=KTML_Bold=الأكراد بين متاهة السياسة وتعسف الجغرافيا.. العالم ليس دائماً ملك الشجاع=KTML_End=
كورداونلاين
* سامر الياس
سامر الياس : تختلف التقديرات بشأن عدد الأكراد بين 27 إلى 40 مليونًا، موزعين بنسبة 46 في المئة في تركيا، و31 في المئة في إيران، و18 في المئة في العراق، و5 في المئة في أرمينيا وسورية.
يعيش أكراد سورية هذه الأيام مرحلة فاصلة من تاريخهم الذي يمتد إلى ألف عام حسب أغلب الدراسات التاريخية القليلة التي ترصد وجودهم في المشرق العربي. بعض الأكراد انصهروا في مكونات الشعب السوري، لكن بعضهم الآخر يعتقدون أنهم شعب آخر في موازاة الشعب السوري، وهم كشأن السوريين منقسمون ما بين موالاة ومعارضة، ما بين داعين للتدخل الأجنبي في سورية، ومعارضين له.. ولكنهم جميعاً يحملون طموحات كبيرة لتحسين وضعهم على أرض الواقع، يصل بعضها إلى الرغبة بتكرار تجربة إقليم كردستان العراق، الذي يرون فيه مثالاً يحتذى لتصحيح خطأ تاريخي اقترفته فرنسا وبريطانيا عبر اتفاقية سايكس بيكو، أوائل القرن العشرين الماضي، حين قسمت كردستان، أي أرض الكرد، بين العراق وتركيا وسورية وإيران وأرمينيا وجورجيا.
دولة على أراضي دول
ولا يخفي المتحمسون للقومية الكردية قناعتهم وسعيهم لإقامة دولتهم في مناطق سكناهم داخل تركيا وإيران وسورية والعراق، بل وقد حملوا السلاح داخل بعض تلك الدول، مستفيدين من المتغيرات الإقليمية، والعلاقات بين دول تواجدهم، وهي بطبيعة الحال لم تكن جيدة على الدوام.
ويقول معارضو إقامة دولة كردية من العرب، إن هذا مشروع استعماري قديم، ويستشهدون بما كتبه مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، زبيغنيف بزيجنسكي، قبل سنين طويلة، عندما تحدث عن سيناريو تخيله حول مستقبل المنطقة العربية في القرن الحادي والعشرين. ومما كتبه بزيجنسكي: سيكون هناك شرق أوسط مكون من جماعات عرقية ودينية تتحول إلى كانتونات عرقية يجمعها إطار كونفدرالي، وبما يسمح لدولة إسرائيل أن تعيش في المنطقة بعد أن تصفَّى فكرة القومية العربية.. وقد رأوا في هذا التصريح محاولة لتغذية النعرات الانفصالية للأقليات والمجموعات العرقية والطائفية والدينية لتنسلخ عن بلدانها أو لتثير الاضطراب وعدم الاستقرار، وهو ما نراه يومياً في العراق والسودان وليبيا حالياً، ونأمل ألا يتكرر حاله في دول أخرى كمصر وسورية تحت شعار حماية الأقليات.
ويدلل هؤلاء على صحة سعي الغرب لإقامة دولة كردية على طريقة الكانتونات بعبدالله أوجلان، قائد حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا منذ سنوات، حين قال: دولة كردية كإسرائيل مرفوضة نهائياً، ويضيفون بأن أحد أسباب إيداع أوجلان السجن يكمن في رفضه الانسياق في مشروع غربي لصياغة دول جديدة على غرار إسرائيل في المنطقة العربية، ولو فعل ذلك لتم استقباله في البيت الأبيض كما يستقبل بعض الأكراد بالورود والترحاب.
من هم الأكراد؟..
يشغل الأكراد في وقتنا الحاضر 19 ولاية من الولايات التركية البالغ عددها 90، في مناطق شرق تركيا وجنوبها الشرقي. ويعيش الأكراد في شكل متفرق في دول أخرى أهمها أرمينيا وكذلك في أذربيجان وباكستان وبلوشستان وأفغانستان، وهناك وجود محدود لهم في روسيا.. وتختلف التقديرات بشأن عدد الأكراد بين 27 إلى 40 مليونًا، موزعين بنسبة 46 في المئة في تركيا، و31 في المئة في إيران، و18 في المئة في العراق، و5 في المئة في أرمينيا وسورية.
ظهرت كلمة كردستان كمصطلح جغرافي لأول مرة في القرن ال12 الميلادي في عهد السلاجقة، عندما فصل السلطان السلجوقي، سنجر، القسم الغربي من إقليم الجبال وجعله ولاية تحت حكم قريبه سليمان شاه، وأطلق عليه تسمية كردستان. كانت هذه الولاية تضم الأراضي الممتدة بين أذربيجان ولورستان (مناطق سنا، دينور، همدان، كرمنشاه.. إلخ)، إضافة إلى المناطق الواقعة غرب جبال زاخروس، مثل شهرزور وكويسنجق، وكلمة كردستان غير مستعملة في الخرائط والأطالس الجغرافية. كما أنها لا تستعمل رسمياً إلا في إيران.
