=KTML_Bold=زانا عمر: إقليما الشمال الكرديّان بين القوس السنّي التركي والهلال الشيعي الإيراني=KTML_End=
كورداونلاين
هذه الجغرافيا الكرديّة المتصلة من كركوك الى عفرين هي القوس الكرديّ الذي سيطلق السهم القاتل على علاقة الامر الواقع بين تركيا وكوردستان العراق ويفعّل التقارب الكرديّ – الكرديّ المنشود.
بات الكرد وكيانهم وسلاحهم أمراً واقعاً ولم يعد بإمكان الدول سواء تلك التي تحوي ذينك الإقليمين أو المجاورة لهما أن تغفل عن هذه الحقيقة.
فبالرغم من الخصام والتنافس والتناحر بين مشروعي كل من الدولة التركية السنّية والإيرانية الشيعية وموقع الإقليمين الكرديّين في قلب كل منها، إلا إنهما حين يطل الخطر الكرديّ برأسه سواء في شمال العراق كوردستان العراق أو في الشمال السوري روج آفا يلتقي الخطان المتوازيان السنّي والشيعي.
وفي بداية الالفية الجديدة، بدأت تطفو على السطح الكثير من الآراء التي رأت أن حركة الإخوان المسلمينالسنّية يمكن أن تكون حاجزًا صدًّا في وجه المد الشيعي ومشروعه الهلالي، وذلك على حساب الأنظمة الرسمية التي لم تكن ذات شعبية تذكر بين الجماهير السنّية العريضة.
وبالفعل نرى اليوم حزب العدالة والتنمية التركي سنّي الهوى يرفع راية أهل السنّة والجماعة ويجاهد في تطبيق مشروع القوس السنّي في مواجهة الهلال الشيعي، رغم إن ممر وتقاطع القوس والهلال الطائفيين في جغرافيا غير عربية تمتد من كركوك في كوردستان العراق الى عفرين في الشمال السوري روج آفا .
ورغم اختلاف تركيا وإيران حول الكثير من القضايا وطرح كل منهما مشروعاً مختلفاً ذا صبغة طائفية مذهبية، إلا أن التغيرات الهائلة التي عصفت وتعصف بالجغرافيا التي يتصارع فيها المشروعان القوس والهلال يكشف أن التناقض فيما بينهما يتجاوز المسألة الكرديّة. ولكن مع تغيّر الظروف الدولية لصالح الكرد هذه المرة، فهل لدى الكرد من الحكمة ما يكفي للعب على حبلَي المشروعين وتشكيل القوس الكرديّ الممتد من كركوك الى عفرين دون خطر السقوط في الهاوية.
تركيا والقوس السنّي:
صادف دخول قوات المهام الخاصة التركية فجر يوم الأربعاء 24 آب عام 2016 إلى مدينة جرابلس السورية بريف حلب الشمالي في إطار حملة درع الفرات، الذكرى ال 500 لانتصار الجيش العثماني بقيادة السلطان سليم الأول ياووز في معركة مرج دابق يوم 24 آب عام 1516، ودخوله إلى سوريا.
ومن الواضح إن خليط النزعة القومية – السنّية التركية قد دفعت بأردوغان الى اختيار هذا التاريخ بالذات ربما لإعطاء دخوله بعداً تاريخياً.
ومن الواضح كذلك إنه يقع ضمن المشروع التركي الجديد الذي نظر له داود اوغلو في كتابه البعد الاستراتيجي لتركيا، وذلك بعد فشل الحكومات التركية المتعاقبة في الانضمام الى النادي الاوربي، ولم يبق لدى الأتراك خيار أفضل من العودة إلى الحاضنة السنّية لتركيا العثمانية لترميم العلاقات مع الدول الاسلامية. ولا ضير في اثناء ذلك من نقد تجربة مصطفى كمال اتاتورك مؤسس الدولة التركية الحديثة .
