عنوان الكتاب: إصلاح الوضع الأمني في #كركوك#
ترجم من اللغة: الانكليزية
مكان الأصدار: بلجيكا
مؤسسة النشر: International Crisis Group
تأريخ الأصدار: 2020
بوصول الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية إلى نهايتها في عام 2017، عادت قضية المناطق المتنازع عليها في العراق، والتي تمتد على طول الحدود الداخلية بين إقليم كردستان والعراق الاتحادي، لتتصدر جدول أولويات بغداد. لقد كان وضع هذه المناطق، بما فيها كركوك وحقولها النفطية، منذ وقت طويل مصدراً للخلاف العميق بين بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل. وبلغت التوترات أوجها في تشرين الأول/أكتوبر 2017، بعد أن أجرت حكومة إقليم كردستان استفتاء لم يقتصر على إقليم كردستان بل شمل أيضاً المناطق المتنازع عليها، والتي يقطنها أكراد، وعرب، وتركمان وأقليات أقل عدداً. أرسلت بغداد قواتها إلى كركوك، فأخرجت المقاتلين الأكراد الذين كانوا قد سيطروا على المنطقة منذ عام 2014، بعد أن كان تنظيم الدولة الإسلامية قد أخرج الجيش العراقي منها. لقد طمأنت الترتيبات الجديدة السكان العرب والتركمان المحليين لكنها نفَّرت الأكراد؛ وبالتالي فإنها تزعزع الاستقرار بنفس القدر الذي كانت تفعله الترتيبات التي حلت محلها. ولذلك، ينبغي على بغداد وأربيل، وبدعم من الأمم المتحدة والحكومات الغربية والقوى الإقليمية، أن تضعا ترتيبات أمنية مشتركة في كركوك تشمل إنشاء قوة محلية متعددة الإثنيات تساعد على التوصل إلى اتفاق سياسي أوسع.
بدأت أحدث أزمة بشأن المناطق المتنازع عليها في حزيران/يونيو 2014، عندما دخل تنظيم الدولة الإسلامية إلى محافظة كركوك، ووصل إلى العاصمة التي تحمل اسمها. مع تلاشي وحدات الجيش العراقية التي كانت متمركزة هناك، سارعت البشمركة الكردية، وهي قوة عسكرية مكلفة بحراسة إقليم كردستان، إلى ملء الفراغ. وبدعم من إيران والتحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، صدَّت التنظيم لمدة ثلاث سنوات وفي النهاية ألحقت به الهزيمة بالتعاون مع الجيش العراقي والقوات شبه العسكرية المرتبطة به. وسعياً منها لاستغلال توسع سيطرتها على أجزاء من محافظة كركوك وغيرها من المناطق المتنازع عليها، إضافة إلى الامتنان الغربي لتضحيات البشمركة، اندفعت حكومة إقليم كردستان في محاولة لإقامة دولة عبر تنظيم استفتاء في نهاية أيلول/سبتمبر 2017، متجاهلة نصيحة دولية شبه إجماعية بإلغاء أو تأجيل العملية. إيران وتركيا المجاورتان بشكل خاص، وفي كل منهما مكونات سكانية كردية، عارضتا الاستفتاء ودعمتا عودة القوات الحكومية إلى كركوك.
في 16 تشرين الأول/أكتوبر2017، استعادت القوات الاتحادية اليد العليا في كركوك في تقدم سريع تحقق من خلال اتفاق مسبق مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يمثل أحد الفصائل الكردية الرئيسية، على سحب قواته. أشعل انتقال السيطرة على كركوك وحقولها النفطية، بشكل خاص، أزمة كردية داخلية بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، خصمه السياسي الرئيسي. كما أدى إلى قطع العلاقات بين الحكومتين المركزية والإقليمية. وفي الوقت نفسه، غذى التوترات القائمة بين المكونات المحلية في كركوك، حيث شعر الأكراد المحليون بعدم الأمان دون القوات التي تمثلهم، في حين شعر العرب والتركمان، الذين كانوا يشعرون بالغبن لوقوعهم تحت سيطرة البشمركة منذ عام 2003، بأن وضعهم سيتحسن.