واستناداً إلى مصادر عربية فإن الكرد سكنوا أرض الشام منذ ألف عام أو أكثر، ويميل أغلب المؤرخين لاعتبار أن الشعب الكردي قد وصل إلى الشرق مثل السلاجقة في القرن العاشر الميلادي، وأنهم اشتهروا بفضل سمعة صلاح الدين الأيوبي. وحسب المؤرخ الكردي محمد أمين زكي في كتابه خلاصة تاريخ الكرد وكردستان يتألف الشعب الكردي من طبقتين من الشعوب: الطبقة الأولى التي كانت تقطن كردستان منذ فجر التاريخ، ويسميها أمين زكي، شعوب جبال زاخروس وهي برأيه، شعوب لولو، كوتي، كورتي، جوتي، جودي، كاساي، سوباري، خالدي، ميتاني، هوري، نايري وهي الأصل القديم جدا للشعب الكردي والطبقة الثانية: هي طبقة الشعوب الهندو- أوربية التي هاجرت إلى كردستان في القرن العاشر قبل الميلاد، واستوطنت كردستان مع شعوبها الأصلية وهم الميديين والكاردوخيين، وامتزجت مع شعوبها الأصلية ليشكلا معاً الأمة الكردية. وقد ذكر المؤرخ ماكدويل المختص في تاريخ الكرد، أن كلمة الكرد لا تعني اسماً للعرق بل كان يطلق على المرتزقة البارثيين الساكنين في جبال زاخروس.
ويشير بعض المؤرخين إلى أن أصلهم مشتق من الكردوخيين، كما جاء ذلك في كتاب (الأكراد ملاحظات وانطباعات) للباحث مينورسكي الصادر عام 1915، وقد تغير هذا الاعتقاد في الفترة الأخيرة، لأن الكردوخيين ليسوا من أصل آري.. أما المؤرخ ماكدويل، المختص في تاريخ الكرد فإنه يرفض هذا الاستنتاج ويقول: إن اصطلاح كورتي كان يطلق على المرتزقة البارثيين والسلوسيين الساكنين فى جبال زاخروس، وإنه ليس أكيداً إذا كانت تعني لغوياً اسماً لعرق).
سنة وشيعة ونسطوريون
ويغلب على الأكراد الإسلام وهم سنة، وبعضهم شيعة، وبينهم أقليات يزيدية وعلوية ومسيحية ونسطورية، ويعيش بينهم يهود يشتغلون بالتجارة والحرف، كما نشأت اليزيدية بين الأكراد في القرن الحادي عشر الميلادي، وكانت بدايتها صوفية على يد الشيخ عدي أحد تلاميذ عبد القادر الجيلاني، ثم حولها أتباعه، بعد أكثر من مئة عام، إلى مذهب أقرب إلى ديانة جديدة مستمدة من الإسلام والزرادشتية والوثنية والمسيحية النسطورية، ومن أهم مبادئها قداسة الشيخ عدي، وإمامة يزيد بن معاوية وإعادة الاعتبار، وفق الرواة، إلى إبليس، ولعل مرد هذا يعود إلى حداثة هؤلاء بالإسلام، واستمرارهم على مدار قرون طويلة بالعيش في مناطق جبلية ومعزولة ما منعهم من تلقي تعاليم الإسلام على نحو كاف.
وتعاظم دور الأكراد في التاريخ الإسلامي من خلال الدولة الأيوبية، التي أسسها القائد المسلم الكردي صلاح الدين الأيوبي، وهو من تكريت في العراق، وجاء مصر مع عمه أسد الدين شيركوه، وتمكن من إسقاط الدولة العبيدية الإسماعيلية وإقامة دولة سنية، ثم تمكن من توحيد مصر والشام في دولةٍ قوية انتصرت على الصليبيين، وحررت القدس منهم.. وقد تولت أسرته الكردية الحكم من بعده حتى نهاية الدولة، وقيام دولة المماليك.
ويذهب بعض المؤرخين إلى نفي صفة الكردية عن الدولة الأيوبية، ويقولون إن الدولة الأيوبية لم تكن كردية بل إسلامية، ولكن قادتها ومؤسسيها كانوا من الأكراد ممن تربوا في ظل تقاليد الإسلام التي تحرم التمييز بين العرب والقوميات الأخرى الكثيرة في دولة مسلمة كانت مترامية الأطراف.. وكجزء من هذا المجتمع أنجب الأكراد عدداً من أهم العلماء في التاريخ الإسلامي، ومنهم الإمام أحمد بن تيمية، والشيخ بديع الزمان النورسي، ولا يزالون حتى أيامنا الراهنة يرفدون الديار الإسلامية بخيرة المفكرين ورجال الدين.
الأكراد بين متاهة السياسة وتعسف الجغرافيا.. العالم ليس دائماً ملك الشجاع (2-4)
يعيش معظم الأكراد في سورية على مساحة واسعة من الشريط المحاذي للحدود التركية في الجزيرة وصولاً إلى حلب، إلا أن قسماً غير قليل ينتشر في باقي المدن وخصوصاً في دمشق، حيث دخلوا في المجتمع الدمشي المعروف بأنه محافظ ومغلق، وربما لعب التقارب الديني والدور الإيجابي لحكام دمشق الأيوبيين دوراً مهماً في اندماجهم نوعاً ما.
