=KTML_Bold=سياسة الاستبداد والطغيان=KTML_End=
أسست كل الأوطان الديمقراطية.!!
#بير رستم#
إنني كتبت منذ يومين عدد من البوستات بخصوص الاستبداد والطغيان في الحالة الكوردية وتحديداً في غربي كوردستان وكانت إحدى تلك البوستات تحت عنوان مغاير تماماً لهذا العنوان ألا وهو؛ “سياسة الاستبداد.؟!! ..لن يؤسس وطناً في غربي كوردستان” حيث قلت فيه التالي: “إننا نقولها صراحةً وبكل شفافية وذلك للإدارات الذاتية في كانتونات المناطق الكوردية في غربي كوردستان؛ بأنكم تمارسون الاستبداد والطغيان بكل مساوئها وعنجهيتها؛ حيث القمع والملاحقة ونفي النشطاء والكوادر السياسية والثقافية وعلى الأخص من الحزب الديمقراطي الكوردستاني (سوريا) وكل من يحسب على الخط والنهج البارزاني وبعد كل ذلك تدّعون الأخوة وتدعون إلى وحدة الصف والتكاتف في وجه الجماعات التكفيرية والسلفية.. فبئس هكذا أخوة وبؤس هكذا سياسة تنفذ على الأرض حيث التأسيس للإستبداد والطغيان والديكتاتورية“. طبعاً أتت العديد من التعليقات والمشاركات وكم وددت لو يناقشني أحد الأصدقاء ويقول بأن التاريخ وحركة المجتمعات تخبرنا بنقيض ذلك أستاذ بير .. حيث كل شعوب العالم وحكوماتها قد عرفت الاستبداد والطغيان والديكتاتوريات، بل إن الحكومات الأوربية ومنها الديمقراطيات العريقة عرفت الاستبداد والطغيان وبالتالي فإن مقولتك بأن “الاستبداد لا يؤسس وطناً” مقولة خاطئة أو على الأقل غير دقيقة .. لكن وللأسف فإن التعليقات والردود إختصرت على المدح والذم على مضمون البوست وإننا نوالي أحد الأطراف على حساب الطرف الكوردي الآخر .. مع أن كانت هناك بعض القراءات والملاحظات الموضوعية والجميلة من بعض الأصدقاء والزملاء المشاركين.
وها إنني أعود مجدداً لقضية الاستبداد والطغيان وسوف أتناولها بدايةً من جانب الثقافة والجذر التاريخي لها حيث تقول الموسوعة الحرة في ذلك ((الاستبداد في القاموس العربي الإسلامي “يعني الحزم وعدم التردد في اتخاذ القرار وتنفيذه. ومن هنا جاءت عبارة “إنما العاجز من لا يستبد“. هذا هو معنى الاستبداد عندما يقرن ب“العدل” الذي يفقد فعاليته مع العجز عن تطبيقه. أما الاستبداد من دون عدل فهذا هو “الطغيان“)). ويضيف المصدر نفسه التعريف التالي: ((يعرف معجم لسان العرب “الاستبداد” بالتالي: “استبد بفلان، أي انفرد به دون غيره.” أما المعجم المنجد في اللغة العربية المعاصرة فيعرف كلمة “استبد“: “حكم بأمره، تصرف بصورة مطلقة، غير قابل الاعتراض“. كما يعرف نفس المعجم كلمة “استبداد“:”تعسف، تسلط، تحكم.” ويورد المعنى الثاني: “ظلم، فرض الإرادة من دون مبرر.” أما موسوعة السياسة، فتورد تعريف “استبداد“: “حكم أو نظام يستقل بالسلطة فيه فرد أو مجموعة من الأفراد دون خضوع لقانون أو قاعدة ودون النظر إلى رأس المحكومين“. وتضيف الموسوعة تعريفا لمحمد عبده لنفس الكلمة: “المستبد عرفا من يفعل ما يشاء غير مسؤول ويحكم بما يقضي به هواه“. أما في التعريف الغربي فكلمة المستبد (despot) مشتقة من الكلمة اليونانية “ديسبوتيس” التي تعني رب الأسرة، أو سيد المنزل. ثم خرجت من هذا النطاق الأسري، إلى عالم السياسة لكي تطلق على نمط من أنماط الحكم الملكي المطلق الذي تكون فيه سلطة الملك على رعاياه ممثلة لسلطة الأب على أبنائه في الأسرة. وهنا يصبح المعنى انفراد فرد أو مجموعة من الأفراد بالحكم أو السلطة المطلقة دون الخضوع لقانون أو قاعدة. دون النظر إلى رأي المحكومين. وهذه السلطة المستبدة التي يتأثر بها الفرد أو بعض الأفراد هي تلك التي تمارس الحكم دون أن تكون هي ذاتها خاضعة للقانون الذي يمارسه سلطانه فقط على الشعب)).
