=KTML_Bold=الجعجعة التركيَّة تَتَطلّع لتحقيق أطماعها في تنفيّذ “الميثاق الملّي” والهُروب من الأزمات الداخليَّة العاصفة=KTML_End=
برخدان جيان
ما إن توقفت تصريحات المسؤولين الأتراك بشأن قضية اللاجئين السوريين المتواجدين على أرضيها، وترويجهم لمخططات التغيير الديمغرافي من خلال مضيهم بسياسة التوطين، وإدخال المزيد من اللاجئين السوريين، وبناء المستوطنات الممولة من قبل دول خليجية، ومنظمات متطرفة على الأراضي السوريّة التي تحتلها حتى أطلق رأس النظام التركي أردوغان تصريحات جديدة في نية منه للمضي باحتلال المزيد من الأراضي السوريّة تنفيذاً لما يُعرف ب “الميثاق الملّي”… ورغبة منه في إعادة أمجاد أسلافه العثمانيين الذين احتلوا المنطقة وشعوبها لمئات السنين ومارسوا فيهم القتل والمجازر ولم يجلبوا سوى الدمار والجهل وأساليب القتل الوحشية…. في حين يعتقد مراقبون بأن أردوغان يمضي في مغامرة كبيرة، وغير محسوبة العواقب بسبب اختلاف التوازنات الدولية عما كانت تاريخياً، ومخاطر تغيرها بين ليلة وضحاها، وخاصةً بعد اندلاع الحرب الأوكرانية الروسية من جهة، والعمل على الإيقاع بالنظام التركي من جهة أخرى من قبل دول الهيمنة، وإضعافها عبر إقحامها في الحروب المستقبلية…
وتوضح الخلفية التاريخية للأسباب العدوانية والتدخّلات التركية على الأراضي السوريّة، ومناطق باشور كردستان مدى أطماعها الاستعمارية، والتي يسعى من خلالها أردوغان لاحتلالها عبر شرعنة هذه الممارسات باتفاقيات تاريخية لأحياء ما يُعرف بالميثاق الملي العثماني.
لا ينفك أردوغان عن الحديث عن أن تركيا ما بعد عام 2023 لن تكون كما قبله، في إشارة منه إلى اقتراب مئوية “اتفاقية لوزان” التاريخية التي قضت على حلم أسلافه العثمانيين في العودة للهيمنة على المنطقة من جديد، بعد توقيع هذه الاتفاقية عام 1923م، عقب الخسارة التي مُنيت بها الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وإجبارها على التنازل عن قسم كبير من الأراضي التي كانت تحتلها حيث تم ترسيم حدودها الحالية من قبل الدول الغربية المنتصرة، وقضم أجزاء كبيرة من الأراضي السوريّة، وأجزاء واسعة من أراضي كردستان التاريخية.
ويعتقد “محللون” بأن أردوغان وقادة حزبه الحاكم “العدالة والتنمية” يرون في “الميثاق الملّي” الرافض لحدود ما يُعرف ب “الجمهورية التركية المعاصرة” أساساً لمطامعهم الاستعمارية التي تهدف إلى إعادة إحياء العثمانية من جديد، والبدء بهذا المخطط باحتلال الأراضي السوريّة، والكردستانية، والتوسع في الاحتلال رويداً رويداً من منطلق ما يُعرف ب “الحقوق التاريخية لتركيا” وهذا ما تترجمه ممارسات أردوغان، وتصريحاته التي أطلقها منذ سنوات في مناسبات عدة منها (الذكرى الثامنة والتسعين لاتفاقية لوزان)، حيث صرّح علناً إلى أن عملياته العدوانية الاحتلالية في مناطق عدة بدءاً من سوريا وليبيا، ومروراً بشرق البحر المتوسط تشكل نجاحاً ونصراً لما يُعرف ب “الحقوق التاريخية لتركيا”.
يبدو بأن اتفاقية “لوزان” تُشكل كابوساً مزعجاً لأردوغان، وقادة حزبه مما دفعهم في أكثر من مناسبة إلى المطالبة بتحديث هذه الاتفاقية كما حدث خلال زيارته لليونان في نهاية عام 2017، وتأكيده على أنَّها خسارة لبلاده، في خطوة تفضح مساعيه وحزبه في قيادة الدولة التركية الحالية نحو المضي بالسياسة العدوانية الرامية إلى احتلال المزيد من الأراضي التي كانت سابقاً مناطق محتلة على يد أسلافه العثمانيين، وهذه التصريحات فجّرت حينئذ الجدل وسط الشارع التركي المعارض لسياسة أردوغان وحزبه الرافضين لها، والمدركين تماماً أبعاد هذه السياسة الاستعمارية، والتي ستُعرّض تركيا للتقسيم، والتفتت.