ويشير بعض المهتمين في الشأن الكردي إلى أن عدداً من العشائر الكردية المعروفة اليوم هي من أصول عربية، ومنها على سبيل المثال، عشائر البرزنجية والطالبانية اللتان تسكنان العراق، وأنجبتا حكام العراق الحاليين. ويقولون إن هذه العشائر قد قدمت إلى المنطقة لأغراض مختلفة، منها الإرشاد والتوعية الدينية، ومع مرور الزمن أصبحت هذه العشائر كردية (استكردت)، ويصح الحال نفسه على قبائل كانت كردية (استعربت)، وصار من الصعب معرفة هويتها الحقيقية التي تغيرت بمرور الزمن بسبب الدين الواحد والعادات الريفية الواحدة التي حكمت البلاد العربية إلى سنوات ليست بعيدة.
من جانبه يرى المؤرخ برنارد لويس أن الشعور بالهوية الكردية، ومن ثم بالقومية، ظهر في بداية القرن العشرين، وتطور هذا الشعور عندهم تطوراً سريعاً لعدة عوامل، منها اعتبار الإمبراطورية البريطانية أن الكرد قضية أمة متكاملة يتوجب على الغرب الدفاع عنها.. لكن مؤرخين آخرين يشككون في صحة ما ذهب إليه لويس، ويشككون في امتلاك الكرد لمجتمع عرقي منطقي مترابط من ناحية النسب، بسبب عدم وجود ثقافة مدنية كردية وأدب قومي كردي حتى بدايات القرن العشرين المنصرم، وبسبب عدم وحدة اللغة التي يكتبون ويتحدثون بها، واختلاف الملامح فيما بينهم بما يشير لاختلاط أعراقهم بين العربية والآرو-هندية.
ثورات الكرد ضد العثمانيين
وأياً كان الأمر فقد ظهرت قبل القرن العشرين بسنوات طويلة ثورات كردية، ضد العثمانيين الذين كانوا يحتلون المنطقة العربية كلها.. ولكنها منيت بالإخفاق، لأسباب يراها المؤرخون عائدة للأكراد أنفسهم.. فقد عاشت ثوراتهم انشقاقات داخلية ومنافسات بين قوادها، وهو ما مكن الدولة العثمانية والفرس من القضاء على حركتهم بسهولة ويسر، وتم ذلك أحياناً عبر الاستعانة بقوة بعض الأمراء الأكراد لضرب الإمارات المتنافسة..
ومن الأسباب، أيضاً، أن تلك الثورات قد حدثت قبل أوانها، بينما لم يكن الأكراد مستعدين لها، وأن قياداتها العشائرية لم تكن تدرك العوامل والظروف السياسية التي تحيط بهم. ومن أهم ثوراتهم: ثورة عبدالرحمن باشا بابان عام 1806 ضد تركيا، وثورة بلباس عام 1818 ضد إيران، وثورة بدر الدين خان الذي نفته تركيا إلى جزيرة كريت حتى توفي فيها عام 1818، وثورة يزدان شير بين عامي 1853 و 1855 وثورة الشيخ عبيد الله النهري عام 1880. ثم تبلورت الحركة الوطنية الكردية في أحزاب وتنظيمات سياسية وصحف تعبر عن المسألة الكردية، ومن صحفهم في القرن التاسع عشر صحيفة كردستان التي كانت تصدر في جنيف ثم في القاهرة، وصحيفة شمس الكرد (هة دي كورد) وتواصلت ثورات الكرد وأنشطتهم السياسية بلا انقطاع ولكنهم لم يحصلوا حتى على حكم ذاتي ضمن الدول التي يعيشون فيها.
وقد حاول العثمانيون إيجاد حل للقلاقل التي كانت تسببها لهم القبائل الكردية بنقلها من وطنها الأصلي إلى جهات أخرى، وكانت ليبيا من الأماكن التي وقع عليها الاختيار لتوطين بعض القبائل.. وهدفت فكرة توطين الأكراد في ليبيا إلى كسر حدة ثوراتهم..وبالرغم من ذلك التهجير لم ينس الأكراد في طرابلس وطنهم الأصلي، بل زاد حنينهم إلى بلادهم، كما لم تنقطع ثوراتهم ضد الدولة العثمانية طوال القرن التاسع عشر. وخلال الحملات العسكرية العثمانية، تمَّ تقسيم كردستان رسميًّا وفق وثيقة رسمية، نصت على تعيين الحدود بين الدولتين الفارسية والعثمانية، وخاصة في مناطق شهرزور، وقارص، وبايزيد (وهي مناطق كردية صرفة)، مما شكَّل صفعة لآمال الأكراد في الحصول على استقلالهم، كما أسهمت عدة معاهدات في تكريس تقسيم إقليم كردستان.
