=KTML_Bold=مرحلة الاستحقاق القومي=KTML_End=
#بير رستم#
تمر المنطقة العربية عموماً وسوريا على وجه الأخص، في منعطف تاريخي يمكن اعتباره الأهم بعد مرحلة ما عرف بالثورات العربية – أو الثورة العربية الكبرى – في وجه الاستعمار الأجنبي والتي قادها الشريف حسين في بدايات القرن الماضي وبعد انهيار الإمبراطورية الإسلامية العثمانية على يد دول الحلفاء. فكانت من نتائجها المباشرة تفتيت إمبراطورية الرجل المريض؛ كنايةً عن ضعف وتفكك الدولة العثمانية وتكوين مجموعة دول ناشئة في المنطقة على أسس أثنية عرقية متأثرة بالثقافة الأوربية وتكويناتها السياسية الجديدة وعلى الأخص منها مبادئ الثورة الفرنسية. وهكذا وجدت فيما تعرف الآن بالمنطقة العربية وبمساعدة مباشرة من دول الحلف، عدد من الدول ذات النهج والأيديولوجيا القومية بعنصرها العربي ملغية غيرها من المكونات العرقية الداخلة معها ضمن هذه الجغرافيات السياسية الجديدة، وقد تكرس هذا النهج بطابعه الأكثر عنصرية وشوفينيةً مع التجربة الناصرية ووريثتها البعثية في كل من العراق وسوريا وتحديداً بعد المشروع السيئ الصيت والذي قدمه محمد طلب هلال؛ ضابط الاستخبارات السورية في منطقة الجزيرة للقيادة السياسية آنذاك – عام 1962م. – في دمشق والمتمثلة في القيادة القومية للبعث.
وهكذا وجد الكورد أنفسهم، ليس فقط محرومين من حقوقهم القومية، بل كذلك قد قسمت جغرافيتهم بين عدد من الدول وذلك نتيجةً لالتقاء مصالح كل من الدول الاستعمارية المتمثلة بالحلفاء والمحور معاً وعلى الرغم من حروبهما ومعاركهما الدامية خلال سنوات النزاع والحرب العالمية الأولى والتي دامت بين أعوام 1914-1918م. وكذلك عدد من دول المنطقة وعلى رأسهم إيران الشيعية وتركيا السنية؛ رغم الطابع القومي العلماني والذي أصبغها عليها مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك وذلك عند قيام الجمهورية التركية الحديثة في عام 1924م. وبالتالي أصبح الكورد وجغرافية كوردستان موزعة ومقسمة بين أربع دول؛ سوريا، تركيا، العراق وإيران الصفوية بعدما كانت قديماً؛ أي جغرافية كوردستان عبارة عن مجموعة إمارات وممالك موزعة بين كل من الإمبراطوريتين العثمانية والصفوية.
بالتأكيد لم يكن العامل الخارجي الموضوعي هو السبب الوحيد – ربما الأهم – في حرمان الكورد من حقوقهم القومية؛ حصتهم من الكعكة وذلك عند تقسيم ورسم الخارطة الجيوبوليتيكية للمنطقة وبالتالي خلق بؤر توتر – برميل بارود – قابلة للانفجار في اللحظة والظرف المطلوب، بل إن العامل الداخلي الذاتي والمتعلق بضعف الحالة الكوردية وفريقها المفاوض وانقسامه بين كل من الولاء للدولة العثمانية؛ الحاضنة الدينية الجامعة للمسلمين في خلافتها عبر عدد من القرون التاريخية وبين الثقافة الجديدة الوافدة مع الاستعمار الجديد الأنكلو–سكسوني وأفكار ومبادئ الثورة الفرنسية في الحرية والقيم الوطنية ونشوء الدول القومية في أوربا بعد حربين عالميتين طحنت الملايين من البشر ودمار القارة الأوربية، بل وجزء كبير من كلٍ من آسيا وأفريقيا. وبالتالي فإن التخلف الثقافي الحضاري وبقاء المجتمعات الكوردية رهينة العقلية القبلية العشائرية وانقساماتها ساهمت هي الأخرى – وبفعالية – بحرمان الشعب الكوردي من أن يكون شريكاً في رسم الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة وقتذاك وبالتالي رسم جغرافية كوردستان ضمن هذه الخارطة كدولة ناشئة لشعب يربو تعداده السكاني وقتذاك وعلى وجه التقدير بما لا يقل عن عشرة ملايين نسمة.
