=KTML_Bold=ماذا بعد مائة عام من #لوزان# ؟=KTML_End=
شرفان سيف الدين
بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914م وبدء تبلور أقطاب الصّراع ما بين دول الحلفاء ودول المحور، بدأت الدول الغربية مبكراً في توزيع الكعكة فيما بينهم؛ لأنهم ضمنوا الحرب لصالحهم، ونخص بالذكر هنا القوى المركزية من المملكة المتحدة وفرنسا، حيث بدأت هاتان القوتان على وجه الخصوص بتقسيم الحصص وغنائم الحرب فيما بينهم على أساس جغرافي دون النظر إلى الجانب الأخلاقي، أو الإنساني للتجمعات البشرية والعرقية والعقائدية، أو احترام الخصوصية للفئات والمجتمعات، وتعدُّ اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م هي اللبنة الأولى لتقسيم المقسم، وتشكيل الدولة القومية بشكلها الحالي في عموم المنطقة.
والشعب الكردي هو المتضرر الأكبر في عموم المنطقة من هذا الاتفاق، فقد تم فيها تقسيم كردستان جغرافياً إلى أربعة أجزاء أو خمسة، إذا ما أضفنا لها الجغرافية الكردية الممتدة لحدود أرمينيا وروسيا بشكل فعلي، إضافة إلى تشرذمهم بين عدة قوميات مختلفة تماماً، أما بعد انتهاء الحرب بشكلها الفعلي والرسمي عام 1918م، بدأت الدول الغربية، أو ما كانت تعرف بالحلفاء المنتصرين على دول المحور الشرقية بالتقسيم الفعلي للأراضي والجغرافيا، فكانت تركة الرجل المريض (الدولة العثمانية المتهالكة) هي الجزء المربح وذات الأولوية المباشرة للجميع، فهي التي كانت تعدُّ الأغنى من حيث الجغرافية، وموقعها الجيوسياسي وثرواتها الطبيعية والبشرية…..الخ، وفعلاً تم التقسيم على الأساس السابق المتفق عليه نظرياً فيما بينهم.
بدأت الجلسات والمعاهدات والمؤتمرات بالانعقاد فيما بين المنتصرين بداية من مؤتمر الصلح في باريس 1919م، ومن ثم معاهدة سيفر في العاشر من آب 1920م، هذه المعاهدة التي تعد رصاصة الرحمة في نعش الدولة والخلافة العثمانية وأمجادها وتاريخها.
بطبيعة الحال لم يكن العثمانيون الجدد وقتها راضين عن هذه الاتفاقية، ولكن إجبار المنتصر ومرارة الهزيمة كان لها وقعها، فتتالى فيما بعد أيضاً التوقيع على عدة اتفاقيات مثل اتفاقية موسكو مع الاتحاد السوفياتي، واتفاقية أنقرة مع فرنسا، ومعاهدة ألكسندر وبول مع الأرمن وقارص، ومودانيا مع المملكة المتحدة، وربما كانت اتفاقية لوزان في 24-07-1923م بمثابة التتويج النهائي، أو المحصلة النهائية لكل ما سبق.
اتفاقية لوزان المؤلفة من 143 بنداً أو فقرة كانت بمثابة الضربة القاصمة للشعب الكردي على وجه الخصوص في نيل حريته القومية، وذلك لعدم وجود أي ممثل عنهم، أو حتى ذكرهم في أي بند خاص بهم من بنود هذه الاتفاقية، أو حتى مجرد ذكرهم في أي من البنود، رغم ذكرهم بالاسم الصريح في اتفاقية سيفر ضمن بنودها ال 62 – 63 – 64 وذلك بوجوب حقهم في تقرير مصيرهم ضمن مدة زمنية معينة، والمحافظة على خصوصيتهم أيضاً.
