نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم -3- أسلاف الكورد: الأورارتيون والنايريون والكاردوخيون والإيلاميون
د. مهدي كاكه يي
خلدي – أورارتو
تأسست دولة أورارتو في بلاد النايريين (منطقة بحيرة وان) في أوائل القرن التاسع قبل الميلاد وذلك بعد إتحاد أمراء النايريين و الهوريين. إن حدود مملكة أورارتو في وقتٍ ما كانت تمتد من الشمال الى بحيرة كوكجة والكسندرپور في القوقاس ومن الجنوب الى راوندوز ومنابع نهر الزاب ومن الغرب الى نهر الفرات ومن الشرق الى بحيرة أورميه. كما أنهم حكموا أيضاً غرب كوردستان الحالي لفترة من الزمن. كانت مدينة توسپاسي (وان) عاصمة بلاد الخلديين ويُعتقد بأن ملك الخلديين، ساردوريس الأول قام ببناء هذه المدينة في سنة 840 قبل الميلاد (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 66). الملك الخلدي (إسپونيس) أحلّ اللغة الخلدية محل اللغة الآشورية التي كانت لغة التحرير والآداب الى ذلك الوقت في مملكة أورارتو. إستمرت مملكة أورارتو الى عام 625 قبل الميلاد، حيث بعد ذلك أصبحت في حماية الميديين ردحاً من الزمن الى أن تم القضاء عليها عند قيام ثورة العشائر الكوردية الگوتية في عام 585 قبل الميلاد بعد إستيلاء الأرمن عليها والذين كانوا يقطنون في غربي بلاد الخلديين (مصدر رقم 1).
كان الأورارتيون بارعين في تنظيم الشؤون الإدارية (مصدر رقم 2) وفي العمران و بناء المدن والسدود، حيث لا تزال آثار القنوات والجداول المائية التي أقامها الأورارتيون قائمة الى الآن، مثل قناة ماء شميران التي تم حفرها لجلب المياه الى السواحل الشرقية لبحيرة وان (كويندولين لايك: معجم عمارة الشرق الأدنى القديم. ترجمة غسان طه ياسين وكمال نادر، بيروت، 2003، صفحة 204).
نايري – نيري
ظهر الكورد بهذا الإسم كمملكة في القرن العاشر قبل الميلاد ومن المرجح أن هذه العشيرة كانت تؤلف قسماً من أقسام السوباريين والگوتيين وبعد ذلك تغلبوا على الأقسام الأخرى من هذين الشعبَين وحلّ إسم نايري محل الإسمَين سوبارو و گوتي وأصبح النايريين يمثلون الشعب الكوردي بأكمله (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 70، 71، 101). كانت بلاد النايري تمتد من الحوض الأوسط لنهر الزاب الكبير الى منابع هذا النهر وكانت ولايات آمد (ديار بكر) وخربوت ودرسيم و جبال بدليس و طوروس من ضمن بلاد النايريين (ميجر سون: رحلة متنكرة الى بلاد ما بين النهرين وكوردستان، لندن، 1912). يضيف الميجر سون في كتابه المذكور بأن الشعب النايري إمتزج بالشعب الميدي و تألفت منهما الأمة الكوردية، حيث عاش الشعب الكوردوئی في هذه المنطقة في عام 401 قبل الميلاد في أواخر عهد الحكومة الأخمينية التي تأسست بعد إنقراض الحكومة الميدية. إن العشائر الحالية التي تقطن في منطقة نيري (نهري) بمقاطعة شمدينان تنتمي الى الشعب النايري (فلاديمير مينورسكي: الكرد وكردستان. موسوعة الإسلام، دائرة المعارف الإسلامية، القاهرة، 1929). كما أن المستشرق تورودانجين يذكر بأن منطقة نايري أو هوبشكيا هي وادي بوتان و تم تأسيس حكومة نايرية مستقلة في القسم الشرقي من بلاد النايريين (تورودانجين: رابطة الغزوة الثامنة من غزوات الملك سرجون، باريس، 1912).
كان هذا الشعب على جانب عظيم من الشجاعة والكثرة والقوة و كان مصدر تهديد دائم لمملكة آشور، حيث أن الملك الآشوري تيجلات پليسر الأول حارب جيوش 23 ملكاً نايرياً (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 101).
