=KTML_Bold=مصطفى بالي: تركيا مفاتيح قديمة لأقفال جديدة=KTML_End=
كورداونلاين
الحرب التي استطاعت الدولة خوضها في الجبال على مدى ثلاثة قرون تنذر بالاندلاع في شوارع المدن التركية،وتهدد عضب الاقتصاد التركي
أصبح واضحاً للعيان بأن تركيا لم تعد ذلك البلد الآمن الذي تتدفق إليه شلالات السياح من كل فج عميق،أو ذاك البلد الذي كان قد خطط ساسته لصفر مشاكل مع الجيران،أو بالأحرى ظهر للعيان بأن المقصود بصفر مشاكل كانت نية مبيتة لدى هؤلاء الساسة بابتلاع الجيران ليكون هناك صفر جيران،فرئيس جمهورية،يصرح أمام الإعلام بأن خارطة بلاده في قلبه لا تطابق خارطتها على الأرض تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن الرجل كان جادا بالاقتداء بهتلر عندما أشاد به قبيل سلسلة انقلاباته على الداخل المتمظهر بالحياة الديمقراطية بعد أن قطع كل خيط مع الجوار بالانقلاب عليهم عبر المرتزقة.
تركيا و الحال هذه،تعيش حالة حرب حقيقية،بكل أعراض الحرب الداخلية أو الأهلية،رغم تماسك آلتها العسكرية و البوليسية،ورغم تجاهل آلتها الإعلامية القوية لهذه الظاهرة،إلا أن الوقائع كلها تؤكد بأن تركيا مقبلة على حرب طاحنة لا تبقِ ولا تذر،وكل الوعود التي قدمها حزب العدالة و التنمية رجب طيب أردوغان للناخب التركي و الكردي على حد سواء بالحل السلمي للقضية الكردية في تركيا و حل أزماتها المزمنة العالقة ستذهب أدراج الرياح وفق هذه المعطيات وستعود الأصفار الستة إلى الليرة التركية هذه المرة متوالدة و مرتفعة إلى الرقم اثنا عشر و تثبيت الكتفين على الأرض.
تركيا بلون أردوغان،الخارجة من رحم تجربة حزب الرفاه و زعيمه نجم الدين أربكان التي لم تستطع الصمود أمام الموجة العالية للدولة الخفية،حاولت الاستفادة من عوامل فشلها باعتماد خطاب جامع، يؤدي إلى انفراج في العقد المستعصية على الحل،وعندما استمالت الناخب التركي وبدأت حملات خفية للسيطرة على الجيش و البوليس بدأت بالتكشير عن أنيابها،وباحثة هذه المرة عن إقامة أوثق تحالف بين الفاشيات التركية الثلاث(الحمراء المتمثلة بالعسكر و مجازرهم،والبيضاء المتمثلة بالتذويب و الصهر الثقافي،والخضراء المتمثلة بالدين و تجربة الأخوان المسلمين)،وهي الآن تقود هذا التحالف ضد إرادة الشعب الكردي بعد أن أيقنت فشلها التام في ترويض الكرد تحت أقبية البرلمانات بعد أن كانت قد فشلت كل الفاشيات التركية في ترويضهم تحت أقبية السجون فأعلنت الحرب جهارا نهارا ضد الكرد بعد أن أزالت - مشكورة - ذاك القناع المزيف للديمقراطية التركية و كشفت المستور من هذه الديمقراطية،فنفذت انقلابين عسكريين أحدهما ضد نتائج الانتخابات التشريعية في السابع من حزيران المنصرم و ثانيهما مسرحية الانقلاب العسكري المهذب الذي فشل أمام إشارات شرطة المرور، تخللهما عمليات دموية ضد الأتراك و الكرد على حد سواء بالمفخخات في تتبع دقيق لخطى هتلر عندما بدأ الأخير بتنفيذ خطة الاستيلاء على الرايخستاغ الألماني واتهام الخصوم بتلك العمليات بغية تصفيتهم او الزج بهم في غياهب السجون،وهو ما فعله أردوغان بمنتهى الحرفية.
