=KTML_Bold=د. محمود عباس: صدقية المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات -الجزء الثاني=KTML_End=
للمصداقية، أوجهها ومقوماتها، فمهما كان التلاعب، لا بد وأنها ستظهر للباحث الحصيف والمتابع لفعاليات المركز. يلاحظ، في السنتين الأخيرتين، تحويرا ما في منهجية، وطريقة عرض مواد مؤتمراته، ويلون في نوعية الشخصيات الذين يتم دعوتهم، فيما إذا لم يكن هذا التغيير تغطية على صدقيته، وأهدافه الأساسية، وتلاعباً، لإخراج المفهوم العروبي التكفيري بلباس حضاري ديمقراطي. ولا يستبعد أن تكون غايته تبييض وجه العروبيين، وتنقية ماضيهم، ولربما لذلك يتعاملون مع الحركتين الثقافية والسياسية للشعوب المطالبة بالتحرر بروح حضارية، رغم أن الهدف لم يتغير منذ أن تأسس المركز والمبان في كلمة التأسيس، فلاتزال الصيغة هي ذاتها؟! إلى جانب أن بعض المسؤولين على المركز والأكاديميين الذين يقدمهم كموظفين دائمين، أو باحثين محاورين، شخصيات مطعونة في مصداقيتها من قبل شعبهم العربي ذاته. وبناءً على هذا، فإذا استمرت في حواراتها مع الشعوب الأخرى، فإن المفهوم العروبي وركائز الأنظمة الشمولية العروبية ستترسخ أكثر في ثقافة الشعب العربي، والنتائج ستكون وخيمة.
كان لا بد للمركز التركيز أولا، العمل على إنقاذ الشعب العربي، من الأوبئة العديدة التي عششتها فيه السلطات العروبية، ومنها وعلى سبيل المثال، تعرية الأكذوبة التي مرقت على الشعب العربي في السبعينات من القرن الماضي، بأنهم على أبواب رمي الشعب اليهودي إلى البحر، في الوقت الذي كانت فيه سلطة البعث وحافظ الأسد العروبية تقتل في الشعب الفلسطيني ضمن مخيم تل الزعتر، أمام صمت أغلبية الحركة الثقافية العربية، والسلطات العروبية الأخرى. أو تزكية حقوق الشعوب غير العربية المحتلة من قبل السلطات العروبية ومنذ أكثر من قرن، عند الشعب العربي، بحيث تكون مطالبة الأخرين بحقوقهم مقبولا، وأن لا تجابه بعداوة وحقد من قبل الأنظمة العروبية ومجموعاتها.
وللأسف ومن خلال مراقبة المركز على مدى السنوات الماضية، ومتابعة نشاطاته، تتبين أن هذا المنطق العروبي هو المسيطر على ماهيته، فالطرق والأساليب المستخدمة للاقتراب من مسألة الحوار مع الشعوب الأخرى، هي ذاتها وتدار عن طريق مجموعة من العروبيين التكفيريين، الرافضين سلفا حق الشعوب، وبعضهم يتحاورون محاججين بثقافة البعث والأنا العروبية المتضخمة. وسيظل أمل النجاح، من خلال الحوارات الحضارية الجارية ضعيفاً، إن لم يقم أمراء قطر على تنقية المركز من الداخل، وإبعاد التكفيريين العروبيين عن التحكم بالحوارات، وتكريس بعض المؤتمرات لتشذيب ثقافة المحاورين العروبيين، تزامنا مع المؤتمرات التي تعقد لإجراء الحوارات بينهم وبين مثقفي أو سياسيي الشعوب الأخرى.
لقد خلقت الأنظمة العروبية بأساليبها وتعاملها مع الشعوب الأخرى، صورة نمطية عن مثقفيها في ذهن الشعوب الأخرى، ولا ذنب لهؤلاء الشعوب في تكوين هذه الصورة، على أن المثقف العربي عبيد للإرث الثقافي التاريخي الثقيل المفبرك، والمبني على إقصاء الأخر، ونادرا ما يثق بسياسييهم وشريحة واسعة من مثقفيهم، فحتى في لحظة الاعتراف بحقوق الأخرين، نجد العروبي ينطلق من أنا الكلية إلى الجزء التابع الذي يعطف عليه، وهي ثقافة قادمة من تراكمات قرون من الاستبداد، وثقافة الأنا القريشي ومن ثم العربي، وهذه الثقافة واضحة في الحوارات التي جرت ضمن مؤتمر (الحوار العربي الكردي) فحتى عند طرحهم للقضية الكردية والاعتراف بأن الكرد كانوا جزء من الحكومات العراقية وكان لهم دور رئيس في تشكيل العراق كوطن، ظهر الباحث العروبي، ليقول أن الحكومة العراقية كانت دائما تنظر إلى الكرد كجزء من العراق، وفي صيغة الحديث فصل بين الكرد كشعب والعراق وحكوماتها كوطن، والمثال التالي من ورقة المركز العربي للدراسات يتجلى ما نحن بصدد ” ففي إيران، يُقمع الكرد لسببين؛ أحدهما قومي والآخر مذهبي. وفي تركيا، يُقمع الكرد لعدم اعتراف النظام الكمالي بهويتهم القومية، وكذلك الشأن في سورية. أما في العراق، فقد اعترفت الدولة العراقية منذ تأسيسها بخصوصيتهم القومية وهويتهم الثقافية، ولم تمارس ضدهم أيّ حالة من حالات التمييز؛ فتولوا مختلف المناصب سواء كانت في الجيش، أو في الخدمة المدنية. وقد كان منهم ضباط بارزون، ونواب ناجحون، ووزراء” من خلال التأويل ورغم الاعتراف بما عليه الواقع الكردي في الدول المحتلة لكردستان، نجد أن المقارنة العراقية بحد ذاتها فصل فاضح بين المكونات العراقية، الكردية والعربية، أو الكردية والعراق كوطن، وتتبين عندما يعرض المركز الحكومة العراقية كجزء منفصل عن الشعب الكردي، فتظهر العلاقة بين الحكومات العراقية والكرد كعلاقة المحتل الذي يراعي شعب محتل يحترم خصوصياته، وحتى عندما يذكر أن الكرد شاركوا في الحكومة بوزراء تخرج وكأنها منية من الحكومات العراقية للكرد، وليست مبنية على أن الكرد جزء من الحكومة ذاتها والعراق ملكهم مثلما لغيرهم، ولهم الحق في تغييرها، كجعل نظامها فيدراليا أو كونفدراليا، ويعدلوا في دستورها حسب مفاهيمهم ورؤيتهم. ولكن التقرب من القضية الكردية بهذا الأسلوب الفوقي أو المنية العروبية، حيث يعرضون الكرد كضيوف على الحكومات العراقية، وهي الحقيقة التي كانت عليها السلطات العراقية على مدى التاريخ الماضي، تتبين مدى تأثير التراكمات الثقافية العنصرية على المحاور العروبي.
