=KTML_Bold=سليم بركات.. هل يكون الحلاج الكوردي=KTML_End=
#بير رستم#
عندما قرأت آخر ما كتبه سليم بركات أدركت حينها بأن السيل قد بلغ الذب مع الرجل؛ وإلا لما يدخل إلى حقل الألغام هذا _مع العلم بأنه لم يكن يوماً خارج حقول الألغام هذه، ليس كونه ممن يحب هذه الحقول، بل كون الجغرافية التي ولدنا من رحمها لا تعرف غير لغة الألغام إلا فيما الشواذ؛ فهل تبنى القاعدة على ما هو شاذ، لربما تكون القاعدة الأصح ونحن عنها غافلون_ وعرفت أيضاً بأن قامة سنديانية جديدة سوف تتعرض لعواصف الصحراء وبعض لدغات الدبابير والعناكب وبأن تلاميذ ومريدي (فقهاء الظلام) سوف يجدون الفرصة الذهبية لأخذ الحيف والثأر من هذا الطائر الذي كان _ومازال_ يغرد خارج الأسراب و“القطعان“؛ قطعان جمهورياتنا وأحزابنا وشيوخنا وقبائلنا.. حيث سلاسل الطواطم تطول و.. تطول. وهذه ليست دعاية مجانية؛ فالرجل بغنى عن ذلك أولاً وثانياً لسنا من أولائك المريدين لكتابات سليم بركات مع تقديرنا العالي لنتاجاته وخاصةً الروائية منها وكذلك سيرته الذاتية.
لكن المنطق والعقل والواقع يفرض علينا نوع من الموضوعية والإنصاف في تناولنا وقراءتنا للمواضيع والقضايا التي تمس ذواتنا وكينوناتنا ودون أن تصيبنا الهستيريا ونوع من الهذيان الذهني وبالتالي أن نرمي التهم جزافاً لننساق مع الحالة الشعورية وننسى السياق التاريخي للقضية وظروفها ومناخاتها التي أودت بالحالة إلى ما عليها، وهكذا نعيد إنتاج موروثنا الثقافي القبلي _كل مرة_ ونغير على مضارب الآخرين نهباً وسلباً وقتلاً دون أي اعتبار لحق الآخر في الحياة وحرية الرأي والتعبير وما لهذا الآخر من خزائن وكنوز؛ وخاصةً نعلم كم قدم _وما زال_ يقدم للحالة الكوردية من معاني ودلالات لغوية ثقافية تعبيرية، بل لا نجافي الحقيقة إن صرحنا بأنه أحد أبرز الرموز الثقافية في المنطقة، فمثله جديرٌ بالاحتفاء وليس الاختباء والتخفي من عسس الليل وآخر جندي نحتفظ به ليغتال الكلمة الجريئة في أزمنة الميليشيا والعسكر؛ حيث بات المواطن الكوردي يترحم على أزمنة البعث بعد أن ذاق الأمر على أيدي ثورييه ورفاق الأمس.
المنطقة على صفيح الثورة أو هكذا يقال في الإعلام _على الأقل_ والشعوب تطيح ب“فقهائها” وشيوخها وديكتاتورياتها لتعيد للتاريخ نقائها أو بعضاً من طفولتها وبراءتها بعد أن تلطخت بالكثير من الذل والخنوع في (جمهوريات الخوف) والرعب وعلى أيدي هؤلاء السلاطين الذين سرقوا النجوم من سمواتنا وتركونا من دون أحلام و.. كرامة. نعم يومياً تقدم القرابين والضحايا على مذبح الثورة ونشاهد كل هذا الدم الذي يسيل لتعميدنا من جديد ككائنات تليق بالقرن الجديد والحياة الجديدة، هذا ما نعيشه على مستوى الأمل أما ما هو معاش والواقعي واليومي فشيء آخر في الحقل الكوردي؛ إنه إنتاج النسخة الكوردية لكل حقبة الديكتاتورية التي عاشتها وعرفتها حقول الجيران.. وإلا فكيف يمكن أن نسوغ ونسوق لقضية محاربة الطاغية بطاغية؛ أزدهاك آخر.. يقدم له العديد من القرابين _وهذه المرة حرقاً في شوارع أوروبا، وليس ذبحاً في بلاط وقصور الطاغية_ أليس للديكتاتور معنى واحد وبكل اللغات.
