=KTML_Bold=العدوان التركي على روج آفا والقانون الدولي=KTML_End=
إبراهيم بركات
ما أن تم الإعلان عن الإدارة الذاتية الديمقراطية في روج آفا، حتى أصبحت هدفاً للنظام التركي الفاشي الذي يحمل “فوبيا الكرد”، حيث عمل كل ما بوسعه للقضاء على هذه التجربة الديمقراطية، سواءً بدعمٍ وتمويل المجموعات المرتزقة، أو بالتدخّل المباشر عسكرياً، حين قام هذا النظام بشنِ عدوان عسكري على شمال وشرق سوريا ونتج عن ذلك احتلال عفرين عام 2018 ثم سري كانيه وكري سبي.
لم يكتفِ النظام التركي المتعطش لسفك الدم الكردي بالاحتلال، حيث بدأ بالاعتداءات على روج آفا وخلق مختلف الذرائع للقيام بأعمال عدوانية ضد المدنيين العزّل، فكان القصف بواسطة الطائرات المُسيّرة تحوّل عدائي مُلفت في تعامله مع الواقع في روج آفا، حيث استهدفت هذه المسيّرات الناشطين والمسؤولين المدنيين في الإدارة الذاتية، لعل ذلك ينجح في تأليب الشعب ضد الإدارة الذاتية.
لكن العامل الأهم الذي بات يُثقل كاهل رأس النظام التركي هو الأزمات الداخلية التي يعاني منها، وخاصةً الواقع الاقتصادي المأزوم والمعيشي المتردي والمتفاقم.
وفي هذا المنحى جاء العدوان التركي الأخير الواسع على البنية التحتية في روج آفا بواسطة الطائرات المُسيّرة وكذلك الحربية، وتالياً كان الاستهداف لتدمير مقومات الحياة وخنق الشعب بغيّة تحقيق أكثر من هدف، منها لفت انتباه الرأي العام التركي إلى الخطر الكردي المفترض “كخديعة” للهروب من الأزمات الداخلية، وكذلك هي محاولة بائسة للقضاء على الشعب الكردي، ولكن إذا نجح في الأولى فمن المُحال أن ينجح في الثانية.
الانتهاكات التي يمارسها النظام التركي بحق دول الجوار ليست بجديدة، ولا حالة عرضية طارئة، منذ بدايات التسعينيات من القرن المنصرم لم يتوانَ عن شن هجمات عدوانية على إقليم كردستان “باشور كردستان” بذريعة ملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وما تمارسه تجاه روج آفا منذ أكثر من عشر سنوات يأتي في ذات السياق، ضارباً عرض الحائط جميع المعاهدات والمواثيق الدوليّة، والأنكى من ذلك هو الصمت المُريب من الهيئات والمؤسسات الدولية المعنيّة بالسلام العالمي وحقوق الإنسان، وخاصةً القضاء الدولي والمبادئ القانونية الخاصة بجريمة العدوان: “العمل العدواني من المُسلّم به اليوم أنه أخطر شكل من أشكال اللجوء غير المشروع للقوة، وفي إطار النظام الدولي السائد منذ معاهدة وستفاليا سنة 1648 وتأكيد سيادة الدولة، يبدو العدوان أنه أخطر جريمة يمكن ارتكابها، حيث يمكن أن يقوِّض وجود الدولة وسلامة أراضيها، وعلى هذا النحو يقوِّض المبادئ الأساسية للقانون الدولي”.
وفي منتصف القرن العشرين، عمل القمع التدريجي للحق في شن حرب (الوارد في عهد عصبة الأمم لسنة 1919 وميثاق كيلوغ – برياند لسنة 1928)، على تقييد حق اللجوء للقوة المسلحة ليقتصر على حالات الدفاع عن النفس والعدوان.
وفي سنة 1950 أرست مبادئ القانون الدولي المعترف بها في ميثاق محكمة نورنبرغ وفي قرار المحكمة إجراء أن أعمال التخطيط والإعداد والشروع أو شن حرب أو عدوان كجريمة ضد السلم (المبدأ 6) وإشراك مرتكبي العدوان في المسؤولية الجنائية.”