وليس غريباً أبداً أن تسمع حديثاً لرجب طيب اردوغان عن الميثاق الملّي وهو الاتفاق الذي تم توقيعه في 28 شباط من عام 1920، على إثر هزيمة السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وسقوط معظم أراضيها في أيدي الحلفاء. يقوم المشروع على وضع خارطة للأراضي التي سيتم العمل على استعادتها، فبالإضافة إلى حدود الجمهورية التركية الحالية هناك مناطق غرب تركيا الممتدة على أراضٍ بلغارية ويونانية، وفي الناحية الشرقية إقليم كوردستان العراق الحالي، بالإضافة إلى الموصل وأجزاء واسعة من المناطق ذات الغالبية العربية السنّية المجاورة لها، وفي سورية محافظة حلب وأجزاء واسعة من شمال سورية.
وتركيا التي تعبت من الوقوف في أروقة الانتظار للانضمام الى الاتحاد الاوربي، قررت مع مجيء حزب العدالة والتمنية الانفلات من التجربة الكمالية في تغريب تركيا والعودة إلى الاسترخاء في أحضان العالم الاسلامي، والبدء في تنفيذ مشروعها الخاص، ولذا اعتمد المنظرون لهذا التوجه الجديد على أن تركيا ذات الهوية المركبة من شرق أوسطية وبلقانية وآسيوية عليها أن تنتهج سياسة خارجية هادفة إلى إرساء دعائم استقرار داخلي وإقليمي، لأنه بواسطتهما يتحقق الأمن القومي التركي، الأمر الذي يترتب عليه ضرورة أن توظف تركيا موروثها التاريخي والجغرافي أمثل توظيف في سياستها الخارجية.
أبرز المنظّرين لهذه السياسة كما أسلفنا كان السيد احمد داود اوغلو من خلال كتابه تركيا والبعد الاستراتيجي الصادر عام 2006 والذي ركز من خلاله على تمتع بلاده بعمق استراتيجي في البلدان العربية والإسلامية في الشرق الأوسط، وراهن على موقعها الجيواستراتيجي والجيواقتصادي الراهن، معتبراً أن تركيا تمثل الوريث التاريخي الوحيد لآخر كيان إسلامي جامع (الدولة العثمانية) في المنطقة، ولذلك فإن عليها اعتماد مقاربة استراتيجية تمكنها من تجاوز الانقسامات والتمزقات الجيوسياسية والجيوثقافية والجيواقتصادية، ومن الإحاطة بالمنطقة بوصفها كلاً متكاملاً، ويتوجب عليها تطبيق هذه الرؤية بمرونة تكتيكية عالية مع عدم إغفال أي فاعل داخل التوازنات الدولية والإقليمية.
الربيع العربي لم يكن فقط فرصة لصعود التيار الإخواني وتحوله الى مجموعات راديكالية ابتعدت عن الأهداف الوطنية وباتت عابرة للتاريخ والحدود ومطالبة بالخلافة بشكل لا يمكن اعتباره مصادفة، بل أعتقد أن تركيا كان لها الدور الاكبر في ذلك باعتبار أن طرح مشروع الخلافة هو نفسه المشروع التركي القوس السنّي، ولكن بطريقة راديكالية عنيفة. وبذلك تكون تركيا قد سوقت نموذجها الخلافي الاكثر عصرية بديلا أكثر قبولاً في العالم، فيما لو قورن بمشروع جبهة النصرة او داعش مثلا، إلى جانب استفادة تركيا من الحركات السنّية الراديكالية في ضرب أي مشروع مناهض للمشروع الاسلامي.
لكن ثمة حقيقة أخرى هي أن الربيع العربي كان فرصة لبروز نجم الكُرد ايضاً. فبالإضافة إلى القناعة المشتركة لدى العالم أن تركيا ترعى داعش، كان ثمة قناعة أكثر وضوحاً هي أن الكُرد هم المقاتلون الاكثر جهوزية في الحرب على الإرهاب بالنيابة عن العالم أجمع.
بناء على كل ذلك، ثمة تقاطع كبير في مشروع الخلافة القوس السنّي وضرب الكرديّ الارهابي المسلح الساعي الى تطبيق المشروع الكرديّ في كل من العراق وسوريا حيث يتشكل قوس آخر على هذه الجغرافية الساخنة الى جانب القوس السنّي و الهلال الشيعي .
