نبذة تأريخية عن #الكورد والآشوريين# و العلاقة بينهم -4- أسلاف الكورد: السومريون
د. مهدي كاكه يي
في البداية أود أن أقول بأن الهدف من نشر هذه السلسلة من المقالات هو ليس التعمّق في التاريخ الكوردي القديم، بل هو للتعريف بالتاريخ الكوردي العريق. في الحقيقة قررتُ كتابة هذه المقالات لسببَين رئيسيين: الأول هو تزويد القارئات و القراء بمعلومات بسيطة عن التاريخ الكوردي القديم، حيث أن هناك الكثير من الناس الذين لم يطّلعوا على التاريخ الكوردي القديم بسبب التعتيم و التشويه و الإلغاء الذي تعرّض له هذا التاريخ و السبب الثاني هو المحاولات البائسة لمحتلي كوردستان و جهات أخرى لتشويه التاريخ الكوردي و الإدعاء بأن الوجود الكوردي في كوردستان هو وجود حديث تم منذ قرون قليلة ولذلك فكرتُ بكتابة نبذة مختصرة عن التاريخ الكوردي العريق بصورة موضوعية و مهنية لكشف كذب ودجل هؤلاء. نظراً للإهتمام الكبير بالتاريخ الكوردي القديم من قِبل القارئات و القراء من خلال إقبالهم الواسع على متابعة وقراءة هذه السلسلة من المقالات و إستجابةً لرغبة بعض القارئات و القراء، فأنني بدءً من هذا المقال سأقوم بالتوسّع قليلاً في سرد التاريخ الكوردي القديم.
جميع المؤرخين وعلماء الآثار و الباحثين يتفقون على أن السومريين كانوا من الأقوام غير السامية. يذكر الدكتور طه باقر في مقدمة كتاب من ألواح سومر للمؤرخ صمويل كريمر (Samuel Noah Kramer) الذي قام بترجمته الى اللغة العربية في صفحة 8 ما يلي: وجلّ ما يمكن قوله بهذا الصدد أن مَن نُسمّيهم بالسومريين في تاريخ وادي الرافدَين، كانوا قوماً ليسوا من الأقوام السامية (الأقوام السامية هي تلك الأقوام التي تكلمتْ بإحدى اللغات السامية كالأكدية والبابلية في العراق والأمورية والكنعانية والآرامية والعبرانية في ربوع الشام والجزيرة العربية)، بل أن لغتهم هي من اللغات غير السامية.
يستطرد المؤرخ طه باقر في حديثه بأن الباحث الإيرلندي هنكس يقول بأن الخط المسماري أوجده قوم غير ساميين، بل أن هذا القوم سبق البابليين الساميين في إستيطان وادي الرافدَين. نشر الباحث الإنكليزي الشهير هنري رولنسون بحثاً في عام 1855 في مجلة الجمعية الآسيوية الملكية يذكر فيه بأنه إكتشف كتابةً جديدةً بلُغةٍ غير سامية وجدها مدوّنة في الآجر وفي ألواح الطين في بعض المواقع القديمة في بلاد ما بين النهرَين مثل نفر ولارسا والوركاء. في عام 1856، ذكر الباحث الإيرلندي هنكس بأن هذه اللغة الجديدة هي من نوع اللغات الإلتصاقية وفي عام 1869 أطلق الباحث الفرنسي أوبرت Oppert على هذه اللغة الجديدة اللغة السومرية لأول مرة.
بدأ العصر الذي سبق العهد السومري على هيئة حضارة قروية زراعية أدخلها الإيرانيون الى جنوب العراق من الشرق (صمويل كريمر: من ألواح سومر، ترجمة الدكتور طه باقر، مكتبة المثنى، بغداد ومؤسسة الخانجي بالقاهرة، 1970، صفحة 356). هذا القول يؤكده المؤرخ البروفيسور سبايزر Speisere في صفحة 99 من كتابه المعنون شعوب ما بين النهرين، حيث يقول بأن العناصر الگوتية (أسلاف الكورد) كانت موجودة في جنوب العراق قبل تأسيس سومر وأسسوا بلاد سومر فيما بعد وشكلوا الحكومات فيها (لاحظ المصدر باللغة الإنكليزية في نهاية المقال).
يذكر كل من الدكتور طه باقر والدكتور عامر سليمان بأنه عند هجرة الأكاديين الى شمال وادي الرافدين (جنوب كوردستان الحالي) في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، كان السومريون و السوباريون يعيشون هناك وكانت المنطقة تُسمى بسوبارتو. يضيف المؤرخان المذكوران بأنه جاء ذكر السوباريين في النصوص المسمارية منذ عصر فجر السلالات (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 120، 476؛ عامر سليمان: العراق في التاريخ القديم، الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1992، صفحة 119). من هنا نرى أن الموطن الأصلي للسومريين هو كوردستان وأنهم من أقوام جبال زاگروس التي هي الموطن الأصلي للكورد و أن السومريين هاجروا من كوردستان الى جنوب بلاد ما بين النهرَين وبنوا حضارة راقية هناك.
