=KTML_Bold=المنهج التجزيئي=KTML_End=
سلام فجر
تعتمد قوى الاستبداد الحاكمة في الشرق الأوسط منذ عقود منهجاً تجزيئياً في التعامل مع القضايا المصيرية للشعوب، وتدعمها في هذا التوجه القوى الدولية، فمثلاً لا يتم التعامل مع التنوع الثقافي والقومي وحقوق الإنسان والتعددية السياسية وترسيخ السلام ونزع السلاح وفقاً لمقياس واحد ولا برؤية عادلة، فالقوى الحاكمة ومعها السياسات الغربية تدعو إلى الديمقراطية في مكان وترفضها أو تتغاضى عن ضرورتها في مكان آخر، بل أن بعض الحكومات الاستبدادية تدافع عن الديمقراطية وتطالب بها لشعوب الدول الأخرى وترفضها لشعوبها بلا خجل من الانتهازية المكشوفة والتناقض الصارخ والنفاق العلني.
والتعامل مع القضية الكردية هو الأكثر فضائحية، فنظم الحكم في تركيا وإيران وسوريا والعراق تقمع الحراك السياسي الكردي في بلدانها وتعادي كل من يساند ويدعم الحقوق الكردية، لكنها انتقائية في اختيار الأحزاب والمواقف التي تريد استغلالها ضد الآخرين تحت ستار دعم الكرد، ولذلك تدعم من تريده لكن بشرط أساسي ثابت هو عدم التعامل مع القضية الكردية كحالة عامة واحدة وشاملة في جغرافية موحدة وثقافة متماسكة، وهو ما يعني رفض أي حل واقعي وشامل بل إن هذا التعامل يضمر إنكار وجود الكرد وحقوقهم في مقابل الاعتراف بزعيم ما أو حزب ما يحمل الهوية الكردية لكنه يلتزم بمحدودية المشروع والطموحات وأحياناً لا تتجاوز هذا الطموحات تأمين المصالح العائلية.
تحت ضغط المصالح الشخصية والعائلية والحزبية وبتأثير الأحداث الآنية، تورطت شخصيات وقوى كردية في تبني المنهج التجزيئي باعتباره حلا براغماتياً لأزماتها أو ضرورة مرحلية وهو نفس الخطأ الذي سقط فيه العرب بتعاملهم مع القضية الفلسطينية، وفي الحالتين صار التداول السياسي يتعامل مع قضية الكرد كأفراد وجماعات وليس مع قضية تاريخية وقومية وثقافية، كما يتم التعامل مع الفلسطينيين باعتبارهم مجموعات بحاجة لتأمين وتسهيل حياتها اليومية، وهكذا صارت القضيتان مرتعاً للانتفاع الحزبي والعائلي ومجرد حالة تستدعي التضامن العاطفي وبعض المساعدات والاستذكار الأرشيفي، بينما الواقع يغلي وينتج حقائق ميدانية وثقافية جديدة وتنمو أجيال أكثر وعياً وحماساً وتفهماً من القيادات والأحزاب “التاريخية”.
إن استمرار القوى الإقليمية والدولية بالتعامل التجزيئي المؤقت مع القضايا الكبرى والمصيرية، سيعرّضها إلى صدمات ومفاجآت لن تتمكن من التعامل معها، هي نتاج جيل مختلف من الشباب لا يهتم بمناورات ومؤامرات العجائز، التي تعود إلى بدايات القرن العشرين.[1]