=KTML_Bold=العالم الخامس.. الكورد نموذجاً=KTML_End=
(نحن الكورد نعمل دائماً من أجل الآخرين)
#بير رستم#
إن التاريخ المعاصر للمنطقة شهد الكثير من المعارك والحروب الاستقلالية والتي راحت ضحيتها آلاف القرابين بين قتيلٍ وجريح ومهجّر؛ حيث ما زالت المنطقة تعاني من آثارها وويلاتها. وذلك إن كانت تلك الحروب التي خاضتها شعوب المنطقة بخروجها عن أمر السلاطين والخلافة العثمانية وبمساعدة من دول التحالف الغربي، وعلى الأخص كل من فرنسا وإنكلترا، أو تلك التي عرفت بحروب الاستقلال وذلك عندما حاول أصدقاء الأمس _الدول الغربية_ أن تحل مكان الخلافة العثمانية بنوع من الوصاية أو الانتداب وعلى الدول ذاتها التي تم مساعدتها من قبلهم بالأمس، وبحجة التخلص من الخلافة الإسلامية_العثمانية والتي دامت حوالي خمسة قرون وذلك في كل ما يعرف اليوم بالمنطقة العربية وكذلك عدد من الدول الأوربية مثل إسبانيا واليونان وأيضاً عدد من الدول التي تم ضمها _فيا بعد_ للخارطة السياسية للإتحاد السوفيتي. وكذلك فإن القسم الأكبر من الجغرافية التي عُرِفت وتعرف اليوم بالمنطقة الكوردية (كوردستان) كانت جزءاً من تلك الخلافة الإسلامية؛ كون هناك جزء _كان وما زال_ محتلاً من قبل الدولة الإيرانية.
وكذلك فقد عرفت القارة الأوربية حروب مماثلة لتلك التي عرفتها المنطقة العربية أو منطقة الشرق الأوسط برمتها، بل إنهم سبقونا في ذلك المضمار والمسلك العنفي والدموي بأكثر من قرنين وذلك عندما فجر الفرنسيين ثورتهم* عام 1789 في وجه آخر أباطرتهم والنظام البطرياركي المتحالف، بل المنضوي تحت سلطة الكنيسة وقساوستها ورهبانها وذلك بالهجوم على الباستيل رمز السلطة القمعية ليس في فرنسا وإنما في كل القارة الأوربية. وبالتالي انهيار النظم السياسية القديمة القائمة على تحالف كل من السلطتين الدينية والدنيوية (الكنيسة مع العائلة المالكة)؛ ملكية أو إمبراطورية وتأسيس الجمهوريات الأولى في أوروبا والقائمة _ليس فقط_ على فصل الدين عن الدولة، وإنما على الحالة والفكر القومي العنصري كأقوى رابط ضمن المكونات والجغرافيات السياسية الجديدة. وهكذا تم التنظير للمدرسة القومية في السياسة كبديل عن الروابط والمؤسسات السياسية_الدينية السابقة وبذلك دخلنا مرحلة جديدة من الفكر السياسي والقائم على الحالة العنصرية القومية كرابط أساسي ضمن الجغرافية الواحدة.
إن الفكر والثقافة مثل الضوء والأثير لا يمكنك الحجر والحجز عليه؛ فهي تشق طريقها من خلال ظلمات الليل والجهل، فذاك من طبيعتها. وهكذا فإن تلك الأفكار والنظريات السياسية دخلت وشقت طريقها إلى منطقة الشرق الأوسط _أو فيما يعرف اليوم بالعالم الثالث_ أيضاً وذلك من خلال البعثات الدبلوماسية والتبشيرية وكذلك من خلال _وربما كان تأثيرهم أكثر_ تلك البعثات الدراسية لأبناء الطبقة البرجوازية والتي توفرت لها الظروف والإمكانيات لأن تكمل تحصيلها المعرفي العلمي في المعاهد والجامعات الغربية الأوربية وكذلك الأمريكية فيما بعد ولتنهل من تلك المعارف والنظريات السياسية ومن ثم _وبعد_ عودتهم لبلدانهم أن يكونوا النواة والخلايا الأولى في الحراك الثوري الجديد ضد النظام السياسي البطرياركي الديني لسلاطين الخلافة العثمانية.
