=KTML_Bold=فاروق حجّي مصطفى :المنطقة الآمنة - في سورية والحساسيّة الكرديّة=KTML_End=
كورداونلاين
أن علاقة تركيا بالمعارضة هي سبب جوهري في بقاء حالة المعارضة المنقسمة على نفسها، فلولا العامل التركي لكانت الآن المعارضة الكُرديّة والسوريّة موحدة ومتفاهمّة
*فاروق حجّي مصطفى
حدد الأتراك شرطين(بحسب إعلامهم) لإقامة «منطقة آمنة» داخل حدود سورية: الأول، إذا وصل عدد اللاجئين السوريين إلى 50 ألفاً داخل الأراضي التركيّة، والثاني في حال انضمت حلب التي تعتبرها تركيا «خطاً أحمر» إلى منطقة مستهدفة، وقيام النظام السوري «بمجازر» فيها.
ويُقال إنّه عند تحقق هذين الشرطين فان المنطقة الآمنة (العازلة) تصبح أمراً لا مفر منه. وإذا كان هذا صحيحاً فانّ تحقيقهما يعني خروجها من خانة الترويج الإعلامي ل «المنطقة الآمنة» إلى خانة الفعل، على نحو لا يحتاج الى قرار من مجلس الأمن لإقامة منطقة آمنة.
سيناريو
بحسب الأتراك فإن عدداً من العوامل تراها أنقرة مبرراً لإنشاء «المنطقة الآمنة»:
الأول: أخذ شرعيّة العمل في إيجادها من «حلف الأطلسي» بحجة الأمن الحدودي التركي، وسبق أن تفاهم الأتراك مع «الأطلسي» على أنهم مخولون حماية حدودهم في وجه تهديد حزب العمال الكردستاني من الأراضي السورية وذلك بحسب المادة الخامسة من النظام الداخلي ل «الحلف» التي تنص على «أنّ الاعتداء على أي عضو في الحلف اعتداء على كل الأعضاء وتتوجب مساندته».
الثاني: استثمار اتفاقية أضنة بين الحكومة السورية وتركيا لصالح النوايا التركية في إيجاد المنطقة الآمنة على أساس أن هناك مادة في الاتفاقيّة تسمح للقوات التركية بالتوغل مسافة 5 كيلومترات داخل الأراضي السورية لملاحقة نشطاء حزب العمال الكُردستاني.
ثمّة من يرى بأنه إذا عجزت تركيا عن استغلال هذين العاملين السالفين لصالحها وعن ان تتمركز عسكرياً في سورية طيلة الفترة الماضيّة، فانّ أنقرة اليوم متحمسة الى عدم تفويت فرصة هذا التواجد داخل الأراضي السوريّة بعد تفاقم مشكلة النازحين التي تتلهف تركيا أكثر لاستغلالها لكي تكون سبباً مقنعاً لدخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية بأعتدته العسكرية. ولم يتأخر الإعلام التركي لحظةً عن رصد سيناريوات «المنطقة الآمنة» التركيّة التي تتجلى في قيام أنقرة ب «إنشاء «حدود سياسية» تتجاوز الحدود الجغرافية على امتداد الحدود، تتضمن لاحقاً مناطق خالية من السكان يراوح عرضها من 500 متر إلى 2 كيلومتر».
لكن كل ما سلف ما هو إلا قراءة في رغبّة تركيا الجديّة لتعزيز حضورها في سورية جغرافياً وسياسيّاً وعسكريّاً. لكن مدى تحقيق الرغبة وعدم تحقيقها مرهون بنجاح وفشل خطة أنان.
والحق أنّ نسبة نجاح خطة أنان لحل الأزمة ضئيلة جداً في ظل توافر مقومات الحل العسكري لدى النظام، والتي مازالت قائمةً على قدم وساق، وهذا ما يدفع بتركيا لتكون في حالة الجهوزيّة التامة.
