=KTML_Bold=روسيا وتركيا مصالح مشتركة والقضية الكردية في بازار سياسي=KTML_End=
منبج/ آزاد كردي
تتجه الأنظار في الشأن السوري، إذا ما ذُكر طرفا النزاع، إلى الدول الراعية لحكومة دمشق نحو روسيا، والمعارضة نحو تركيا، لكن ما حدث مؤخراً الوصول لعقد تقارب بين تركيا وسوريا بعد عقد من الركود بين البلدين، في إشارة، بأنهما في خطا تفاهم غير معلن لتهديد #القضية الكردية# .
اجتمع وزراء دفاع روسيا، وتركيا، وسوريا، في لقاء غير مسبوق، في موسكو ضمن مباحثات ثلاثية بمشاركة قادة الأجهزة الاستخباراتية في الدول الثلاث، ويعد هذا اللقاء الأبرز في الملف السوري، بالنظر إلى أنه إحدى الخطوات الجديدة في مسار التقارب السوري التركي بعد عشر سنوات من العداوة، وبحث الاجتماع سبل حل الأزمة السورية، ومشكلة اللاجئين بالإضافة إلى الجهود المشتركة لمحاربة من وصفتهم بالتنظيمات الإرهابية في سوريا.
ومن المفيد توضيح، ماهية العلاقة، التي تربط بين روسيا وتركيا؟، وهل باستطاعة روسيا فصل تركيا وإبعادها عن الناتو؟، وما تأثير هذا العلاقة بين البلدين على القضية الكردية؟
=KTML_Bold=العلاقة بين روسيا وتركيا=KTML_End=
تمتد العلاقة بين البلدين إلى سبعينات القرن الماضي، وكانت تركيا قبل ذلك فوجئت برسالة الرئيس الأمريكي، ليندون جونسون، التهديدية بخصوص قبرص؛ ما دفع تركيا إلى القيام بمراجعة لسياساتها الخارجية، وانتهت إلى ضرورة إقامة علاقات مع الاتحاد السوفييتي لتحقيق شيء من التوازن، واعتبرت فترة التسعينات من أهم المراحل فتوراً بين البلدين نتيجة الاضطراب السياسي، الذي عاشته تركيا وتدهور أوضاع روسيا الاقتصادية، وهو ما لم يساعد على إحراز أي تقدم ملموس في علاقاتهما، إلا أن تلك الفترة شهدت انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991، ومع مطلع القرن الجديد بدأت صفحة من التعاون الجاد مع تولي بوتين الرئاسة في روسيا، وبداية حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا، واتسم هذا التعاون بتعزيز العلاقات مع المحيط الإقليمي، وتوفير الشروط الضرورية لإطلاق نهوض اقتصادي، واستند هذا التعاون على أرضية تبادل عشرات الزيارات للبلدين، وتشكيل مجلس تعاون عالي المستوى؛ لبحث وإقرار سبل التعاون بين الدولتين، ووُقِّعت عشرات الاتفاقيات الاقتصادية، والتجارية، والثقافية بينهما، وكادت العلاقة أن تتعرض لأزمة حادة بعد قيام طيار تركي بإسقاط طائرة عسكرية روسية متمركزة في سوريا، اخترقت المجال الجوي التركي، لكن سخونة الأجواء تبددت من خلال الموقف الروسي المساند لتركيا على أثر المحاولة الانقلابية في تركيا في صيف عام 2016، وازدادت الثقة بين البلدين على مستوى مصالح مشتركة بمنح روسيا عقد إنشاء أول مفاعل نووي تركي لتوليد الكهرباء؛ أما الثانية فتعلقت بشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية إس-400، بالرغم من المعارضة الأمريكية الحادة، وارتفع نسق الإطار الدبلوماسي مع بداية العملية الروسية العسكرية في أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي أثر اختيار مدينة إسطنبول مكاناً للتفاوض بين البلدين على الرغم من أن الاتفاق أولي، ولكن اللمسات الأخيرة تطلبت عقد لقاء بين الرئيسين، الروسي والأوكراني، ولم تقف هذه العلاقة عند هذا المستوى، بل أخذت طابعاً استراتيجياً مع الاستجابة التركية للعرض الروسي لتحويل تركيا إلى مركز دولي لتوزيع الغاز الروسي، سيما بعد توقف العمل كلياً في نوردستريم، الذي ينقل الغاز الروسي إلى دول شمال وغرب أوروبا.
