محمد شبارو
عندما بدأت الأخبار تتوالى عن محاصرة تنظيم الدولة الإسلامية (#داعش# ) لمدينة كوباني الكردية في العام 2014، خرجت التظاهرات في أكثر من دولة أوروبية دعماً للمقاتلين الأكراد. إلى جانب أبناء الجاليات الكردية، وقف عدد كبير من المهاجرين الأمازيغ ورفعوا الأعلام الأمازيغية والأعلام الكردية.
في حوار سريع دار بين شاب كردي وآخر آمازيغي، عن سرّ الحماسة الأمازيغية في دعم القضية الكردية، أجاب الأمازيغي بأن هناك نقاط تشابه عديدة بين القضيتين، ففي رأيه، يواجه الشعبان احتلالاً وسياسات عنصرية، وسيفضي تحقيق الأكراد أي مكسب إلى تدعيم حق كل الشعوب في تقرير مصيرها وسيعوّد العرب وغيرهم من شعوب الشرق الأوسط، احترام هذا الحق.
النضال الخافت
بعيداً عن أوجه الشبه والاختلاف مع القضية الكردية، يناضل الأمازيغ لتحصيل حقوقهم على امتداد المغرب العربي، من الحدود الليبية – المصرية حتى شواطئ المغرب العربي، وجنوباً باتجاه الصحراء الكبرى.
فبعد استقلال دول المغرب العربي، لم ينجح الأمازيغ، على مر السنوات، في تحصيل حقوقهم. انتظروا كثيراً قبل أن يبصر الربيع العربي النور. رأوا فيه فرصة حقيقية للتحرر والانتفاض على النزعة الاستبدادية التي حكمتهم، خصوصاً أن المتغيّرات أتاحت للأقليات التعبير عن نفسها والمطالبة بتحسين أوضاعها.
يعتبر الأمازيغ من أكثر الشعوب افتخاراً بعرقهم. مرد ذلك إلى أسباب تاريخية إذ يعتبرون أنفسهم السكان الأصليين لمناطق انتشارهم قبل قدوم العرب على دفعات، وقبل تعرّب عدد كبير منهم بعد انتشار الإسلام الناطق بالعربية. في كثير من النقاشات الفكرية يعتبر الأمازيغ أن حالتهم تشبه حالة الهنود الحمر الذين اضطهدوا قبل أن يتحوّلوا إلى أقلية في الولايات المتحدة الأمريكية. الفرق بين الشعبين هو أن الأمازيغ لا يزالون حاضرين بقوة في بلدان المغرب العربي، وجنوب الصحراء، ويشكلون في بعض المناطق أغلبية وفي بعضها الآخر أقلية.
يرفض الأمازيغ إطلاق صفة أو تسمية البربر عليهم لأسباب قومية أيضاً، إذ إن العرب يستخدمون تلك الصفة بهدف التعالي عليهم والانتقاص من قيمتهم. فعندما أطلق الإغريق هذه التسمية قصدوا فيها كل الشعوب التي لا تنتمي إلى حضارتهم، وعلى هذا الأساس أضحى الفرس أيضاً برابرة. بالمقابل، يعتبرون أن تسمية الأمازيغ، وتعني الرجل الحر أو النبيل، هي توصيفٌ أدق لهم.
ينطلق النضال الأمازيغي من محورين متلازمين. الأول يقول بضرورة تحصيل الحقوق الأمازيغية لأن الأمازيغ يعتبرون أنهم تعرضوا لإضطهاد الدول الحاكمة. والثاني يقول بضرورة إنشاء دول أمازيغية في المغرب العربي والصحراء الكبرى.
يتمحور النضال الأمازيغي اليوم حول الخطوة الأولى وهي تحصيل الحقوق الثقافية واللغوية والاجتماعية والاقتصادية، بعد سنوات طويلة من الاضطهاد. يقول الفنان الأمازيغي كاتب أمازيغ، الملقب بالمتمرد، في توصيف دقيق للحالة التي يعيشها شعبه: إذا كنا عرباً، فلماذا تعربوننا، وإذا لم نكن عرباً فلماذا تعربوننا؟. ينتقد الفنان في قوله الشهير هذا، الاضطهاد من قِبل العرب الذين يفضل الأمازيغ إطلاق تسمية مستعربين عليهم على أساس أنهم أمازيغيو الأصل.
انعكاسات الربيع العربي
ليس هنالك إحصاءات رسمية يمكن الوثوق بها. ولكن يقدر عدد الأمازيغ تقريباً بنحو 30 مليون نسمة. أغلبهم في المغرب (12 مليون تقريباً) والجزائر (حوالى 8 ملايين) إضافة إلى أعداد أقل في مصر وليبيا وتونس وموريتانيا ومالي والنيجر. تبيّن خريطة انتشارهم أنهم، برغم بعض الدعوات الحالمة بدولة أمازيغية كبرى على مساحة هذه الدول، عاجزون عن تحقيق ما يصبون إليه. لذلك، ربما، انتقلوا إلى تبنّي طروحات أكثر واقعية على صعيد تحصيل بعض المكاسب في الدول التي يقيمون فيها وكذلك على صعيد إنشاء دول أمازيغية في المناطق المتصلة.