يذكر المؤرخ الدكتور بهنام أبو الصوف في إطروحته التي نال عليها شهادة الدكتوراه من جامعة كامبرج البريطانية في عام 1966، بأن السومريين لم يأتوا من خارج بلاد ما بين النهرَين، بل كانوا في منطقة سوبارتو وأن هذا الشعب في زمنٍ ما إنتقل الى الجنوب ونقل معه حضارته. ما يدعم كلام المؤرخ بهنام أبو الصوف هو أن إنشاء حضارة زراعية متطورة و إختراع الكتابة من قِبل السومريين، يدلّان على أنهم كانوا يمتلكون أسس حضارية قبل إنتقالهم الى جنوب بلاد ما بين النهرَين. هذا يدل على أن السومريين كانوا جزءً من أسلاف الكورد الزاگروسيين الذين إنتقلوا من كوردستان الى جنوب العراق الحالي، حيث أنّ أسلاف الكورد الزاگروسيين هم أول مَن قاموا ببناء الحضارة البشرية في المنطقة وأن باكورة الحضارة ظهرت على أرض كوردستان.
يعتقد بعض المؤرخين بأن السوباريين والسومريين ينتمون الى أصل واحد وأنهم مرتبطون مع البعض بصلة القرابة أو على الأقل أنهما كانا يعيشان معاً في شمال بلاد ما بين النهرَين قبل إنتقال السومريين الى جنوب بلاد ما بين النَهرَين وإستقرارهم هناك (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198). يذكر الدكتور نعيم فرح في كتابه المذكور أيضاً بأن السومريين و السوباريين ينحدرون من الگوتيين (أسلاف الكورد) الذين كان موطنهم سلسلة جبال زاگروس. تعضيداً لوجود صلة القرابة بين السوباريين والسومريين هو أن أسماء كثير من المدن السومرية لم تكن أسماء سومرية، بل سوبارية، أمثال مدن: أور، أريدو، أوروك، سِپار، لارْسا، لَگَش، و كلمة باتيس – باتيز، التي تعني الملِك وغير ذلك من المفردات المشتركة بين اللغتين، حيث أن الكثير من الكلمات السومرية قد تكون كلمات سوبارية (الدكتور سامي سعيد الأحمد: السومريون وتراثهم الحضاري، منشورات الجمعية التاريخية العراقية، بغداد، 1975).
إن تركيبة اللغة السومرية والكوردية متشابهة، حيث أن كلاهما لغتان إلتصاقيتان، يتم فيهما تركيب كلمات مركبة من كلمتَين أو أكثر من الكلمات البسيطة، على سبيل المثال إسم مدينة أوروك (الوركاء السومرية) التي تقع أطلالها على بُعد ستين كيلومتراً من مدينة السماوة، مؤلف من كلمتين هما (آور) التي تعني (نار) و (گا) تعني (محل) وبجمع الكلمتين في كلمة واحدة يصبح معناها (الموقد). في اللغة الكوردية تُعطي هذه الكلمة المركبة نفس المعنى السومري. من جانبٍ آخر فأن اللغة الكوردية لا تزال تحتفظ بكثير من الكلمات السومرية رغم مرور آلاف السنين على إنقراض اللغة السومرية، لدرجةٍ أن إسم بلاد سومر لا يزال باقياً في اللغة الكوردية و يُعطي نفس المعنى، حيث أن إسم بلاد سومر باللغة السومرية الذي تتم كتابته بالخط المسماري، هو (كي إن جي Ki -en –gi)، الذي يعني البلاد السيدة (عامر سليمان، وأحمد مالك الفِتْيان: محاضرات في التاريخ القديم، 1978، صفحة 25). هذا الإسم في اللغة الكوردية يعني مكان سادة الأرض.
قام السومريون ببناء معابدهم على أماكن مرتفعة شبيهة بالجبل (زَقُورة) ورسموا الأشجار والحيوانات الجبلية كالوعل والماعز على الأختام الأسطوانية التي كانوا يصنعونها (فاضل عبد الواحد علي: من سومر إلى التوراة. سينا للنشر، القاهرة، 1996، صفحة 22؛ سامي سعيد الأحمد: السومريون وتراثهم الحضاري. مطبعة الجامعة، بغداد، 1975، صفحة 42، 82). كل هذا يدلّ على الأصل الجبلي للسومريين، حيث كانت جبال زاگروس الموطن الأصلي لهم. كما أن هناك مشتركات كثيرة في العقائد بين السومريين و الكورد. أكتفي هنا بهذا القدر من الأدلة التي تُثبت بأن الكورد هم أحفاد السومريين، حيث أنني قد إنتهيتُ من كتابة مسودّة لدراسة معمّقة حول علاقة الكورد و السومريين و التي سأنشرها قريباً.