وبالتالي كانت البدايات الأولى للفعل والحراك القومي العربي مع مطلع القرن الماضي وقد كانت من نتائجها خروج المنطقة العربية وكذلك جزء كبير من القارة والدول الأوربية الحالية من تحت عباءة الخلافة العثمانية وتأسيس دولها وكياناتها السياسية القائمة على العنصر والفكر القومي؛ المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية والجمهورية العربية السورية _ولو أنها في البداية عُرِفت بالجمهورية السورية، إلا أنها كانت ذات ملامح وثقافة وكينونة عربية حتى عندما كانت تعرف بالجمهورية السورية_ وبعض مسئوليها ورؤسائها من الكورد وغيرهم من المكونات العرقية الأخرى في المنطقة والتي لم تنل حريتها واستقلالها وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية عدة _ليس مجال البحث والخوض في مقالنا هذا_ ويمكن الإشادة هنا بحكاية يوردها الكاتب عباس إسماعيل في مجموعته القصصية (Nameyek ji Gore_رسالة من القبر) والمكتوبة باللغة الكوردية وعلى لسان “علي بك بوظو“؛ وزير الداخلية في عهد حكومة الرئيس “فوزي السلو” وذلك في قصته المعنونة باسم الرئيس نفسه.
حيث يكتب: أن في عام 1952 يقوم وفد حكومي رسمي بزيارة مصر وذلك في عهد الخديوي فاروق ويضم الوفد كلٍ من رئيس الجمهورية وكذلك وزير الداخلية (راوي الحكاية) ويرافقهم أيضاً رشيد كيخيا؛ وزير الزراعة وثلاثتهم من الكورد. وعندما يستفرد بهم رئيس الوزراء المصري حينذاك “مصطفى باشا النحاس” وبعد السؤال عن الأحوال يتوجه للرئيس “فوزي السلو” ويسأله بلهجة مصرية لا تخلو من بعض السخرية ليقول: “إيه يا سي فوزي. فوزي فهمناه. سلو ده إيه؟“. و بعد رواية بعض التفاصيل الأخرى عن الحكاية نستنتج معه أخيراً؛ أي مع الوزير “علي بك بوظو” بأن (نحن الكورد نعمل دائماً من أجل الآخرين) _والجملة السابقة مترجمة ومقتبسة من على لسان الوزير نفسه_ وهكذا فإن أحد أركان الدولة السورية يقر ويعترف بأنه حتى عندما كانت سوريا لا تحمل الصفة العربية كتعريف للهوية السورية فإنها كانت كذلك وكان الآخرين؛ من كافة الأطياف والقوميات المتواجدة داخل هذه الجغرافية السياسية (سوريا) وإن كانوا على رأس الدولة فإنهم كانوا يخدمون الأجندة القومية للمكون العربي.
وهكذا فإن العرب أو المكون العربي في منطقة الشرق الأوسط وبعد حوالي الخمسة قرون من هيمنة العنصر التركي على الخلافة الإسلامية وبمسمى الخلافة العثمانية وبمساعدة مباشرة من خلال التدخل الأجنبي الغربي؛ فرنسا وإنكلترا على الأخص إلى جانب الثورة العربية الكبرى وقائدها الشريف حسين أو بمساعدة لوجستية غير مباشرة كالدعم الدبلوماسي والإستخباراتي وكذلك دعمهم؛ أي العنصر العربي بالسلاح ومن قبل ذلك ببث ونشر الأفكار والنظريات العنصرية القومية وذلك من خلال البعثات التبشيرية أو الدراسية كخلايا أولية لنشر أفكار الثورة الفرنسية والنظريات العرقية كمرحلة أولى وتأسيسية في نخر جسد آخر إمبراطورية دينية في عالم العالم وجغرافيتها السياسية. وبالتالي فإنهم؛ أي المكون العربي ومناصفة مع القارة السوداء (أفريقيا) قد حجزوا المقعد الثالث في تراتبية التسلسل المعرفي السياسي وأيضاً الاقتصادي الاجتماعي في عالمنا المعاصر، كون المقعد أو العالم الأول قد سجل ماركته وتم حجزه وخطفه من قِبل كلٍ من أمريكا كقوة ناشئة فتية وعلى الصعد كافةً وحليفتها القارة الأوربية العجوز والتي تجدد شبابها ودمائها بين حينٍ وآخر وذلك ممثلةً بدول الحلفاء (أمريكا وبعض أوروبا) والمقعد الثاني أو العالم الثاني تُرك لدول المحور مع حليفتهم (خليفة الرجل المريض؛ أي تركيا الحالية) وبعض الدول الأوربية الأخرى.
