$إقليم كوردستان (العراق) شوكة في حلق المتطرفين 2$
#بير رستم#
ليس خافياً على كل متتبع للشأن السياسي العراقي مدى معاناة الشعوب العراقية؛ بعربه وكورده وبقية أثنياته العرقية الأخرى وغيرها من المكونات الدينية – المذهبية والأيديولوجية السياسية والحزبية والتي تشكل النسيج العراقي المتنوع، وما لاقتها من ويلات ومجازر وتدمير ممنهج للبشر والحجر وذلك على يد الطاغية صدام حسين ونظامه البعثي – الدموي. فهو خلال حكمه الذي دام حوالي ثلاثة عقود، روع الشعب العراقي وأذاقه مختلف صنوف القهر والذل والهوان، مما جعل من الشخصية العراقية والإنسان العراقي خائفاً مقهوراً، كما هو حال أكثر مواطني شرقنا المبتلى بأنظمة شمولية – استبدادية، بل وصل الأمر بالقيادات العربية وليس الشعب أو المواطن العربي ناهيك عن العراقي، أن لا يتجرؤوا بأن يطلبوا من رأس النظام العراقي أن “يتنازل” عن الكرسي الجمهوري ويغادر العراق وكأنه ورثها من أجداد أجداده، وذلك بعد أن طفح الكيل وأتفق العرب والغرب على أنه يجب أن يتنحى الطاغية عن رقاب الشعب العراقي المغلوب على أمره.
وليس خافياً على أحد أيضاً ما لاقاه الكورد وإقليم كوردستان من الويلات والدمار والمجازر وحرق وتدمير للقرى؛ إن كان في الأنفال وحلبجة أو قبلها وبعدها وعلى طول عمر الدولة العراقية الحديثة وحتى في زمن الاحتلال البريطاني ومن قبله العثماني، ومنطقة كوردستان لم تعرف الهدوء إلا لفترات وجيزة لتنفجر انتفاضة جديدة في وجه الطغاة والمحتلين. ولكن أشرس وأعنف مراحل الإبادة والتنكيل كانت بلا شك في زمن طاغية العراق ونظامه البعثي – العفلقي؛ حيث الأنفال والمقابر الجماعية وتدمير أربعة آلاف قرية في الإقليم وإبادة حوالي مئة وثمانون ألف من كورد العراق وحوالي ثمانية آلاف فقط من عشيرة البرزان لوحدهم و.. غيرها من الأرقام والإحصائيات التي تخزي جبين البشرية جمعاء وليس النظام العراقي أو العربي والإسلامي لوحده؛ لأن هذه الجرائم وقعت على مرأى من هذا العالم “المتحضر” ودون أن تحرك ساكناً، بل إن الكثير من السياسيين والفقهاء الإسلامويون أفتوا بأن ما يفعله صدام حسين بحق أبناء “الشمال” هو عين الصواب، ناهيك عن الذين ساهموا معه أو دعموه بالمال والرجال والأعتدة والتقنية الحديثة.
وإننا ما نزال نسمع بعضاً من هذه الأصوات وإلى أيامنا هذه، وهم يتباكون على النظام العراقي السابق وطاغيته صدام حسين؛ الرئيس الضرورة وحامي البوابة الشرقية وبطل القادسية الجديدة ووكيل الرب والمتكلم والناطق بآياته وأحكامه على الأرض وحامي حمى العروبة وغيرها من الألقاب والتي تستحق به أن يدخل صدام حسين إلى سجل غينيس وذلك لكثرة ما يحمله من ألقاب ونياشين والتي لم تحميه أو تتشفع له أو تجبره ألا يفر من ساحة الوغى كما أجبرت الشاعر الفارس والمتنبأ على شاكلة هذا الأخير؛ ألا وهو المتنبي وذلك عندما ناداه غلامه وهو يهرب من أمام قطاع الطرق قائلاً له؛ ألست القائل: “الخيل والليل والبيداء تعرفني والرمح والسيف والقرطاس والقلم”. فعاد المتنبي من فوره قائلاً لغلامه: قتلتني يا غلام. فقاتل حتى قتل.