يقول الدكتور طه باقر في مقدمته لكتاب صمويل كريمر و الذي ترجمه الى العربية، بأن السومريين على ماهو مجمع عليه، المؤسسون الأوائل لمقومات الحضارة والعمران ومنهم إقتبس الساميون في بلاد ما بين النهرين أصول حضارتهم ولا يقتصر تراثهم الثقافي بكونه أساس حضارة وادي الرافدَين، بل أنهم أثرّوا في جميع شعوب الشرق الأدنى و يتجلى ذلك في مجالات عديدة، حيث أن السومريين كانوا أول مَن أوجد و طوّر الكتابة التي عُرفت بعدئذٍ بالخط المسماري وهو الخط الذي إقتبسه معظم شعوب الشرق الأدنى القديم (صمويل كريمر: من ألواح سومر، ترجمة الدكتور طه باقر، مكتبة المثنى، بغداد ومؤسسة الخانجي بالقاهرة، 1970، صفحة 9-13).
تميّز السومريون بالإبداع في الحضارة المادية كأسس العمارة والفنون و النظم الإجتماعية والسياسية والى غير ذلك من مقومات الحضارة التي أثرّت بشكل كبير في تقدم شعوب الشرق الأدنى. كما أن السومريين أوجدوا آراءً و تصورات و أفكاراً في الديانة و في المجالات الروحية و العقلية الأخرى، وأن الكثير منها دخلَ الى معتقدات الديانة اليهودية والمسيحية وإنتقل الكثير منها الى الحضارة الحديثة. أنتج السومريون نتاجاً أدبياَ أصيلاً الذي كان معظمه شعراً و كان تأثيره عميقاً في الأقوام القديمة وإستمر تأثيره الى الحضارة الحاضرة.
إبتكر السومريون الكتابة في جنوب بلاد ما بين النهرَين في حوالي عام 3000 قبل الميلاد وبذلك بدأ عصر التدوين الذي من خلاله إستطاع الباحثون الإطلاع على الحضارة السومرية والحضارات التي تلت هذه الحضارة.
أهم الأعمال التي قام بها السومريون هي إختراعهم للكتابة والأرقام وإبتكارهم للمدن. السومريون هم أول مَن إخترعوا الكتابة والأرقام والتي أخذتها الأقوام الأخرى منهم، حيث أننا لو تصفحنا الكتب الغربية التي تدرس تأريخ تطور اللغات والأرقام في العالم، لنرى أنها تذكر ذلك وتؤكد عليه. السومريون بنوا حضارة متقدمة، حيث طوروا الزراعة والري وإخترعوا المحراث والدولاب والعربة ومخرطة الخزف والقارب الشراعي والبرمشمة واللحام والدهان وصياغة الذهب والترصيع بالأحجار الكريمة وعمارة القرميد العادي والمشوي وإنشاء الصروح وإستعمال الذهب والفضة في تقويم السلع وإبتكروا العقود التجارية ونظام الإئتمان ووضعوا كتب القوانين، وهم أول من إبتكروا الطابوق كوحدة معمارية مصنعة بدل الحجر.
يُحدّثنا التأريخ أيضاً بأن السومريين تمسكوا بالحق والعدالة والحرية الشخصية وكرهوا الظلم والعنف، حيث وضعوا القوانين لتنظيم حياتهم على ضوء هذه المبادئ الإنسانية.
برع السومريون في علوم الموسيقى، حيث أن التنقيبات الأثرية في مدفن زوجة ملك أور، الملكة شبعاد، التي قام بها علماء الآثار البريطانيون في عام 1918، قادت الى العثور على مجموعة من العازفين مع 11 قيثارة، إضافة لقيثارة كبيرة مكونة من 30 وتراً وهي القيثارة السومرية. الحضارات اللاحقة قد أخذت معظم العلوم ومنها الموسيقى من الزقورات (أماكن العبادة)، (زقورة أور وزقورة دوركاريكالزو) الواقعة غرب بغداد وكانت زقورات وادي الرافدين قُبلة لأنظار الناس ومنها إستلهم المصريون أهراماتهم وهياكلهم الأولى (ب. ليرخ: دراسات حول الأكراد وأسلافهم الخالديين الشماليين. ترجمة الدكتور عبدي حاجي، 1992).
Speisere, Ephraim A. (1930). Mesopotamian Origins. The basic population of the Near East. Philadelphia, USA.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]