كاردخوي
الشعب الكاردوخي هو من بقايا الشعب الگوتي القديم، فاتح بلاد سومر وأكد، حيث أن الإسم كاردوخي هو الإسم المُحرّف من الإسم گوتي، فأن هذا الإسم تغيّر مع مرور الوقت حتى أصبح كوتي وكورتي في عهد الملك الآشوري توكولتي - نيراري. دراسات وأبحاث المستشرق درايڤر تُشير الى أن الإسمَين كورتي وكاردا اللذين كانا شائعَين في عهد ملك لگش آراد - نانار وغيرهما من الأسماء المتشابهة، هي أسماء الشعب الكوردي الحالي في مختلف العصور (ج. ر. درايڤر: الكورد في المصادر القديمة، ترجمة فؤاد حمه خورشيد، بغداد، 1986). يذكر العلامة محمد أمين زكي بأن المؤرخ سپايزر يشير في كتابه التاريخ العام للمؤرخين بأن أسماء الأعلام هي عرضة للتعديل من قِبل شعوب أخرى، حيث يذكر على سبيل المثال بأن الشعب الهوري كان له تسع أسماء مختلفة وهي: هورليلي، هورلاس، هورلو، هوري، كورهوروهي، هورووهي، هاري، موري، هوريت، وكان للشعب الميتاني إسمَين مختلفَين هما ميتاني وميتلاني (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 74، 75).
الإيلاميون
يذكر العالم (هينتز) بأن الإيلاميين ينتمون الى القبائل الگوتية الكوردية و التي هي من أقوام جبال زاگروس التي كانت الموطن الأصلي لأسلاف الكورد {والتر هينتس: دنياي گمشدهي ايلام. ترجمي فيروز فيروزنيا. انتشارات علمي وفرهنگي، 1376 هجري (باللغة الفارسية)}. هاجر الإيلاميون من جبال زاگروس الى منطقة الأهواز، حيث السهول الخصبة، وإستقروا هناك وإكتشفوا الزراعة وإنتاج المواد الغذائية، حيث إستطاعوا بناء إمبرطورية كبيرة وقوية ذات حضارة متقدمة قبل حوالي 5000 عام. في عام 4200 قبل الميلاد، بنى الإيلاميون مدينة سوسة على نهر كارون على ارض زراعية خصبة محاطة بعدد من القرى الزراعية وتم بناؤها على قاعدة أرضية كبيرة من الطابوق وكانت مركزاً لهم، وكذلك مركزاً لتجارة بلاد ما بين النهرين.
من خلال الحفريات التي قام بها فريق أمريكي لعلماء الآثار بقيادة الدكتور (زامبز)، إكتشف الفريق خلالها آثار مدينة إنشان أو إنزان الإيلامية والتي كانت تعد مركزاً لإحدى الأقاليم الاساسية لبلاد إيلام {پير آميه: تاريخ ايلام. ترجمهي شيرين بياني، انتشارات دانشگاه تهران، 1372 هجرية (باللغة الفارسية)}. وُجد إسم إيلام لأول مرة على إحدى الرقع السومرية حيث يُذكر ان ملك السومريين (انمباركسي) قد غنم في حروبه مع الإيلاميين الكثير من الاسلحة والغنائم {جورج كمرون: ايران در سپيدهدم تاريخ. ترجمهي حسن انوشه، انتشارات علمي و فرهنگي، 1365 هجرية (باللغة الفارسية).
يمكن تقسيم الفترات الزمنية التي مرت بها الدولة الإيلامية إلى ثلاث فترات أو عصور. الفترة الأولى تبدأ قبل التاريخ (8 الآف سنة ق. م. الى سنة 2225 ق. م.). عاصرت هذه الفترة السومريين والأكديين ويُخُتتم هذا العصر بإنقراض الدولة السومرية والأكدية على يد الإيلاميين. لقد تم ذكر فتوحاتهم في التوراة في الباب الرابع من سفر بيدايش (الآيات 1، 5، 9، 17) وأن إسم ملك إيلام (كدر أومر) مذكور أيضاً في التوراة. الفترة الثانية هي فترة معاصرة الإيلاميين للبابليين التي إمتدت من سنة 2225 ق.م. الى سنة 745 ق.م. أما الفترة الثالثة فهي فترة معاصرة الإيلاميين للآشوريين التي بدأت من سنة 745 ق.م. وإنتهت في سنة 645 ق.م.، حيث تم إنقراض الدولة الإيلامية على يد آشور بانيبال سنة 645 ق.م.
