$الخطاب العربي والقضية الكوردية (5)$
#بير رستم#
إن هذه النماذج من الخطاب العربي، والذين نتناولهم في مجموعة مقالاتنا هذه، لها حامل أيديولوجي وفكري متشابه أو تنتمي إلى فكر شمولي – عقائدي؛ إن كان هذا الفكر الشمولي دينياً – إسلامياً أم أيديولوجياً – ماركسياً أم قومياً – عربياً، ولها جذورها التاريخية وأرضيتها الشعبية الواسعة، أي أنه هناك شرائح واسعة ومن كافة القطاعات الشعبية، تتلقف هذه الأطروحات على أنها حقائق وبديهيات، بل على اعتبار أنها جزء من كينونتها ووجودها الأثني الحضاري، وبالتالي فأي مس بهذه المكونات الحضارية لها تعني الاقتراب من مناطق الخطر ويعتبر تهديداً لوجودها وهي مستعدة للتضحية والدفاع عنها، واعتبار ذاك الآخر والذي ينادي بتميزه وخصوصيته “عدواً” ودخيلاً على المنطقة أو في أحسن الأحوال عميلاً وطابوراً خامساً وجزءاً من المشروع الاستعماري – الإسرائيلي في المنطقة العربية، وذلك بعد أن آوتهم هذه الجغرافية وسمحت لهم الأخلاق العربية السمحة والحميدة بالاستيطان في “جغرافيتها” العربية، بعد أن كانوا ملاحقين ومطرودين من قبل دولهم وخاصة من قبل الخلافة العثمانية والدولة التركية الحديثة، مع أن هذه الأخيرة لا تعترف بخصوصية الكورد، بل تعتبرهم “أتراك الجبال”.
وفي هذا المقال سوف نتناول كاتبان ينتميان إلى ذاك النموذج “القويسلامي” وسنحاول أن نوضح بعض نقاط الالتباس لديهم، ونبدأ بداية مع “د. ثائر الدوري” في مقاله: (هل كان أكرم الحوراني ورفاقه على خطأ عام 1941؟). نشرة “سورية الغد”، العدد 29-11-2005 وأيضاً نشرة “كلنا شركاء” ليوم 03-12-2005. حيث يتناول فيه؛ فكر وحياة أكرم الحوراني، ومن خلالهما الفكر العروبي – البعثي إجمالاً. ومن جملة ما يتطرق إليه وعلى لسان “أكرم الحوراني” نفسه؛ موضوع وحدة ومصير القضية العربية والموقف من الاستعمار وحق وواجب الدفاع عن أي “قطر عربي” في حال تعرضه للغزو والاحتلال، ولا يخفى على القارئ أن للموضوع علاقة مباشرة بالموضوع العراقي ووجود قوات التحالف الدولي، وهو أي “د. ثائر الدوري” ينطلق أساساً من هذا الواقع الراهن ليربطها مع تاريخ الدولة العراقية الحديثة واحتلالها من قبل القوات البريطانية في بدايات القرن الماضي، فيكتب وذلك نقلاً عن “أكرم الحوراني”: ((خرجنا من بغداد متوجهين إلى الموصل، ومعنا كتاب من الجيش لتزويد سياراتنا بالوقود أثناء الطريق، ولما وصلنا إلى بلدة كركوك الجميلة راجعنا المحافظ بشأن الوقود فقابلنا بالشتائم المقذعة- فقلت له: هل تعرف من تخاطب أنت؟ نحن لسنا “ثرثرية” كما تقول بل نحن مجاهدون أتينا لنشارككم في تحرير عراقنا العربي. إنني أغلقت مكتب المحاماه كما ترك رفيقي هذا وظيفته لهذا الهدف… وأشرت إلى الأستاذ نخلة كلاس الواقف بجانبي. فقال المحافظ: ومن قال لكم إن العراق عربي؟.. إن العراق وطن القوميات. وعليكم أن تحرروا بلدكم من الافرنسيين أولا)). وهنا ينتهي كلام “أكرم الحوراني” ليقوم الدكتور ثائر بالتعليق عليه، فيقول: “هذا الحوار جرى قبل أربع و ستين عاماً بالتمام والكمال . و أحفاد ذلك المحافظ مازالوا على نفس الموقف فهم يرددون اليوم كما بالأمس: – العراق ليس عربي بل هو وطن القوميات”. أنهما يرددان نفس المقولة وذلك من دون أن يسميا ذاك المحافظ أو إلى أي جهة وعرق وطائفة ينتمي.