في شق تحصيل الحقوق نجح الأمازيغ أخيراً في انتزاعها في المغرب تحديداً ومن الجزائر نسبياً خلال الربيع العربي. أقرّ الملك المغربي محمد السادس إصلاحات أساسية هدفت إلى إخماد ثورة بدأت بذورها بالظهور، فتحولت اللغة الأمازيغية إلى لغة رسمية إلى جانب العربية، وهذا ما يعني عملياً اعترافاً أولياً بوجود الأمازيغ في المغرب، وتالياً بحقوقهم.
أبرز التجارب التاريخية
إلى جانب النضال السلمي الحالي، هناك ثلاث تجارب تاريخية حديثة حاول الأمازيغ فيها تأسيس دول أو على الأقل أقاليم ذات حكم ذاتي.
تجربة الريف
تجربة الأمازيغ في منطقة الريف هي التجربة الوحيدة في التاريخ الحديث التي نجحت في إقامة دولة أمازيغية. ففي 18 سبتمبر 1921، انتفض سكان الريف على الاحتلال الإسباني وأعلنوا قيام الجمهورية الريفية، واختاروا مدينة أغادير المغربية عاصمة لها، وصكّوا عملة سمّوها الريفان، وألفوا نشيداً وطنياً لحنه هو نفس لحن النشيد الوطني اللبناني. وتم تنصيب محمد عبد الكريم الخطابي أميراً على جمهورية الريف إلى أن حُلت في العام 1926 بعد هجوم فرنسي – إسباني واسع استُخدمت فيه الأسلحة الكيميائية.
بعد فترة استقلال قصيرة، رضخ الريفيون للاستعمار بالقوة، ثم للحكم المغربي بعد الاستقلال، لكن ذلك لم يمنعهم من تكرار دعوات الانفصال، مستندين إلى العداوة بين النظام الجزائري والنظام المغربي، إذ إن الجزائر دعمت مراراً الحركات الداعية للانفصال مقابل رفض إسباني واضح لها.
تجربة القبائل
في الجزائر، تعتبر تجربة منطقة القبائل الجبلية التي تطل على البحر المتوسط أكثر التجارب الأمازيغية نجاحاً على الصعيد السياسي. نجح الأمازيغ في هذه المنطقة في تحويل مطالبهم إلى قضية دولية وخطوا خطوات أساسية على طريق استقلال المنطقة، وصولاً إلى إعلان الحركة من أجل استقلال منطقة القبائل عام 2010 عن تشكيل حكومة مؤقتة.
تجربة الطوارق
جنوباً، بين مالي والنيجر والجزائر، تنشط التجربة الثالثة التي تختلف عن تجربة القبائل والريف. نجح الطوارق عملياً وانطلاقاً من مالي، وبسبب طبيعية المنطقة القبلية، في استخدام السلاح لتحقيق المساواة وتحصيل الحقوق وللمطالبة باستقلال المنطقة. أشعل الطواق ثورات عدّة منها ثورة كيدال عام 1962، وثورة 1990 – 1996، إلا أن أبرزها ثورة العام 2012 التي نجح خلالها الطوارق في إعلان استقلال إقليم أزواد في شمال مالي قبل أن يسقط نتيجة تدخل عسكري فرنسي. وقد استغلت الجماعات المرتبطة بالقاعدة الفراغ الأمني وسيطرت على عدد من المدن، وهذا ما استدعى تدخلاً دولياً خوفاً من تحول أزواد إلى أفغانستان أفريقية.
ثورات تاريخة ومستقبلية
في تاريخ المغرب العربي، ثار الأمازيغ مراراً على ما يسمونه الاستعمار العربي لبلادهم. البداية كانت من الانتفاضة على عبيد الله بن الحبحاب، والي أفريقيا في عهد الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، والنهاية كانت في أسبقية ثورة أهالي جبل نفوسة الأمازيغي على حكم الرئيس الليبي السابق معمر القذافي وتحولهم إلى مركز عمليات ضد قواته.
الآن، لا يُسقط الأمازيغ من حساباتهم كل السبل العسكرية والسياسية حتى تحقيق مطالبهم. فهم يصرّون على إشهار انتمائهم العرقي، والتفاخر به، ويناضلون بما تيسر لهم، في انتظار ولادة دول تحفظ حقوقهم أو في انتظار تحقيق حلم الدولة الأمازيغية الذي لطالما راودهم من دون أن يبصر النور.[1]