ولكن وبدل أن نجد هذا “البطل الصنديد”؛ والذي كان يهدد إسرائيل “بجيوشه القدسوية” وفدائيه “الصداميون”، في ساحات الوغى يحارب “المحتل” ويدافع عن الشعب والأرض العراقية – وهو الذي لم يدافع عنها يوماً بل أذاقها المر والأمر خلال عهده الأسود والدامي – نعم وبدل أن نجده في تلك الساحات وكما فعلها الشاعر العربي، وجدناه وكأي آدمي مرعوب يختبئ في حفرة حقيرة تحت الأرض خائفاً ذليلاً فاتحاً فاهه لأول جندي أمريكي يتلقفه، ومع ذلك لا يريد الكثيرون أن يصدقوا إنه لم يكن رمزاً للبطولة والكرامة والاباءة العربية، بل أن العديد يدعي بأنه كان الشبيه ولم يكن “بالقائد المفدى”؛ صدام حسين “أطال الله بعمره وأفرج عن كربه وأذاق أعدائه الذل والهوان وجعل الله أراضيهم و.. أولادهم ونساءهم وأموالاهم غنائم وسبايا للمسلمين والبعثيين والصداميين والزرقاويين وكل المغالين المتطرفين آمين يا رب المتشددين”.
ومن هؤلاء الذين يحاولون أن يزيفوا الحقائق ويقلبوها إلى معاكساتها وأن يصطادوا في الماء العكر ويجندوا البسطاء من الناس ويؤلبوهم على بعضهم وذلك لأغراضهم وأحقادهم ومصالحهم الشخصية أو القومجية العنصرية وهم يتباكون على العروبة والإسلام وزمن الكرامة العربية وهي “تداس” من قبل قوات الاحتلال الأمريكي و”ذيله” توني بلير؛ رئيس وزراء بريطانيا – على حد قوله – إنه الكاتب والمحلل السياسي العراقي، وهذه أيضاً على حد زعمه، “سمير عبيد”؛ فهذا الرجل ومنذ زمن ليس له هم وغم سوى تدبيج الشتائم للكورد وقياداته ومثقفيه وكتابه ومحاولة الضرب على الوتر الحساس في المسألة الكوردية ألا وهو النزاع الداخلي؛ إن كان بين الفصيلين الكورديين الرئيسيين في الإقليم أو بينهم وبين حزب العمال الكوردستاني وذلك لضرب الإسفين بينهما ومحاولة منه لشق صف الوحدة والإتتلاف بين الكتل السياسية الكوردية وبالتالي إضعافها واختراقها من الداخل. وحتى لا نبقى في الكلام النظري ونكيل الاتهامات المجانية له، سوف نحاول أن نقرأ مقالين له نشرهما في “صحيفة كتابات” الإلكترونية لصاحبها إياد الزاملي، وذلك بأكبر قدر من الهدوء والموضوعية وبعيداً عن تشنجاته العصبوية والعروبية الصدامية.
ففي مقاله “كيف أن تفجيرات كربلاء ردة فعل إنجليزية حاقدة.. عالجها الطالباني بإهانة الشعب العراقي؟” والذي نشره في عدد يوم 9 أيار 2006 ومن خلال العنوان نكتشف أنه يحاول أن ينال من شخصية جلال طالباني؛ رئيس العراق المنتخب من قبل البرلمان والكتل السياسية العراقية وبأن يجعله مرمى لسهامه السامة ومن خلاله أن يتهجم على الشعب والمسألة الكوردية برمتها. وإننا لنقول ومنذ البداية إننا لسنا موكلين عن الأستاذ جلال طالباني ولا من غيره من القيادات الكوردية، إن كانت في العراق أو غيرها، للدفاع عنها ولا نقبل هذه المرافعات أو تلك للدفاع عن هذه الشخصية القيادية أو تلك، ولكن أن تحاول من شخصية قيادية كوردية مدخلاً لهجومك الحاقد وأن تنفث من خلال ذاك المدخل سمومك السامة في قضية إنسانية، هذا ما لا نقبله منك أو من سواك، وسوف نحاول أن نكشف عن غيك وحقدك الكامن على القضية الكوردية ومن خلال أقوالك الزائفة.
