$عفرين تحت الاحتلال (71): اعتقالات عشوائية وتعسفية، تطال النساء أيضاً… توطين وحرمان من مياه سد ميدانكي$
مع تطورات الحدث الليبي بات بحث حكومة العدالة والتنمية برئاسة رجب طيب أردوغان عن “الإرث العثماني” وجموع الخدم للسلطان الجديد، في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، أكثر سطوعاً، وبنبرةٍ خطابية حادة، إلى جانب السعي لتفعيل مصادر “الخوة والجزية” لصالح صندوقه مع سرقة الممتلكات، الثقافية منها على وجه الخصوص؛ بذات المنطق والسياسة يتعامل “العثماني الجديد” مع أهالي منطقة عفرين.
لما يقارب العامين، وسلطات الاحتلال التركي تواصل الاعتقالات العشوائية والتعسفية بحق الكُرد- السكان الأصليين في منطقة #عفرين# ، بحجج وأساليب شتى، وإن كان بعضهم قد احتجزوا سابقاً لمدد مختلفة في سجون الميليشيات، عدا حالات الاختطاف على يد العصابات والميليشيات المسلحة، بحيث تستمر الضغوطات عليهم، في مسعى تهجيرهم ودفعهم لترك أرضهم وممتلكاتهم، بما يخدم مخطط التغيير الديمغرافي في المنطقة، والذي يرتقي إلى مستوى التطهير العرقي، حيث انخفضت نسبة الكُرد في المنطقة – بعد حملة التوطين الأخيرة من مُهجري إدلب- إلى حوالي 25% من جميع المقيمين حالياً في المنطقة، بينما كانت أكثر من 95% قبل الاحتلال.
معظم عمليات الاعتقال تترافق بالإهانات والتعذيب، ويتم إخضاع المعتقلين لمحاكمات صُوَرية وغرامات مالية وتوثيق بيانات شخصية تُرسل نسخة منها إلى الاستخبارات التركية، لاسيما وأن ذوي بعضهم يلجؤون مكرهين إلى توكيل محامين منتسبين لما تسمى ب (نقابة المحامين الأحرار) ومقربين من (القضاة المعيّنين من قبل الاحتلال التركي) ويضطرون لدفع مبالغ طائلة لقاء الإفراج عنهم؛ كما لا تكشف سلطات الاحتلال التركي عن مصير أكثر من /1100/ معتقل مخفي قسراً من أهالي عفرين، بينهم نساء ومسنين، منذ ربيع وصيف 2018، ولا تُقدمهم لمحاكمات ولو صورية! من بينهم المحامي “حسن منان منان /50/ عاماً” من أهالي قرية سيويا- ناحية معبطلي، فلا يزال مصيره مجهولاً منذ 18-03-2018م، بينما تم الإفراج عن زميله “المحامي حكمت الهوى”- من المكون العربي، أواسط آب 2019، الذي اختطف بتلك الفترة أيضاً.
وبتاريخ 9 كانون الثاني 2020م، تم اعتقال المواطنة “أمل محمد مصطفى /45/ عاماً” والمواطن “آريان خليل بن محمود” في قرية معرسكه- ناحية شرّا، من قبل الشرطة العسكرية والاستخبارات التركية، ولا تزال الفتاة القاصر “سارا عبد الله محمد علي” من نفس القرية قيد الاعتقال التعسفي منذ 26 أيلول 2018م، البريئة من تُهم العلاقة مع الإدارة السابقة أو حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، حسب ما أكده لنا مصدر موثوق من القرية.
ومساء الأحد 12 كانون الثاني 2020م، اختطفت ميليشيا “السلطان سليمان شاه” الشقيقان “ولات و إدريس حج علي عبو” في قرية كاخرة- ناحية شيه (شيخ الحديد) وطالبت ذويهما بفدية /15/ ألف دولار، الذين أحجموا عن دفعها، فقامت تلك الميليشيا بتسليمهما للشرطة العسكرية الموالية لتركيا في عفرين، حيث أدخل “ولات” إلى المشفى بسبب كسر في رجله وفي إحدى أصابعه، جراء تعرض الشقيقين إلى تعذيبٍ شديد. كما أقدمت الشرطة، يوم الخميس 16 كانون الثاني 2020م، على اعتقال المواطنين (حمو محمد وقاص، أحمد حسن حبش، وليد قازقلي محمد) من نفس القرية.
إن تلك الاعتقالات العشوائية والتعسفية بحق أبناء عفرين وبتهم العلاقة مع الإدارة الذاتية السابقة أو الانتماء إلى إحدى مؤسساتها، تُعدُّ مخالفةً جسيمةً للمادة /70/ من اتفاقية جنيف الرابعة /1949/ التي لا تُجيز “لدولة الاحتلال أن تقبض على الأشخاص المحميين أو تُحاكمهم أو تُدينهم بسبب أفعال اقترفوها أو آراء أعربوا عنها قبل الاحتلال…”.
