=KTML_Bold=صبحي طالاس :الصورة الكوردية في الذهنية العربية=KTML_End=
كورداونلاين
صبحي طالاس
بعيد انتفاضة 2004 صدم العقل العربي بحقائق الواقع وبدأ يعيد قراءة حقيقة القضية الكوردية في سوريا ويحاول التحرر من رؤية النظام ،
ربما هذا العنوان يحتاج إلى أبحاث أكاديمية ويصعب الإحاطة بها من خلال مقال صحفي ولكني سأحاول ملامسة الميكانيزمات المولدة لهذه الصورة منذ تأسيس الدولة السورية إلى الآن . الحضور الكوردي في الدولة السورية كان مميزاً وعلى كل المستويات ، فمن محمد علي العابد الرئيس الأول للدولة مروراً ب إبراهيم هنانو قائد ثورة الشمال إلى حسني الزعيم ومحسن البرازي وفوزي السلو ومحمد كرد علي وتوفيق نظام الدين قائد أركان الجيش السوري والذي جرد من الجنسية فيما بعد. الأسماء الكوردية كانت حاضرة بقوة في هياكل الدولة السورية وبكل مفاصلها والحضور الكوردي كان طبيعياً ويعكس نسبة الكورد في جغرافيا سورية . هذا الحضور انعكس إيجاباً على صورة الكورد في الذهنية العربية ، فذكر الكورد كان يستجلب معه الأمانة والإخلاص والوفاء والجد والشجاعة . الأمور تغيرت فيما بعد مع تصاعد المد القومي العربي وانتكاساته المتلاحقة أمام الدولة الإسرائيلية وفشل المحاولات الوحدوية بين الدول ( العربية ) . كان لا بد من التعويض للحفاظ على ديمومة المشروع القومي وقدرته الاستقطابية , مشروع التعويض قام على خلق عدو يسهل الانتصار عليه عند الحاجة ، وأنيطت المهمة بالملازم محمد طلب الهلال الذي أعد دراسته عن محافظة الجزيرة ( الحسكة ) . هذه الدراسة أصبحت إستراتيجية الحكومات السورية المتعاقبة إلى هذه اللحظة في التعامل مع الوجود الكوردي السوري .النقطة الأساسية في هذه الإستراتيجية قامت على تشويه صورة الكورد في الذهنية العربية ، وتصوير وجودهم على أنه طارئ ودخيل ويشكل خطراً على طموحات الشعوب العربية ، والمسألة لم تكن سهلة نظراً للتاريخ المشترك و التلاقح الثقافي والحضاري والقيمى بين الشعبين . ولكن تلازم المجهود العروبي السوري في تشويه صورة الكورد مع الصراع الدائر في العراق بين الحكومات العراقية والثورات الكوردية المتلاحقة والهجرة اليهودية إلى فلسطين ، جعلت الذهنية العربية أرضاً خصباً لتلقي أفكار العروبيين المزيفة عن الكورد وتمثلها وإعادة اجترارها ، فمن الاتهامات الانفصالية إلى التواصل مع الدولة الإسرائيلية إلى فرملة المشاريع القومية العربية إلى أخر إبداعات العقلية العربية المؤامراتية، التي ماثلت بين الكوردي واليهودي . هذه التعبئة كانت تشتد كلما واجه النظام السوري هزيمة أو فشلاً خارجياً أو داخلياً أو لتبرير مساوئ النظام وفساده وانعدام شرعيته , و تترافق مع الحملات العنصرية ضد الكورد ، من الحرمان من الجنسية إلى الحزام العربي ،إلى حرمان كوردستان سوريا من المشاريع التنموية وتقليص حصة الكورد من الوظائف الحكومية وصولاً إلى مشروع التعريب . هذه الحملة حاولت القوى السياسية والثقافية الكوردية التصدي لها من خلال التواصل مع مكونات الشعب السوري القومية والدينية والطائفية والتبرؤ من اتهامات النظام ولكن تأثير هذه المحاولة لم تتعدى الغرف المغلقة . مع ربيع دمشق بدأ الانفتاح العربي السوري على تفاصيل القضية الكوردية في سوريا وشكل وجودهم . وهذا الانفتاح العربي لم يكن نتاج المجهود الكوردي ، بل كان من مستلزمات تصورات عربية عن سوريا المستقبلية .