لماذا تم إهمال الكرد في لوزان؟
لا يخفى على الباحثين والمهتمين بتاريخ المنطقة، أن الكرد هم من أكبر المتضررين الأساسيين من اتفاقية لوزان كما ذكرنا سابقاً، وربما يعود أسباب إهمالهم وتجاهلهم إلى عدة أسباب، يمكننا ذكر بعضها فيما يلي:
أسباب داخلية أو ذاتية خاصة بالكرد:
عدم وجود قوة عسكرية كردية خاصة بالكرد، والمطالبة بحقوقهم القومية والوطنية.
عدم وجود وحدة خاصة بالكرد أو وجود ممثلية سياسية ومدنية، أو دبلوماسية قوية خاصة بهم.
التشرذم في وحدة القرار الكردي والضعف في الشخصية الكردية.
تسلط بعض الشخصيات الكردية من أغوات، وبكوات ومخاتير وملالي على القرار الكردي، والتي كانت تتصف بالتوجه الأصولي، والتي كانت تفضل مصالحها الضيقة والشخصية على المصلحة الكردية القومية والوطنية العليا.
أسباب خارجية متعلقة بالقوة المنتصرة والمهزومة:
مما لا شك فيه إن الدول الكبرى الغربية، والمنتصرة في الحرب العالمية، لم تكن حقوق الإنسان أو الحريات، في أجنداتها، بقدر ما يكون اهتمامها على الجانب الاقتصادي وكيفية استعادة خسائرها المادية، وتفادي الأزمات الاقتصادية الناجمة بعد الحرب، وعليه فإن خلق الأزمات الداخلية، وخلق حالة الفقر والحاجة، والعوز، وانتشار الجهل بين المجتمعات، وبذلك إدراجهم بين طبقات، وفئات ستحدد فيما بعد مستويات لهم، وجعلهم دولاً وشعوباً، تندرج تحت مسمى دول العالم الثالث أو الدول النامية، وبالتالي فإن ضياع الأمة الكردية وتوزعها بين القوميات والجغرافيات الأخرى، لن يكون بالمشكلة الكبرى فيمل يتعلق بهم.
=KTML_Bold=هل تم القضاء على الكرد أو القضية الكردية أو كردستان؟=KTML_End=
بجواب مختصر يمكننا القول: (لا)، لماذا لا؟ فالمخطط الزماني والمكاني للثورات الكردية منذ لوزان وحتى يومنا هذا، في قيام العشرات من الثورات والانتفاضات الكردية في عموم جغرافية كردستان، كانت الرد الصريح والواضح على حالة التقسيم الجغرافي لكردستان، ويعدُّ الكرد أكبر قومية على وجه الكرة الأرضية بدون إطار سياسي أو جغرافي، أو يمكننا القول (بدون دولة) حسب المصطلح القانوني الدولي، ولكن بالرغم من ذلك يعد الشعب الكردي من الشعوب الأصيلة والقليلة، التي حافظت على موروثها التاريخي من لغة، وعادات، وتقاليد، وثقافة، (الملبس والمأكل) والفلكلور الغنائي، والفني، فالموروث الثقافي الغنائي الكردي أكبر موروث شفهي موثوق ومتنقل عبر الأجيال، وقد اعتمد عليه الكثير من المؤرخين والباحثين كمستندات، وحقائق ودلائل على تأصل الشعب الكردي عبر التاريخ.
