الامتداد الحضاري للكورد-عبدالجبار قاسم
-العدد العاشرمن مجلة Pênûsa Azad
بات لزاماً على الكورد وكذلك الشعوب الكوردستانية الذين يتعايشون معهم في نفس البقعة الجغرافية ، حيث بات لزاماً لهذه الأمة أن تستعيد مجدها ورونقها وتجدّد نفسها وتتجدد, وتعيد بناء أمجادها وحضارتها في معظم مجالات الحياة المتباينة وذلك بتوحيد صفوفها أولاً في كل جزء والتنسيق والتعاون بينهم في جميع الأجزاء المبعثرة لتنطلق الأمة من ذاتها ووعيها وثقافتها بعيداً عن المؤثرات والإغراءات الخارجية السلبية التي تتدخل في الشؤون الداخلية، وتدخلاتها غير المرضية وإيجاد مستلزمات القوة اللازمة لمواجهة التحديات والأخطار القائمة والمحتملة بما فيها الغزو الفكري
. لا شكّ أنَّ العبر والدروس الواضحة في تاريخ الحضارات وتاريخ المجتمع البشري تؤكد و تبين أن كل شيء يتغيّر، بل يجب أن يتغير، وبشكل هادف ومقصود، وأنَّ القائمين على التغيير وتحديد نوعية هذا التغيير مرتبطة في النهاية بالإنسان ذاته بتفكيره و وعيه وثقافته وانتماءاته لأمته بإخلاص وتفان، إذ لا يوجد شيء حتمي أو مفروض من خارج الوضعية الاجتماعية القائمة بأبعادها المحلية، فالحضارات والشعوب تستطيع أن تصلح من شأنها وتطور ذاتها وتستعيد أشلاءها المبعثرة
. لاشكَّ أن الآمال لا تعقد على التمنيات، والإصلاحات لا تأتي إلا بالنوايا الحسنة والإصرار والعزيمة وبدافع من الإحساس بالأخطار المحدقة وبشعور من الواجب الوطني والقومي والإيمان المطلق بالرؤى القومية والوطنية وتفضيل المصلحة العامة على المصالح الشخصية ولذا على أمتنا مهمة مركبة ومُعقَّدة فلا بدَّ من تطوير الوضعية الداخلية لكلّ جزء من الوطن الأم وتطويق التحديات والأخطار الخارجية التي تشكل عوامل تفتييت وتباعد من جهة أخرى. فالأمة بالإضافة إلى ما تملكه من قدرات وإمكانات بشرية وجغرافيا اقتصادية ومثقفين واعيين فهي تملك بالتأكيد فاعلية حضارية تلك الفاعلية التي ترتكز على الامتداد الحضاري للأمة وعلى الإطار المستمر الذي عاش فيه الإنسان الكوردي وسطه وتعامل معه وحقق التفاعل فيه، وهذا الإطار الحضاري وسع قدرته على التكيف الحضاري مع كل وافد جديد واستيعابه واستخدامه، وأكد قابليته الحضارية المستمرة وقدرته على إيجاد الفاعلية الحضارية .
لو عدنا قليلاً إلى الماضي ولاحظنا واقعنا الحاضر لتأكدنا أننا لا زلنا نعيش الآن في قسم كبير من حياتنا مستهلكين لحضارة غيرنا وليس لحضارتنا, ويستفيد غيرنا من قدراتنا وإمكاناتنا دون أن نستخدم طاقاتنا في إنتاج أشياء تسجل باسمنا, فلو أمعنا النظر في هذه القضية الخدمية لرأينا وتأكدنا أنها سلبية كوننا نخدم الغير بالوكالة ممّا تعكس علينا تقهقراً ومضيعة للوقت دون ثناء لأن جهودنا تنصب في خانة مصالح تجار الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية لا سيما وأنهم لم يكونوا مرجُوِّين من ذي قبل, وكونهم يستندون على قاعدة التجزئة والتباين التي أفرزت الخلافات البينية, ومظاهر التوتر والصراعات المدعمة خارجيا مما أدى إلى بروز استراتيجيات مختلفة ومتباينة في الأهداف, والصيغ والسبل والوسائل بديلة الاستراتيجية القومية وغياب مظاهر التعاون والتنسيق وتطويق إمكانية قيام مظاهر التعاون والتنسيق على أرضية التكامل القومي.
أصبح لزاما علينا لزومنا لظلنا الذي يتبعنا طوال حياتنا أن نفكر في لم شمل القوى المبعثرة وزمزمتها وتحويل الكم المُجزَّأ إلى كم واحد وموحد في كل جزء, والبحث عن البدائل من المعطيات الحضارية التي نعيش داخلها وضمنها ونتعامل معها لتسهم في تفتح وعينا وزيادة المعرفة ، اختيار معظم السبل الواعية والتثقيفية وأدواتها ولا سيما المعطيات المعرفية التي هي أدوات واعية ولو أنها قد تكون صعبة على البعض تتطلب معرفة نظرية كبيرة وخبرة علمية والاستفادة من تجارب الشعوب وهذه بحد ذاتها نقلة نوعية وخطوة إلى الأمام ، لأنها تعد من منتجات المستقبل وتجعل الإنسان يعيش جزءاً من حياته وواقعه مع المستقبل، تلك المعطيات ( الشعور - الإحساس - الوعي والثقافة والمعرفة والواجبات والتفكير في المستقبل وعدم هدر الطاقات من أجل الغير…) ليست مجهولة التعامل معها والنظر إليها بالانبهار أو خوف يساورهم بل التعامل معها من أجل استخدامها بالشكل الأمثل والتكيف معها وتكييفها أيضاً، وبالتالي تتحوّل هذه الأدوات الواعية والمعطيات إلى وسائل وسبل للتطوير والتطور المستمرين للإنسان في وعيه وقدراته وتوسيع دائرة التكيف والمواءمة وتجعل الفرد يعيش جوهر الإنجازات الحضارية المعرفية وليس غريباً عنها أو فاقداً لها، يعيش ثورتها المتجددة وتجددها الدائم وبالتالي تجددهم ويتجددون معها بشكل مستمر مع السهم الزمني الصاعد والممتد نحو اللامتناهي.
من المؤكد أنَّ وضعية التكيف الحضاري هي مقدمة وحافز لخطوات لاحقة يتطلب تنميتها وتطويرها وهي إيجاد الحافز للانتقال من التعامل مع تلك المعطيات إلى محاولة صنعها حسب المقدرة - جزئياً أو كلياً - ولا ريب أنَّ عملية الانتقال هذه تحتاج إلى معطيات أخرى مساعدة تشد أزرها وهي معطيات تعليمية وتنظيمية على الصعد الاجتماعية والإدارية والاقتصادية…وبالتالي عملية التكيف تنتقل من الصعيد الفردي أو الشخصي إلى الصعيد المجتمعي لتتحول إلى ثقافة عامة تصبح جزءاً من وجود المجتمع وسيرته.
و ختاماً ومن المؤكد أنَّ التفكير في ركب الحضارة أصبح سمة الشعوب المعاصرة ووسيلة لفهم الحقائق, والمستقبل لم يعد أمراً محتوماً يتطلب تركه للمجهول .[1]