إنه يؤتي في بداية مقاله بقول للرئيس الأمريكي جورج بوش وذلك بعد أن يسأل من قبل الصحافة: ماذا كان رد فعلك وبلدك يتعرض للاحتلال، فكان جواب الرئيس بوش: “لو كان بلدي تحت الإحتلال فسوف أقاوم الإحتلال”. وهذا جواب منطقي لرجل يجد في نفسه ذرة من الوطنية وفي بلده أنه وطناً حقيقياً يضمن كل حقوقه وليست مزرعة لمجموعة متنفذة في البلد، والآخرين ليسوا بأكثر من حشم وخدم ورعاع في مزرعتهم هذه، وهم عبارة عن وقود لمعاركهم القبلية والحزبية ولا أحد يتذكر الشعب إلا عندما يتعرض الوطن – المزرعة للخطر، إن كان داخلياً أو خارجياً. وعندما يتأكد هؤلاء الزعماء القروسطيين وأصحاب المزارع هذه من هزيمتهم تجدهم أول الفارين بجلودهم وهذا ما فعله صدام حسين كما شاهده العالم أجمع على شاشات التلفزيون.
نعم إنه يؤتي بقول الرئيس جورج بوش ذاك؛ ليبرر به الأعمال الإجرامية والطائفية وجرائم البعثيين الصداميين وغيره من فلول النظام السابق والجهاديين الجدد من القاعدة والزرقاويون وغيرهم من قوى الظلام والسلفية، وما تقوم به في العراق وما تجري على يديه من الدم العراقي؛ فها هو يكتب: “لذا فكلام الرئيس بوش عن المقاومة هو إعتراف بما أقرته الأديان السماوية والدساتير الوضعية والتي كفلت حق المقاومة، أي المقاومة حق مشروع، لذا فما نسمعه من بعض السياسيين العراقيين المنغمسين بمشروع الإحتلال، وما نسمعه من السياسيين الأميركان، وكذلك ما نسمعه من الحناجر والأقلام والصحف والقنوات التلفزيونية المؤجّرَه مجرد طنين بعوض لا يؤثر على الرجال الذين قرروا المقاومة”. بل إنه يحاول أن يزيف الحقائق ليقول لنا إن مسلسل العنف هذا ما هو إلا مخطط أمريكي وهم يقفون وراءه. هنا أيضاً لن نكون محامين عن الأمريكان وقلنا في أكثر من موقع أن لهم؛ أي للأمريكان مشروعهم السياسي الاقتصادي والعسكري ولكن نتساءل مع الكثيرين من أبناء الشعب العراقي وغيرهم؛ لولا تدخل جيوش التحالف هل كان بالإمكان التخلص من الطاغية صدام حسين، فلما لا تقولون صراحة إن تباكيكم هذا ليس على العروبة والإسلام وإنما على صدام ونظامه العروبي الإسلاموي الطائفي.
وبعد هذه المقدمة والتي تكشف لنا عن خلفية هذا الرجل وما يحمله من أفكار وعقائد سلفية جهادية بعثوية صدامية، حيث لا يجد في الآخر إلا كافراً ملحداً وزنديقاً وذميياً موالياً وكوردياً عميلاً وطابوراً خامساً وعليه الطاعة فقط؛ طاعة أولياء أمره من أبناء “خير أمة أخرجت للناس” أو أمة “ذات الرسالة الخالدة”، يستنكر على مام جلال بأنه بعث برسالة اعتذار للشعب البريطاني عن أفعال بعض الهمج والغوغاء والتكفيريين في مدينة البصرة والذين هجموا على مجموعة من الجنود البريطانيين، فيكتب: “ولكن المهزلة والإهانة بنفس الوقت عندما يكتب رئيس جمهورية العراق المُعيّن من قبل الأميركان جلال الطالباني برقية إعتذار الى توني بلير عن إسقاط المروحية البريطانية، وإعتذار عن تصرفات الشباب ضد قوات الإحتلال البريطانية في البصرة، فبربكم هل هذا رئيس جمهورية العراق أم هو مدير بلدية في بريطانيا ؟ فهل يجوز له هذا الفعل اللاوطني، والذي يستدعي جلسة طارئة للبرلمان العراقي، والسبب لأنه تجاوز على الشعب العراقي ، وتصرف وكأن العراق مزرعة خاصة له، وإن هؤلاء الشباب مجموعة من العمال في تلك المزرعة، وهو المسؤول عنهم كونهم يعملون عنده!!!!!!؟ فلو عاد جلال الطالباني الى مقولة ولي نعتمه جورج بوش لعرف إن هؤلاء الشباب لم يخطأوا ومارسوا حقهم الطبيعي الذي يريد الطالباني سلبه منهم، وهو الدفاع عن كرامتهم وأرضهم وعرضهم ومدينتهم ومستقبلهم”.