ما يجري اليوم هل يشبه الأمس؟
بكل تأكيد يمكننا مقارنة اليوم بالأمس، فلا يخفى على أحد أن المؤامرات ضد الشعب الكردي لم تتوقف خلال مائة عام سابقة، فكلما كانت الثورات الكردية تشتد وتتعاظم لنيل حقوقها الوطنية والقومية، كان في المقابل تشتد القوة الحاكمة، والأنظمة المتعاقبة على احتلال كردستان بالمزيد من الضغوط عليها، وأكبر دليل هو ما يجري اليوم في روج آفا بالرغم من أن الكرد بيدهم مفتاح الحل للازمة السورية، إلا أنه يجابه وبكل السبل للقمع العسكري والفكري، على الرغم من الطرح المعتدل والمتوازن، واحتواء جميع الشعوب، وإيجاد الحلول لجميع المشاكل العالقة، وذلك من خلال طرح مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية، تحت مظلة الأمة الديمقراطية والتي تتبناها معظم الشعوب في شمال وشرق سوريا، على أنه الحل الأنسب والأمثل لما نعيشه من أزمة، إلا أن تعنت عاصمة القرار دمشق من طرف، ومعاداة النظام الحاكم في تركيا لهذا المشروع يجعله صعب التحقيق، رغم أن النظرة السياسية والعسكرية بين النظامين السوري والتركي متباعدة مائة وثمانين درجة، لرؤى الحل المستقبلي في سوريا. كذلك تجربة باشور “جنوب” كردستان، يطالبون باستقلال الإقليم، وبالرغم من أن النسبة في الاستفتاء الذي جرى بلغت 90 بالمائة، ولكن الدول المجاورة الإقليمية كانت بالمرصاد لهذا الاستفتاء، ومنع نتائجه وعدم الاعتراف بها مطلقاً، وتضييق الخناق الاقتصادي على الإقليم للتراجع عنه.
ما المطلوب من الكرد في الوقت الحالي، وكيف يمكننا تجاوز لوزان؟
اليوم الكرد وجميع شعوب المنطقة من أعراق وديانات أخرى مطالبة بالتكاتف مع بعضها، لأن مستقبل المنطقة يعاد رسمه بأيدٍ خارجية دون العودة إلى متطلبات المجتمعات المتعايشة، وكمثال بسيط اتفاقيات آستانا بجلساتها العشرين، والتي بدأت بمشاريع فرز عسكرية ما بين النظام السوري، والمعارضة المسلحة، إلى تقسيم جغرافي وجلسات دورية للتطبيع، وعودة العلاقات وضرب للمشاريع الوطنية لحل الأزمة السورية ورسم خرائط ومسميات ومفردات جديدة للتوزع. اليوم وأكثر من أي وقت مضى، الشعب الكردي عموماً والنخبة السياسية خصوصاً مطالبٌ ب:
حماية المكتسبات الكردية الحالية بغض النظر عن الجغرافية والأيديولوجية والنظر إليها على أنها مكتسبات كردية بالدرجة الأولى.
على الحركة السياسية خلق جو مناسب والعودة غير المشروطة إلى مشروع المؤتمر القومي الكردستاني، ووضع الأمن القومي الكردي فوق كل اعتبار.
توحيد الرؤية والخطاب الكردي في المحافل الدولية، والتي يجب أن تركز على حقوق الشعب الكردي بالدرجة الأولى.
الضغط على المجتمع الدولي للاعتراف بالإدارة الكردية الموجودة على أرض الواقع وإضفاء الشرعية الدولية عليها.
العمل على إبطال اتفاقية لوزان في المحافل الدولية، وخلق البديل المناسب لها في المحافظة على حقوق الشعوب في تقرير مصيره واحترام القيم الإنسانية.
لابد من تغيير ما كان في السابق لكيلا يكتب عنا فيما سيأتي، أن الكرد كانوا من دون إرادة أو إدارة، أن التضحيات الجسام، التي تضحي بها أمهاتنا من فلذات أكبادهن من أجل وطن حر وشخصية كردية راسخة يجب أن تكون بنتائج ملموسة، ويجب على الشخصية الكردية التخلص من تلك الشخصية المهزومة غير الواثقة من نفسها، هكذا فقط يمكن للكرد أن يكتبوا التاريخ لأنفسهم، لا لغيرهم كما في كل مرة، وهكذا فقط يكون رد الجميل للدماء الطاهرة المسالة على هذا التراب الغالي.[1]