وهكذا ومع التعريف السابق لمعنى الاستبداد وتحديداً ومن خلال التعريف الغربي له فإننا نصل إلى جذر القضية/المشكلة الاستبدادية حيث الارتباط بالحالة المعرفية المجتمعية وسلطة الأب أو الزعيم القبلي ضمن العائلة والعشيرة وبالتالي إرتباط المشكلة بقضية تنظيم شؤون الأسرة/القبيلة مادياً_إقتصادياً وأيضاً في مختلف مناحي الحياة اليومية والاجتماعية وكذلك في حالات الدفاع عن النفس ضد العدوان الخارجي إن كان من الطبيعة أو القبائل والعوائل الأخرى.. وهكذا فإن الطغيان والاستفراد بالرأي هو نوع من حالة التفويض الاجتماعي القبلي لشخص يمتلك مواصفات استثنائية _برأي الحاضنة الاجتماعية_ وبالتالي الانقياد له في كل القرارات والفرمانات ومن دون إبداء الرأي الآخر أو معارضته في القرارات التي يتخذه.. وإن كان هناك بوادر لأي معارضة داخلية فيتم التخلص منها بأسرع وأكثر الوسائل عنفاً ودمويةً حيث تعتبر في العرف الاستبدادي ذاك “ورماً سرطانياً” يجب التخلص منه وذلك عن طريق البتر والقطع والسجن والملاحقة.. طبعاً هي _أي الاستبداد_ ثقافة مرتبطة بواقع اجتماعي سياسي قائم على قضيتين أساسيتين؛ من جهة التخلف الاجتماعي والمعرفي ومن الجهة الأخرى وقوع تلك المجتمعات في حالة مواجهة مع استبداد آخر وتهديده وجودياً وحضارياً وبالتالي وجوب قيادة مركزية، بل قائد وكاريزما و“خط أحمر” تكون له مطلق الصلاحية والقرار ومن دون مرجعية سياسية أو تشريعية حيث الموقف يتطلب اتخاذ القرارات بالسرعة المطلقة ولذلك فإننا نجد أعتى الدول الديمقراطية وفي حال الكوارث الطبيعية أو العدوان الخارجي وحتى القلاقل الداخلية الكبرى فإنها تلجأ إلى “قانون الطوارئ والأحكام العرفية” حيث السلطة المطلقة بيد القائد العام وتعطيل كل المؤسسات المدنية والديمقراطية وبالتالي الاستبداد والديكتاتورية.