أما فيما يخص الوضع السوري حيث دخلت روسيا خط المعادلة السورية في خريف عام 2015 إثر وقوفها كحليف للرئيس الأسد، واللقاء الذي جمع روسيا وتركيا في وضع خرائط غير مجدية للحل السوري من خفض تصعيد، واتفاق سوتشي، وآستانا ولم يتوقف الأمر على الجانب السياسي بل أفسحت روسيا المجال أمام تركيا للقيام بثلاث هجمات عدوانية احتلالية كبيرة في الشمال السوري، بموافقة روسية ضمنية: ما تسمى بدرع الفرات (آب 2016)، وغصن الزيتون (كانون الثاني 2018)، ونبع السلام (تشرين الأول 2019).
هل باستطاعة روسيا إخراج تركيا من حلف الناتو؟
ما من شك، أن العلاقة بين روسيا وتركيا لم تكن تصل لهذا المستوى المتقدم، والتطور لولا أن الأخيرة بدأت تغير من سياستها على الصعيد الإقليمي والدولي محاولة إتباع سياسة انفتاح عسكري، واقتصادي، وبالأخص مع روسيا، وبرغم من أن تركيا من أوائل الدول، التي انضمت لحلف الناتو في 18 شباط في عام 1952 لكنها وجدت أنها طيلة خمسة عقود على شفا جرف من الانهيار، ووجدت أن الانفتاح إلى الشرق قد يكون مخرجها من عنق الزجاجة، لتلقي مع روسيا بالتوجه ذاته في الوصول إلى شواطئ المتوسط، وازدادت هذه الرغبة في توطيد العلاقات، حين عقدت تركيا مفاوضات مع روسيا لشراء إس-400 على خلفية تجاهل الناتو والغرب تزويد تركيا ببطارية باتريوت على مدى أكثر من ثلاثة عقود، ومع الوقت ازداد إلحاح تركيا للحصول على أنظمة دفاعية صاروخية سيما بعد دعم الولايات المتحدة الأمريكية لقوات سوريا الديمقراطية، في قتالها ضد مرتزقة داعش، التي عززت فيها تركيا من مخاوفها الأمنية، حسب اعتقادها المزعوم، وكان لدخول روسيا في الصراع السوري لحظة مناسبة لتركيا للتفاوض مع روسيا للحصول على إس-400 خاصة أن الغرب ساندها في دعم المعارضة، ثم أدار له ظهرها في مطالبها بحماية حدودها الجنوبية، وازداد الوضع سوءاً في تموز 2016، حين اتهمت الحكومة التركية ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية في محاولة الانقلاب على الحكومة التركية، بدعمها لرجل الدين التركي فتح الله غولن، الذي يعيش في المنفى بالولايات المتحدة، كل هذه الأجواء مهدت لروسيا سحب تركيا من حلف الناتو إضافة إلى آثار العملية العسكرية الروسية على أوكرانيا حيث ازداد الدور التركي وسيطاً فعالاً بين الناتو، وروسيا ناهيك عن ملفات أخرى تجعل تركيا ورقة مهمة لكثير من القضايا في المنطقة بيد روسيا.
