=KTML_Bold=الأم عويش كانت تزدان فخراً بالقائد=KTML_End=
الفلسفة وبالأخص جوانبها العائدة لحركة المرأة الحرة لم تقبل منذ البداية المكانة الاجتماعية المتخلفة للمرأة في المجتمع وقامت أول ما قامت بنقدها وردها. كما هو معلوم فأن للمحيط الاجتماعي أثر بالغ على تكوين وتشكيل ذهنية الإنسان. لذا ومن هذا المنطلق فان تلك العملية النقدية استندت إلى تحليل عميق لوضع العائلة والقرية ووضع المرأة فيهما. وهكذا ظهرت الفلسفة الآبوجية ونشأت علاقتها بحركة تحرر المرأة. لا سيما إن القائد عندما قام بخلق حركة المرأة الحرة فأنه قام بتحليل وضع أمه وأخوته في العائلة وتأثر بهم. فالمعركة التي قادتها الأم عويش من أجل الهيمنة على العائلة كانت ملفتة للنظر بالنسبة للقائد، أيضاً مسألة تزويج أخته التي تكبره بثلاثة أعوام رغم صغر سنها أثرت عليه في الصميم. إضافة إلى القيم والعادات الإقطاعية المتجذرة في حياة القرية والتي جعلت القائد في بحث وتساؤل مستمر عن السبب في وصول المرأة إلى وضع كهذا وعن الحلول والأجوبة لأسئلته الكثيرة. نستطيع القول أن المكان الأول الذي تواجه فيه المرأة مشكلة الاضطهاد وتبذل الجهود فيه للوصول إلى السلطة هو محيط العائلة ذاتها، فمن السمات المهمة في شخصية الأم عويش هي رغبتها الملحة ومحاولاتها الدائمة في الهيمنة على العائلة على الرغم من إن السلطة والنفوذ والهيمنة هم من نصيب الرجال في المجتمعات والعائلات الإقطاعية، فحتى وان كانت المرأة في أفضل حالها إلا إنها لا تمتلك حق التسلط والهيمنة على العائلة، إلا إن هذا الأمر كان مخالفاً للمعتاد وكان سارياً على حياة العائلة كلها بأبنائها وبناتها على سواء. فوضع أب وأم القيادة في العائلة كان مختلف تماماً . حيث كان الأب يتصف بضعفه وعدم اقتداره أما الأم فكانت صاحبة نفوذ واقتدار خلافاً لنساء القرية وكانت تمتلك قوة الحل لكل المشاكل التي كانت تطرأ على حياة العائلة، أما الأب فكان راضياً بمكانته الهامشية والغير مؤثرة .
فعلى الرغم من مقاييس النظام الاجتماعي التقليدي إلا أنه نكس رأسه لهيمنة المرأة في العائلة. لذا فالأم هي التي تركت طابعها على تكوين شخصية الأطفال وحياة العائلة فالقائد لمح حالة الاقتدار الأولى في شخصية الوالدة . وحلل عدم الاقتدار في شخصية الوالد. وهذا كان أمراً مخالفاً تماماً لحياة القرية وهذا الأمر أدى به إلى بحث وتفكير مستمر عن علاقة السلطة بالجنسين ولفت انتباه القائد إلى إمكانية وصول المرأة إلى السلطة بقدر الرجل نفسه، ومقدرتها على أن تتساوى مع الرجل في حمل أعباء الحياة والمجتمع. نوهنا سابقاً إلى إن تزويج أخته الكبرى مبكراً والتي كانت أفضل معين له في البيت وأبعادها عنه عن طريق زواج لم ترضى به وتقبله، أثرت على القائد كثيراً وجعلته يكظم غيضاً كبيراً لأنه كان يحلل هذه الحادثة على إنها مسالة غير عادلة وجعلها حجة وذريعة لنضاله المستمر.الآمر الأخر هو انه وجد أن التسلط التي أتصفت به الأم عويش لم تكن كافية لإيصالها إلى الحرية، لذا توصل إلى نتيجة في غاية الأهمية وهي إن تسلط المرأة وحده ليس مهماً بقدر أهمية تحررها. وحينها تكونت لديه فكرة حرية #المرأة الكردية# وحول هذه المسألة بالذات. المؤثر الآخر على تكوين فكرة حرية المرأة هو تأثره العميق بمسألة منع العائلات بناتهم من اللعب معه بعد عمر محدد.مثل هذه التقربات أثارت لدى القائد تناقضا كبيرا جعلته يتعرف أكثر على حالة اللا عدالة المفروضة على حياة المرأة . فبالنسبة للقيادة فان حرية المرأة تتشكل في محيط العائلة والقرية والمدرسة و التناقض المهم الذي يراه في إمكانية وصول المرأة إلى السلطة في شخص أمه ووضع المرأة المضطهدة في المجتمع جعلته يخطو خطواته الأولى نحو فكرة الحرية. هذا التقرب كان في مستواه البدائي والتكويني وكان يحتاج إلى اكتساب شكل ومحتوى. إلا إنها شكلت الخطوة الأولى لاستيعاب القيادة مشكلة المرأة والحلول الواجبة الوصول إليها.