إنه لمؤسف أن تأتي “السلطة السياسية من فوهة البنادق” وأن تنال الشعوب، المقهورة والمغلوبة على أمرها، حقوقها من خلال الحروب والويلات والنزاعات الدولية الكبرى وليس من خلال مبادئ ويلسون أو الهيئات والمنظمات الدولية والتي تهتم بقضايا الشعوب وحقوق الإنسان وذلك من خلال طاولة الحوار والمفاوضات، هكذا كانت الأمور وهذا ما نعيشه في مرحلتنا التاريخية والتي تعرف بعصر ثورة المعلومات التقنية وربما سيستمر هذه الثقافة لقرون أخرى إلى أن نحقق عصر ثورة الإنسان والقيم الإنسانية كقيمة وثقافة وجدانية حضارية في علاقتنا بالآخر وليس من خلال القيم المادية الوجودية والمتحكمة في جميع المسارات السياسية والاجتماعية للدول والمجتمعات البشرية.. وبالتالي فإننا بحاجة إلى ثورة للانتقال من المجتمع البشري إلى المجتمع الإنساني وهذه النقطة بحد ذاتها تحتاج إلى العديد من الدراسات والأبحاث ربما نعود إليها في أوقات ومقالات أخرى.
وهكذا – وحسب قراءتنا – قد حانت اللحظة التاريخية والتي يمكن للكورد أن يكونوا شركاء حقيقيين في المنطقة وأحد اللاعبين الأساسيين – وليس بين صفوف الاحتياط ليلعب في الوقت الضائع من اللعبة السياسية – وبالتالي أن يحققوا الاستحقاق القومي من خلال مشروع سياسي يحل المشكلة والقضية الكوردية في المنطقة؛ منطقة الشرق الأوسط وليس فقط في جغرافية سياسية لدولة حديثة مثل سوريا ما بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي لعام 1946م. ربما حل المسألة الكوردية في سوريا تكون إحدى اللبنات في هذا المسار وقد سبقنا في ذلك الأخوة والأشقاء في العراق الجديد؛ العراق الفيدرالي الاتحادي وذلك من خلال دستور جديد يقر بأن العراق يتكون من مكونين أساسيين هم الكورد والعرب وغيرهم من المكونات العرقية الأثنية وبالتالي فإن جغرافية العراق تتكون من إقليم عربي وآخر كوردي وعلى أثر ذلك أقر إقليم كوردستان (العراق) دستورياً وأعطي له حقوق سياسية واسعة قريبة لدولة ذات سيادة ومستقلة عن المركز بغداد.
وبالتالي يمكن الاستفادة من هذه التجربة للأشقاء في العراق وتطبيق مبدأ الفيدرالية في سوريا أيضاً؛ كون التجربتين متماثلتين، حيث الشعب السوري يتكون من مكونين أساسيين هما الكورد والعرب وغيرهما من المكونات العرقية وكذلك فإن جغرافية سوريا تتكون من إقليمين هما الإقليم العربي وإقليم كوردستان، وإن كان هناك من يتحجج بأن المناطق الكوردية في سوريا عبارة عن جيوب جغرافية تفصل بينها مناطق غير كوردستانية – إن أقرينا بهذه الحقيقة وهي في كثير من تفاصيلها غير دقيقة – فإننا بدورنا نحيل أصحاب هذه النظرية إلى موضوع الدولة الفلسطينية والتي يتفاوض عليها الأخوة الفلسطينيين مع الجانب الإسرائيلي؛ فكلنا يعلم بأن الدولة الفلسطينية سوف تقام على كل من الضفة الغربية وقطاع غزة وهما منطقتان منفصلتان تماماً أكثر مما هي عليها إقليم كوردستان (سوريا). وهكذا فإما أنها حجة مردودة عليها وهي نابعة من عقلية عنصرية الغائية أو أنه الكيل بمكيالين في قضية متماثلة.
إذاً.. وفي هذه المرحلة الحرجة والدقيقة، بل المنعطف التاريخي، فإن الواجب والضرورة الأخلاقية والوطنية تتطلبان منا؛ نحن الكورد وتحديداً الكتل والأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية الكوردية ورموزها وقياداتها أن تعمل وفق العقلية الجمعية الجامعة؛ بما معناه مطلوب من مجمل الحراك الكوردي وتحديداً الحركة الوطنية الكوردية بكل فصائلها وأحزابها وكتلها السياسية (المجلس الوطني الكوردي ومجلس الشعب في غرب كوردستان) والمتمثلة حالياً في (الهيئة الكوردية العليا) أن تعمل وفق مبدأ الكوردايتي وليس الحزبايتي، أي العمل جاهدة لتجاوز الخلافات وتناسي الصراعات والتنافس البيني بين هذه المجاميع والكتل السياسية الحزبية خدمةً للصالح العام القومي كون المرحلة هي مرحلة الاستحقاق القومي وبالتالي الحرص والإخلاص من كل الأطراف للالتزام بما تم الاتفاق عليه في هولير؛ عاصمة إقليم كوردستان (العراق) وبرعاية مباشرة من قيادة ورئاسة الإقليم وعلى الأخص من الرئيس مسعود بارزاني؛ الشخصية الكوردية الجامعة في هذه المرحلة المهمة من حياة شعبنا الكوردي.
