معد فياض
بين احتفالات العالم اليوم بمناسبة اعياد رأس السنة وحلول العام الجديد 2024، وأول احتفالات في تاريخ البشرية بعيد رأس السنة مسافة زمنية تقترب من ستة الاف عام. وحسب بحوث اكاديمية معمقة واستنادا الى عشرات المصادر التاريخية، اجراها الباحث الاكاديمي العراقي خزعل الماجدي فان #السومريين# هم اول من احتفل باعياد رأس السنة وهم اصل انتشاره في العالم.
وحسب بحث اكاديمي اجراه الماجدي فان مفهوم:العود الأبدي هو التكرار الدائم للظاهرة ومايرافقها من طقوس وشعائر تؤكد هذا التكرار وتوضِّحه وتحتفي به أملا في الخلاص أو العودة الى زمن أسطوري لايمارس فيه الزمن التاريخي فاعلية قسرية في حياة الإنسان الهارب من هذا الزمن التاريخي الدنيوي والملتجئُ الى الزمن الاسطوري الديني.
الباحث الاكاديمي خزعل الماجدي، المقيم حاليا في هولندا، قال لرووداو لقد: اعتاد سكان وادي الرافدين المعاصرون النظر الى يوم 21 آذار كعيدٍ يمثل عيداً لكل القوميات والأديان والطوائف العراقية في الحاضر والماضي. وهو أقدم عيد عراقي على الإطلاق لأنه يمثل عيد رأس السنة السومري منذ أكثر من خمسة آلاف سنة، ولايصح اعتباره عيدا لقومية واحدة أو لديانة واحدة أو لمذهبٍ واحد بل هو في حقيقيته نوعا من طقوس العود الأبدي التي تمثلأ أعياد رأس السنة نموذجا فريداً لها.
السومريون: زكمك الأول
وأعتمادا على بحث الماجدي فان السومريين: ادركوا من خلال مراقبتهم لطول الليل والنهار ، أنهما يتساويان مرتين في السنة ، المرة الأولى في 21 آذار والمرة الثانية في 21 أيلول ويقل طول الليل بعد 21 آذار ويزداد النهار ، بينما يزداد طول الليل بعد 21 أيلول ويقل النهار، ولذلك جعلوا عيد رأس السنة السومرية في 21 آذار (ويسمى شهر آذار عند السومريين شيكوركو) وأسموه عيد (زكَمك الأول) الذي يعني عيد الولادة والتجدد وهو عيد الاعتدال الربيعي حيث يصادف الحصاد ونشاط ولادة الحيوانات وانتعاش رغبات التزاوج عند الإنسان ولذلك أصبح أسطورياً عيد بعث وولادة دموزي وزواجه من الإلهة إنانا في زواج مقدس يقوم به الملك والكاهنة العليا رمزياً بين المعبد والقصر.
مستطردا ببحثه:أما في 21 أيلول (ويسمى شهر أيلول عند السومريين آكيتي) فيحصل الاعتدال الخريفي حيث يكون عيد (زكَمك الثاني) الذي يعني الموت والبذار (دفن البذور) وموت دموزي ونزول إنانا ودموزي إلى العالم الأسفل ومواكب العزاء الجماعي، مضيفاً: ويتضح من ذلك أن السنة السومرية منقسمة إلى قسمين الأول ربيعي يبدأ في 21 آذار بعيد زكَمك الأول ويستمر ستة أشهر والثاني خريفي يبدأ في 21 أيلول بعيد زكَمك الثاني ويستمر ستة أشهر. وتكتمل السنة بهذين القسمين. وقد أصبح هذا الناموس الذي وضعه السومريون عن وعي وترصد للطبيعة أساساً بُنيت عليه أعياد رأس السنة في العالم القديم كلّه بشكل خاص.
