$الأتاتوركية الجديدة .. (إمَّا أنْ تحبوا وإمَّا أنْ ترحلوا)!!$
#بير رستم#
الحوار المتمدن-العدد: 5013 – 2015-12 -14
المحور: القضية الكردية
أطلق مؤخراً(*) السيد رجب طيب أردوغان؛ رئيس الحكومة التركية قنبلته الإعلامية وذلك عندما قال: (إمَّا أنْ تحبوا وإمَّا أنْ ترحلوا) والموجهة – باعتقادنا – ليس إلى حزب المجتمع الديمقراطي فقط، وإنما إلى جموع الشعب الكوردي في شمال كوردستان (تركيا)، أو على الأقل إلى كل الفئات والكتل السياسية الكوردية ومنظمات المجتمع المدني والتي لا توافق على سياسة الحكومة التركية الحالية، مهتدياً بذلك (أي السيد أردوغان) وسيراً على خطى سلفه؛ مصطفى كمال (أتاتورك) ومقولته الشهيرة (ما أسعد كل من يقول أنا تركي). وهكذا فإن المقولة الأخيرة لرئيس الحكومة تكشف لنا عن عمق العقلية والذهنية التركية وبأنها مازالت رهينة وأسيرة العقلية الطورانية والكمالية (من مصطفى كمال) وذلك على الرغم من الثوب الجديد المبرقع والمرقع بكلٍ من العلمانية العسكريتارية والإسلاموية الحكومية.
لا نكشف سراً إن قلنا بأن الكثيرين (منا) تفاؤلوا خيراً بالحكومة التركية الحالية وذلك بفوز وقيادة حزب العدالة والتنمية – بقيادة رئيس الوزراء؛ رجب طيب أردوغان – لكلٍ من البرلمان (الأغلبية المطلقة) وكذلك الحكومة ورئاسة الجمهورية، و(قلنا) حينها يمكن أن يكون هذه بداية مرحلة جديدة تدخلها تركيا للخروج من مجموع مآزقها ومشكلاتها المستعصية ومنها القضية الكوردية وإيجاد الحلول المناسبة لها؛ وقد رأينا بأن أبناء شعبنا الكوردي في إقليم كوردستان (تركيا) قد صوتوا وبشكل كبير لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة؛ حيث هناك ما لا يقل عن خمسون برلمانياً – من أصول كوردية – في قائمة الحزب المذكور. ولكن ومن خلال النهج والسياسة التي تمارسها الحكومة بصدد القضية الكوردية تؤكد، مرة أخرى، بأن العقلية الكمالية ما زالت هي المحرك والقاسم المشترك بين غالبية الأحزاب والكتل السياسية التركية، من اليمين القومي المتطرف (MHP) مروراً بحزب الشعب الجمهوري (CHP) وصولاً إلى حزب العدالة والتنمية (AKP) والذي يرأس الرئاسات الثلاث في تركيا، وبذلك مؤكدين على حقيقة رسوخ الكمالية في الذهنية التركية.
وبالتالي وإزاء هذه الذهنية والعقلية التي لا تقبل الرأي الآخر والاختلاف السياسي، هل يمكن للدولة التركية أن تجد الحلول المناسبة لمشكلاتها الداخلية وعلى الأخص المسألة الكوردية، نعتقد أنه سؤالٌ مشروع نطرحه على السيد رجب طيب أردوغان وحكومته الحالية. فمن المعلوم ولكل المهتمين بالشأن التركي والقضية الكوردية في شمال كوردستان (تركيا) بأن حزب المجتمع الديمقراطي هو حزب مرخص وقانوني؛ أي يعمل وفق الأنظمة والقوانين التركية الداخلية وهو ذو توجه ليبرالي علماني ينبذ العنف وإستخداماته في السياسة والعمل الميداني وله كذلك برنامجه السياسي الواضح والشفاف لإحلال الديمقراطية في تركيا وإيجاد الحل العادل للقضية الكوردية في هذا الإقليم، وبالتالي ليست (منظمة إرهابية) حسب التوصيف التركي ولغيرها من الأحزاب والكتل السياسية الكوردية ك(حزب العمال الكوردستاني).
وهكذا فإنه يمكن لنا أن نعيد صياغة سؤالنا السابق وبطريقةٍ أخرى؛ فإن أختلفت سياسة (أي حكومة) مع كتلة سياسية ما أو مكون سياسي داخلي وتعاملت معها بعقلية وذهنية رئيس الحكومة التركية؛ (إمَّا أنْ تحبوا وإمَّا أنْ ترحلوا)، فهل يمكن أن نصل إلى حلول لمشكلاتنا وقضايانا الداخلية، وهل تمُتّ هذه العقلية البترية بصلة للمدنية الحالية والحالة الحضارية القائمة على إحترام حقوق كل المكونات السياسية الداخلية وذلك بإبداء وجهات نظرهم في أي مسألة وحتى تلك التي نختلف معهم، ولكن.. يبدو أن السيد (رجب طيب أردوغان) أقرب إلى الذهنية القبلية منها إلى العقلية المدنية الحضارية والتي تحكم على المختلف (الخارج على القبيلة) بالطرد واللعن وإن أمكن بالقتل أيضاً، وهي السياسة التي تمارسها الدولة التركية و”الأتاتوركية الجديدة” مع الشعب الكوردي في الإقليم الشمالي لكوردستان.
