=KTML_Bold=الكورد .. وغياب الوطن والوطنية!!=KTML_End=
#بير رستم#
لقد كثرت في الآونة الأخيرة تلك القراءات والمداخلات_ لكن وللأسف أكثر تلك القراءات جاءت متشنجة إنفعالية وليست قراءة معرفية في الأسئلة الإشكالية للقضية والوقوف على الإجابات المنطقية_ حول قضية الهجرة واللجوء إلى أوربا وخاصةً بعد أن سهلت بعض الدول من إجراءات الوصول إلى “القارة العجوز” والتي رافقها تخفيض في (أجرة وصول الشخص) اللاجئ وذلك من ما كان يزيد عن عشرة آلاف دولار إلى أقل من ربع المبلغ .. وكذلك فإن إلغاء ألمانيا العمل وفق “إتفاقية دبلن” في التعامل مع البصمة؛ حيث ألغت إعادة اللاجئ إلى البلد الذي أعطى فيه بصمته قد ساهمت هي الأخرى بشكل كبير في تدفق اللاجئين وأن يحسم أمره من كان متردداً وخائفاً من مسألة “البصمة”. وهكذا فإن عدد من الأمور والقضايا قد ساهمت معاً في تدفق هذا الخزان البشري الكبير من الشرق وبإتجاه الغرب حيث كان _وما زال وكما نشاهده يومياً_ نزوح الآلاف من اللاجئين السوريين وأكثرهم، إن لم نقل أغلبهم وللأسف، هم كورداً.
بالتأكيد إن كل ما ذكرناه _وما ذكره الكثير من الإخوة والزملاء في معرض وقوفهم على المسألة؛ مسألة الهجرة_ وذلك من أمور وتسهيلات تقدمها بعض الدول من وصول اللاجئين والإقامة في البلدان الأوربية، رغم مخاطر الطريق والبحر والغرق في المتوسط .. فإن كل ذلك لن يخفي عنا الأسباب الحقيقية والتي تدفع بالإنسان إلى ترك “الوطن والموطن” والشروع بقطع الجذور مع الماضي وذلك بحثاً عن بلد جديد للإستقرار فيه؛ حيث لولا الظروف القاهرة والحرب الدائرة في البلاد وقطع الأمل في الوصول إلى حل سياسي قريب للوضع الداخلي في سوريا، لما كان الهجرة أساساً. وبالتالي فإن كلنا نعلم بأن الأوضاع السيئة والتي تزداد سوءاً مع إستمرار الحرب وإنسداد الأفق أمام الإنسان السوري عموماً والكوردي خصوصاً هي السبب الرئيسي والدافع الأكبر والأول لقضية الهجرة نحو أوربا، بالإضافة إلى الكثير من الأسباب الخاصة والمتعلقة بالخلافات الكوردية الكوردية _الخلافات الحزبية بين المجلس الوطني وحركة المجتمع الديمقراطي_ وإستفراد الأخير بالقرار الكوردي وفرض سلطة “الأمر الواقع” على الأرض والكثير من الأخطاء السياسية والإدارية وممارسة سياسة الحزب الواحد والإستبداد بالرأي الآخر والقمع وحجز الحريات وكذلك تقاعس وضعف الطرف الكوردي الآخر؛ المجلس الوطني الكوردي ..وغيرها الكثير من القضايا كلها ساهمت في الدفع بتلك الجماهير الكبيرة من شعبنا _ومن كل الفئات والأعمار_ إلى النزوج والهجرة واللجوء لأوربا بحثاً عن الإستقرار والطمأنية.