عندما كانت مملكة إيلام في أوج قوتها، كانت تضم اجزاءً من بلاد ما بين النهرين وغرب إيران الحالية، حيث كانت حدود الدولة الإيلامية تمتد من أصفهان شرقاً وضفاف نهر دجلة غرباً والخليج جنوباً والطريق الموصل بين بابل وهمدان شمالاً. في زمن الملك كوير نهونته تمكن الإيلاميون من الإستيلاء على بلاد سومر و بابل لفترة من الزمن وإنهاء حكم الكيشيين ونصب إبن الملك كوير نهونته ملكاً على بابل، والذي تم في عهده نقل أجزاء من مسلة حمورابي إلى مدينة سوسه (شوش).
حضارة إيلام هي من أقدم الحضارات البشرية والتي بُنيت في خوزستان و إيلام الحاليتَين بالإضافة إلى محافظتَي واسط وميسان الحاليتَين. يذكر عالم الأثار پوتس، أنه نتيجة رُقي الحضارة الإيلامية، فأن جوانب عديدة من حياة الامبراطورية الأخمينية، مثل شكل الألبسة وكيفية إدارة الدولة، قد تأثرت بالحضارة الإيلامية، لدرجة أن الأخمينيين إستخدموا الأبجدية الإيلامية (مصدر رقم 3). تشير التنقيبات الأثرية التي أُجريت في إقليم خوزستان، الى أن الدولة الإيلامية كانت لها حضارة متقدمة خلال الألف الثالث قبل الميلاد.
قام ملوك إيلام ببناء معابد لآلهتهم في مدينة شوش ومن أهمها زيكورات وجغازنبيل في خوزستان وقد تم العثور على قطع أثرية كثيرة فيها، مثل الأواني الملونة والتحف اليدوية التي كانت مدفونة في القبور قرب قاعدة المدينة وأن تنوع هذه القطع الأثرية وتعدد المصادر الشخصية لصناعتها، يشير الى أن عدداً كبيراً من الفنانين كانوا يعيشون في مدينة شوش. في حوالي 3400 قبل الميلاد، تمت صناعة الخزف و السيراميك والأختام الإسطوانية والتماثيل في مدينتَي جوغاميش وسوسة، و التي هي مشابهة لتلك التي عثر عليها في جنوب العراق (محمد بيومي مهران: دراسات في تاريخ الشرق الادنى القديم. الجزء 10، 2012).
كشفت أعمال التنقيب في مدينة سوسة عن مساكن لمجتمعات زراعية وأواني وأدوات مصنوعة من الفخار المستخدمة لأغراض عديدة. بعض هذه الأواني كانت ملونة وبعضها الآخر مُحلّى بأعمال الزخرفة. كما تم إكتشاف لوحات طينية في مدينة سوسة تحمل سجلات مكتوبة بكتابة تصويرية {والتر هينتس: دنياي گمشدهي ايلام. ترجمهي فيروز فيروزنيا. انتشارات علمي و فرهنگي، 1376 هجري (باللغة الفارسية)}.
كانت اللغة الإيلامية تُسمى لغة (اليافتي) وكانت لغة التحادث، الا انه مع ظهور الأبجدية، اصبحت اللغة والأبجدية الإيلامية أكثر تطوراً. تعلًم الإيلاميون الكتابة من السومريين الذين هم من أسلاف الكورد أيضاً. كان الإيلاميون من عبدة الطبيعة، وخاصة الشمس، بينما كان الآشوريون والبابليون من عبدة الأصنام.
كان نظام الحكم في الإمبرطورية الإيلامية نظاماً فيدرالياً ومراكز المدن الكبرى كانت تُدار من قِبل حكومات مستقلة، إلا أن الحكومة المركزية كانت تقوم بإخضاع الحكومات المحلية لسيطرتها عندما تكون قوية.
المصادر الأجنبية
1. Bury, J.B (1925). The Cambridge ancient history. The Assyrian Empire, S.A. Cooke. Volume: 111, London.
2. Saggs, H.W.F. (1975). The Assyrian,The people of Old Testment,Oxford, p.160.
3. Potts, D.T. (2012) A Companion to the Archaeology of the Ancient Near - Elam: Iran's First Empire, Volume 2, Part 6, Chapter thirty-nine, Blackwell Reference Online.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]