن ماقبل, وذلك لفقدانهم الرجحان في القيادة العسكرية المشكلة بعد الثاني من نيسان 1962. إذ كان هناك عضو شامي واحد من بين الثمانية أعضاء.
كان من ضمن مقررات حمص هو تكليف بشير العظمة برئاسة الوزارة. وعندما عرض الرئيس ناظم القدسي هذا المنصب على بشير العظمة في 14-04-1962 كان من بين الحاضرين رشاد كيخيا(النائب الكردي المستعرب بفتح الراء), وأمين عام القصر الجمهوري رياض الميداني.
وفي 16-04-1962, تم تشكيل حكومة مشكلة من 13 وزيراً برئاسة بشير العظمة, وساهم في الوزارة ممثلين اثنين لكل كتلة سياسية معروفة ( الحزب الوطني, الشعب, البعث, الاخوان المسلمون). واعطيت للوزارة, ورئيس الجمهورية,الصلاحيات التشريعية والتنفيذية.
وتعرض قادة الحزب الديمقراطي الكردي من جديد للاعتقالات, و خلال نفس الفترة كانت قد اندلعت ثورة البرزاني في كردستان العراق, الأمر الذي زاد أكثر في قلق سلطات دمشق, فجهزت اثر ذلك الحكومة مخططاً يقضي بتعريب الجزيرة العليا, و سُمي هذا المخطط رسميا باسم الحزام العربي, من أجل فصل أكراد جنوب الحدود عن أكراد شمال الحدود, (أي الحدود التركية السوربة).
كانت بداية تنفيذ هذا المشروع,بشكله الرسمي, هو نشر المرسوم التشريعي رقم 93, الصادر في 23 آب 1962, وتم بموجبه احصاء استثنائي في محافظة الحسكة في 5 شهر تشرين الأول, و بنتيجته تم تجريد أكثر من 120 ألف كردي من الهوية السورية, و أصبح هؤلاء الأكراد منذئذ و حتى الأن بدون انتماء رسمي و قانوني الى أية دولة أو جنسية. و كان الهدف من هذا المخطط المعادي للأكراد “حسب ما قالته الصحافة العربية, إرادة انقاذ العروبة في الجزيرة, و يمكن القول بشكل آخر للقضاء على السكان الأكراد في هذه المنطقة الأكثر خصوبة في البلاد”, و التي تعتبر المصدر الوحيد للبلاد في انتاج البترول.
بشير العظمة, المكلف برئاسة الحكومة الائتلافية, ولد في عائلة شامية ريفية (1910), ابن صوفي من الطريقة النقشبندية. تعلم الطب في دمشق, واتبع دورات تدريبية في فرنسة. لاينكر بأنه عانى القمع في المجتمع والمدرسة, وكان لم يتمتع بأية بهجة قبل ممارسة مهنة الطب. وحتى في الشارع كان هاجسه التهرب من اللواطين اللذين كانوا يلاحقون الأطفال على أبواب المدارس. لم يتردد في نبش القبور لبيع الجثث أثناء دراسته, لم بكن موفقاً في علاقاته مع الجنس الآخر رغم محاولة التظاهر بعكس ذلك.
كان بشير العظمة مؤمناً بانتصار النازية في الحرب العالمية الثانية, لذلك دأب على دراسة اللغة الألمانية. وانتقل الى تعلم اللغة الانكليزية عندما خابت آماله بعد انتصار الانكليز واحتلالهم لسورية. وبشير العظمة يكذب اللذين يرون بأن العصبية الدينية والطائفية ظاهرة دخيلة مدسوسة علينا.
ان من مفارقات التاريخ الكردي والسوري, هو أن بشير العظمة الذي وقّع باسم الحكومة الائتلافية الصك الرسمي لاقصاء شريحة كردية ووطنية واسعة من اطار المواطنة السورية, هو ذاته بشير العظمة الذي, بعد أن طلّق زوجته الفنانة الهنغارية, تزوج في الرابع من تموز 1940 من فتاة كردية هي ريمة بنت أحمد كرد علي المعروف في الأوساط الكردية والسورية.
قدم بشير العظمة استقالة وزارته الى رئيس الجمهورية في 13-09-1962 . وفي اليوم نفسه تشكلت وزارة برئاسة خالد العظم وتم تعيين بشير العظمة نائباً لرئيس الوزراء, وتم تعيين رشاد برمدا وزيراً للتربية.
و ضعت فكرة الحزام العربي, و نُفذ الاحصاء الاستثنائي في عهد الحكومة الائتلافية العروبية. فمن من السياسيين الذين ساهموا أوساهمت تياراتهم السياسية الحكم في سورية لم يشارك في شقّ الصف الوطني, و في العمل أو الدعوة لاقصاء الكرد عن الحياة العامة وعن المساهمة في تقرير مصير البلاد.
يتبع
[1]