«المنطقة الآمنة» ووحدة المعارضة
بدا، منذ الأشهر الأولى، أن لتركيّا باعاً طويلة في بلورة إنشاء المنطقة الآمنة داخل الأراضي السوريّة، ودائماً كانت تخفي هذه النوايا وراء مصطلحات سلسة مرة وقاسية مرة أخرى، ولكن في الحالتين، كان الهدف هو إنشاء منطقة آمنة أو عازلة ضمن الأراضي السوريّة. ولعل هذا الهدف التركي يشكل تحدٍياً كبيراً، ليس لتركيّا، فحسب إنما للمعارضة السوريّة أيضاً. فكلما أيدت المعارضة السوريّة هذه الفكرة التركيّة كلما وضعت مسافة كبيرة بينها وبين المعارضة الكرديّة السوريّة التي تشكل اليوم الشريك الأساسي في إسقاط النظام. وإذا كانت تركيّا قد واجهت في الحالة العاديّة والعمليّة حزب العمال الكُردستاني فإنها ببدئها هذه الخطة ستواجه الكُرد بأكملهم، ومن المفترض أن توضع المعارضة التركيّة في الصورة التي ستتمخض عن هذه المنطقة. والمعارضة ولا سيّما المجلس الوطني السوري يعرف تماماً ما يدور من نقاشات وسجالات حول دور تركيا وعلاقتها بالمعارضة السوريّة لا سيّما الأخوان المسلمين.
ثمّة حقيقة ثابتة، تتمثل في أنه لم يكن للإخوان المسلمين علاقات جيدة مع التنظيمات الكُردية في السابق، لكن هذه المرة ستذهب العلاقات نحو الأسوأ في ظل التنسيق مع تركيا. والحق أن علاقة تركيا بالمعارضة هي سبب جوهري في بقاء حالة المعارضة المنقسمة على نفسها، فلولا العامل التركي لكانت الآن المعارضة الكُرديّة والسوريّة موحدة ومتفاهمّة.
الحساسيّة الكُرديّة تجاه تركيا
الكُرد أعلنوا مراراً بأنّهم ضد فكرة إنشاء «المنطقة الآمنة»، ولعل مراد قره يلان (القائد الأبرز للعمال الكُردستاني) أعلن على الملأ بأنهم سيخوضون حرباً ضروساً ضد تركيا إذا ما دخلت عسكرياً الى سورية أو أنشأت المنطقة الآمنة ، هذا التصريح أدى إلى تحرك المجلس الوطني الكردي وحزب العمال الكُردستاني، ورد أحمد سليمان رئيس المجلس الوطني السوري على قره يلان بالقول إننا لا نسمح أن تتحول مناطقنا التي حافظت على سلميّة حراكها إلى ساحات حرب اقليميّة.
وإذا كان رد سليمان على قره يلان بهذه القوة فانه يمكن الرد على تركيا سياسيّاً على الأقل بأكثر حدة بالقول إن فكرة إنشاء المنطقة الآمنة ليست أمراً مقبولاً بتاتاً في الوسط السياسيّ والشعبيّ الكُرديّ.
يعتقد الكُرد بانّ فكرة تركيا انشاء منطقة آمنة أو معزولة تخفي غايتين: الأولى هي إيواء اللاجئين السوريين الهاربين من بطش النظام، اما الثانيّة فهي وضع اليد على المناطق الكُردية وتضييق الخناق على حزب العمال الكُردستاني وبالتالي قطع الحاضنة الرئيسيّة لهذا الحزب الذي بدا عقدة تركيا الكبرى.
لذلك، على المعارضة وتركيا معاً ان تقدما ضمانات للكُرد بانّ انشاء المنطقة الآمنة ليس موجهاً ضدهم، وسيكون هذا الوعد ذا فاعليّة لو تمّ باشراف دوليّ.
بقي القول إن فكرة المنطقة الآمنة ليست جديدة في مفردات الخطاب التركي فإلى جانب الديبلوماسيّة والحروب العملياتيّة، كانت تركيا تطرح دائماً فكرة «مناطق آمنة» في داخل اراضي كُردستان العراق، ولعلها، ومنذ الحرب الأميركيّة في العراق وقبلها، تسعى لإنشاء منطقة عازلة في داخل حدود كُردستان العراق.
لذلك يرى الكُرد في فكرة تركيا إنشاء «المنطقة الآمنة» خطة نحو تحقيق أطماعها في توسيع نفوذها سياسيّاً وبقدرة عسكريّة، وتاليّا، فإن منبت الفكرة بالأساس موجه ضدهم قبل أن يكون موجهاً ضد النظام السوريّ خصوصاً أنها تستطيع تحسين وضع اللاجئين وهم في داخل تركيا عبر فتح مناطق واسعة من داخل حدودها لإيوائهم، والسؤال الذي يطرحه الكُرد، لماذا إنشاء المنطقة الآمنة في داخل الأراضي السوريّة تحديداً، وبعمق 25 كيلومترا، وفي أكثر من منطقة، خصوصاً انّ هذا العمق هو المدى الجغرافيّ الواضح والصريح لأماكن تواجد الكُرد على حدود تركيا في وقت مازالت عقدة علاقة الكُرد مع الترك قائمة.
*عن الحياة
[1]