العالم ليس ملك الشجاع
وبالرغم من أن الأكراد يحفظون كلهم مثلهم الشعبي القائل العالم ملك الشجاع، إلا أنهم لم يتوقفوا كثيراً لمعرفة أن العالم ليس ملكاً للشجعان فقط، بل هو لمن يجيد اللعب على الحبال والمصالح، باللين حيناً وبالقوة حيناً آخر. وبسبب طيبة أفرادها فقد لعبت الدول الغربية أدواراً مهمةً في تحريض العشائر الكردية ضد الدولة العثمانية خاصةً، ثم الإيرانية، لكي يحصلوا على مزيد من الامتيازات، أو يزداد نفوذهم في الدولة العثمانية، بغية تحقيق هذه الدول الأوروبية مآربها في إثارة القلاقل داخل الدولة العثمانية، وكي تتمكن من إضعافها عن طريق إثارة المشاكل الداخلية.
ودخلت القضية الكردية منعطفًا جديدًا مع اشتداد الصراع الدولي في المنطقة العربية، وخاصةً بين بريطانيا وفرنسا، إذ أخرج هذا الصراع القضية الكردية من الحيز الإقليمي إلى النطاق الدولي، وفي ذات الوقت التقت رغبات الدول العظمى بمحاولات بعض الأكراد التقرب من الأجانب، من أجل البحث عن حلٍّ للقضية الكردية. وعندما نشبت الحرب العالمية الأولى سنة 1914 لم يكن للأكراد مصلحة فيها، ومع ذلك وجد الأكراد أنفسهم وقد جرفتهم أحداث الحرب للاشتراك في القتال على الجبهتين: القوقازية والعراقية، حيث وقف الأكراد إلى جانب تركيا في الحرب، كما تمكن الأتراك من توجيههم لقتال الأرمن والأشوريين الذين تمردوا على تركيا، وانضموا إلى جبهة الحلفاء. ودفع الأكراد خسائر بشرية فادحة جراء هذا.
مظالم سايكس - بيكو
ويروي المؤرخون أن الجهود الكردية للاستقلال وصلت إلى حائط مسدود بعد اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، حيث اجتمع وزيرا خارجية بريطانيا وفرنسا، ودارت بينهما مباحثات سرية حول الترتيبات المقبلة للشرق الأوسط، بعد أن أصبحت هزيمة ألمانيا وحليفتها الدولة العثمانية وشيكة، وتضمنت الاتفاقية تقسيم تركة الدولة العثمانية، وبما أن القسم الأكبر من كردستان كان تحت السيطرة العثمانية، فقد شملها التقسيم، ثم تحرك الأكراد لاستثمار الظروف الدولية وهزيمة الدولة العثمانية بالحرب العالمية الأولى لنيل مطالبهم، فبذلوا جهوداً مضنية، لإيصال صوتهم إلى مؤتمر الصلح في باريس عام (1919)، ولا سيما بعد أن أعلن رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ويدرو ويلسون، عن حق الشعوب في تقرير مصيرها في بنوده الأربعة عشر المشهورة. ولم يكن للأكراد كيان سياسي مستقل حتى يشارك وفدهم رسميًّا في ذلك المؤتمر، شأنهم شأن القوميات والشعوب المضطهدة الأخرى، ولذلك خَوَّل الشعب الكردي من خلال العشائر والجمعيات السياسية شريف باشا لتمثيلهم والمطالبة بالمطالب الكردية المشروعة، إلى أن بدأ الأكراد يركزون جهدهم لمطالبة الهيئات الدولية التي احتلت الأستانة بتوحيد المناطق الكردية ومنحها حكماً ذاتياً، فراجعوا اللجان الأوروبية والأمريكية التي تكونت لاستفتاء الشعوب التي انفصلت عن الإمبراطورية العثمانية لهذا الغرض.
ويومها رأى مفكرو الأكراد وجوب الاتجاه بمساعيهم الوطنية إلى خارج الدولة العثمانية بعد أن رفضت وزارة فريد باشا منح الاستقلال الذاتي للأكراد، وهكذا ركز الأكراد اهتمامهم نحو مؤتمر الصلح الذي انعقد في باريس في آذار/ مارس 1919، خاصة وأن هذا العام قد حفل بالآمال بالنسبة للأكراد والعرب والأرمن، فقد أقبلت هذه السنة ومعها وعود ويلسون بتقرير مصير الشعوب. ومعروف أن الحلفاء أصدروا، بعد استكمال تحضيراتهم للمؤتمر، قراراً في شهر كانون الثاني/ يناير1919 نص على ما يأتي: إن الحلفاء والدول التابعة لهم قد اتفقوا على أن أرمينيا وبلاد الرافدين وكردستان وفلسطين والبلاد العربية يجب انتزاعها بكاملها من الإمبراطورية العثمانية.
أقلية لحفظ التوازن
ولم يكن حال الأكراد بعد زوال الدولة العثمانية أفضل، فخلال الانتداب الفرنسي على سورية كان الفرنسيون ينظرون إلى الأكراد بوصفهم أقلية مفيدة لحفظ التوازن مع باقي الأقليات.. ولهذا شجعهم الفرنسيون، بين الحين والآخر، على إمكان إنشاء كردستان مستقلة، ومع أنهم سمحوا لهم بإنشاء منظمات سياسية إلا أن الحرية التي تمتعوا بها كانت جزئية، وكانوا يواجهون بالقوة، شأن كل سكان سورية، كلما حملوا السلاح. وسجل لهم إسهامهم، قبل استقلال سورية، في الثورات المتعاقبة، حيث كانوا، كما تصفهم كتب التاريخ محاربين أشداء وصادقين في دعواهم ضد الظلم والاحتلال.