في أعقاب أحداث تشرين الأول/أكتوبر 2017، صاغت الحكومة الاتحادية حلاً مؤقتاً لكركوك، فاستبدلت المحافظ الكردي بنائبه العربي بصفة محافظ بالوكالة ونشرت قوات اتحادية لإدارة الأمن الداخلي. وظل هذا الوضع معلقاً بالنظر إلى انشغال بغداد بالاضطرابات الشعبية في البلاد. وأدى عدم تسويته إلى احتكاكات خطيرة. تفتقر القوات الاتحادية التي نُشرت في كركوك إلى التماسك وإلى تفويض واضح، ما يترك ثغرات في ولايتها القضائية يمكن لتنظيم الدولة الإسلامية استغلالها. تشمل هذه القوات الجيش، والشرطة الاتحادية وقوات الحشد الشعبي، إضافة إلى الشرطة المحلية. ويُتَّهم عناصر في جميع هذه القوى بسوء السلوك، سواء عبر مضايقة السكان أو الانخراط في عمليات فساد صغيرة، بما في ذلك الابتزاز على نقاط التفتيش. علاوة على ذلك، فإن وجود بعض مجموعات الحشد الشعبي المرتبطة بإيران يُشعر السكان، وأغلبيتهم من السنة، بعدم الارتياح.
رغم أن العلاقات بين بغداد وأربيل كانت في حالة تعافي بعد الانتخابات الوطنية في أيار/مايو 2018 وتشكيل حكومة اتحادية جديدة في وقت لاحق من ذلك العام برئاسة عادل عبد المهدي، لم يتغير الكثير في كركوك. ففي شباط/فبراير 2019، شكلت الحكومة لجنة رفيعة المستوى تشمل مسؤولين اتحاديين ومحليين لمراجعة الثغرات الأمنية في المناطق المتنازع عليها. وفي حزيران/يونيو، اتفقت بغداد وأربيل على ترتيب أمني يشمل التنسيق المشترك بين الجيش والبشمركة. لكنهما لم تتمكنا من الاتفاق على ما إذا كانت البشمركة ستشغل مواقع داخل المحافظة أو فقط خارج حدودها الشمالية والشرقية. أسست الحكومة قيادة عمليات مشتركة جديدة في كركوك تشمل القوات الاتحادية لكن تستثني البشمركة. كما علقت الحكومة خطوات أخرى لتحقيق الاستقرار في المنطقة، مثل استبدال الشرطة الاتحادية بالجيش، الذي يتمتع بخبرة أكبر بكثير بالعمل بالتنسيق مع البشمركة.
وبوصول المبعوث الخاص الجديد للأمم المتحدة إلى العراق في مطلع 2019، بدأت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق بالانخراط مع أعضاء البرلمان الذين يمثلون كركوك في بغداد في حوار أمني بحثاً عن حلٍ أكثر ديمومة للمحافظة. يرفض ممثلو العرب والتركمان عودة البشمركة إلى المحافظة، ويفضلون تمركز الجيش الاتحادي على حدودها لإبقاء المقاتلين الأكراد خارجاً. بالنسبة للأمن الداخلي، يبدو أن ممثلي المجتمع المحلي، بمن فيهم الأكراد، يفضلون تأسيس قوة متعددة الإثنيات يتم تجنيد أفرادها حصراً من كركوك، لكن بقيادة اتحادية، لسد الثغرات الأمنية وتخفيف حدة التوترات بين مكونات المجتمع المحلي. يمكن لهذه القوة أن تحل محل قوات الأمن الخارجية التي تتبع لقوى سياسية مختلفة.
تعثرت المفاوضات بين بغداد وأربيل في أواخر عام 2019 وسط اضطرابات سياسية على مستوى البلاد. رغم ذلك، فإن اختلال التوازن الأمني في كركوك مستمر وسيظل يشكل عاملاً لعدم الاستقرار إذا لم تتم معالجته. ينبغي على الحكومة الجديدة برئاسة مصطفى الكاظمي أن تجعل من تصحيح هذا الوضع أولوية قصوى. كما ينبغي على المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والقوى الإقليمية مثل تركيا وإيران، أن تنخرط في حوار مع بغداد وأربيل لإكمال عملية وضع قيادة عمليات مشتركة، وسحب القوات الاتحادية من المدن على مراحل، ودعم تأسيس قوة متعددة الإثنيات وغير تابعة لأي حزب سياسي للتحوط من نزعات التمرد المسلح والمحافظة على السلم بين مكونات المجتمع المحلي في كركوك.[1]