وهنا تكمن الإشكالية الكبرى، ما بين الكرد وجميع السلطات المحتلة لكردستان، وتعكسها مفاهيم المركز العربي بجلاء من خلال المداخلات والمواد التي تعرض من قبل موظفيها، والتأويل التالي من ورقة المركز وعلى لسان السيد عبد الوهاب القصاب الذي عرض مادته في اليوم الأول من المؤتمر، عن ثورة المرحوم القائد ملا مصطفى البرزاني تبين ما نود توضيحه ” ولم تتبلور الرسالة العامة للثورة الكردية إلا بعد الحُكم الملكي العراقي، بعد عام 1961 تحديدًا، عندما أطلق الراحل الملا مصطفى البارزاني تمرّده الذي كان أساسًا خلافًا عشائريًّا بينيًّا توسع في ما بعد؛ بسبب فشل حُكم عبد الكريم قاسم في التعامل السليم معه” وبالتأكيد الثقافة التي لا يتمكن العربي التحرر منها، ولذلك فإن أية دراسة تتم ستبقى مطعونة في مصداقيتها ما دمت هذه المفاهيم تجاه الأخر مهيمنا.
كرر الباحثون العروبيون نفس المفاهيم العنصرية القديمة عن القضية الكردية، وحاولوا تكريس منطق الشعب الأخر، التابع للهيمنة العربية، علماً أن بعضها تأرجحت بين الاعتراف بالغبن الذي حصل لهم كشعب يحق له تقرير مصيره، أو أنه شعب هجر إلى سوريا يجب إعطاءه حقوقه كمواطن سوري، وشعب كان قد مني عليه بإشراكه في الحكومات العربية، وغيرها من الطروحات المتذبذبة، والمتأثرة ما بين الصور النمطية المتراكمة في ذهن المثقف العربي، وتأثيره بمجريات الأحداث في العالم الحضاري، وما يجري في المنطقة، ضد السلطات الشمولية الاستبدادية، وإجمالا لم تخلى الدراسات المقدمة من قبل الجانب العربي من تأثيرات ثقافة البعث العنصري.
وللمصداقية في عرض ما قدمه المركز العربي في ورقته عن اليوم الأول، والتي لم تخلى من الإيجابيات أيضا تجاه حقوق الشعوب الأخرى، حتى ولو كانت مشكوكة بأنها تمت للتغطية على خلفياتها العروبية، أو لربما محاولة لتنقية الماضي الموبوء، وجرى السرد بأسلوب يتلاءم والعصر الانترنيتي، فعرضت دراسة قيمة للباحث هوكر توفيق، ضمن منشورات المؤتمر، وكانت المادة تحت عنوان ( العلاقات الكردية – العربية _1891م-1918م دراسة تاريخية) واجه فيها المحاضر الباحث هوكر توفيق المحاورون العروبيون بأن “كردستان محتلة من الدول الأربعة” وبناءً على هذه الأرضية طرح فكرته، ولا شك فقد كانت دراسته ومادته طعنة في أهداف المركز العربي وطموحاته، بل وفي الصور النمطية للأكاديميين العروبيين الذي لا يقبلون غربي كردستان جزء من كردستان الكلية. كما واستمرارية على هذا المفهوم، تم إبراز القضية القومية الكردية في جنوب كردستان أو العراق كدولة، من قبل بعض المحاورين الكرد الأخرين، وعرض بدراسات قيمة، وجريئة، ومن بينهم السادة شيرزاد زكريا محمد عمر، وتسليطه الضوء على ثورة المرحوم القائد ملا مصطفى البرزاني، وتلتها مادة الباحث شيركو كرمانج، المثمرة، وخاصة في قضية الهوية الكردستانية، وإشكاليات العلاقة بين الكرد والعرب، وعملية ترسيم حدود كردستان في الجزء الجنوبي، وفي الواقع أغلبية المواد التي قدمت من قبل الإخوة الباحثين والكتاب الكرد من جنوب كردستان وكانوا كما أعتقد 13 محاضراً، أو غربه وكانوا أربعة، كانت مثمرة، ولا نستبعد بأنها جاءت على غير ما توقعه السادة المشرفون على المركز العربي، وبالتأكيد كانت صدمة للمؤرخين والسياسيين العروبيين الذين شاركوا في الحوارات…
يتبع…
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
[1]