يرى “مؤرخون” بأن مؤسس ما يُعرف ب “الجمهورية التركية الحديثة” مصطفى كمال أتاتورك هو من قبل ببنود اتفاقية “لوزان” على أن تتماشى مع الميثاق الملي، ومن أجل التخلص من اتفاقية (سيفر) عام 1920، والتي تعترف بدولتين للشعبين الكُردي، والأرمني ضمن حدود تركيا الحالية، وهذا ما يُعتبر خيانة لشعوب المنطقة من قبل الدول الغربية، وأتاتورك، ومحاباة للحكومات التركية اللاحقة التي قمعت بالقوة عشرات الثورات والانتفاضات للشعبين الأرمني والكردي الساعية إلى الاستقلال، والتي راح ضحيتها الآلاف من الأرمن والكرد، ولازالت الدولة التركية لا تعترف بما حدث من مجازر وإبادة للشعبين حتى هذه اللحظة.
وبالتوازي مع ما قام به “أتاتورك” من غدر وخيانة للشعبين الكردي والأرمني وشعوب المنطقة ككل، يعتقد “مُطلعون” بأن أردوغان يسعى إلى اتباع ذات السياسة من خلال التخلص من “لوزان” والعودة إلى الميثاق الملي في خطوة من شأنها التماشي مع الروح الاستعمارية لحكومته، والتخطيط لاحتلال أراضي شاسعة من أراضي كردستان التاريخية، والأراضي السورية والعربية من خلال توسيع نفوذه في ليبيا، ودول الجوار الجغرافي كقبرص والقوقاز… وغيرها من المناطق في إطار ما تُطلق عليه تركيا “حماية الأمن القومي”، ولعل هذا ما يفسر النزعة العسكرية التركية في القوس الجغرافي الممتد من إدلب في شمال غرب سوريا إلى شمال وشرق سوريا وإقليم باشور كردستان، مروراً بمدن دير الزور والرقة والموصل ووصولاً إلى شنكال، إذ تتحدث دولة الاحتلال التركي عن “حقوق تاريخية” لها في هذه المناطق، ولسان حال أردوغان يقول: “إما أن تكون هذه المناطق تحت نفوذ تركيا، أو أن تقلب تركيا الحدود على أهلها”، ما يوضح النزعة الاستعمارية التركية، ويهدد أطماع أردوغان الطاغي باستدعاء جزء من التاريخ لتبرير تدخّلاته في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، وذلك منذ صعوده إلى السلطة في تركيا منذ عام 2002، وهو ما يفسر سبب التدخّلات التركية المباشرة في دول الجوار، وخاصةً مع اندلاع الأزمة السوريّة عام 2011م.
ويفسر “محللون” التصرفات التركية الحالية من خلال التهديد المستمر، والمحافظة على حالة عدم الاستقرار، وارتكاب التجاوزات بالرغم من الاتفاقات الدولية مع الدول المتواجدة على الأراضي السوريّة، وفي مناطق باشور كردستان تندرج ضمن الأطماع التي يتطلع أردوغان لتحقيقها بتنفيذ بنود الميثاق الملي الذى يستند عليه، وذلك لإيجاد مخرج للمشكلات التي تعاني منها تركيا بسبب سياساته، واستفزازاته المستمرة بالتدخّل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة وغيرها، وفي التوقيت نفسه، لا يمكن فصل هذه النزعة التركية عما جرى في العالم العربي خلال العقد الماضي من تمردات وأحداث أمنية وفوضى، إذ تعتقد تركيا أن التطورات التي جرت في العالم خلال هذا العقد سنحت لحزب “العدالة والتنمية” الحاكم بإخراج أيديولوجيته من الغرف السرية إلى أرض الواقع، عبر استخدام جماعات الإسلام السياسي، وتحديداً الإخوان، لقلب المشهد السياسي في العالم، قبل أن تتلقى تركيا ضربة قاصمة لمشروعها الإقليمي في مصر، عندما انتفض الشعب المصري ضد حكم الإخوان في 2013، وصولاً إلى ما جرى في تونس من سقوط شعبي لحركة النهضة الإخوانية.