نوهت سابقاً إلى مسألة تسلط الأم عويش على حياة العائلة والقرية. حينها يصبح تسلطها أمرا لا مفر منه من قبل جميع أفراد العائلة فالأم عويش عندما كانت تصبو الوصول إلى مكانة مؤثرة في حياة القرية كانت قد اكتسبت فعلا هيمنة ونفوذا في العائلة. لذا كانت ترغب دائماً أن تدير حياة القائد وتشكلها حسب رغبتها وهنا يبدأ نضال القائد من اجل حركة الحرية وهذا الأمر يفتح المصراع أمام صراع ونضال مستمر بين الأم عويش وبين الابن منذ أعوامه السبع. محيط العائلة المعيق للتطور يؤدي بالقائد إلى بحث عن حلول أخرى تنقده من شروط هذا المحيط الخانق وحينها تصبح المدارس التي فتحت لتوها فرصة مهمة للخلاص. ويسبب عدم تواجد مدارس في قريته إلا أن يضطر على السير كل صباح مسافة ساعة كاملة إلى قرية (جبين) للدراسة وطلب العلم. فهو يقوم باستثمار هذه الفرصة على إنها فرصة حرية، ورغم كل الصعوبات التي تقف في طريقه يبدأ بالدراسة. فالدراسة كانت بالنسبة له محيط يتحرر فيه بقدر ما يجد فيه فرصة تدريب وتعليم نفسه. حينها تضطر الوالدة على عدم إدامة معارضتها للأمر،وهو بدوره يثابر على أن يجد في محيط المدرسة فرصة الحرية التي افتقدها في محيط العائلة. إلا انه وعندما يكمل دراسته الابتدائية تمنعه العائلة على الاستمرار في الإدامة بدراسته، ويرددون على مسامعه حينها عبارة ..إلى هنا..! إلا إن القائد يصر على موقفه في إنهاء دراسته رغم جميع الحجج والذرائع والعراقيل.
الأم وجميع أفراد العائلة يحتجون على أكمال القائد لدارسته ويحاولون جعل الظروف المادية للعائلة ذريعة للأمر، إلا أن القائد يضع حداً لهذه التصرفات ويستمد القوة من معلمه ليستطيع التحكم بهذه المشاكل العائلية. الانقطاع الذي يبدأ بين القائد والعائلة تجعله يجتاز منعطفاً جديداً ومهماً في حياته، على الرغم من إن الأم تبقى مصرة على جره إلى محيط تأثيرها ونفوذها وتبحث عن السبل الكفيلة لتحقيق أهدافها وتبذل جهوداً جبارة من أجل النجاح في الأمر. وتصبح العلاقة الموجودة بين العائلة التي تتحكم بها الأم وبين الطفل الباحث عن الحرية مليئة بالصراع والتناقض الدائم. وصار كل واحد يحاول جر الآخر إلى أهدافه وآمالهٍ.
فالأم وكما نوهنا سابقاً كانت هي المقتدرة والحاكمة على العائلة وكانت تثابر وتبذل جهوداً كبيرة في سبيل أن يكسب كل فرد من أفراد العائلة القوة والثبات. فعندما كان احد من أطفالها يتعاركن مع أطفال القرية لم تكن لتقبل بخسارتهم وكانت تردد دائماً على مسامعهم لا تتعاركوا مع احدهم ولكن إذا ما تجرأ احدهم وحاول النيل منكم فحاولوا التفوق عليه واسترداد حقكم كان هذا ما تفرضه العائلة وعلى القائد وإذ ما لم يحالفهم الحظ يوما ما وخسرن في نزاع ما، كانت تردد الطعام حرام عليكم إن لم تستردوا حقكم والى حين عدم استرداد حقهم كانت ترفض عودتهم إلى البيت. أسوة بسماتها هذه إلا إنها كانت تمتلك ميزة المسالمة وكانت تنصحهم بالملائمة والمسالمة مع الغير ولكن أذا ما حاول احدهم دفعهم إلى حرب غير عادلة كانت تجبرهم على الفوز دون أن يجرأن في نكس رؤوسهم لأي كان. وكانت تحاول دوماً أن يكتسب أبنائها وبناتها شخصية ومكانة مميزة ومرموقة في القرية وكانت تجد التقوقع على الذات والاعتياد أمرا منحطاً ووضيعاً وغير مقبولاً. من كان يجرأ ويخالف قوانينها هذه ، كانت تعاقبه وتجزيه حسب ما كانت تراه مناسباً من العقوبات. ولتعرقل تكرار هذه التصرفات والمواقف كانت تردد تحذيراتها باستمرار أو تقوم بمعاقبة عقوبات مادية. مواقفها القوية هذه أثرت كثيرة على جميع أفراد العائلة ومن ضمنهم القائد نفسه. كانت الأم عويش تبتنى فلسفة حياتها الحرة وكانت تعكسها على جميع أوجه حياتها. فمهما كانت المصاعب والعراقيل إلا إنها بقيت تلعن الضعف والوهن والذل ومواقفها هذه كانت تجعلها تجد قبولاً في المحيط الذي تتواجد فيه.