الأكراد بين متاهة السياسة وتعسف الجغرافيا.. العالم ليس دائماً ملك الشجاع (3 4)
تشير بعض التقديرات إلى أن عدد الأكراد في العالم يبلغ حوالي ثلاثين مليون نسمة، ستة عشر مليوناً منهم في تركيا وستة ملايين في إيران وخمسة ملايين في العراق ومليون ونصف في سورية ونصف مليون في أرمينيا وجورجيا وثلاثة أرباع المليون في أوروبا، لكن الإحصاءات السورية تشير إلى أن عددهم في سورية لا يزيد عن مليون نسمة.. وأياً كان العدد فإن أكثر من ثلث هؤلاء كانوا حتى وقت قريب بدون جنسية، بموجب قرار حكومي حمل الرقم 93 لعام 1962، ووفقه تم تجريد حوالي 120 ألف كردي سوري من الجنسية السورية..
شعار تحرير وتوحيد كردستان
وجُرد هؤلاء من جنسيتهم غداة ظهور تطور سياسي على موقف الأكراد السوريين من المشاركة في الحياة السياسية في نهاية خمسينيات القرن الماضي، إذ بلورت الحركة القومية الكردية اتجاهاً سياسياً له طابع قومي، عبَّر عن نفسه بولادة الحزب الديمقراطي الكردستاني العام 1957. وكان أبرز مؤسسيه عثمان صبري، ورفع الحزب شعار تحرير وتوحيد كردستان، كما يقول صلاح بدر الدين، وكان ذلك من جملة أسباب أدت إلى حملة اعتقالات طالت قيادات وكوادر الحزب في العام 1960، أي بعد ثلاثة أعوام من تشكيله، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1962 أعلنت الحكومة السورية أن مئة ألف من الأكراد الساكنين في سورية ليسوا مواطنين سوريين بسبب عدم توفر بيانات عن أجدادهم في الإحصاءات، وسجلات النفوس العثمانية قبيل عام 1920، وكان على الشخص أن يمتلك وثائق تبين أنه كان يعيش في سورية منذ عام 1945 على أقل تقدير.. وقالت الحكومة السورية يومها إن القانون يهدف إلى التعرف على المهاجرين غير القانونيين من تركيا إلى شمال شرق سورية..
ووفق إحصاءات منظمة العفو الدولية (أمنستي إنترناشيونال) فقد زاد عدد هؤلاء ليصل إلى قرابة 360 ألف نسمة وفق المصادر الكردية، و200 ألف حسب المصادر السورية الحكومية. وجراء الحرمان من الجنسية عانت العائلات من صعوبات بالسفر والتعليم والحصول على الوظائف الحكومية والخاصة، وحتى لو تم إكمال التعليم الجامعي فمن الصعب إكمال التعليم العالي.. ويتهم بعض الأكراد الحكومة السورية بأنها تتبع، منذ السبعينيات من القرن الماضي، سياسة التعريب. ومن الأمثلة التي يضربونها على هذه السياسة منع الأكراد من تسمية حديثي الولادة بأسماء كردية، ومنع إطلاق أسماء كردية على المحلات التجارية في المناطق التي يقيمون فيها.
الأكراد بين سورية وتركيا
ويعتبر المراقبون أن التطور الأهم في موقف الحكومة السورية من الأكراد، وحركتهم السياسية، جاء مع مطلع ثمانينيات القرن العشرين الماضي، حين تصاعد الخلاف السوري - التركي نتيجة الدور التركي في المواجهات بين الجماعات الإسلامية والسلطات السورية، واحتضنت سورية على إثر الخلاف حزب العمال الكردستاني الساعي إلى انفصال أكراد تركيا، وتأسيس دولة كردستان، ومنحته فرصة فتح مكاتب واتخاذ مقرات، إضافة إلى كل التسهيلات اللوجستية الممكنة في الأراضي السورية وفي منطقة البقاع اللبناني التي كانت تسيطر عليها القوات السورية.
وكاد الوضع ان ينفجر على شكل حرب لولا دخول الوساطة المصرية، وتحركات محمد حسني مبارك المكوكية التي أنهت الخلاف مقابل ما قيل إنها صفقة لتسليم قائد حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان للأتراك، ووقف نشاطات حزبه على الأراضي السورية. وأياً كان مآل أوجلان فقد استفاد الأكراد من هذه الأوضاع، ومارسوا على هامشها نشاطاً سياسياً كرس وجود عدد من الأحزاب الكردية، سواء التي انسلخت عن الحزب الديمقراطي الكردستاني، أو تلك التي تشكلت على خلفية جديدة.