نشاهد الان كيف تركيا تدخل في مرحلة الصدام المباشر مع الكرد في سوريا، والتي سابقا كانت حربا بالوكالة تقوم بها الفصائل الاسلامية وجبهة النصرة وداعش القوس الكرديّ، انما بلغ حد الخطر وباتت 40 كم فقط تفصل عفرين الكرديّة في الشمال السوري عن القوس المتواصل من كركوك الى منبج. لذا تركيا دخلت بجنودها ودباباتها لمحاربة الملاحدة الكرد، اذ إن حرب الوكالة التي كانت فيما سبق، كلفت تركيا هزائم متواصلة في مواجهة الكرد. هذا من جانب ومن جانب آخر اذا ما تم ربط عفرين بكوباني منبج، فهذا يعني اطلاق رصاصة الرحمة على المشروع التركي الجيوسياسي القوس السنّي وتقطع دابر تركيا من العالم الاسلامي السنّي .
تركيا لن تقف مكتوفة اليدين حيال انهيار مشروعها التي عملت عليه طيلة عشرات السنّين. خصوصا ان وجودها في الموصل التي عملت عليها لعشرات السنّين بات يواجه برفض عراقي. وعدم مشاركتها بريا في عملية تحرير الموصل ضربة قاصمة للمشروع السنّي التركي. وتدور الان معارك شرسة بين القوات التركية ودرع الفرات من جهة، وقوات سوريا الديمقراطية من جهة اخرى، وما ستؤول عنه هذه المواجهات ستكون البداية الفعلية للمشروع القوس الكرديّ وبداية انهيار القوس التركي، هذا فيما يخص البوابة السورية للقوس التركي، وفي بوابته العراقية في بعشيقة التي كانت تتمركز فيها القوات التركية بهدف معلن، وهو تدريب قوات سنّية من اهل الموصل، وهدفين غير معلنين اولهما ضرب النفوذ المتنامي لحزب العمال الكردستاني في جبل سنّجار وثانيهما الاستعداد لدخول الموصل انطلاقا من قاعدتها في بعشيقة. وجميع الاهداف التركية الى الآن لم تتحقق ومعركة الموصل بدأت بدون تدخل تركي بري.
إيران والهلال الشيعي
ضغطت إيران على إقليم كوردستان العراق منذ بداية الحرب السورية لجعل الإقليم خط إمداد بري لصالح قوات النظام السوري والميليشات الشيعية التابعة له هناك، إلا إن الإقليم ولاعتبارات جيوسياسية وتجنباً لتعكير صفو التفاهمات التركية مع الإقليم رفضت هذا العبور. واتجهت إيران بعدها الى محافظة كركوك وتحديدا الى طوزخورماتو وكانت أولى تلك المواجهات هي تلك التي نشبت بين الحشد الشعبي الشيعي المدعوم إيرانياً من جهة وقوات البيشمركة الكرديّة وقوات الكريلا حزب العمل الكردستاني من جهة أخرى: كلا الطرفين الكرديّين كانا يدركان أنه إذا تمت السيطرة على طوزخرماتو من قبل الميليشيات الشيعية، تكون إيران قد نجحت في فتح ممر إمداد بري إلى النظام السوري لدعم العمليات العسكرية هناك، ما يشكل خطرا مباشرا ليس فقط على شمال العراق، بل حتى على الشمال السوري، وليس من مصلحة الكرد في سوريا بالتأكيد فتح مثل هذا الممر لتقوية النظام في الشمال.
على طول الحدود الفاصلة بين إيران وكوردستان العراق، ينشط مقاتلو حزب العمال الكردستاني بالاضافة الى الأحزاب الكرديّة الإيرانية المسلحة، ولم تكن مهمة سهلة دون شك أن ينجح الإقليم الكرديّ في عدم التصعيد العسكري ضد إيران انطلاقا من أراضيها وفي عدم جعل الإقليم ممراً آمناً لإيران إلى سوريا في الوقت نفسه.