أم أن للتاريخ منطقه وسكته ومنحاه وهكذا هو يلزمنا بقواعد اللعبة؛ لعبة الفداء والقربان في سبيل صولجان السلطان ولكل أمةٍ نبيها وملكها وطاغيتها ولا بد من عيش التجربة والمرور عبر البرزخ الرباني لنكون لائقين كشعوب وأمم وقبائل حزبية وعلى مقاس الزعيم_الطاغية، حيث لكل ملك نساءه وغلمانه وعبيده وملكنا ليس أقل شأناً من نيرون روما ويحق له هو الآخر أن يتدفأ بنيران أجسادنا ومدننا وبالتالي علينا نحن الكورد أيضاً أن نقدم حلاج_نا كقربانٍ على مذبح التاريخ هذا لنفتح به عصرنا التنويري.. وهل سنكتفي ب(سليم بركات) كآخر حلاج كوردي أم أن “آزدهاك” نا له شأنٌ آخر ولن يرضى بأنصاف الحلول والرؤى والأحزاب والهيئات، بل خلق ليكون الكامل الجامع المهيمن الواحد الأحد الذي لا شريك له.
ولكن أليس من الجبن والغبن أن نتوارى خلف المعاني والكلمات ولا نجرأ على البوح بالمستور والمخبأ في زمن المكاشفة على صفحات النت والفيسبوك، أليس ذاك نوع من الكوميديا السوداء بعينها ونحن نمارس “سياسة النعامة” وثقافتها في الهروب من المواجهة؛ وهناك من يصادر منك كل شيء.. ويعد عليك حتى أنفاسك ودون أن يسمح لك بالصراخ من لسعة السياط وهي تترك آثارها على جسدك والواقع المرير الذي تعيشه. بل وتجد هناك من يهرول إلى حيث الوليمة والليالي الخلان وعلى مأدبة السلطان ولو كانت عند قدميه، فهناك بعضهم من يتمثل بالمثل الشعبي (في كل عرسٍ قرص) فهؤلاء كانوا وسوف يبقون طفيليات ثقافية وسياسية في جسد مجتمعاتنا إلى أن ننتقل للضفة الأخرى كمجتمع يقوم على بناء دولة القانون والمؤسسات وليس كانتونات الزعامات والولاءات القبلية أو الحزبية، لا فرق كبير بين الأثنين، وذلك ضمن السياق الفكري والسياسي الذي تعمل وفقه الحركة الوطنية الكوردية.
هو زمن العهر يا صديقي؛ وعليك أن تتلون وتتأقلم، أن تكون حرباوياً وتتقمص كل الأدوار والشخصيات والمواقف و.. كل شيء يهون لأجل عيون الزعيم والرفيق القائد الخالد ومن يخرج عن شور الزعيم والقبيلة وعرفها السياسي فهناك من هو جاهز لأن يفتي ويحل الدم وبتر الأعضاء وقطع الأعناق ولنعد إلى التاريخ وإلى حكاية الحلاج مع الطاغية والخلفاء الراشدون منها والجاهلون ودواوينهم الفتاوية وتعميماتهم الداخلية؛ وكيف بدؤوا بحرق كتبه والبيت الذي آواه لدهور وأبعده عن بغي السلطان وأيضاً حكاية جلده بالسوط إلى أن أنهوا جلسة سمرهم ببتر الأعضاء ووصولاً إلى قطع العنق وفصل الرأس عن الجسد وهو يحاول أن يقول بأن السلطان عبدٌ عند السيد الأكبر أو الرفيق القائد الخالد وأنه يأتمر بأوامره، وهذا ما حاول أن يقوله سليم_نا مؤخراً في مقاله الإشكالي، كما في جل كتاباته، بأنكم واهمون وأنكم تجرون وتهرولون وراء السراب ولن تقبضوا حتى على الريح.
وأخيراً لم يبقى لنا إلا أن نسأل: فهل نكافئه كما كوفئ الحلاج ورغم الفارق والبعد الزمني بين الجرحين والجرمين رغم أن الثانية ناقصة وغير كاملة _ونأمل أن تبقى ناقصةً، وللعلم فإن كل الجرائم ناقصة_ وذلك كي لا نأتي ولو بعد أحقاب وقرون ونحن نبكي سليم_نا وننادي.. واه سليم_اه ولكن حينها يكون الزمن قد غدر بنا ولربما نكون قد غدرنا به وبذواتنا وكينونتنا.. ونعيد بذلك دورة الزمن إلى حيث الجريمة الأولى.
جندريسه 08-10-2012
[1]