=KTML_Bold=الأمة الديمقراطية .؟!! مشروع نخبوي ثوروي عابر للمنطق والتاريخ=KTML_End=
#بير رستم#
إن قراءة التاريخ تفيدنا في أمور عدة؛ أولاً معرفة السياق الفكري المعرفي للقضية والمبحث الذي نتناوله درساً وتحليلاً وتقييماً وكذلك لمعرفة الأخطاء والهفوات والسلبيات وأحياناً _وربما في أكثر الأحيان_ الوقوف على الجرائم البشعة التي ارتكبت
بحق “الآخر” المختلف وتشريعها وقوننتها أيديولوجياً إن كان باسم الدين أو العرق والقومية أو أي انتماء عنصري طائفي مذهبي قبلي آخر وكذلك في قراءتنا للتاريخ هي محاولة لأخذ الدروس والعبر وتفادي تلك التجارب والأخطاء التي وقع بها الأسلاف.
وبالتالي محاولة تصحيح المسار والدروب التي تأخذنا إلى النتائج والأهداف والغايات وبأقل الخسائر والضحايا الممكنة وفي أزمنة قياسية؛ كون العصر الحالي هو عصر السباق مع الزمن. وهكذا وبالعودة للتاريخ وحياة ومسيرة الشعوب والحضارات التي عرفتها فإننا سوف نقف عند عدد من المحطات أو المشاريع الحضارية العظمى وفلسفاتها وأيديولوجياتها وكذلك مدلولاتها الاصطلاحية ومنها _وعلى سبيل الذكر وليس الحصر_ كل من الحضارتين الاسلامية والاشتراكية حيث الأولى عرفت بمفهوم “الأمة الإسلامية” والأخرى أنتجت ما عرف ب“الأممية الشيوعية” وفي عدد من البلدان والجغرافيات المتباينة ثقافياً حضارياً لغوياً أتنياً.
إن المقدمة السابقة كانت المدخل لأن نتناول المشروع السياسي الجديد_القديم في المنطقة عموماً والمتبنى اليوم من قبل طرف كوردي وهو حزب العمال الكوردستاني وربما هنا تكمن الخصوصية والعلامة الفارقة والمميزة في تاريخ شعبنا الكوردي؛ حيث هو من أكثر الشعوب مسلوباً للإرادة ويعاني من الاضطهاد والتقسيم والحرمان من الحقوق الأساسية، بل ويعاني من الذيلية والإلحاق والاحتلال وبأسوأ معانيه وبنفس الوقت أن يكون هو صاحب المبادرة والامتياز لمشروع حضاري جامع لكل منطقة الشرق الأوسط أو ما تعرف كوردياً شرقياً بمنطقة (ميزوبوتاميا).. فعلاً يمكن أن تكون مفارقة تاريخية ونحن نجد أن هذا الطرح السياسي لمجتمع حر وديمقراطي يأتي من شعب يعاني من أزمة الحرية والديمقراطية ويعاني من التبعية والديكتاتورية حيث ها هو مشروع العمال الكوردستاني وزعيمه السيد عبد الله أوجلان يقول: بأن ((الاعترافُ بالهويةِ الكردية، وبروزُ إرادةِ الحياةِ الحرة، لا يعني بلوغَ القضيةِ الاجتماعيةِ حلَّها النهائيّ؛ بل يشيرُ إلى قطعِ أشواطٍ هامةٍ على هذا الدرب، لا غير. وتلبيةُ حاجاتِ الهويةِ والحريةِ بضماناتٍ قويمة، وتأمينُ سيرورتِها؛ إنما يحتلُّ مرتبةَ الصدارةِ في لائحةِ القضايا العالقةِ التي تنتظرُ الحلّ. ذلك أنّ الهويةَ الكرديةَ وطموحاتِ الحياةِ الحرةِ المفتقرةَ لأيةِ ضماناتٍ قانونيةٍ واقتصاديةٍ وسياسيةٍ ودفاعية، قد تُقمَعُ وتُسحَقُ أو تُعَرَّضُ للمجازرِ على يدِ أعدائِها في كلِّ لحظة. ولهذه الأسبابِ تحديداً، يتعينُ على PKK أداءُ دورِه الإيجابيِّ أساساً من الآن فصاعداً. لقد تطلعَ PKK حتى الآن إلى النجاحِ في المهامِّ السلبية، أي مهامِّ إعاقةِ السلبياتِ وسدِّ الطريقِ عليها. وعليه من الآن فصاعداً إنجاحُ مهامِّه في الإنشاءِ الذي يطغى عليه الجانبُ الإيجابيّ. ولن يتمكنَ PKK من إنجاحِ تلك المهامِّ التي يكمنُ في خلفيتِها إنشاءُ الأمةِ الديمقراطية، إلا بنيلِ هويتِها التي يُعمَلُ على شرحِها، وإضفاءِ المعاني المأمولةِ على تلك الهوية..)) ويضيف ((يتميزُ إنشاءُ الأمةِ الديمقراطيةِ بالأولويةِ على إنشاءِ الاشتراكية، ويمهِّدُ السبيلَ إليها. وبينما يتطلبُ هذا الإنشاءُ إنجازَ الثورةِ في علمِ الاجتماع، فهو متعلقٌ أيضاً بإنجازِ المهامِّ الأخلاقيةِ والسياسيةِ معاً.. إنّ كلَّ كمالٍ أيديولوجيٍّ وسياسيٍّ وأخلاقيٍّ وتنظيميّ، هو ضمانُ كلِّ كادرٍ طليعيٍّ في إنجازِ وظيفتِه في إنشاءِ الأمةِ الديمقراطيةِ بنجاحٍ ظافر)). وبالتالي فيمكن أن نقول بأن طرح العمال الكوردستاني وزعيمه ل“مشروع الأمة الديمقراطية” يعيد إلى الأذهان كل من المشروع الحضاري الاسلامي والذي عاش لمدة أربعة عشر قرناً تحت شعار الأمة الاسلامية الواحدة و“لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى” مع العلم كان هناك كل الفرق والقوانين الاستثنائية بحق المكون الاسلامي الغير عربي “الموالي” حيث الدولة من لسانها وإلى قوانينها وميزاتها وأعلامها وقادتها كانت عربية وبامتياز فأين قضية “إنما المسلمون إخوة ..