أردوغان و الحال هذه قد أحرق مراكبه وقرر الخوض في طريق اللارجعة،متكئاً على إقامة تحالفه الثلاثي،ومستفيدا من التجربة العميقة للدولة العثمانية _التي يحلم بإعادة أمجادها_ في استخدام الميليشيات لتحطيم الثورات و الحركات المناوئة و استخدام شخوص و دمى من لدن تلك الحركات أو الشعوب ضد ثوراتها و انتفاضاتها،فسجلات الدولة العثمانية مليئة بممارسات الفرق الحميدية و الانكشارية و غيرها من ميليشيات الدولة العثمانية،و كذلك مليئة باستخدام الشخوص عبر الرشوة وشراء الذمم ضد الثورات المحلية، و كذلك تجربة الفاشيات التركية بألوانها الثلاث أيضا مليئة بتجارب مشابهة لعل ميليشيا حماة القرى ليس شكلها الأبشع إذا ما عرفنا أن منظمة ال (جي تيم)منسوب إليه أكثر من عشرين ألف عملية اغتيال لساسة و مثقفين و نشطاء كرد مجهولة الفاعل أو إذا عرفنا أن الحرب التي تخوضها تركيا ضد كريلا حزب العمال الكردستاني في شمال كردستان أغلبهم مرتزقة متعاقدون مع وزارة الدفاع التركية،برواتب مغرية مقابل إعفاء الجيش من إعلان مقتلهم أو تعويض ذويهم فيما إذا قُتِلوا في الحرب،وكذلك تنظيم الكونتر كريلا الذي يرتكب أبشع المجازر و الجرائم بحق القرى الكردية لإلصاقها بمقاتلي حزب العمال الكردستاني.
الدولة التركية،وعلى رأسها سيدها أردوغان،وهم يعيشون الأزمة الخانقة،يحاولون تجاهلها و الجري نحو الأمام لإيجاد مخارج لأزمتهم،لكن هم ينسون -أو قد يتناسون - بأن المفاتيح القديمة لا تستطيع أن تفتح الأقفال الجديدة، و المقدمات التركية التي أدت إلى تلك النتائج مع الثورات و الانتفاضات التي اندلعت ضدهم،لن تأتي بنفس النتائج ، ذلك أن المعطيات الحالية - للكرد على الأقل - لم تبدأ بنفس المقدمات التي كانت تؤدي إلى نتائج كارثية تحل عليهم كاللعنة، و هم ينسون كذلك بأن من لم يستسلموا بخمسة سجناء فقط في سجن ديار بكر إبان انقلاب أيلول الدموي في مستهل ثمانينيات القرن الماضي،بالتأكيد لن يستسلمون الآن و هم يملؤون كل ساحات كردستان ضجيجا.لكنه الإصرار و العته التركي المزمن لتجاهل الحقائق و الوقائع و البحث عن سبل فرض حقائقهم و وقائعهم.
تركيا الآن تسير بخطة وئيدة تجاه الانفلات الأمني، و الحرب التي استطاعت الدولة خوضها في الجبال على مدى ثلاثة قرون تنذر بالاندلاع في شوارع المدن التركية،وتهدد عضب الاقتصاد التركي المتمثل بالسياحة،فالرماد يستيطع أن يوهم بأنه لا نار طالما أن تلك النار جمر مخفي،لكنها لن تستطيع إخفاء اللهب المشتعل فيما إذا اندلعت في الأرجاء،و الوقائع الحالية تؤكد بأن تركيا تعيش حربها الداخلية على الأقل بمستوى ما كانت تعيشه سوريا عام 2012/2013 ، فاستهداف المدنيين بعمليات إرهابية من قبل أجهزة الدولة الخفية بالتفجيرات/سروج،انقرة،دياربكر/ وكذلك اغتيال الشخصيات من قبل عناصر البوليس التركي /مقتل السفير الروسي/ بالإضافة إلى الحرب التي تخوضها قوات حزب العمل الكردستاني في الجبال،و العمليات النوعية التي تنفذها حركة صقور كردستان ضد البولي في المدن التركية الكبرى،و تتويج كل هذا بإلغاء الحياة السياسية و الزج بالبرلمانيين في السجون و إلغاء نتائج الانتخابات البلدية عبر كف يد رؤساء البلديات المنتخبة و تكليف رؤساء بلديات من حزب أردوغان ،كل هذه هي أعراض لظاهرة الحرب الأهلية،ومن لا يرى ذلك،هو لا يرغب برؤيتها فقط لا غير.
[1]