=KTML_Bold=الإدارة الذاتية بين الاستدامة والتحديات – حسين عثمان=KTML_End=
حسين عثمان
تمر الذكرى السنوية الخامسة لتأسيس الإدارة الذاتية، في خضم أحداث كبيرة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، هذه الإدارة حديثة العهد وهي في عمر التأسيس، لكنها أثبتت قدرتها على المواصلة والاستمرار والديمومة رغم كل الظروف والتحديات التي تمر بها.
ابتداءً من الوضع الداخلي والمحيط الإقليمي
بعد خمس سنوات انتقلت الفكرة لمشروع وهذا المشروع يتكرس يوماً بعد يوم على أرض الواقع ليخلق حالة فريدة على الساحة السورية، في ظل أزمتها التي عجز العالم بكل مؤسساته وهيكلته عن حلها.
إذا ما أردنا أن نقارن بين مناطق السيطرة أو نجري استبياناً بسيطاً، ستكون النتائج واضحة حول حالة القبول والرضى وليس مأخذاً عن مستوى التنظيم والمأسسة داخل مناطق الإدارة الذاتية.
لكل مشروع مجموعة من القواعد والنهج الذي يستند إليه لديمومته ونجاحه، ومن هذا المنطلق على الإدارة تركيز نقاط القوى التي استندت عليها لنجاحها خلال السنوات السابقة والحفاظ على الخط الذي تبنته في سيرورة العمل رغم كل الصعاب والتحديات.
الركيزة الأساسية التي انطلقت منها الإدارة في نجاح مشروعها كانت وحدة مصير المكونات وتلاحم أبناء هذه المنطقة، حين بدأ الحراك المسلح والمنظم ضد الفكر الإرهابي (داعش) ابتداءً من كوباني ليشمل بقعة تمثل أكثر من ربع مساحة سوريا وكان آخرها في الباغوز.
من كوباني للباغوز لها دلالات ومعاني وعبر، مفادها أنّ حدود التحرير من مظلة الإرهاب إلى أفق النهج الديمقراطي ينطلق من مفهوم واحد وهو أنّ الإرهاب ومحاربته لا حدود جغرافية له، والإرهاب لا يستهدف شريحة ومكون معين دون سواه وليس له دين معين أو طابع ثقافي أو عرقي بحد ذاته.
من هذا البعد الأساسي استطاعت الإدارة الذاتية أن تؤسس عامل جذب لكل المكونات وأن تشرك الجميع في محاربة الخطر الأكبر، الذي كان ولازال يهدد الأمن المجتمعي ليس في سوريا وحسب إنما إقليمياً ويتعدى حدوده الظلامية عالمياً أيضاً.
وتمت بلورة هذه التشاركية بعد الانطلاقة الرسمية للإدارة الذاتية في 2018، والتي كانت نتيجة حتمية لتنظيم ما كان فوضوياً عقب تحرير المناطق من الفكر الإرهابي والاستبدادي والإقصائي.
ومع بزوغ الفكر الديمقراطي شهدت المنطقة تحولات كبيرة، وكان أهمها انخراط المجتمع بالمشاركة في صنع القرار من خلال تنظيم القاعدة المجتمعية والتي تعتبر الخلية الأصغر في بناء منظومة الإدارة الذاتية واستقطاب جميع المكونات في إعادة رسم وجه وملامح المأسسة الجديدة والتي ستكون نواة لحوكمة مستقبلية رشيدة.
إذ أنّ هذه المجتمعات كان مغيبة تماماً أكثر من خمسين عاماً عن المشاركة والتفاعل والمساهمة في صنع القرارات، وكان دورها ينحصر في تلقي التعليمات وتأخذ طابع المنفذ دون أي دور لها في رسم مستقبلها.
وليس عجباً أن يكون هناك بعض المطبّات والأخطاء للإدارة حديثة النشأة، والتي تعتمد بالدرجة الأولى على إمكاناتها وأبنائها الذين كانوا مغيبين قسراً طوال السنين التي كان فيه الحكم شمولياً إقصائياً.
هذه البقعة الجغرافية التي كانت تصنف ضمن المناطق النائية في سوريا بالرغم من أنها تمتلك كل مقومات التقدم وتضم أغلب الثروات وتعتبر قلب سوريا المفيدة، لكن النجاح الحقيقي كان في إشراك جميع أبناء هذه المناطق في رسم مستقبل المنطقة وبالرغم من جميع العقبات والتحديات.
الركيزة الأخرى التي تستند إليها في سيرورتها وتقدمها أنها قدمت مشروعاً شاملاً متكاملاً، ووفق رؤية واقعية منطقية الحل بعيداً عن الإسهاب والتخيلات الطوباوية، هذا المشروع الذي يؤسس لحالة جديدة لا تشبه في طياتها الحالة الموجودة في الشرق الأوسط.
والأهم من كل ذلك هو أنّ مشروعها انطلق من مبدأ وطني لحل جذور المشكلة الأساسية في سوريا، والتقدم بخطة واضحة المعالم والمساهمة في إطلاق مبادرة وطنية سياسية تعتمد بالدرجة الأولى على مبدأ الحفاظ على وحدة الأراضي السورية كبند أولي غير قابل للنقاش، وهو رد صريح وواضح للذين يحاولون الاصطياد بالماء العكر وتشويه صورة ما تقوم به أو تنادي به هذه الإدارة.