وخلال نحو عقد ونصف العقد من الزمن، يمتد ما بين مطلع ثمانينيات ونهاية تسعينيات القرن المنصرم، نشأ بين الأكراد السوريين نحو عشرة من الأحزاب السياسية الكردية، جاء غالبية قادتها وكوادرها من قيادات وكوادر الحزب الديمقراطي الكردستاني، أو من قيادات وكوادر تربت في الحزب الشيوعي السوري الذي انحسر نفوذ كل المنظمات النمشقة عنه وسط الأكراد السوريين.
وفي شهر مارس/ آذار الماضي، اتهمت تركيا سورية، بعد تأزم العلاقات بينهما وانتهاء سنوات شهر العسل والعلاقات المتميزة، بأنها عاودت السماح لحزب العمال الكردستاني بالعمل المسلح ضدها انطلاقاً من الأراضي السورية.. ولا يجد المراقب المحايد غرابة في السلوك السوري، إن صحت اتهامات تركيا، فأنقرة سمحت للمسلحين السوريين بالعمل بحرية على أراضيها في سعيهم لإسقاط النظام السوري بالقوة. وكذلك عبر دعوات حكومة أردوغان المتكررة لإقامة ممرات إنسانية وعازلة للسوريين وعلى الأرض السورية وبحماية الجيش التركي، أو أي جيش آخر. ناهيك عن أن الأراضي التركية مفتوحة على الغارب للمعارضة السياسية والمسلحة، وللجيش السوري الحر، وهو أمر ترى فيه سورية، وبعض دول العالم، تجاوزاً للقانون الدولي الذي يحفظ سيادة الدول والعلاقات فيما بينها.
إعادة الجنسية المسحوبة
وعلى إيقاع الأزمة التي تعيشها سورية، منذ ما يربو على العام، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم (49) القاضي بمنح الأكراد المسجلين في سجلات أجانب محافظة الحسكة الجنسية السورية، وقد نصت المادة (1) من المرسوم على أنه (تثبت جنسية الجمهورية العربية السورية):
أ - لمن كان يتمتع بالجنسية السورية في 22 فبراير/ شباط 1958.
ب - لمن اكتسب جنسية الجمهورية العربية المتحدة من المواطنين السوريين في المدة الواقعة ما بين 22-02-1958 و 28-09-1961.
ونصّت المادة الثالثة من المرسوم رقم (276) على أنه: (يعد عربياً سورياً حُكْماً، من ولد في القطر من والدين مجهولين أو مجهولي الجنسية أو لا جنسية لهما). وقد استفاد عشرات الآلاف منه، وصاروا بموجبه مواطنين سوريين بحقوق كاملة.
وخلال الشهر الماضي، وبمناسبة عيد النوروز الكردي (21 مارس/ آذار الماضي) صدر مرسومان رئاسيان يهدف الأول إلى حل قضية الإحصاء الاستثنائي الذي جرد بموجبه 120 ألف كردي من الجنسية عام 1962، والثاني تعديل فقرات في المرسوم 49 الذي تم بموجبه تقييد التداولات العقارية في مناطق التواجد الحدودي الكردي بموافقات أمنية وعسكرية.
مشاركة الأكراد في الحراك السوري...
ويرى قسم غير قليل من الأكراد أن هذه القرارات لا تعدو كونها رشى للحد من مشاركة الأكراد في الحراك الشعبي المستمر منذ منتصف مارس/ آذار من العام الماضي، والملاحظ أن مساهمة الأكراد في التظاهرات ضد النظام كانت متواضعة ومتأخرة مقارنة بمناطق أخرى من سورية، وكانت المشاركة الأولى محدودة بعدما قررت أحزاب كردية رئيسة ومنها يكيتيي، الوفاق الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي، المشاركة في مظاهرات جرى تنظيمها يوم 8-4-2011، ومن يومها ظهر الصوت الكردي، ولو في شكل خجول في المظاهرات التي تشمل عادة مدن ديريك، تربه سبي، القامشلي، عامودا، القحطانية، المالكية وعين العرب، وكلها مدن تتبع محافظة الحسكة في أقصى شمال شرق سورية، إضافة إلى أماكن تواجدهم في شمال محافظة ريف حلب ودمشق، ويرى مراقبون أن تأخر مشاركة الأكراد تعود إلى أن السلطات عمدت إلى ارضائهم كأقلية باصدار مجموع القرارات التي ذكرناها سابقاً، إضافة إلى أن قوات الأمن لم تستخدم القوة المفرطة في التعامل مع المتظاهرين، كما أن الأحزاب الكردية لم تتخذ قرارا موحداً في شأن الاشتراك في الحراك الشعبي، خصوصاً في ظل الحساسية من الجهود التركية لتنظيم وتوحيد المعارضة، كما أن مشاهد القمع الدموي من قبل صدام حسين للأكراد في انتفاضاتهم في العراق مازالت راسخة في الأذهان ما جعل بعض الأكراد يختار الانتظار وعدم الاستعجال في حراك لم يطرح تصورات واضحة إلا أخيراً حول رؤيته لمستقبل الأكراد في سورية المستقبلية، ولكن اللافت أن حجم المظاهرات ازداد في شكل لافت بعد اغتيال القائد الكردي مشعل تمو في 7 أكتوبر/ تشرين الأول من العام الماضي، رغم أن وسائل الاعلام الرسمية أكدت أن الأمن السوري لا يتحمل مسؤولية قتل مسؤول تيار المستقبل الكردي، واتهمت أطرافاً عدة بالتورط في اغتياله، ولاشك أن الأكراد يلعبون دوراً حاسماً في تحديد مصير ومستقبل الحراك في سورية، ولكنهم حتى الآن غير موحدي الرؤية والأهداف باستثناء الخطوط العريضة.