ولكن الصورة المتشكلة عند أغلب المثقفين العاملين في الحقول السياسية والثقافية لم تكن متحررة تماماً من رؤية النظام وكانت مشوبة بالشك وانعدام الثقة والوصاية , و جاءت أحداث العراق مرة أخرى لتقرب رؤية المعارضة العربية السورية من الرؤية الوظيفة للنظام السوري ،وزيادة في ترسيخ هذه الرؤية فبرك النظام أحداث ملعب القامشلى والتي أدت إلى الانتفاضة الكوردية الشاملة بدأت بالقامشلى وانتهت بزورآفا في دمشق مروراً بكوباني و عفرين وحلب . بعيد انتفاضة 2004 صدم العقل العربي بحقائق الواقع وبدأ يعيد قراءة حقيقة القضية الكوردية في سوريا ويحاول التحرر من رؤية النظام ، فبرزت أسماء عربية في مختلف الحقول السياسية والثقافية ،متفهمة لطموحات الشعب الكوردي ، هذه الصحوة المتأخرة والناجمة عن الفعل الكوردي ، عبرت عن ذاتها سياسياً من خلال ولادة إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي وتفهمهم للقضية الكوردية وحقوقهم بعيد عن خزعبلات النظام , فبرز الكوردي في صورة الضحية والمظلوم والمناضل والوطني ، سرعان ما تسربت هذه الصورة إلى الذهنية الشعبية في الثورة السورية ، الشارع السوري المنتفض أدرك الطابع الوظيفي للنزعة العنصرية تجاه الكورد وتجاوز هذه العقدة سريعاً ، فمن درعا إلى ديرالزور تعالت الأصوات المفتخرة بالشراكة مع الكورد و المطالبة بحقوقهم وإنصافهم والدعوة إلى مشاركتهم في بناء الدولة السورية . هذا التطور أزعج الأتراك الذين احتضنوا بعض أطراف المعارضة السورية ،والانزعاج التركي في حقيقته يعود إلى معادة الدولة التركية للقومية الكوردية أينما وجدت ، وخشيتهم من تأثر الكورد في كوردستان الشمالية بأي تطور يحققه أشقائهم في أجزاء أخرى من كوردستان ، وليس كما يدعون من خشيتهم من توغل مقاتلين كريلا في كوردستان سوريا ، لذلك عادوا إلى عزف معزوفة النظام عن الكيان الكوردي المزعوم والانفصالية ..... الخ وإلى إحياء الذهنية العربية ما قبل الثورة وتحريك المخاوف والهواجس التي رسخها النظام في العقلية العربية ، واستخدم بعض أطراف المعارضة العربية من حركة الأخوان المسلمين إلى عرعور و رياض الأسعد مرورا باللبواني وبدأ الحديث عن الانفصال الكوردي والكيان الكوردي والنزعة الانفصالية عند الكورد والتسلح الكوردي يعود إلى التداول ، ثم التهديد والوعيد ، فينجدهم المغوار رجب شرير أردوغان مهدداً متوعداً لكي ينقذ سوريا من الخطر الكوردي فيحشد قواته على الحدود ، محاولاً تلميع صورته عند المواطن السوري بعد أن مرغها بشار الأسد بالتراب. نفس لعبة النظام بنفس أدواته ، ولكن جهابذة المعارضة والمرتمين في أحضان أردوغان لا يفقهون . هذه الصورة السلبية لا تستهدف الكورد فقط بل الوطن السوري برمته ،لأن مشكلة الدولة التركية ليست الكورد فقط بل دولة سورية مبنية على أساس المواطنة وقيم الحداثة والشأن الكوردي ليس إلا مدخلاً .
[1]