$الكورد.. بين مجلسي (المليس والمريدين)$
#بير رستم#
يتساءل الدكتور أحمد الخليل في وصيته الثالثة _والتي لا تخلو من نفحة دينية؛ إن كانت عنونةً أو متناً ومضموناً، والتي تذكرنا بالوصايا العشر للسيد يسوع المسيح، حيث يكتب: “لو كانت ثمة أجندة سياسية كردستانية موحّدة، هل كانت ثورة (1925) تقع ضحية الصراعات القبلية من جانب، والصراعات الطائفية بين الكرد السُنّة والكرد العلويين من جانب آخر؟“. والمقالة/ الوصية منشورة ضمن سلسلة من المقالات بذات العنوان الرئيسي مع آخر فرعي لكل وصية/مقالة وذلك في عدد من المواقع الالكترونية التي تهتم بالشأن الكوردي وكذلك في جريدة آزادي العدد 449 أيلول 2012م/2712ك والعائدة لحزب آزادي الكردي في سوريا (جناح مصطفى جمعة)، مع حفظ الألقاب.
إن السؤال السابق للدكتور أحمد.. يحمل العديد من الدلالات والمعاني ويشير بشكل أو آخر إلى عدد من الإشكاليات والقضايا التي تعاني منها المسألة الكوردية عموماً والحركة الوطنية الكوردية على وجه الخصوص، وبالأخص منها الشق السياسي/الحزبي؛ كونه حامل المشروع السياسي_الوطني لقضية شعب وأمة ما زالت رازحة تحت حكم الآخر، استعماراً.. انتداباً أم إلحاقاً واغتصاباً، سمي ما شئت، حيث في المحصلة هناك أمة وشعب، محروم من أبسط حقوقه الوطنية والإنسانية، من قضية الاعتراف به كمكون ذا خصوصية حضارية متمايزة عن الآخر المهيمن المستبد، وصولاً إلى إقامة الكيان الجيوسياسي الخاص به كإقليم ودولة كوردستانية، أسوةً ببقية شعوب وأمم العالم. وذلك على الرغم من كل الثورات والويلات التي عانى _وما زال يعاني_ منها الشعب الكوردي.
وإن أولى وأهم هذه الإشكاليات، بل السبب والباعث لغيرها من مشكلاتنا الوجودية الحضارية _وبرأينا_ تكمن في الشخصية الكوردية الذيلية والذليلة التابعة وغياب المشروع الثقافي/الحضاري له، حيث ونتيجة للظرف التاريخي وحالة الاستعمار والاستلاب وغياب الكيان السياسي الكوردي، الحاضنة الثقافية الحضارية؛ إمارة، إمبراطورية، مملكة.. دولة جمهورية وخلال حقب زمنية طويلة ومتواصلة وبالتالي وقوعه (أي الإنسان الكوردي) ولفترات مديدة تحت “رحمة” الآخر واستبداده وجبروته، جعل منه شخصية تابعية ذليلة موالية نكدية/أنكيدوية (من أنكيدو؛ ملحمة كلكامش). وهكذا نجد بأنه؛ أي الكوردي يعمل ويكرس جهده وفكره في خدمة الآخر ومشاريعه وأجنداته، أكثر مما يكرسها ضمن مشروع وطني حضاري خاص به وذلك لغياب المشروع نفسه؛ إن كان دينياً مذهبياً أو قومياً عرقياً أو أيدلوجياً فكرياً.
وبالتالي ونتيجةً لغياب المشروع الحضاري الكوردي والظروف التاريخية التي جعلت منا نحن الكورد ملحقين وتابعين، بل خادمي مشاريع الآخرين؛ الإسلام، الشيوعية والاشتراكية وحتى المشاريع القومية للآخرين، مثل حالة البعث في كل من سوريا والعراق والكمالية الطورانية في تركيا.. فإننا نتماهى مع تلك المشاريع والأجندات الوافدة علينا ونكرس كل جهودنا لخدمتها، بل نبذ أصحابها وسادتها في الانتماء لها والعمل من أجلها، فعندما ينتمي الكوردي لإحدى هذه الأجندات والمشاريع تجده متفانياً له أكثر من أصحاب القضية، فيكون ملكياً أكثر من الملك. وهكذا يمكننا القول إن إحدى أهم إشكالياتنا نحن الكورد، هو غياب الشخصية الوطنية_الحضارية وكأمة مستقلة لها خصوصيتها الثقافية والحضارية وانعكاسات ذلك على المستوى السلوكي الحضاري للشخصية الكوردية، مما جعل من الفرد والإنسان الكوردي أن يعيش حالة من التبعية الذليلة/ الحالة الكلبية (مع حفظ الاحترام) وذلك على المستوى النفسي.