إذاً فإن الاستبداد والطغيان هي “مبررة” ومفهومة، بل ربما ضرورية في مراحل محددة من حياة الشعوب وهي تؤسس لكياناتها الوجودية والحضارية وبالعودة إلى تاريخ نشوء الدولة ومسيرتها الطويلة سوف نلاحظ بأن كل الدول والنظم السياسية في عالمنا المعاصر قد عرفت ومرت بتجربة الاستبداد والديكتاتوريات _طبعاً هناك الكثير من الدول والنظم السياسية ما زالت في مرحلة الطغيان والاستبداد وخاصةً في عالمنا الشرقي وكذلك الأفريقي وذلك نظراً لتخلف البيئة والوعي السياسي في مناطقنا_ وبالتالي فإن ما نجده اليوم من ممارسات فيها أوجه من العنف والاستبداد للتجربة الكوردية في كل من جنوبي وغربي كوردستان له _وعلى الأخص الأخيرة منها_ له ما “يبرره” حيث البيئة الثقافية المعرفية وتخلف الوعي السياسي المجتمعي من جهة ومن الجهة الأخرى ضرورة وجود قيادة مركزية بل قائد مركزي (Serok) يكون له مطلق الصلاحية في اتخاذ القرار السياسي في الوقت المناسب هو ضرورة مرحلية وتاريخية ولإدراك ذلك واقعياً فلنقم بمقارنة سريعة في الحالة الكوردية في غربي كوردستان حيث هناك تجربة كل من المجلس الوطني الكوردي ومجلس غربي كوردستان؛ إن الأولى هي نوع من تجربة الحكومات الفيدرالية ولا مركزية القرار حيث اتخاذ القرار يكون بالتوافق فوجدنا في عملها البطأ والتكاسل والتخبط وعدم اتخاذ القرار في الوقت المناسب وبالتالي اتسمت عملها بالضعف والتشتت والوهن وذلك على عكس مجلس غربي كوردستان حيث القرار المركزي وبالتالي السرعة في اتخاذ القرارات وفي الوقت والمكان المناسبين وبالتالي اتسام حركتها بالديناميكية والتعاطي مع الواقع بسلاسة أكثر.. مما جعلها تتسيد الساحة والمشهد السياسي الكوردي وذلك دون أن ننسى تنسيقها مع النظام السوري وحتى في تلك القضية (التنسيق مع النظام) كانت حركتها أكثر ديناميكيةً من حركة المجلس الوطني الكوردي وعرفت كيف تستغل اللحظة التاريخية وذلك على عكس هذا الأخير.. وإننا وهنا لا نبرر واقعية وثورية الموقف، بل نوضح ديناميكية الحركة السياسية.
وبالتالي فإن “الخطوط الحمر” في حياة الشعوب هي مرحلة لا بد منها وأساسية وقد مرت بها كل تجارب الدول والنظم السياسية في العالم والكورد لن يكونوا استثناءً عن الحالة لكن ما نريده ونحاول التخفيف من آثاره وذلك عندما قلنا بأن “الاستبداد لا يؤسس وطناً في غربي كوردستان” هو أن نخفف من حجم الاستبداد قدر الامكان وأن نستفيد من تجارب الآخرين وأخطائهم في النظم المستبدة وذلك من حيث الفترة الزمنية وتقصيرها واختصارها قدر الامكان وكذلك من حيث الكوارث والظلم الاجتماعي والسياسي والذي سوف نعاني منه في كانتوناتنا وأقاليمنا “الديمقراطية” اسماً والديكتاتورية فعلاً وممارسةً على الأرض .. وهكذا فإن كل من القادة والرموز الكورد: “سيادة الكاكه مسعود بارزاني؛ رئيس إقليم كوردستان (العراق) والسيد السروك عبد الله أوجلان والرئيس مام جلال طالباني الرئيس العراقي السابق” هم فعلياً “خطوط حمر” كوردية لمرحلة تاريخية تؤسس وطناً كوردياً سيكون حتماً _والحتمية هنا حتمية تاريخية_ ذات نظم استبدادية ديكتاتورية مرحلية ولكن ما نأمله ونعمل عليه هو أن لا يطول بنا تلك المرحلة الاستبدادية لكي ندخل بوابة الحضارة والمجتمعات المدنية الديمقراطية والليبراليات الحرة وذلك كما هو واقع الشعوب الأوربية والتي هي الأخرى عانت كثيراً من تلك النظم التوتاليتارية الاستبدادبة في مراحل سابقة من التاريخ الإنساني المليء بالمجازر والمحن والاستبداد والطغيان.
ملاحظة: المقالة ليس تبريراً للإستبداد .. ولكن قراءة في الواقع والتاريخ الإنساني حيث الطغيان إحدى سمات الدولة الديكتاتورية والتوتاليتارية.
[1]