=KTML_Bold=ما تأثير العلاقة بين البلدين على القضية الكردية؟=KTML_End=
لا تحتاج القضية الكردية فيما يتعلق بتركيا إلى توضيح، فهي واضحة وضوح الشمس من عداء شديد للكرد، الذين وقعوا في بلاء النظام القوموي التركي الرافض لأي حقوق للشعب الكردي وثقافتهم وانتمائهم، لا بل يمكن القول: إن الخطر يتهدد حتى وجودهم نتيجة أساليب الحديد والنار الممارس بحقهم من منع التحدث بلغتهم وشعائرهم وطقوسهم، ولا تعترف تركيا بأي حقوق للكرد على أرضهم، منذ عقد اتفاقية لوزان في عام 1923 التي نسفت بكل ما جاء من حقوق للكرد في معاهدة سيفر في عام 1920، هذا الإرث من الإنكار، لم يتغير مع الوقت، حتى مع مضي قرن من هذا التاريخ، وتركيا لا تتوانى عن استخدام أي وسيلة تدميرية من أجل سحق الكرد، حتى أن أحد القادة الأتراك قال: “لو أقام الكرد دولة لهم في الأرجنتين لذهبنا إليها، وحاربناهم فيها وقضينا عليها”، ولم يتغير من الحال شيء يذكر في الوقت الراهن في عهد حزب العدالة والتنمية تجاه القضية الكردية؛ ذلك أن هذه السياسة راسخة ومتجذرة في صميم الذهنية التركية، التي ترفض الاعتراف بأي حقوق مشروعة حتى دون الحد الأدنى من القبول، وشهد العقد الأخير الكثير من الشواهد الحية، التي حاولت تركيا القيام بها من أجل عرقلة أي مشروع نهضوي تحرري للكرد، فمارست الحرب والاستيلاء على الأراضي في مناطق عدة من سوريا من بينها مدينة عفرين المحتلة، وسمحت بالتغيير الديموغرافي في المناطق، التي تسيطر عليها وسرقت الآثار، ونهبت كل ما يمكن حمله أو تخريبه وغيرها من الأعمال، التي لا تمت للإنسانية بصلة.
أما روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، الذي أجهض أول حلم حقيقي لنشوء دولة كردية، وهي جمهورية مهاباد في عام 1949 بانسحابها من مواقعها في أقصى شمال غرب إيران، والتي دخلتها تحت ذريعة تعاطف شاه إيران رضا بهلوي مع هتلر لتقوم إيران فيما بعد بإعدام قاضي محمد زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني رئيس الإقليم، بينما أصبح مصطفى بارزاني، والد الرئيس الكردي الحالي مسعود البرزاني، قائداً عاماً، وإذا كان قد مر على هذه الحادثة 65 عاماً منذ التدخل الروسي بالشأن السوري، حيث لا وجود من فروق سوى أن روسيا تمارس مع الكرد دور المرابي على حساب القضية الكردية في سوريا، ومحاولتها الاستفادة من هذه القضية لإيجاد بازارات ومساومات على كثير من القضايا في سوريا، وأهمها تجنيب منطقة شمال وشرق سوريا من أي عدوان لتركيا، والحيلولة دون ممارسة ضغوط من حكومة دمشق، لهذه الاعتبارات وغيرها نشطت الدبلوماسية الروسية في الآونة الأخيرة في إحداث تقارب بين تركيا وسوريا من أجل ضرب المشروع الديمقراطي الحقيقي في سوريا، ومما سبق يمكن توضيح بعض المحددات، التي تربط العلاقة بين روسيا وتركيا حول القضية الكردية وهي: أن الدولتين بعيدتان عن مفهوم الديمقراطية، ولذا فإن أي طروح حول مناقشة أي حوارات بين الحكومة والشعب السوري بمكوناته كلها، مصيرها أدراج الرياح نتيجة التشبث بالقوموية الشوفونية، التي لا تعترف بالآخر سواء من تركيا أو روسيا، وإن كانت الأخيرة تبدي مرونة أكثر على الأقل، أما المدد الآخر فالدولتان كلاهما تريان أن إنهاء القضية الكردية في سوريا، ينبغي أن يبدأ من إيجاد شرخ في العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية، أو التحالف الدولي وحليفها الاستراتيجي قوات سوريا الديمقراطية، وإخراجها من المنطقة بالطرق الممكنة كلها.[1]