الأكراد بين متاهة السياسة وتعسف الجغرافيا.. العالم ليس دائماً ملك الشجاع (4 4)
لعب الأكراد دوراً مهماً في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية في بلدانهم، ولم يتسن لهم الفرح بجمهورية خاصة بهم لأكثر من أحد عشر شهراً بعد الهجوم على جمهورية مهاباد الوليدة في المناطق الكردية في إيران في نهاية الحرب العالمية الثانية، وينعم الأكراد في شمال العراق بإقليم ذاتي الحكم، لكن هناك مشكلات كثيرة عالقة حول تقسيم الأراضي والثروات مع الحكومة المركزية في العراق، وفي القمة العربية الأخيرة برز الصوت الكردي واضحاً مع قيادة الرئيس جلال طالباني للقمة بصفته رئيسا للعراق، والحضور المميز لوزير خارجية العراق هوشيار زيباري، وفي سورية حقق الأكراد مزيدا من المكاسب على إثر الحراك المستمر ضد نظام الرئيس بشار الأسد منذ مارس/ آذار من العام الماضي، ويسعى كل من المعارضة والنظام لكسب ود الأكراد لمساندته.
زعماء ورؤساء وزارة أكراد
يؤكد كثير من السوريين على أن الأكراد جزء من النسيج السياسي والاجتماعي والثقافي والديني السوري فهم يذكرون أن واحداً من أهم زعماء الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي، التي أوصلت سورية إلى الاستقلال، كان كردياً وهو الزعيم (إبراهيم هنانو)، وأن مؤسس الحزب الشيوعي السوري منذ عشرينيات القرن العشرين المنصرم، خالد بكداش، هو أيضاً كردي، وأن مفتي سورية على مدار ما يقرب من ثلاثين عاماً، ونقصد الشيخ الجليل المرحوم أحمد كفتارو، كردي، ووصل محسن برازي إلى منصب رئيس الوزراء في عهد الرئيس حسني الزعيم، وقد وصفت بعض الصحف العربية خارج سورية آنذاك حكومة محسن برازي ب الجمهورية الكردية العسكرية. ناهيك عن مئات الشخصيات الثقافية والرسمية ممن لعبوا دوراً بارزاً في سورية. ويفتخر هؤلاء بأن الأكراد هم جزء مهم من سر تميز سورية التي فاخرت دائماً بأنها بلد الأمن والأمان لكل مواطنيها ولزائريها العرب والأجانب.
الحراك الكردي في سورية بعد الاستقلال...
ويذكر المهتمون بالشأن السوري أن مطالبة الأكراد السوريين بحقوق ثقافية وقومية، يعود إلى فترة قيام جمهورية (مهاباد) الكردية في إيران بعيد الحرب العالمية الثانية وثورة البرزاني في العراق، ومن البديهي أن هذه المطالبة أثارت شكوكاً وحذراً لدى حكومات تعاقبت على حكم سورية، ما زاد من شعور الأكراد بالظلم والغبن..
ولدى مراجعة العقد الأخير من تاريخ سورية نجد أن خروج الأكراد في المظاهرات ليس وليد الأزمة الراهنة. ففي أثناء الغزو الأمريكي للعرااق، جرت ما باتت تعرف ب حوادث مدينة القامشلي في أقصى الشمال الشرقي في 12-03-2004 ما اعتبره البعض نقطة تحول بارزة في علاقة الأكراد مع الحياة السياسية في سورية..
الحوادث تمت على خلفية مباراة كرة قدم بين فريقي الفتوة من دير الزور والجهاد من القامشلي، حيث اشتعلت بين جمهور الفريقين الحساسية من الهتافات التي كانوا ينادون بها، ومنها شعار كردستان الغربية وكردستان الشرقية في إشارة واضحة المعنى لسعيهم لإقامة منطقة حكم ذاتي في سورية على غرار ما جرى في شمال العراق منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي. وحدثت صدامات بين أكراد مدينة القامشلي مع الأجهزة الأمنية على خلفية المباراة، سرعان ما امتدت إلى مناطق سورية أخرى كدمشق وحلب، رفعت خلالها شعارات وهتافات رأت فيها الحكومة مساساً بالوحدة الوطنية السورية.