ولكن لا يخفى لكل متتبع للتطورات الحاصلة في العراق، ولكل مهتم بتاريخ العراق الحديث، بأن المعنيون بذاك الطرح هم الكورد من دون غيرهم؛ فكركوك كمدينة كوردستانية وأيضاً الرؤية الكوردية للواقع العراقي عامة؛ على أنه بلد متعدد القوميات وأيضاً إصرارهم، وذلك عند كتابة الدستور، على أن العراق ليس جزء من الأمة والوطن العربي، كلها مؤشرات واضحة بأن المعنيين بهذا القول هم الكورد وليس سواهم. وبالتالي فهم “مدانون” من وجهة نظر كل من السيدين أكرم الحوراني والدكتور ثائر الدوري وكأن عروبة العراق من البديهيات والحقائق الغير قابلة للجدل والنقاش، وأيضاً كأن ليس هناك بمكونات عرقية ومذهبية دينية متعددة تشكل النسيج الاجتماعي لدولة العراق الحديث وأيضاً و.. أيضاً اعتبار جغرافية العراق وبإقليمها الكوردي جزء من الخارطة العربية.
نحن لن ندخل مع السيدين في جدال تاريخي حول الوجود العربي في دولة العراق ولن نقول إنها تعود إلى فترة الغزو الإسلامي – العربي لهذه الجغرافية، فهذه نتركها للتاريخ والدارسين فيها، ولكن أليس واقعاً راهناً وعلى الأرض، هذا الوجود الكوردي، و أليس جغرافية إقليم كوردستان من الحقائق التي لا يمكن لغربال القومجيين العرب أن تخفيها عن سماء الحقيقة والكينونة. أم نحن من “قبيلة بكر” العربية و”استكردنا” على يد السلاطين العثمانيين كشعوبيين لننخر في الجسد العربي. يا “سيدي” نعم العراق ليس ببلد عربي إلا في إقليمه العربي والشعب العراقي لا ينتمي إلى الأمة العربية إلا بأثنيته وعنصره العربي، أما بقية المكونات العراقية الأثنية من كورد وكلد – آشوريين وتركمان وغيرهم فهم ليسوا بجزء من الأمة والشعب العربي، وإقليم كوردستان ليس جزءاً من الوطن والخارطة العربية، وبالتالي فإن “العراق وطن القوميات”، وهم أحرار في شكل العلاقة التي يحددونها للتعايش مع بعضهم وأيضاً في انتماءاتهم، فلا تخولوا أنفسكم من وراء الحدود كي تحددوا شكل العراق القادم وانتماءاتها الأثنية والجغرافية، كما لا نخول أنفسنا بأن نحدد شكل وانتماء الفيدرالية الكوردية هناك.
وأيضاً وعلى نفس المنوال نجد أن الدكتورة مية الرحبي وفي نشرة “كلنا شركاء” ليوم 21-12-2005 وفي مقال لها تحت عنوان “التحديات التي تواجه المرأة العربية ( 1 / 3 )” تنفي وجود جغرافيات مستلبة ومغتصبة ضمن ما تعرف بالخارطة العربية، بل تعتبرنا أقليات عرقية في الوطن العربي فتكتب: “الدول العربية هي الدول التي تشمل شرق البحر الأبيض المتوسط ومنطقة الخليج العربي وحوض نهر النيل وشمال أفريقيا، وتشترك هذه الدول في عدة خصائص وميزات تجعل من المنطقي، في الدراسات الأكاديمية اجمالها تحت بند عريض باسم الدول العربية أو المنطقة العربية، ويمكن تلخيص هذه الخصائص المشتركة بالنقاط التالية:
– أغلبية سكانها هم من العرب مع وجود بعض الأقليات العرقية الأخرى كالأكراد والأمازيغ وغيرهم.
– يتكلم أغلب سكان هذه الدول اللغة العربية، وهي اللغة الرسمية في جميع هذه الدول، مع وجود لغات أخرى غير رسمية كالكردية والأمازيغية وغيرها.
– يدين معظم سكان هذه الدول بالإسلام، مع وجود ديانات أخرى كالمسيحية وغيرها”. وهكذا هي الأخرى – وكما قلنا – تعتبرنا أقليات وافدة كما هي حال الجاليات العربية في بعض البلدان الأوربية، وتنسى تاريخ هذه الشعوب في المنطقة، بل وتعرضهم للغزو والموجات العربية والتي توافدت على المنطقة مع “الفتح” الإسلامي لها وبالتالي تعريب الكثير من الأقوام والشعوب وحتى جغرافيتها وتاريخها ومن ثم استلاب حضارتها. وأخيراً فإننا نقول لهذه الأصوات: إن كنتم تريدون حقيقة أن نعيش في بلداننا كشركاء حقيقيين، فعليكم أولاً وأخيراً الصدق مع النفس والتاريخ وكفاكم تجنياً على تاريخ وجغرافية وحضارة هذه المنطقة.
جندريسه-2006
[1]