اما في سوريا وشمالها الكرديّ فقد نشطت مجموعات إيرانية مسلحة كحزب الله اللبناني، وكذلك حزب الله السوري في المربعات الامنية الخاضعة للنظام في مدينتي الحسكة والقامشلي.
وفي الوقت الذي كان فيه كرد سوريا يسعون الى ربط عفرين بكوباني، كانوا يواجهون -بالإضافة الى داعش - المد التركي الساعي لفتح باب القوس السنّي في الشمال السوري الشهباء وعليه لم يكن غريباً أن تندلع مواجهات في مدينتي الحسكة والقامشلي بين الميليشات الإيرانية والنظام السوري من جهة والوحدات الكرديّة من جهة اخرى.
ولأن المصلحة تقع في قلب السياسة، فقد تفاهم أخيراً القوس السنّي والهلال الشيعي على الضرب معاً نتيجة تفاهم بين الدولتين رغم وصول المواجهة بينهما إلى أعلى درجات الصراع، واتفقا بوساطة جزائرية على ضرب النفوذ الكرديّ المتنامي، هذه الاتفاقية التي أطلق عليها الكرد اسم اتفاقية الجزائر الثانية.
تركيا وإيران والقوس الكرديّ
في طريقها إلى ميناء جيهان التركي، تمر أنابيب النفط الكرديّة من أراضي تركيا، وتركيا على يقين من أن النفط الكرديّ ليس له سوى منفذ بحري وحيد هو ميناء جيهان، وأن على الإقليم إن أراد بيع نفطه الاتفاق معها.
وقد حصلت تركيا على نسبة عالية من ايرادات النفط وألزمت الإقليم الكرديّ بإيداع ايرادات نفطه في البنوك التركية. ومن جانب آخر، يدرك ساسة الإقليم أن الاتفاقية العسكرية الموقعة سابقاً بين نظام صدام حسين وتركيا تسمح لهذه الأخيرة بالتوغل بعمق 10 كم ضمن أراضي الإقليم بهدف معلن هو ضرب متمرّدي حزب العمال الكردستاني، وآخر مضمر هو ضرب المشروع الكرديّ بأسره. ولتجنّب خطر الضربة العسكرية التركية على أمن الإقليم لم يكن أمام مسعود البارزاني خيار أفضل من استجرار الاستثمارات التركية إلى الإقليم، وبالنتيجة وجدت المئات من الشركات التركية و 12 قاعدة عسكرية تركية موطئ قدم لها في كوردستان العراق وفتح معبر ابراهيم الخليل، كل ذلك مقابل عدم التوغل التركي العسكري في كردستان العراق، وطيلة العشرين سنة الماضية تم بالفعل خلق نوع من التوازن في هذه النقطة، ولكن دون أن ننسى أن قطع الطريق على حزب العمال الكردستاني والضغط على الإقليم الكرديّ في الشمال السوري كان من جملة هذه السياسات وواحدًا من بنودها.
ولكن ماذا لو تحقق المشروع الكرديّ ونجح حلفاء العمال الكردستاني في السيطرة على كامل الشمال السوري بجغرافية متصلة؟ أعتقد ان السيناريو الأرجح حينها هو استغناء الإقليم عن خدمات ميناء جيهان التركي لتسويق نفطه بسبب توفر طريق جديد عبر الشمال السوري. وحينها فقط يكون فك الارتباط بين الإقليم و تركيا أمراً ممكناً.
هذه الجغرافيا الكرديّة المتصلة من كركوك الى عفرين هي القوس الكرديّ الذي سيطلق السهم القاتل على علاقة الامر الواقع بين تركيا وكوردستان العراق ويفعّل التقارب الكرديّ – الكرديّ المنشود.
وليس الأمر بهذه السهولة بالطبع. لكن ما يجعل من الممكن أن تجري الامور وفقا لسيناريو كهذا هو تقاطع المصالح الأميركية والأوربية معها بالإضافة إلى الأخطاء المتواصلة والقاتلة التي يقع فيها أعداؤهم.
*زانا عمر- صحافي كردي سوري
النهار اللبنانية
[1]