وليس خافياً أن جزءاً من محرك تلك الأحداث يكمن في طموح أكراد سورية لتكرار السيناريو الكردي في شمال العراق. وهو ما فرض على القيادة السورية إعادة التذكير على أن الأكراد جزء من النسيج السوري. ويومها قال الرئيس الأسد في حديث مع قناة الجزيرة القطرية: إن الأكراد جزء من النسيج الوطني في سورية، وإن حوادث القامشلي ليس ذات ارتباطات خارجية. وقد ترك هذا الحديث أثراً إيجابياً عند الأكراد وأحزابهم. وزاد من انخراطهم في الحياة العامة، سواء عبر أحزاب كردية عربية، أو من خلال إعلان دمشق الذي ضم نشطاء أكراد، والذي جاء وفق ما يسمى بربيع دمشق، كجزء من سياسة التطوير والتحديث التي أعلن عنها الرئيس الأسد الشاب في بداية توليه لكرسي الحكم.
تهميش الكرد = حرب أهلية
وكان لافتاً خلال انعقاد اجتماعات اسطنبول الأخيرة، قبل يومين من انعقاد مؤتمر أصدقاء سورية في تركيا، انسحاب المجلس الوطني الكردي من المؤتمر الذي سعى إلى توحيد معارضة الخارج تحت لواء المجلس الوطني السوري. وعزا بعض المعارضين الأكراد الانسحاب إلى شعورهم بالتمييز وعدم الأخذ بآرائهم فيما يجري، بل واعتبارهم ضيوفاً على المؤتمر لا مشاركين في صنع القرارات.
ولم ينس هؤلاء الإشارة إلى أن تهميشهم سيؤدي إلى حرب أهلية في سورية. فقد طالبوا أن تتم الإشارة في ميثاق العهد الوطني الذي أطلقه المجلس الوطني السوري بالنص صراحة على حقوق الشعب الكردي في سورية، وتمييزه عن محيطه العربي بوصف أفراده أبناء قومية لا تقل أهمية عن القومية العربية التي جرت وتجري الدعوة لإقامة دولة الوحدة العربية على جزء من أرض كردستان التاريخية. ويقول المنسحبون الكرد إن معارضة الخارج تسير على منهجية تقود إلى إحلال ديكتاتورية بدل ديكتاتورية قائمة الآن، وأنهم لن يعطوا الكرد الحقوق التي خرجوا، وناضلوا من أجلها طويلاً، كجعل اللغة الكردية لغة رسمية في البلاد، والسماح بالمدارس والصحافة الناطقة بالكردية.
نحو حلول جذرية للمسائل القومية والطائفية...
حقق الكرد خلال العام المنصرم من عمر الحراك في سورية كثيراً مما ناضلوا من أجله طوال عقود ماضية، من جنسية ومساواة في الحقوق والواجبات وفيما تؤكد المعارضة السورية، بمختلف أطيافها، وكذلك الحكومة السورية، على وحدة مكونات الشعب السوري في وطن يتسع للجميع، فهما تتنافسان على كسب ود الشارع الكردي إن صحت التسمية ولكن من دون قطع وعود ليس من المؤكد تنفيذها بعد أن تضع الأزمة السورية أوزارها. والثابت هنا أن أطراف النزاع في سورية متفقة على منح الأكراد مواطنة كاملة، مما يلغي بالتالي أي شعور بالغبن والظلم يحس به الكرد. ولا تنسى تلك الأطراف الإشارة إلى أن الأكراد ليسوا كتلة سياسية واحدة، وذات هدف معلن واحد، فهم منقسمون بين موالاة ومعارضة وبين دعوات للحياد وتشكيل قوة ثالثة تدعو للإصلاح والحوار الذي يرون فيه سبيلاً وحيداً لحل الأزمة السورية.
وعموماً فإن جلّ المكاسب التي حققها الأكراد حتى الآن مازالت في اطار قرارات وبيانات ووعود نفذ بعضها، وبقي بعضها الآخر رهناً لما سوف تؤول إليه الأمور مستقبلاً، وتختلف الآراء حول الحل الأمثل لمسألة الأكراد خصوصاً أن السلطات التي جاءت عقب الاستقلال في المنطقة، وكذلك الأحزاب السياسية فشلت في صوغ حلول لقضية الأقليات الاثنية والطائفية، وفيما يحذر نفر غير قليل من أن المنطقة مقبلة على تقسيم المقسم، وتوزيع جغرافي جديد للمنطقة فإن ضمان عدم حدوث ذلك لا يأتي من قمع طموحات القوميات، بل من خلال بناء أوطان على أساس المواطنة الكاملة والمتساوية دون تميز على أساس القومية والدين والمذهب والجنس، مساواة يجب أن تكون مكفولة بنصوص دستورية واضحة لا تقبل التأويل، وربما شكل ذلك بداية لتطوير مجتمعاتنا التي يجب أن يكون التنوع السياسي، والقومي والديني أساساً لقوتها ومنعتها، ولا ضير في الاستفادة من تجارب عالمية بتوسيع صلاحيات السلطات المحلية في المناطق ذات الأغلبية الكردية في اطار ادارة ذاتية، أو حكم فيدرالي يحافظ على حدود سورية ولا يقسمها، ويمنح فرصة أكبر للجميع في صنع سورية الغد الخالية من التمييز بين القوميات والطوائف لتكون كما كانت منارة يستشهد بها في التنوع الثقافي والاجتماعي.
* المصدر : روسيا اليوم
[1]