=KTML_Bold=المرأة والميراث في الإدارة الذاتية=KTML_End=
عدنان مصطفى
تعدُّ المرأة في العصر النيوليتي صانعة الحضارة الإنسانية، ومصدر الخصب في الحياة، فهي التي كانت تقود المجتمع وعرفت عنها ب “أم المجتمع” لكن الحال انقلبت بعد أن اعتمد المجتمع على القوة العضلية وفرض الرجل سيطرته على المرأة، كما تخلت هي عن دورها القيادي للرجل، ووضعت في مكانة دونية، وبذلك اختل توازن المجتمع الإنساني.
المرأة تعرضت للتهميش والمعاناة في تحصيل حقها في الميراث، فكيف تنظر الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا التي أعلنت عنها في كانون الثاني من عام 2014، لهذه المعضلة؟
إن الإدارة الذاتية الديمقراطية في شمال وشرق سوريا ومنذ تأسسها منحت المرأة مكانة متقدمة في هيئاتها الإدارية كافة، وأقرت الإدارة تمثيل المرأة بنسبة 50% في هيئاتها. ومن أبرز ما نجده في الإدارة الذاتية هو مشاركة المرأة في الحاكمية المشتركة للمقاطعات والأقاليم التابعة للإدارة كافة، ولم تكتفِ بذلك، وإنما منحت المرأة الحق ببناء مؤسسات خاصة بها لإدارة شؤونها المجتمعية لتنمية المجتمع معها.
وللحديث أكثر عن حق المرأة في الميراث بالقوانين والتشريعات القضائية الخاصة بالمرأة، نرى أن الإدارة الذاتية أقرّت قانون “حماية المرأة”، والذي نصّ على “محاربة الذهنية السلطوية الرجعية في المجتمع” وجعلها واجباً على كلّ فرد في مناطق الإدارة.
كما أقرّ القانون “المساواة بين الرجل والمرأة” ومنحها حقّ الترشّح، والترشيح، وتولي المناصب كافة، إلى جانب ترسيخ “الرئاسات المشتركة” لكافة مؤسسات الإدارة الذاتية بالإضافة إلى تواجد ممثلات عنها في المجلس التشريعي لدى مناقشة سنّ أيّ تشريعٍ أو قانون سواء كان سياسياً أو اجتماعياً.
واهتم القانون ذاته بتفاصيل متعلّقة بتنظيم الحياة الاجتماعية للمرأة، حيث أكد على المساواة بين الرجل والمرأة في الرواتب، والشهادات الدراسية، كما منع “زواج القاصرات” بالإضافة إلى إلغاء المهر لدى الزواج لأنه “قيمة مادية هدفه استملاك المرأة”، وحلّ محله “مشاركة الطرفين في تأمين الحياة التشاركية”.
فيما يتعلق بالميراث في ميثاق العقد الاجتماعي المعمول به في مناطق شمال وشرق سوريا أكد المحامي ماهر شيكاكي: “أن قوانين الإدارة الذاتية لا تفرق بين الرجل والمرأة، في حال وجود أي دعاوى بهذا الخصوص بمعنى إن حصة المرأة في الميراث كحصة الرجل تماما بعكس ما هو معمول به في المحاكم الشرعية بسوريا والعديد من الدول العربية، والإسلامية، التي تشرع بأن للذكر مثل الأنثيين”.
فاليوم نتساءل عن النساء اللواتي تقطن هذه البقعة الجغرافية، هل هم يحصلون على حقوقهم الإرثية؟ أم إن العادات والتقاليد الاجتماعية لازالت تسيطر عليها، ولا تتيح لها المجال بالحصول على حقها بالإرث؟ وإن حصل، وطالبت المرأة بحقها من الإرث، فكيف يتجاوب القضاء على مطالبها حسب قوانينها؟
برأيي هنا يأتي دور تحالف منظمات مشروع حق المرأة في الميراث (منظمة تاء المربوطة، ومركز سمارت وجمعية نوجين) لتعلب دورها الإيجابي والفاعل في الإجابة على هذه الأسئلة من خلال جلساتهم الدورية مع ممثلي المؤسسات من النساء والإعلاميين والشخصيات البارزة وغيرهم، وأعتبر أن ما يقوم به تحالف منظمات من العمل بمثابة شمعة تلقي بنورها على حقوق المرأة المستضعفة، لنصرتها وتعزيز دورها ووعيها في المجتمع.
الحقوق القانونية للمرأة “حق الإرث”
تعدُّ معضلة استحقاق المرأة لحقها في الإرث من المعضلات المهمشة والمسكوت عنها في أغلب بلدان العالم.
شرعت منظمة الأمم المتحدة لحقوق الانسان، إنّ “جميع الناس يولدون أحراراً في الكرامة والحقوق” فعلى الرغم من أن منظمة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أصدرت مشروع قانون يمنح النساء حقوقاً متساوية في الإرث، إلا أن أكثر من 36 دولة من أصل 189 لا تمنح المرأة حقها في الإرث، وأنا برأيي الدول التي لا تمنح المرأة حقها في الإرث أكثر من 36 دولة بكثير.