وذلك على الرغم من كل النداءات المتكررة والتي أطلقتها سابقاً – وما تزال – حزب المجتمع الديمقراطي وكذلك حزب العمال الكوردستاني لوقف العمليات العسكرية من الجانبين واللجوء إلى طاولة الحوار والمفاوضات لحل القضايا الخلافية – وقد ألتزم بها دائماً الطرف الكوردي لوحده، بينما كانت الآلة العسكرية التركية تستمر في فعلها بطحن أجساد الكريلا الكوردية – وبالتالي تعيق أي عملية سلمية ديمقراطية باتجاه حل القضية الكوردية وكذلك غيرها من القضايا المتعلقة بالداخل التركي من قضايا حقوق الإنسان والتنمية البشرية والاقتصادية – وخاصةً في المناطق الكوردية – وأيضاً ملف الديمقراطية وإنضمام تركيا إلى الإتحاد الأوربي، ناهيك عن مشكلات تركيا الخارجية وخاصةً قضية قبرص وكذلك تدخلاتها في شؤون دول الجوار وعلى الأخص إقليم كوردستان (العراق) وبحجة ملاحقة كريلا حزب العمال الكوردستاني.
وللتأكيد على العقلية الكمالية للحكومة التركية الحالية وإنسداد الأفق لحل مشكلات تركيا – على الأقل في ظل الحكومة والذهنية الحالية – نورد ما كتبه: “الكاتب التركي المعروف جنكيز جاندار في مقال منشور له في صحيفة بوكون التركية، بتاريخ 16/ 11/2008، بأنه قد فقد الأمل في أن يجري رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أي تغيير إيجابي على سياسته، لحين قدوم الإنتخابات المحلية في (29) آذار القادم”، حيث يوجه الكاتب (جنكيز) وكغالبية المثقفين الليبراليين الأتراك، إنتقادادت لاذعة لسياسات رجب طيب أردوغان، ويضيف: “لقد ترسّخت فكرة (ما أسعد كل من يقول أنا تركي) في الذهنية السياسية لأردوغان، لذا يطلب من الكرد أن يعلنوا عن موقفهم تجاه تركيا قائلاً: (إما أن تُحبْ أو تَتركْ)”. وهكذا تتوضح الرؤية؛ بأن حتى الطرح السياسي لبعض النخب الليبرالية التركية والتي دعت إلى “إعادة صياغة مفهوم الجنسية التركية و إزالة العوائق التي تحول دون إظهار العرقيات الأخرى الموجودة في تركيا، التعليم باللغة الأم لكافة العرقيات، العفو العام عن المعتقلين لكسب تأييد كافة المواطنين في تركيا، إعادة الأسماء القديمة للمدن و القرى التركية، إعداد برامج اقتصادية للموازنة بين خطط الاستثمار في المدن و القرى و دخل المواطنين، منح صلاحيات أوسع لرؤساء المدن و القرى” هو طرح غير مقبول لدى الحكومة الحالية، بحيث كتب وقيل ما قيل بصدد سياسة حكومة أردوغان.
وسؤالنا الأخير من المجتمع الدولي، وعلى الأخص الاتحاد الأوربي وأمريكا، هل يمكن في ظل “الكمالية الجديدة” للحكومة التركية الحالية أن تجد تركيا حلولاً لمشكلاتها وقضاياها الداخلية و.. كذلك الخارجية، أوليس (الديمقراطية التركية) والمترنحة تحت الضربات المتوالية لكل من المؤسسة العسكرية التوتاليتارية والمبادئ والمنطلقات الإسلاموية لحزب العدالة والتنمية، هي على المحك. بل – وباعتقادنا – إنها باتت مكشوفة (أي قضية الديمقراطية التركية) على أنها اللعب بالورقة الرابحة (الجوكر) وفي الوقت الضائع وذلك لكسب المزيد من الوقت، وهكذا فإن الحكومة الحالية وبهذه الذهنية القومجية غير مؤهلة للحياة الديمقراطية وحل القضية الكوردية وبالتالي لنبدي إعجابنا بها كما يتحفنا بذلك السيد أوباما؛ الرئيس الأمريكي المنتخب، وفي اتصالٍ هاتفي مع الرئيس التركي عبد الله جول قائلاً: “أنا مؤمن بان لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها و مكافحة الإرهاب و إنني معجب بتركيا و الشعب التركي الصديق، كما أن التحالف بين بلدينا أمر لا غنى عنه”. وكذلك لنسأله بدورنا (للسيد أوباما): أين حق الشعب الكوردي في (تركيا) للدفاع عن نفسه.. أم أن الحقوق لا تحق إلا وفق مبدأ القوة وليس لعدالة القضية.
(*) (أي حين كتابة المقالة).
هولير _ 2008
[1]