وتعتبر هذه أحد أهم المعوقات التي تعترض طريق الاستدامة، وهو ضرب المشروع وشيطنته من قبل أولئك الذين يرفضون تغير الواقع ويرفضون فكرة أن الشعوب لم تعد مغيبة عما يشهده العالم أجمع من تغيرات ومن وجود حركات تحرر ضد الظلم والاستبداد والإقصاء، ويجب أن نعترف أنّ المركزية تعتبر من أسوأ أنواع الحكم، والذي أثبتت فشلها بجميع تجارب الدول التي اعتمدت مثل هذا النظام في إدارة البلاد.
فقد حاولت الكثير من الأطراف محاربة فكرة الإدارة الذاتية، وكل حسب أجنداته وبوسائل متعددة وخاصة أنها تبنت مبدأ اللامركزية وتنادي به كخيار أمثل وأنجح لحل المشكلة السورية، وكان من بين الوسائل الخيار العسكري الذي انكفأ في الفترة الأخيرة نتيجة تفاهمات دولية وعدم إجراء أي تحريك لمسار مناطق النفوذ، وعدم السماح من اللاعبين الدوليين في الساحة السورية بتغير أي جزء في مناطق السيطرة وغض النظر عن الاعتداءات والانتهاكات التي تعكر صفو الاستقرار والديمومة في شمال وشرق سوريا.
فكان هناك أساليب جديدة لضرب حالة النمو المتصاعد والاستقرار الذي من شأنه أن يقوي هذه الفكرة لتتكرّس ضمن مشروع الحل المستقبلي لسوريا، ضمن أطر وضوابط دستورية تكفل استدامة الإدارة والحفاظ على خصوصيتها ولعل أصعب التحديات هي الحصار الاقتصادي الذي فرض على شمال وشرق سوريا، كونها جزء من الأراضي السورية وتبعات الحصار على المركز أو الكل تؤثر بطبيعة الأحوال على الجزء، ولم يكن هذا السبب الوحيد بل تعدى ذلك إغلاق كافة المعابر الحدودية والتي تعتبر المتنفس الوحيد للإدارة الذاتية وخاصة معبر اليعربية والذي خضع لبازارات السياسة ولم يخضع لحالات الاستجابة الإنسانية كما حدث إبان الزلزال الذي ضرب سوريا في شباط 2023.
الأمر الذي يتطلب جهداً دولياً حقيقياً لتحييد المأساة الإنسانية عن الصراع السياسي، ولكن يبقى هذا الأمر منوطاً أيضاً وللأسف وفقًا لتفاهمات إقليمية ودولية حسب براغماتية المتداخلين بالمعضلة السورية.
الأمر الذي انعكس سلباً على العجلة الاقتصادية وتحقيق النمو من الناتج الإجمالي ورفده في تحقيق مشاريع كبيرة تخدم أبناء هذه المناطق، ولكن وبالرغم من ذلك استطاعت الإدارة الذاتية أن تستمر في خلق حالة جديدة تتماشى مع الواقع الراهن، وأن تقوم بدورها في الحد الأدنى واستمرارية تقديم الخدمات الأساسية وتحقيق النهوض، من خلال طرح مشاريع استراتيجية ضخمة ستبصر النور في المستقبل بالرغم من كل التحديات.
أيضاً في هذا الأسلوب فشل من كان يراهن على الوضع الاقتصادي واستخدامه كوسيلة جديدة لضرب الاستقرار، ومع هذا الفشل المتتالي كان المخطط الأخير هو حالة الفوضى المرتكزة على محاولة ضرب اللبنة الأساسية التي يستمد منها مشروع الإدارة الذاتية قوته /أخوّة الشعوب/، وهو حالة ضرب المكونات ببعضها ومحاولة إيجاد شرخ وانقسام أفقي وعمودي في جسد الإدارة الذاتية، وعمل المناهضين للإدارة الذاتية بكل قوتهم من خلال أدواتهم مستغلين اللعب بالعواطف وشحن النفوس عن طريق كل وسائل الملتميديا، على زرع بذور الضغينة والحقد بين المكونات وخلق الفتن والدسائس بين المكون الواحد لتمرير أجندات معدة مسبقًا ،وأهمها ضرب الاستقرار وخلق حالة من الفوضى التي ستؤثر على عملية الإنماء في الإدارة الذاتية، وبالتالي حالة من عدم الرضى والسخط ومن خلال هذه الفوضى العبثية ستكون هناك خلايا تنشط لزعزعة الاستقرار الأمني والذي يعتبر من أهم عوامل نجاح الإدارة وقوتها.
وبدأت ملامح هذا المخطط الخبيث تتكشف والهدف من محاولات بث العنصرية واللعب على الوتر القومي ومحاولات زرع بذور الفتنة ليتسنى للمشغل كسب الثمار.
أمام كل هذه المخططات التي تستهدف الإدارة الذاتية أثبتت أنها قادرة على التصدي لجميع المحاولات البائسة للنيل من تجربتها ووضعها ضمن سياقها الحقيقي الهادف لخلق حالة فريدة في مجتمع شرق أوسطي عانى ويعاني من الإهمال والجمود على كافة الأصعدة.
الحفاظ على مقومات القوة هو العامل الأساسي في تحقيق ديمومتها واستمرارها بوتيرة أعلى على مدى الأعوام القادمة، ومن خلال التركيز على التلاحم المجتمعي والتآخي بين المكونات وعدم المساس بهذا النسيج الفسيفسائي الذي يزين مشروع الإدارة الذاتية ويمنع الأيادي الخبيثة من التطاول على حالة التوافق والوفاق الاجتماعي الذي يعتبر الحصن الحصين لمشروع الإدارة الذاتية.
حسين عثمان – الرئيس المشترك للمجلس التنفيذي في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا
المصدر: ANHA
[1]