الأم عويش كانت تمقت حياتاً تكون فيها غير فعالة و مؤثرة. أنا واثقة من إنها لو كانت قد وجدت الفرص والإمكانيات والشروط اللازمة لكانت ستصبح مناضلة من اجل الحرية. فحتى في حياة القرية لم تكن ترغب أن تكون كالجميع وكانت تبحث عن حياة تجد فيها الاحترام والتقدير وكانت قد وضعت كل جهودها في سبيل أن يدرس القائد ويصبح رجلاً عظيماً. وموقفها هذا استمر غالى حين دخول القائد كلية العلوم السياسية. حيث كانت مصرة على تعليم أبنائها وتربيتهم ليصبحوا أفرادا مرموقين في المجتمع. كانت قد وضعت كل عواطفها وجهودها في هذا السبيل ولكن عندما اختار القائد الحياة الثورية كأسلوب حياة وعيش حينها تهدم عالمها ووصلت آمالها وأمنياتها إلى حد لا تتحقق فيه. فالجميع كان غير قادراً على استيعاب تراجع القائد عن إكمال دراسته الجامعية وانصرافه إلى الحياة الثورية فالبعض كان يصفون وضعه هذا بالجنون لأنه كان يبدو وكأنه يركل الفرص الذهبية الموجودة أمامه. فالمحيط كان بعيدا عن استيعاب القيم التحررية والنضال التحرري وكان منغمساً في القيم الاجتماعية المتخلفة والبالية. فعلى الرغم من إن الأم عويش لم تكن قادرة على فهم واستيعاب تصرف القيادة إلا أنها كانت تردد على الجميع (عبد الله لا يمكن أن يفعل سوءً) وكانت تحاول بأقوالها هذه مواجهة الأحكام المسبقة للمجتمع، إلا إنها ومن الطرف الآخر استمرت في عصيانها وتمردها وأخيرا ونتيجة ضغوطات المحيط كانت قد وصلت إلى حد أن تقول للقائد سوف أتنازل عن بنوتك وكان هذا آخر تهديد لها ولكن القائد هو الآخر حسم موقفه قائلاً أنا أيضا سوف أتنازل عن أمومتك إلا إن كلاهما لم يطبقا تهديدهما هذا آبدا. إلا إنها كانت قد تأثرت في نهاية الأمر وبسبب عدم لقائها بالقائد كانت تردد على مسامع رفاقه عندما كانوا يترددون عليها أنا التي كبرته وعلمته إلا إنني لم أحصل على البديل،فهو لم يشترى لي حتى أربعة أمتار من القماش ولا كيلوين من الحنة هكذا كانت تردد شكاويها التي كانت قد وصلت بشكل أو بأخر إلى مسامع القائد فرد عليها أنا أهديها حركة المرأة الحرة وكان هذا رداً حاسماً على شكاويها تلك.
في أعوام التسعينات وعندما كانت حركة الحرية قد اجتازت منعطفاً مهماً وتاريخيا، تأثرت بها الأم عويش أيضا وجعلتها تتراجع عن نهجها وتنضم إلى نهج القيادة. وكانت قد انضمت إلى مؤتمر حزب الكدح الديمقراطي. وكانت قد رفعت أصابعها بإشارة النصر وهذا كان دليلاً على فخرها واعتزازها بالقائد وبالثورة، وأصبحت حقاً أم فخورة لأبن خير. أبن جعلها أكثر فخراً به كما كانت تأمله وكان نهجهما قد اتحدا بالأفكار والعواطف والأهداف.
فالقائد عندما قام بتطوير حركة تحرر المرأة، جعل حينها شخصية الأم عويش ملكاً للجميع. فما كان قد تعلمها منها، قام بوضعه في سياق عصري وخلق منها حركة حرية المرأة وأعاد إهدائها لها من جديد. من هذا المنطلق نستطيع القول إن الأم عويش كانت المدرسة الأولى بالنسبة لقيادة الحزب ومنها أستمد الحافز والقوة ليخلق حركة تحررية شاملة.[1]