وإنهم كأسنان المشط الواحد” متساوون في الحقوق والواجبات ونحن نتلمس ونجد بأن الحضارة الاسلامية ومنذ التأسيس والنشأة كانت في خدمة العنصر العربي وثقافته وفكره ومصالحه فها هو زعيمها ومؤسسها يقول: “إنني أدعوكم إلى كلمة واحدة تدين لكم بها العرب وتخضع لكم بها العجم“. وهكذا وبعد أن خضع العرب لقريش ذات الثقافة والهوية واللسان العربي “إن اختلفتم في آية فاكتبوها بلهجة قريش” خضع العجم _كل العجم_ لكل العرب. وبالتالي كان من نصيب الشعوب الأخرى التبعية والإلحاق والطمس ومحو الكثير من الثقافات والأعراق في الحضارة والبوتقة الاسلامية، بل العربية حيث وفي أحسن الحالات كانت تكفيهم مرتبة “الموالي” الخاضعين والمقموعين للحضارة العربية الاسلامية. وهكذا وبعد مضي أحقاب طويلة على المشروع الاسلامي ونحن الكورد لم نستفق بعد من هول الكارثة، وخاصةً في عصر الثقافة الأوربية وطغيان الحالة القومية، كانت الاشتراكية والشيوعية _هي الأخرى_ بالمرصاد لنا ضمن مفاهيم سياسية قريبة للإسلام من حيث النتائج وإن اختلفت في المقدمات والمبادئ وبالتالي كانت الأممية الشيوعية ليست على خلاف كبير من حيث نتائجها على الحالة القومية الكوردية وسياسات قادتها في مرحلة تاريخية قريبة.
ولكن ومن جهة أخرى ألم تكن قريش والمكون العربي عموماً _في زمن الرسالة_ منقسماً وخاضعاً لكل من الامبراطوريتين الفارسية والبيزنطية؛ حيث الغساسنة والمناذرة واستطاع نبيّ الأمة (محمد بن عبد الله) ومن بعده عمر الخطاب؛ ثاني الخلفاء أن يجعلوا من هذه الأمة والشعب المغلوب على أمره أسياداً للعالم، فقد وصلت الجيوش الاسلامية للقارة الأوروبية، ناهيك عن القارتين الاسيوية والأفريقية وها هم العرب اليوم يطالبون بأحقيتهم وشرعيتهم وهويتهم لكل تلك الجغرافيات التي اُحتُلت أو “فُتِحت وغُزّت” حسب الوصف الاسلامي لها. وكذلك ألم تكن الأمة الروسية من أضعف أمم الأرض وأكثرها رعوية وتخلفاً _مقارنةً مع غيرها في تلك الحقبة الزمنية_ وذلك حين قامت الثورة الاشتراكية وبقيادة زعيمها و“نبّيها” (فلاديمير لينين) مع العلم بأن مؤسس الفكر الشيوعي الماركسي (كارل ماركس) كان يتوقع قيام الطبقة العاملة في إحدى البلدان الرأسمالية بتلك الثورة في بلدانها؛ مثل إنكلترا أو ألمانيا وقد رأينا كيف حكم الحزب الشيوعي السوفيتي “الدين الجديد” ومن ورائه الشعب الروسي _كما العرب في الحالة الدينية والحزب المعروف بالإسلام وشرائعها_ نصف القارة الأوروبية “البلدان الاشتراكية” ولمدة قرن كامل تقريباً كما حكم العرب نصف العالم _تقريباً_ ولمدة اربعة عشر قرناً، بل ولليوم في أكثر من جغرافيا غير عربية. وبالتالي ربما يحق لأصحاب مشروع “الأمة الديمقراطية” أن يدّعوا ويسألوا: لما تنجح تلك التجارب التاريخية وتفشل التجربة عندنا “معنا“.. وهكذا أن يتحكم حزب العمال الكوردستاني ومن خلال مشروعه السياسي بكل الشرق المتوسط _أو على الأقل نصفه_ وبالتالي يصبح الكورد ولأول مرة في تاريخهم أسياد ميزوبوتاميا وليس فقط شركاء في هذه الجغرافيا.. “حلم إبليس بالجنة“؛ ربما فها هي المشاريع الأخرى انهارت على رؤوس أصحابها ولكن وبالتأكيد تركت آثار مهمة وضخمة خلفها ومن كل المناحي الحضارية والفكرية والثقافية.. وكذلك صحيح ايضاً إنه لا يمكن تجاوز المراحل الأساسية في حياة الشعوب والقفز فوقها فهي على ما يبدو محكومة بالتطور التاريخي التدرجي من الطفولة إلى الشباب والمراهقة ومن ثم الرجولة والانحدار إلى الكهولة والفناء، كما هو العمر البيولوجي للإنسان. وبالتالي فإن كل تلك المشاريع _وبرأينا المتواضع_ وبما فيه مشروع الأمة الديمقراطية محكومة بالفشل كونها سابقة لأوانها وعصرها وأن المناخ الفكري والسياسي للمنطقة غير مساعد لقيام الأمة الديمقراطية في منطقة تعاني من الاستبداد والديكتاتورية.
[1]