ورغم أن ميثاق الأمم المتحدة لم يأتِ على تعريف جريمة “العدوان” بشكلٍ صريح وواضح، إلا أن المؤسسات القانونية ومحكمة الجنايات الدولية أشارت في أكثر من موقع في تعريفاته بخصوص العدوان والإبادة الجماعية:
حرب عدوانية: أشار إليها أحياناً بحرب احتلال أو إخضاع وأحياناً غزو، هو صراع عسكري يُشن بدون مبرر يقتضي الدفاع عن النفس، وعادةً لتحقيق مكاسب إقليمية وإخضاع الطرف الآخر بهدف إظهار القوة والردع.
يمكن اعتبار الحروب دون الشرعية الدوليّة (أي ليست دفاعًا عن النفس ولا يقرها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة) حروب عدوانية؛ ومع ذلك، فإن هذا بمفرده لا يشكل تعريفًا للحرب العدوانية؛ قد تكون بعض الحروب غير قانونية ولكنها ليست عدوانية (حرب لتسوية النزاع الحدودي حيث يكون لدى البادئ مطالبة معقولة، وأهداف محدودة).
في حكم المحكمة العسكرية الدولية في نورنبرغ، الذي أعقب الحرب العالمية الثانية، «الحرب هي في الأساس شيء شرير، عواقبها لا تقتصر على الدول المتحاربة وحدها، بل تؤثر على العالم بأسره، لذلك فإن شن حرب عدوانية ليس جريمة دولية فحسب؛ إنه الجريمة الدولية العليا التي تختلف فقط عن غيرها من جرائم الحرب من حيث أنها تحتوي في حد ذاتها على الشر المتراكم على الجميع» تنص المادة 39 من ميثاق الأمم المتحدة على أن مجلس الأمن الدولي يحدد وجود أي عمل عدواني و«يقدم توصيات، أو يقرر التدابير المتخذة وفقًا للمادتين 41 و42، للحفاظ على أو استعادة السلام الدولي والأمان».
يشير نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى جريمة العدوان باعتبارها واحدة من «أخطر الجرائم التي تهم المجتمع الدولي»، وتنص على أن الجريمة تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية (ICC). ومع ذلك، ينص نظام روما الأساسي على أنه لا يجوز للمحكمة الجنائية الدولية ممارسة سلطتها القضائية على جريمة العدوان إلى أن تتفق الدول الأطراف على تعريف للجريمة وتحدد الشروط التي يمكن بموجبها مقاضاتها. في مؤتمر كمبالا في 11 يونيو 2010، وافق ما مجموعه 111 دولة من الدول الأطراف في المحكمة بتوافق الآراء على اعتماد قرار يقبل تعريف الجريمة وشروط ممارسة الولاية القضائية على هذه الجريمة. التعديلات ذات الصلة على النظام الأساسي، ومع ذلك لم تدخل حيز التنفيذ حتى 14 مايو 2012.
من المحتمل أن تكون أول تجربة لشن حرب عدوانية هي محاكمة ملك صقلية كونرادين في عام 1268. إن قيام النظام التركي بارتكاب جرائم حرب بحق الشعب الكردي قد تصل إلى اعتبار هذه الانتهاكات إبادة جماعية، هو تحدي سافر لكل المواثيق والمعاهدات الدولية.
لذا بات لزاماً على المنظمات والهيئات الدولية التحرك بغية تقديم رأس النظام التركي وشركائه في ارتكاب المجازر بحق الشعب الكردي للمحاكم والعدالة الدولية، أسوةً بالمحاكمات السابقة التي جرت فيها محاكمة مجرمي الحرب في الحرب العالمية الثانية ويوغسلافيا سابقاً، والشخصيات التي ارتكبت المجازر بحق قبائل زولو في راوندا، وكذلك تقديم “علي كوشيب” للمحكمة الجنائية الدولية ووجهت إليه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بين عامي 2003و 2004 في إقليم دارفور بالسودان.
والمحكمة الدولية التي أُنشئت خصيصاً لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
كون المحكمة الجنائية الدولية، هيئة قضائية مستقلة يخضع لاختصاصها الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.
إن الصمت الدولي المريب إزاء الجرائم التي يرتكبها النظام التركي بحق الشعب الكردي الأعزل، موضع التساؤل والإدانة.
المصدر: صحيفة روناهي
[1]