لكن هناك أسباب، بل سبب واحد رئيسي _وبقناعتي الشخصية_ يعتبر الأهم كعامل وكسبب دفعت بكل هذه الجموع الغفيرة والتي يمكن تسميتها ب”الهجرة الجماعية” للكورد وذلك من موطنهم، وليس وطنهم، نحو أوربا؛ حيث وعلى الرغم من كل ما قلنا ويقال بخصوص الأوضاع في المنطقة (مناطق الإدارة الذاتية) ورغم كل السلبيات والأخطاء والقمع والإستبداد وكذلك إنعدام فرص الحياة والدراسة ومستقبل الأولاد .. إلا أن العامل النفسي والسايكولوجي لدى شعبنا وتلك المجتمعات التي لا ترتبط بالأرض هي التي دفعت بنا إلى الهجرة والإغتراب؛ فكما الغجري الذي يفتقد إلى “الوطن” تراه يحمل خيمته بكل سهولة والذهاب والترحال نحو مواطن جديدة وليس وطناً جديداً.. وهكذا ولكون الكورد كانوا _وما زالوا كما ذاك الغجري_ يفتقدون للوطن نتيجة ظروف الإحتلال والإغتصاب لجغرافية كوردستان من قبل الآخرين فإنهم يفتقدون إلى ذاك الحس الوطني والمرتبط بالإنتماء إلى المكان كمفهوم سياسي وطني وليس كغريزة إجتماعية، بل كثقافة سياسية وطنية؛ حيث غياب الكيان السياسي الوطني لشعبنا أفقده سايكولوجياً وثقافياً ذاك الإنتماء والكبرياء نحو مسألة الوطنية وبالتالي فإن غياب الوطن أساساً في العرف السياسي والثقافي الكوردي قد غَيّبَ الوطنية.. حيث إن كان الوطن غائباً، فإن الوطنية تَغيِبُ.
وأعتقد هنا تكمن إشكالية الكوردي الذي يمكن أن “نفهمه” وهو يغادر بسهولة الوطن وبحثاً عن ملاجئ جديدة؛ كون الجديد لن يكون وطناً وهو أساساً يفتقد إلى ذاك الحس الوطني.. وليعذرني القارئ على هذه القسوة إن رأى فيها ذلك وهي ليست تشكيكاً ب”وطنية الكورد”؛ كونها لم تتشكل بعد لدى شعبنا وكمثال أود أن أذكر الإخوة بكارثة هجوم “داعش” على شنكال وعموم الإقليم الكوردستاني حيث لولا تدخل القوات الأمريكية لوجدنا كل مواطني الإقليم في تركيا والذي كان هناك رأى المشهد الكارثي. وهكذا فإن القضية هي ليست تخويناً وإنقاصاً، بل قراءة في الوعي والسايكولوجية الكوردية ولكوننا نطرح القضية من منطلق؛ أن على الإنسان أن يتشبث بالأرض مهما كانت الظروف وأكيد إن هناك الكثير من الأسئلة التي جاءت نتيجة هذه الهجرة الجماعية والتي تعتبر أكبر موجة من الهجرة تشهدها العالم، هي بحاجة إلى إجابات حقيقية .. وبما إن الكثير من الإخوة والزملاء قد طرحوا أسئلتهم بخصوص القضية وهجرة شعبنا من “ظلم الإدارة الذاتية والكانتونات” وعلى إفتراض إن كل ما قالوه صحيحاً، لكن أريد أن أسألهم؛ ما رأي أولئك الإخوة بالذين يهاجرون من مناطق ليست خاضعة لسلطة الإدارة الذاتية، أي أولئك الذين يأتون من لبنان وتركيا وحتى إقليم كوردستان مع أن الكل يملك وظيفة ورأسمال _كون الذي لا يملك ذلك فهو لا يملك أجرة الوصول إلى أوربا_ بل ما رأيهم بأولئك المؤيدين لسياسة العمال الكوردستاني وهم يلتجؤون إلى “الجنة الأوربية”، ناهيكم عن الذين لا يعملون بالسياسة أساساً وهم الأغلبية ضمن الذين وصلوا إلى كامبات اللجوء.
إذاً دعونا نعترف بحقيقتنا؛ إننا أقل إرتباطاً بالأرض والوطن .. وعندما سنحت الفرصة لنا غادرنا الوطن جميعاً .. وطبعاً أعود وأقول: من الحماقة والغباء السياسي؛ أن ننسى الواقع والظروف؛ ظروف الحرب عموماً وكذلك سياسة الإستبداد والتفرد في الكانتونات من جهة ومن جهة أخرى الصراعات الكوردية والتي ساهمت في زرع المزيد من الإحتقان والخلافات في المجتمع الكوردي مما دفع بالأمور والمشاكل المجتمعية إلى الحدود الكارثية .. كلها تقف وراء هذه الهجرة الجماعية وكعوامل مساعدة مع العامل الأساسي؛ ألا وهو غياب الوطن والوطنية من الوعي الإجتماعي والسياسي الكوردي.[1]