ما نلاحظه بداية تناقض هذا الرجل مع نفسه وخطابه السياسي، كما هو حال كل المهزومين والذين كانوا قد شيدوا أبراجاً من الوهم القومي العصبوي والطائفي وعلى اعتبارهم هم أصحاب الحضارة والإعجازات الخلبية والوهمية، ناسينا أين هم وأين العالم المتمدن والمتحضر من بون شاسع بينهما وفي كل المسائل والجوانب. فهو من جهة يقول عن الرئيس جلال طالباني إنه “معين من قبل الأميركان.. ويتصرف وكأن العراق مزرعة خاصة له” ومن الناحية الأخرى يدعو إلى “جلسة طارئة للبرلمان العراقي” وينسى أن هذا البرلمان هو الذي قبل ورشح مام جلال لهذا المنصب الرئاسي. وأن هذا البرلمان والحكومة العراقية الجديدة – بما فيهم رئيس الجمهورية – هم مرشحون من الشعب العراقي وقد نالوا ثقة وأصوات الأغلبية من الشعب العراقي والكتل السياسية العراقية الفاعلة على الأرض وليست كقواك الظلامية والتي تعمل تحت الأرض كخفافيش الليل، وبالتالي فهو لا يتصرف وكأن العراق مزرعة خاصة له كما كان الحال لدى رئيسك المفدى (لا فك الله أسره) وكما هي حال أكثر بلدان أحبتك من الزعماء العروبيون.
ثم قولك بأن “لو عاد جلال الطالباني الى مقولة ولي نعتمه جورج بوش لعرف إن هؤلاء الشباب لم يخطأوا ومارسوا حقهم الطبيعي الذي يريد الطالباني سلبه منهم، وهو الدفاع عن كرامتهم وأرضهم وعرضهم ومدينتهم ومستقبلهم”. أي كرامة يا رجل وأي أرض وعرض ومدينة، وصدام لم يترك شيء من هذه لكل العراقيين بعربه قبل كورده وغيرهم من مكونات العراق، وأن هذه القوات؛ قوات التحالف وفي رأي الأغلبية العراقية وليست فقط الكوردية – كما تريد أن توهمنا – ما هي إلا قوات تحرير، وبهذا الصدد نقول: أنه يجب أن تتغير الكثير من مفاهيمنا السياسية وأيضاً الكثير من قوانين ومصطلحات الأمم المتحدة لتنسجم مع روح العصر ومفاهيم العولمة. ونقول أخيراً إن نداءك التالي: “هل هناك أصوات عراقية شريفة تعقلن جلال الطالباني وبعض السياسيين الأكراد الذين تمادوا ويتمادون كثيرا على الشعب العراقي وعلى العراق؟” قد وجد صداه لدى أصدقاءك السلفيين ممن ذكرناهم وهم بالمرصاد لكل كوردي لكي يذبحوه على الهوية كما كان وما زال أسيادك العفلقيون والزرقاويون يعملونه وهو ليس بالجديد على الكورد، ومع ذلك نقول لك ولأمثالك من الحاقدين على الشعب والقضية الكوردية: بأنكم وتحت يافطة ومظلة الطعن بالقيادات الكوردية وإقليم كوردستان لن تحصدوا إلا خيبة الأمل وسوف تعودون بخفي حنين ومن دون أن تشعلوا نار الفتنة بين الكورد، وبأن رموزك من الطغاة ستكون مصيرها إلى تلك الحفرة والتي أخرجوا منها “قائدك المفدى”. أما القضية الكوردية فستبقى ما بقي هناك ضمير إنساني حي على هذه الأرض، ولن نقول ما بقي كوردي حي على هذه الخليقة و.. إن للحديث بقية ومقال آخر مع هذا “الرجل”.
جندريسه – 2006
[1]