أما نحن الكورد والذين (يعملون دائماً من أجل الآخرين) لم يبقى لنا إلا أن نهرول نحو المقعد أو العالم الأخير ألا وهو (العالم الرابع) وهذه القضية تذكرنا بقصة طريفة أخرى وساخرة يرويها لنا أستاذ القصة الساخرة في تركيا؛ الكاتب عزيز نيسين فيقول في معرض التعريف باسمه: من تكون يا عزيز.. حيث أن (Nasen) باللغة التركية تعني “من أنت“. نعم.. وبالعودة مجدداً إلى التاريخ سوف نلاحظ إننا نتخلف عن كل من العوالم الثلاث الأولى بفواصل ومراحل زمنية تاريخية _وفي كل حقول المعرفة والحياة، ولو بنسب متفاوتة_ حيث نلاحظ بأن العالم الأول قد سبقنا نحن الكورد بقرون ولا يقل عن ثلاث إلى الفكر السياسي القومي العنصري وأسس عليه جغرافياتها السياسية المعروفة حالياً وكذلك فإن كل من العالمين الثاني والثالث وآخرهم الدول العربية فقد سبقونا بأقل من قرنٍ بقليل. وهكذا على الجوانب المعرفية والفكرية الأخرى وحتى المعيشية الحياتية وسبلها؛ ولم يبقى في الكون إلا نحن الكورد وبعض الشعوب المغلوبة على أمرها والمسلوبة الإرادة، مثل الأمازيغ وجنوب السودان والتي حصلت مؤخراً على جغرافيتها السياسية وبعض القبائل البدائية في جغرافيات بعض القارات الأخرى وربما كذلك يشاركنا، في ذلك، بعض المكونات الغير مكتشفة إلى يومنا هذا في العالم.. حيث لن نقبل أن يحتلوا المقعد عفواً العالم الخامس.
ويبقى السؤال الأخير الذي يراودنا دائماً: متى سوف نعمل نحن الكورد من أجل أنفسنا وجغرافيتنا وتاريخنا وثقافتنا وسياستنا.. متى سنعمل من أجل كورديتنا وليس لأجل الآخرين وتاريخهم وسياساتهم وقياداتهم ومخابراتهم.. وليجعلوا منا قبائل وطوائف وأحزاب نتحارب فيما بيننا في (حروب داحس وغبراء).
……………………………………………………………………………………..
(*) الثورة الفرنسية (بالفرنسية: Révolution française) التي اندلعت عام 1789 وامتدت حتى 1799، كانت فترة من الاضطرابات الاجتماعية والسياسية في فرنسا التي أثرت بشكل بالغ العمق على فرنسا وجميع أوروبا. انهار خلالها النظام الملكي المطلق الذي كان قد حكم فرنسا لعدة قرون في غضون ثلاث سنوات. وخضع المجتمع الفرنسي لعملية تحوّل مع إلغاء الامتيازات الإقطاعية والأرستقراطية والدينية وبروز الجماعات السياسيّة اليساريّة الراديكالية إلى جانب بروز دور عموم الجماهير وفلاحي الريف في تحديد مصير المجتمع. كما تم خلالها رفع ما عرف باسم مبادئ التنوير وهي المساواة في الحقوق والمواطنة والحرية ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد والتسلسل الهرمي والطبقة الأرستقراطية والسلطتين الملكية والدينية.
بدأت الثورة الفرنسية في عام 1789 وشهدت السنة الأولى من الثورة القسم في شهر يونيو والهجوم على سجن الباستيل في يوليو وصدور إعلان حقوق الإنسان والمواطنة في أغسطس والمسيرة الكبرى نحو البلاط الملكي في فرساي خلال شهر أكتوبر مع اتهام النظام الملكي اليميني بمحاولة إحباط إصلاحات رئيسيّة. تم إعلان النظام الجمهوري في سبتمبر 1792 وأعدم الملك لويس السادس عشر في العام التالي. كانت التهديدات الخارجية قد لعبت دورًا هامًا في تطور الأحداث، إذ ساهمت انتصارات الجيوش الفرنسي في إيطاليا والمناطق الفقيرة المنخفضة الدخل غرب نهر الراين في رفع شعبية النظام الجمهوري كبديل عن النظام الملكي الذي فشل في السيطرة على هذه المناطق التي شكلت تحديًا للحكومات الفرنسية السابقة لعدة قرون. رغم ذلك، فإن نوعًا من الديكتاتورية شاب الثورة في بدايتها، فقد قضى بين 16,000 إلى 40,000 مواطن فرنسي في الفترة الممتدة بين 1793 و1794 على يد “لجنة السلامة العامة” إثر سيطرة روبسيبر على السلطة. في عام 1799 وصل نابليون الأول إلى السلطة وأعقب ذلك إعادة النظام الملكي تحت إمرته وعودة الاستقرار إلى فرنسا. استمر عودة الحكم الملكي واستبداله بنظام جمهوري لفترات ممتدة خلال القرن التاسع عشر، بعد خلع نابليون قامت الجمهورية الثانية (1848-1852) تلتها عودة الملكية (1852-1870).
امتدت تأثير الثورة الفرنسية في أوروبا والعالم، بنمو الجمهوريات والديمقراطيات الليبرالية وانتشار العلمانية وتطوير عدد من الأيدلوجيات المعاصرة. (موسوعة ويكيبيديا).
جندريسه_09-10-2012
[1]