علاوةً على تدني المستوى المعيشي وانتشار الفقر، بسبب انخفاض المداخيل وتبدد مصادر الأرزاق ونهبها وارتفاع الأسعار عموماً، فإن حركة النزوح الكبيرة إلى عفرين وتوطين المزيد من المُهجَّرين فيها يزيد الأوضاع سوءاً؛ تلك الحركة التي وجد الاحتلال التركي ضالته فيها، تسببت في وقوع انتهاكات وجرائم جديدة بحق البشر والحجر والشجر، وكذلك حصر توزيع المعونات على الذين تم توطينهم دون أهالي المنطقة؛ ففي بلدة كفرصفرة تُجبر ميليشيا “سمرقند” معظم العائلات على إسكان المستقدمين معها في منازلها، وإخلاء بعض المنازل من ساكنيها الذين يضطرون للإقامة لدى أقاربهم. وهناك حالةٌ من فوضى توطين المهجرين في مدينة عفرين، حيث أُغلقت أبواب بعض المدارس أمام طلابها بسبب إيواء بعضهم فيها. وتم توطين /4/ أربع عوائل في قرية كَريه و/10/ في زفنكه و /10/ في ديكيه و /8/ في قاسم و/5/ في زركا التابعة لنواحي بلبل وراجو، و/125/ في بلدة كاخرة- ناحية شيه و/170/ في بلدة بعدينا- راجو. كما أن شرطة ناحية بلبل طالبت بجداول اسمية مفصلة لجميع القاطنين في مركز الناحية والقرى التابعة لها، تُبين مكونهم الأصلي ومولدهم مع إحصاء المنازل الفارغة، وذلك كمسح أمني جديد، ولتنفيذ خطة توطين جديدة، وقد تم سابقاً تقديم جداول من هذا القبيل إلى مجلس بلبل المحلي وإلى الاستخبارات التركية.
وتستمر الحكومة التركية في نقل مرتزقة من عناصر الميليشيات السورية الموالية لها وللائتلاف السوري- الإخواني المعارض إلى ليبيا، وجثث القتلى منهم في الساحة الليبية تصل تباعاً، إحداها وصلت إلى قرية ماسكا- راجو، وقد نُشر مقطع فيديو جديد على صفحات التواصل الاجتماعي يُظهر عشرات العناصر المرتزقة يستقلون طائرة مهيئة للسفر إلى ليبيا.
ومن جهةٍ أخرى، بتاريخ 10 كانون الثاني 2020م، نشرت وسائل إعلام تركية خبر إعلان ولاية هاتاي- التركية البدء بتخزين المياه في سد “ريحانية” الذي تم تشييده منذ عام 2010م، وبشكل أساسي من المياه المتدفقة في نهر عفرين، بغية إرواء /600/ ألف دونم من الأراضي الزراعية في سهل العمق وحماية /200/ ألف دونم من الفيضانات، وإذ يعتري أهالي منطقة عفرين مخاوف من سرقة مياه سد ميدانكي الاستراتيجي، الذي تعرضت منشآته وشبكات أقنية الري الزراعية ومحطاته- التابعة لمؤسسة الموارد المائية- إلى السرقة والتخريب المتعمد من قبل الميليشيات المسلحة إبان عدوانها إلى جانب الجيش التركي على المنطقة في الربع الأول من عام 2018م، الذي تحدثنا عنه في تقريرنا (11) بتاريخ 8/12/2018م بالتفصيل، والذي أدى إلى فقدان السد للتحكم الكهربائي ومراقبة القياسات، ونقصان مياه الشرب في مدينة عفرين رغم إجراء بعض الإصلاحات، وخروج معظم محطات وشبكات أقنية الري الزراعية من الخدمة، مما أفقد أراضٍ شاسعة، في سهول زرافك وكمروك، وسهول قرى آستير وجويق وكفروم وبمحاذاة نهر عفرين جنوباً إلى قرية جلمه وديوا، وكذلك سهول قرى ماراتيه وبابليت إلى سهول ناحية جنديرس، من ريٍ وفير ومتدني الكلفة، وبالتالي تدهور محاصيل ومواسم زراعية عديدة. يُرجح أن تقوم السلطات التركية بسرقة مياه سد ميدانكي عبر مدّ قناية خاصة وتوصيلها بالقناية السورية الممتدة إلى قرب قرية “المحمدية” – جنوب غرب مدينة جنديرس أو بإفلات كميات زائدة عن الحاجة اليومية للمستفيدين في عفرين من مياه سد ميدانكي عبر مجرى النهر أو بمنع تخزين المياه في السد بشكل كافٍ أثناء موسم الأمطار لتتدفق إلى سد ريحانية، وخاصةً إذا كانت نسب الهطول متدنية. مما جرى يتوضح جلياً مدى استهداف الاحتلال التركي للبنية الاقتصادية الزراعية في المنطقة وتدميرها، حيث أن فقدان الري الكافي في سهول عفرين يهدد بهلاك مئات آلاف أشجار الفاكهة وتدني إنتاج ملايين أشجار الزيتون وانخفاض إنتاج عشرات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية.
إن لم يكن ملف “عفرين” على الساحة السورية في واجهة الأحداث والاهتمامات حالياً، بعد “إدلب” و “شرق الفرات”، ينبغي ألاّ تغيب عن بال الكُرد أولاً، والوطنيين السوريين ثانياً، وأحرار العالم ومحبي الإنسانية ثالثاً، أوضاع أهاليها السيئة، وألاّ تصمت عن تلك الانتهاكات والجرائم الممنهجة الواقعة فيها، بل وتعمل على فضحها، سعياً لإنهاء الاحتلال التركي عن كاهل مناطق عديدة في شمال سوريا.
المكتب الإعلامي-عفرين
حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)
[1]