النقطة السابقة؛ غياب المشروع الثقافي/الحضاري الكوردي وبالتالي الشخصية الوطنية/الحضارية والتي هي القضية الجوهرية والبادئة، في كل إشكالياتنا اللاحقة، حيث التابع لا يمكن أن يستقل عن قرار ومشروع السيد بل يعمل وفق إرادته وأجنداته، إن كانت سياسية وطنية أو مذهبية دينية أو.. غيرها من المشاريع. وهكذا سوف تغيب عن ساحة الصراع الوجودي والحضاري المشروع الخاص به كمكون له خصوصيته الحضارية وبالتالي فإن غياب (أجندة سياسية كردستانية موحّدة) عن الساحة الوطنية الكوردية بمجموعة أحزابها السياسية تعتبر لاحقة ونتيجة للعامل والإشكالية الجوهرية في القضية، حيث كل طرف أو حزب وكتلة سياسية كوردية؛ إن كانت دينية أو أيديولوجية يسارية أم ليبرالية أم اشتراكية تعمل وفق رؤى ومشاريع الآخرين/ السيد المستبد ومشروعه الخاص. وهذه تعتبر من طبيعة الحياة؛ حيث التابع يتبع المتبوع وبالتالي فإن غياب المشروع الوطني الكوردي الجامع لكل الأطياف والفرقاء السياسيين يعتبر من بديهيات الحالة والتي نعاني منها، كشعب وأمة تفتقر للخصوصية الحضارية؛ فلا دين يجمعنا كحالة العرب في الإسلام، ولا أيدلوجيا قومية عنصرية وذلك مثل العديد من الشعوب وأقربهم إلينا، جغرافية وحضارة، الحالة التركية وإيران هناك الحالة المذهبية الشيعية الجامعة.
أما نحن الكورد؛ فإننا منقسمون _وهذه إشكالية الإشكاليات ونتيجة للسبب الأول وهي غياب المشروع الثقافي/الحضاري والشخصية الحضارية الجامعة للحالة الكوردية_ وذلك بين عدد من الأديان؛ آيزيديون ومسلمون ومذاهب؛ سنة وشيعة وعلويين وجغرافيات مغتصبة من قبل مغتصبون منقسمون بدورهم لثقافات وحضارات عدة؛ عربٌ وفرسٍ وأتراك وأخيراً وليس آخراً بين أيدلوجيات وأحزاب سياسية وقبائل وعشائر بدوية/بدائية تدعو للفرقة والانقسام والتحارب أكثر ما تدعو وتعمل من أجل مشروع وطني كوردي_حضاري جامع للحالة القومية وكشعب وأمة يجب أن تحقق منجزها التاريخي الحضاري في إقامة كيانها وشخصيتها الخاصة بها، بل نجد على العكس من ذلك بأن مجموعة هذه الكيانات الحزبية والأيدلوجية في حالة صراع وعداء شبه تناحري وذلك خدمة لأجندات وأيدلوجيات الآخرين، مع العلم بأن الفرصة والظرف التاريخي يتحتم علينا نحن الكورد، كأمة وشعب، أن نتحد ضمن مشروع وطني_حضاري وبملامح قومية جامعة في هذه المرحلة التاريخية وذلك ضمن كيان/كيانات جيوسياسية لنكون بذلك جزء من الحالة والكينونة الوجودية/الحضارية في المنطقة.
وهكذا فإننا، نحن الكورد، نعيد كتابة التاريخ كوردياً ونعيد حالة الانقسام بين الولاءات؛ حيث قديماً وفي بدايات القرن الماضي انشطر المجتمع والحالة الكوردية بين الولاء للخلافة العثمانية بإرثها التاريخي الحضاري الإسلامي وبين الوافد/الغادر والغدار الجديد، ألا وهو الاستعمار الغربي (فرنسا وإنكلترا) في الحالة الكوردية وروسيا (أو الاتحاد السوفيتي) لاحقاً، فكان انقسام الكورد بين ما عرف بحركة المريدين وملاليها المؤيدة للخلافة العثمانية والمطالبة ببقائها وخلافتها ككيان جامع لكل مكونات المنطقة من كوردٍ وعربٍ وفرسٍ وأتراك و.. غيرهم من الأقوام والشعوب _أخوة في الدين و“الدولة” الدنيا_ وبين من والوا وأيدوا الأفكار والرؤى والمشاريع القادمة مع الاستعمار الجديد؛ الانكلوسكسوني للمنطقة وبالتالي أصبحوا “مليس” وأتباع لهذا القادم والوافد من وراء البحار إلى المنطقة. وهكذا غاب عنهم مشروعهم السياسي الخاص بهم، مع أن الفرصة كانت مواتية وذلك لإقامة كيان سياسي كوردي أسوةً بالعرب وغيرهم من أقوام وشعوب الخلافة العثمانية.
واليوم.. فإننا؛ نحن كورد (سوريا) نعيد ونكرر نفس أخطاءنا و“حماقاتنا” السياسية الإستراتيجية السابقة؛ حيث الانقسام بين مجلسين (الوطني الكوردي وغربي كوردستان) ومشروعين خارجيين؛ إقليمياً ودولياً وكذلك عربياً وعلى المستوى الوطني (سوريا)، ما بين الموالاة والمعارضة، ومن دون أن يكون لنا المشروع السياسي الخاص والجامع كحالة كوردية لهذا الإقليم الكوردستاني الملحق بالدولة السورية الحديثة. وهكذا.. فإنه يحق لنا أن نسأل أخيراً وآخراً: إلى متى سنعمل وفق أجندة الآخرين ورؤاهم ومشاريعهم السياسية والدينية والقومية ومن دون أن يكون لنا مشروعنا الوطني/ القومي، حتى على مستوى الإقليم الواحد.. ونترك الإجابة على سؤالنا السابق بعهدة المجلسين الموقرين؛ مجلس الشعب في غربي كوردستان والمجلس الوطني الكوردي وهيئتهم العليا والتي انبثقت عنهما وبرعاية مباشرة من الرئيس مسعود بارزاني؛ رئيس إقليم كوردستان (العراق).
جندريسه 05-11-2012
[1]