آكيتو عيد البابليين والآشوريين
ويضيف خزعل الماجدي، وهو باحث اكاديمي مُتخصص في علم وتاريخ الأديان والحضارات القديمة، وشاعر وكاتب مسرحي، وله ما يزيد عن 100 مؤلفاً تنوعت بين علم الاديان والحضارات، ودوواين الشعر والمسرح، قائلاً ان البابليون والاشوريون وضعوا تقويماً جديداً لهم يبدأ من 21 آذار السومري وكان عندهم 1 نيسان (نيسانو) أي أن نيسان عندهم لا يطابق نيسان الحالي في تقويمنا بل يطابق 21 آذار في تقويمنا وربما كانت بداية العيد تبدأ مع ظهور أول بدر بعد (21آذار) وهو احتمال وارد في التقويم البابلي. وهو بداية السنة عندهم وقد أصبح عيد رأس السنة عندهم يسمى ب (آكيتو)، مشيرا الى ان مدة العيد كانت 12 يوماً (أي بعدد أشهر السنة) تبدأ من الأول من نيسان وتنتهي في الثاني عشر منه. وكان للإحتفالات بيت يعرف ببيت الأكيتو يقع خارج المدينة كما في الوركاء وآشور وبابل.
وحسب البحث الاكاديمي للماجدي فان هناك طقوس احتفالية مسرحية تجري خلال هذه الايام ال 12، فقد:كانت الأربعة أيام الأولى لتقديم الضحايا والقرابين وتعيين درجات الكهنة وقراءة ملحمة الخليقة البابلية. وفي اليوم الخامس يحمل تمثال الإله نابو من بورسيبا إلى بابل في سفينة مذهبة وفي اليوم السادس تجرى محاكمة الملك ونزع شاراته الملكية في معبد الإيساجيل في بابل ويسحب من أذنيه حتى يركع أمام الإله ويؤدي صلاة الغفران. وفي اليوم السابع تمثل دراما محزنة لموت الإله مردوخ وصعوده إلى السماء وتسود الفوضى المدينة حيث تجري عربة هائجة في شوارع بابل وتخربها بسبب غياب مردوخ ويُنصّب ملك مزيف للحكم في هذا اليوم. وفي اليوم الثامن يعود مردوخ إلى الحياة وتنتظم بعودته الأشياء وتجتمع الآلهة في مخدع المصائر ويقررون مصائر البشر للسنة الجديدة ، وتعاد شارات الملك إلى الملك الحقيقي ويسير الكهنة في موكب نحو بيت الأكيتو خارج المدينة ليمكثوا ثلاثة أيام لتمثيل دراما رمزية للخليفة وفي مساء اليوم الحادي عشر يعود الكهنة إلى المدينة ويدخلون المعبد ويقضي الإله مردوخ ممثلاً بالملك ليلة مع الكاهنة العليا في معبد الإله وفي اليوم الثاني عشر تغادر الآلهة بابل فيذهب كل إله إلى معبد مدينته.
ويؤكد الماجدي أن هذا العيد الذي يمثل أكبر احتفال درامي في بابل كان راسخاً في حياة العراقيين القدامى وقد جرت ممارستهُ لأكثر من ألفين سنة وكان علامة مهمة من علامات وادي الرافدين وتراثها. كان يجرى في 21 آذار (حسب توقيتنا من كل سنة) وهو الرحم الذي ظهرت منه الدراما الكوميدية والتراجيدية عند الإغريق فيما بعد. وهناك وصفٌ مطول له في رقم طينية ترجمها عن اللغة الأكدية (ثورو دنجان) و (بريشارد) و (ساكز).
ويخلص الباحث الاكاديمي خزعل الماجدي الى ان :كل هذه الأعياد كان مصدرها عيد الأكيتو البابلي الذي انتشر شرقاً وغرباً وكان هو مصدر إلهام عيد رأس السنة الحالي الذي تحول إلى بداية السنة الميلادية المسيحية. مستنتجا بان:كلمة (آكيتو) ربما تحولت مع الزمن في اللغات السامية إلى (حاكيتو) و (حجيتو) ثم إلى (حج) والتي ما زالت في السريانية تعني (عيد) ، وربما تضمن ذلك ظهور كلمة (حكاية) من (حكيتو) بسبب ما كان يبدأ به احتفال الأكيتو من سرد قصصي لأسطورة الخليقة البابلية وفي الأيام الأخرى لحكايات وقصص أخرى مثل جلجامش.[1]