وتتناسى تركيا أنها ليست قوة عظمى، وأنها دولة عاجزة عن حل أبسط مشكلاتها الداخلية، وعليه يمكن القول: “إن أوهام تركيا بالتخلص من اتفاقية “لوزان” لصالح العودة إلى الميثاق الملي، أي احتلال أراض جديدة في المنطقة، ليست سوى أوهام ولّدتها الفوضى، فقضية تغيير الاتفاقيات الدولية أكبر من قدرة تركيا، وحجمها وأحلامها، تلك الأحلام التي ورطت تركيا في حروب لا نهائية، إلى درجة ألا أحد يعرف كم حرباً يحتاج إليها أردوغان ليرمم شعبيته في الداخل، ويفوز في الانتخابات المقررة في عام 2023، متجاهلاً انهيار حزبه وتفككه، وتعالي الأصوات المطالبة في الداخل برحيله على وقع تفاقم الأزمات المعيشية، وانهيار قيمة الليرة التركية مقابل الدولار.
ويحاول “أردوغان” استعادة أمجاد الدولة العثمانية التي تقلدت هزيمة قاسية في الحرب العالمية الأولى أجبرتها على توقيع هدنة “مودروس” مع الحلفاء في عام 1918، لذلك سارعوا للتوقيع على ما يسمى ب “الميثاق الملي”، وهو الاتفاق الموقّع في 28-02-1920، إثر هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى وسقوط معظم الأراضي التي كانت تُهيمن عليها في يد الحلفاء، واتفق النواب الأتراك حينها على أن ما يُعرف ب “الأمة العثمانية” جزء لا يتجزأ، وتم وضع خارطة للأراضي التي سيتم العمل على احتلالها واحتوت تلك الخارطة، إضافة إلى حدود الجمهورية التركية الحالية، في الناحية الشرقية إقليم باشور كردستان الحالي، والموصل، وأجزاء واسعة من المناطق ذات الغالبية العربية السنية، وفى سوريا تشتمل على مناطق من حلب وأجزاء واسعة من شمال سوريا التي يقطنها خليط عربي كردي، وعليه تمضي الدولة التركية المحتلة في سياستها الاحتلالية والمضي بتطبيق ما يعرف ب ” الميثاق الملي” عبر إحياء داعش من جديد، وهذا ما أثبتته حادثة “سجن غويران” في الحسكة منذ فترة عن تلقي مرتزقة داعش لتعليمات من أجهزة الاستخبارات التركية للتحرك، لضمان عودة داعش إلى المنطقة مما يعني المضي بتطبيق “ميثاقها الملي” بطُرق عدة من ضمنها استخدام مرتزقة داعش مرة أخرى، لذلك عندما فشلت خطة “غويران” صعّدت الدولة التركية والمرتزقة من هجماتهم على مناطق عدة في شمال وشرق سوريا، وشنت هجمات احتلالية على مناطق باشور كردستان، وأخرى في باكور كردستان ضد مقاتلي حركة التحرر الكردستانية.
وتُفسر اللهجة التصعيدية التي يُطلقها أردوغان بأنه في سباق مع الزمن للمضي بقضم المزيد من الأراضي السوريّة، ويتطلع لأن تكون الفترة المقبلة حتى عام 2023 والذي سيشهد الذكرى المئوية لتوقيع معاهدة لوزان شبيهة بتلك التي تلت انتهاء الحرب العالمية الأولى، ولكن في صياغة معكوسة لا تصبح فيها تركيا الطرف الأضعف الذي يذعن للشروط، وإنما الأقوى الذى يفرضها، ويتحرك النظام التركي لتدشين القواعد العسكرية في باشور كردستان استعداداً للانقضاض على الموصل وكركوك، ويعقد المحادثات السرية والعلانية مع القوى الفاعلة في الأزمة السورية، وروسيا والولايات المتحدة وإيران، لإيجاد وجود تركي في حلب وشمال سوريا عند إعادة رسم حدود البلاد، كما يرفض تهدئة الأوضاع بين الشمال والجنوب في قبرص، ويصر على نهجه العدائي، وفي اليونان يوجه التهديدات المستمرة تجاه أثينا حول ملكية الجزر في بحر إيجة.[1]