يقول البنك الدولي في تقرير أصدره حديثا، بعنوان “المرأة والأعمال والقانون” إن “التكافؤ التام” يحدث في ست دول فقط، وهي (فرنسا، بلجكيا، لاتفيا، لوكسمبورغ، السويد، الدنمارك) ويضيف التقرير أيضاً: “أنه على مدار العقد الماضي أدخلت 131 دولة 174 تعديلاً على التشريعات واللوائح من شأنها تعزيز المساواة بين الجنسين”.
فهل الدول التي سنت القوانين من شأنها أن تحل هذه المعضلة؟ بالتأكيد لأن القوانين التي سنت على أساس منح المرأة حقها في الإرث، ما هي إلا بنود قد دونت دون تفعليها، والعمل عليها وأضف إلى ذلك أيضاً عدم تمكين وتفعيل دور المرأة كما ينبغي في الإطار القانوني، وعدم الأخذ برأيها، فهنا ثمة سؤال يطرح نفسه لماذا دائما الرجال هم الذين يتخذون القرارات المتعلقة بالمرأة بالنيابة عنها؟ إذن أين المرأة وأين كينونتها في سن قوانين تصون حقها وكرامتها؟ أين إرادة المرأة في تحديد مصيرها؟
إن غياب إرادة المرأة في تحديد مصيرها هو السبب الرئيس مما تعاني في شتى المجالات، وعلى وجه الخصوص استحقاق حقها في الإرث.
نستطيع القول: إن أعداداً مرعبة من النساء يتعرضن للظلم والتحايل في الإرث بحجج واهية، والكثير منهن التزمن الصمت لتجنب القطيعة والتفكيك الأسري.
فمثلاً في مجتمعنا الشرقي في أغلب الأحيان تكون المرأة محكومة ببعض العادات، والتقاليد البالية، التي تحرمها من حقوقها، وينظرون إليها على إنها ستتزوج رجلاً من عائلة أخرى، ولا يحق لها أن ترث شيئاً، أي أن الأب والأخوة الذكور يعدون بأن مالهم يذهب للغريب وعندما تفكر المرأة المطالبة بحقها في الإرث تجد نفسها مذنبة ومحاربة من قبل عائلتها، وإن تجرأت وطالبت بحقها عبر القضاء فحينها لا تمتلك الأوراق اللازمة لإثبات الميراث الذي يكون الأب بدوره قد اعطاها لأبنائه الذكور دوناً عنها.
قد نتساءل هنا كيف يتم التوريث في المحاكم دون النظر لحقوق الإناث لنفس الأخوة أو كيف يتم التنازل عن حق الإناث لصالح الأخوة في المحاكم؟ ولماذا لا تتساوى المرأة مع الرجل في حق الإرث في وجه القانون؟
بالرغم من وجود القوانين والتشريعات سواء كانت دولية أو محلية تبقى ضعيفة لمواجهة هذه أو تلك الظاهرة والتي بالكاد تستطيع استرداد جزء بسيط من تلك الحقوق بعد معاناة قد تطول سنوات.
لحل هكذا معضلة والكثير من المعضلات الأخرى أرى من الضروري جداً أن نعمل على تحرير أنفسنا من المعتقدات البالية والقبول بالمرأة كجنس متساو مع الرجل بجميع حقوقها وكما يجيب تحرير المرأة وإعادة إرادتها المسلوبة إليها، فمن غير الممكن أن يكون المجتمع متقدماً حضارياً بغير المرأة الحرة. فنحن الآن بحاجة إلى تمكين دور المرأة في الحياة وإعادة تفعيل دورها كما كانت قديماً.
إن تحالف منظمات مشروع حق المرأة في الميراث يقومون بدور ريادي وهام في المجتمع في سبيل توعية المرأة وإبراز دورها في المجتمع، إضافة إلى هيئات المرأة والتنظيمات النسائية في شمال وشرق سوريا، فهذه الجهات العاملة في هذا الحقل استطاعت أن تُحدثْ نقلة ولفتة مهمة لقضية المرأة من خلال عقد سلسة من الجلسات التي تهتم لقضية استحقاق المرأة لحقها في الإرث، فهذه الجلسات أراها مهمة وضرورية لتوعية المرأة من الناحية القانونية والاجتماعية في سبيل التعرف على حقوقها والمطالبة بها. بجانب ذلك على تحالف المنظمات أن توسع رقعة جغرافيتها في هذا الإطار بهدف الوصول لأكبر عدد ممكن من النساء وينبغي أن يسلطوا الأضواء من الناحية الإعلامية على عملهم بشكل سليم وأن تتروج عبر المواقع التواصل الاجتماعي. سيكون من الجميل جدا أن تقدم تحالفات المنظمات في نهاية مشروعها مسودة أو مذكرة لمنظمة الأمم المتحدة تطالب من خلالها حماية حقوق المرأة في الإرث قانونيا وبالتساوي مع الرجل وأن تدعم المرأة أينما كانت.[1]