=KTML_Bold=لماذا معاداة المشروع الوطني في شمال شرق سوريا؟=KTML_End=
طارق حمو
التصريحان اللذان صدرا عن كل من نواف البشير ( لواء الباقر/ المشروع الإيراني)، وسالم المسلط (الإئتلاف/ المشروع التركي) والمتضمنان دعوة عشائر عربية في محافظة دير الزور للدخول في حرب أهلية مع الكرد، هما، في حقيقة الأمر، الشكل الأخير الأكثر بؤساً للحالة السورية في ظهورها اللاوطني. إنه التمثيل الأوضح لتموضع الأدوات المحلية التي تحركها المحاور الإقليمية. وهما، من جهة ثانية، العلامة البيّنة على حجم الفشل والسقوط الذي وصلت إليه “الواجهات الرسمية” للحراك الشعبي السوري، الذي انطلق في ربيع 2011، مطالباً بالحرية والديمقراطية ودولة العدالة والقانون.
ولعل ما يجمع التصريحين، ويوحدهما، غير التابعية واللاوطنية والاستقواء بالخارج، هو حالة العداء العنصري. عداء وحقد ورفض كان موجوداً في الأساس نتيجة التربية والتلقين، ولعقود طويلة، على مناهج وإعلام وثقافة “دولة البعث”. وتطوّرت هذه الحالة وتشكلت، مع فتح الجبهات والتدخل الإقليمي، عندما انتقل العنصريون من خندق النظام الرافض لهوية ووجود الكرد، إلى خندق “المعارضة”، الرافضة لهوية ووجود الكرد، والمحارب لهما. ففي العقل اللاوطني في ضفتي النظام والمعارضة، لا وجود لمكون كردي، ولا لأي مكون آخر غير المكون الأوحد الذي وطدته “دولة البعث” على مدار سنوات حكمها الشمولي التدميري. إنه الوفاء المشترك لشخوص النظام و”المعارضة” للانتماء البعثي إياه.
الدعوة ل”الهبة العشائرية” في وجه الكرد، كان يهدف إلى إعادة الكرد لحالة اللاوجود التي كانوا فيها زمن سطوة واقتدار”دولة البعث”، حيث لا حضور لهذا المكون لا في التاريخ ولا في الجغرافيا. لا في الكينونة ولا في الزمان. حتى الإشارة في أحد كتب الجغرافيا ذات مرة (أو ذات سقطةّ!) إلى “جبال كردستان”، عند الحديث عن الحدود الطبيعية للوطن العربي، تم “تصحيحها” لاحقاً. لقد كان الكرد مغيبين في فكر الدولة زمن “البعث الأسدي”، وأريد لهم أن يبقوا مغيبين في زمن “المعارضات” اللاوطنية، ولكن هذه المرة بشكل أكثر توحشاً وفتكاً، ومع دعوات مفتوحة وعلنية للإبادة والتطهير العرقي.
إنها دعوات من أمراء حرب، يستقوون بالمشاريع الإقليمية، ويتحركون في غابة من السلاح، خارج القانون والدولة. إنهم قفازات تلبسها أجهزة استخبارات إيران وتركيا لتنفيذ العمليات القذرة، في إطار حرب الإبادة والاجتثاث ضد كل أشكال التعددية والانفتاح. وعادة ما يتم نزع هذه القفازات والتخلص منها، تغطية على المسؤولية ودرءاً للملاحقة.
المشروع الوطني في شمال شرق سوريا، القائم على الإدارة المحلية، التي تديرها وتدافع عنها، الهويات المحلية، أصبح هدفاً للنظام المتمسك بعقليته الشمولية، الإقصائية القديمة، وللمعارضة التابعة لتركيا، وعلى رأسها ما يسمى “الإئتلاف”، وهو أداة سياسية موكل لها شرعنة الاحتلال التركي للوطن السوري والتغطية عليه. هذا “الإئتلاف” تجمع يضم عدداً من دعاة التطهير العرقي والقتل على الهوية. هدف النظام، ومن ورائه إيران، وهدف المعارضة، ومن ورائها تركيا، هو في الواقع هدف واحد مشترك: تخريب مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال شرق سوريا، وخلق صدام أهلي دموي بين مكوناتها. الهدف هو نشر الدمار والنار في كل شارع ومنشأة. إحلال الجماعات المسلحة المتوحشة الخارجة عن القانون محل قوات سوريا الديمقراطية ومؤسسات الإدارة الذاتية القائمة على “العقد الاجتماعي” والشراكة المجتمعية. هدف النظام والمعارضة، هو تخريب الاستقرار وإحلال الفوضى والقتل والنهب. خلق مناطق مشابهة لمناطق كل منهما: حيث الفرز الطائفي والتطهير العرقي والقتل على الهوية.
الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال شرق سوريا، مشروع بديل عن مشروعي النظام والمعارضة. مشروع وطني سوري قائم على المشاركة المجتمعية وتعاضد المكونات. مشروع تحميه قوات سوريا الديمقراطية، التحالف السوري: العربي، الكردي، السرياني. مشروع يرفض المذهبية والطائفية والاحتلال الخارجي. مشروع وطني عابر للعصبيات والانتماءات البدائية. إنها سوريا المصغرة المنشودة: حيث يعيش السني والشيعي والعلوي والدرزي والمسيحي والايزيدي بسلام. مشروع يحمي الجامع والكنيسة والمزار الإيزيدي. لهذه الأسباب هو مشروع بديل عن مشروعي النظام والمعارضة.
إن الدعوات البائسة للحرب الأهلية مآلها الفشل رغم الآلام التي تسببت بها حتى الآن، وإن قوات سوريا الديمقراطية هي قوات غير فئوية كما أثبتت تجاربها على مدار السنوات الماضية، عابرة للهويات والأديان والمذاهب، اختلط فيها دماء الشابات والشباب الكرد والعرب والسريان وبقية المكونات. إن دماء مئات الشباب العربي يجعل من المكون العربي عزيزاً لدى كل مقاتل كردي، والعكس صحيح. إنها رفقة السلاح والخندق منذ 2012 في وجه كل اعتداءات المحتلين من “داعش” و”النصرة” والجيش التركي، ممن اعتدوا على مناطق وشعب شمال شرق سوريا.
تطورات الأحداث أثبتت للجميع إفلاس خطاب النظام والمعارضة اللاوطنيين ودعواتهما للحرب الأهلية. فقوات سوريا الديمقراطية حمت وتحمي الأهالي من الجماعات والميليشات الخارجة عن القانون. إنها قوات وطنية ولاؤها لسوريا التعددية. لا تفرق بين سوري وآخر بسبب مذهب أو عرق. إنها معنية بالدفاع عن الجميع في وجه الخارجين عن القانون وأمراء الحرب وأدوات المحاور الإقليمية. في شمال شرق سوريا لن تحدث فتنة عربية كردية. بل سيتوطد المشروع السوري الوطني، وسيبقى رفاق السلاح أوفياء لدماء بعضهم البعض.
إن سوريا المصغرة المنشودة، هي سوريا الحرة، ملك أهلها فقط. إنه المشروع الحقيقي للثورة السورية، الذي سعت إليه جموع السوريين في ربيع 2011، وضحى في سبيله الوطنيون والثوار الحقيقيون بدمائهم.
[1]