ونعتقد جازماً؛ بأن اتفاق هولير (إعلان أربيل) لم يكن ليتم – على الأقل بهذه الفترة الوجيزة، على الرغم من شكوى الكثيرين من بطئ آلياتها وفعاليتها على أرض الواقع – لولا الرعاية المباشرة من قيادة إقليم كوردستان (العراق) وتحديداً شخصية الرئيس مسعود بارزاني وباعتراف الجميع. وهذه تلقي على عاتقنا؛ القيادات الكوردية وعلى الأخص (الهيئة الكوردية العليا) المنبثقة عن إعلان هولير كقيادة مرحلية للكورد في سوريا وشبيهة بحالة أخوتنا في العراق عندما استطاعوا التوافق وتشكيل ما يعرف بالتحالف الكوردستاني كقوة وتحالف سياسي عريض جامع لجل الكورد – إن لم نقل لكل الكورد – في جغرافية إقليم كوردستان (العراق) وبالتالي كمحاور سياسي وحيد عنهم في بغداد عن الجانب الكوردي وذلك لضرورة المرحلة التاريخية والتي عنونّ مقالنا بها؛ ألا وهي مرحلة الاستحقاق القومي.
وهكذا فالواقعان متماثلان؛ كل من الحالة السورية والعراقية وبالتأكيد فإن الحلول المطروحة والذي يجب أن نشتغل عليها، يجب أن تكون متشابهة إن لم نقل متماثلة ومتطابقة. وبالتالي فإن حل المسألة الكوردية في سوريا وكأفضل الحلول المرحلية هو مبدأ الحل الفيدرالي والذي لا يعني بالضرورة الانفصال، بل – وكما في التجربة العراقية – فإن البقاء ضمن الدولة الاتحادية لهو من مصلحة الكورد أكثر بكثير من تشكيلهم لكيان سياسي مستقل وبما سوف يعرف بدولة أو جمهورية كوردستان الديمقراطية، على الأقل في هذه المرحلة التاريخية، وهذه ليست بنوع من المناورة السياسية بل هي حقيقة عملية وقد أكدت عليها تجربة إقليم كوردستان (العراق) وقياداتها السياسية وفي أكثر من مناسبة وأصبح الكورد هم بيضة القبان في توحيد الحالة العراقية وباعتراف الأعداء قبل الأصدقاء.
إذاً ليس أمامنا نحن السوريين غير مبدأ اللامركزية وحل المسألة الكوردية على أساس الحل الفيدرالي وذلك إن أردنا أن نحقق القطيعة مع مرحلة الاستبداد والدكتاتورية وإلا فإننا سوف نعيد إنتاج النظام الاستبدادي ولكن بتلوين ومفاهيم جديدة؛ استبدال القومي بالديني وهذه ستدخلنا في دوامة جديدة من العنف ودولة الطغيان والاستبداد وربما تؤجل حل قضايانا الوطنية الديمقراطية ومنها القضية الكوردية في سوريا ولكنها وبالتأكيد فسوف لن تموت بالتقادم ولسوف نشهد، بعد سنوات عدة وبعد العديد من الويلات والمآسي، ثورات جديدة تطالب بالحرية والكرامة وحق الشعوب في الحياة. ولكن نعتقد بأن المرحلة لا تتحمل الكثير من التأجيل والتأخير وبأن كل من الشرطين الخارجي الموضوعي والداخلي الذاتي قد نضجا بما فيه الكفاية للإتيان بالبديل الديمقراطي عن دولة الاستبداد.. وبالتالي حل جل المسائل الوطنية الديمقراطية في منطقتنا؛ الشرق أوسطية وعلى رأس تلك القضايا حل القضية الكوردية في سوريا حلاً ديمقراطياً عادلاً وذلك ضمن مبدأ حق تقرير المصير للشعوب والتي شرعتها مجموعة القوانين الدولية والهيئات الحقوقية المعنية بهذا الخصوص. وبالتالي الإقرار بأن الحل الأفضل في سوريا – كما في العراق – للخروج من عنق الزجاجة هو مبدأ الفيدرالية والدولة الاتحادية.
(*) لا يعني هذا؛ طرح المسألة الكوردية والعمل من أجل تحقيق الحقوق القومية لشعبنا، بأن الكورد غير معنيين بالشأن الوطني السوري العام، بل نعتبر حل القضية الكوردية في سوريا ضمن مفهوم ومبدأ “الاستحقاق القومي” لمكون أثني حضاري يعيش على جغرافيته الطبيعية هو جزء من مجموع الحلول الديمقراطية لقضايانا الوطنية العالقة والمغيبة إلى هذه اللحظة التاريخية.
[1]