نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (11) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون 6. ملوك مملكة ميتاني (القسم الأول)
د. مهدي كاكه يي
هناك معلومات قليلة عن ملوك المملكة الميتانية و المعلومات المتوفرة عنهم مستقاة في الغالب من المعاهدات و التحالفات التي أقاموها مع المصريين والحثيين والآشوريين، بالإضافة الى الحروب التي قاموا بها والتطورات الداخلية التي حصلت لِمملكة ميتاني ولِممالك المنطقة. لذلك هناك حاجةٍ للقيام بمزيدٍ من التنقيب عن الآثار الميتانية و مزيد من البحث والدراسة للحصول على معلومات دقيقة ووافية عن الملوك الميتانيين. تم إجراء تدقيق وتحليل وتقييم للمعلومات القليلة المتوفرة عن ملوك الإمبراطورية الميتانية وعلى ضوء هذا التدقيق والتحليل والتقييم، تمّ إختيار المعلومات الأكثر قرباً للصواب في هذه الحلقة والحلقة القادمة واللتين تتناولان ملوك مملكة ميتاني. كما أود أن أذكر بأن غالبية المعلومات المذكورة في هذه الحلقة والحلقة القادمة، هي معلومات مستندة على كتابَي (Trevor Bryce) المذكورَين في نهاية هذا المقال.
كيرتا (Kirta)
هو مؤسس مملكة ميتاني وقد يكون عاش في حوالي عام 1500 قبل الميلاد، إلا أنه لحد الآن لم يتم إكتشاف أي نقوشات تعود الى فترة حكم هذا الملك.
شوتارنا الأول (Shuttarna I)
وُجد إسمه في نقشٍ في (ألالاخ) الذي مذكور فيه بأنه إبن الملك الميتاني (كيرتا) وهذا هو المصدر الوحيد المكتشَف عن هذا الملك في الوقت الحاضر. بدأ حكمه في بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
باراتارنا (Barattarna) أو (پارشاتار Parshatatar)
حكَم هذا الملك في حدود عام 1447 قبل الميلاد. لم يتم العثور على أي نقشٍ يعود للملك (باراتارنا) نفسه، إلا أن هذا الملك معروف من خلال إحدى اللوحات المسمارية التي تم العثور عليها في مدينة نوزي التي يعود تأريخها الى وقت وفاة الملك (باراتارنا) وحرق جثته. هناك معلومات أخرى عن هذا الملك في نقشٍ يعود للملك (إدريمي Idrimi) ملك مملكة ألالاخ (Alalakh) والذي يتضمن أسماء أشخاص. كان (إدريمي Idrimi) تابعاً للملك (باراتارنا). في عهد هذا الملك، قد تكون مملكة ميتاني تمتد الى مدينة (أرابخا Arrapha) من جهة الشرق. إسم هذا الملك غير مذكور في المصادر المصرية والذي حاربَ الفرعون المصري (تُحتموس الثالث Thutmose III) في القرن 15 قبل الميلاد. لا يُعرف فيما لو أن الإسم (پارشاتار Parsha(ta)tar)، الذي وجِد في نقشٍ آخر في مدينة نوزي هو نفس الملك (باراتارنا) أو أنه ملك آخر.
خلال حكم (تحتموس الثالث)، عبرت القوات المصرية نهر الفرات ووصلت الى وسط مملكة ميتاني. في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في مدينة (ميگيدو Megiddo) الواقعة حالياً في شمال إسرائيل، خاض (تحتموس الثالث) قتالاً ضد تحالف مؤلف من 330 أمراء ميتانيين وزعماء قبائل ميتانية تحت قيادة حاكم مدينة (كاديش Kadesh)، حيث بعثت مملكة ميتاني بدورها بقوات لمحاربة هذا التحالف الميتاني. لا يُعرف فيما لو أن إرسال مملكة ميتاني قواتٍ لمحاربة أمراء ورؤساء القبائل الميتانية، قد تمً بسبب وجود معاهدات كانت قائمة بين مملكة ميتاني و مصر الفرعونية، أو كان ناتجاً عن التهديد الذي كان الأمراء الميتانيون وزعماء العشائر الميتانية يُشكلونه لمملكة ميتاني بالإضافة الى مصر. إنتصار المصريين في هذه المعركة فتح الطريق أمامهم بإتجاه الشمال.
في العام 33 من حُكمه، أشعل (تحتموس الثالث) من جديد حرباً في مملكة ميتاني. عبر الجيش المصري نهر الفرات عند مدينة (كَرْكَميش Carchemish) (تقع في غرب كوردستان عند الضفة الغربية لنهر الفرات، شمال شرق مدينة حلب وعلى بُعد 100 كيلومتر منها) ووصل الى مدينة (Iryn) التي قد تكون مدينة (Erin) الحالية الواقعة على بُعد 20 كيلومتر شمال شرق مدينة حلب. وصل الجيش المصري عن طريق نهر الفرات الى (إيمار Emar) (Meskene) (تقع في محافظة حلب) ثم رجع الى مصرعبر مملكة ميتاني.
يبدو أن صيد الفيل كان مهماً آنذاك لدرجة أنه تم تسجيل مطاردة الفيلة في بحيرة (Nija) في سجلات مصر الفرعونية. التحركات العسكرية المصرية لم تؤدِ الى إحتلال دائم لمناطق ميتانية، بإستثناء ذلك أن منطقة (فينيقية Phoenicia)عند نهر العاصي تم إحتلالها من قِبل مصر.
إنتصارات المصريين على مملكة ميتاني مسجّلة في سجلات الحملات العسكرية المصرية في (نوهاشي Nuhashshe) (القسم الأوسط من سوريا الحالية)، إلا أن هذه الحملات لم تؤدِ الى مكاسب إقليمية دائمة. الملك الميتاني (باراتارنا) أو إبنه (شاوشتاتار Shaushtatar) كان يسيطر على المناطق الداخلية لشمال مملكة ميتاني الى مدينة (Nuhashshe) والمناطق الساحلية الممتدة من دويلة (كيزوواتنا Kizzuwatna ) الى مدينة (ألالاخ Alalakh) عاصمة مملكة (Mukish) الواقعة عند مصب نهر العاصي. عاد (إدريمي Idrimi) ملك (ألالاخ) من منفاه في مصر وإستطاع الجلوس على العرش بموافقة الملك الميتاني (باراتارنا)، حيث أصبح يحكم كلاً من مملكة (موكيش Mukish) و (أماؤو Ama'u)، بينما بقت مدينة حلب تابعة لمملكة ميتاني.
شاوشتاتار (Shaushtatar)
هو إبن الملك (باراتارنا). عندما كان والده في الحكم، عيّن والده أشخاصاً تابعين لمملكة ميتاني، ملوكاً لعدد من ممالك المدن وهذا العمل قام بتسهيل الأمر للملك (شاوشتاتار) ليجعل من مملكة ميتاني مملكةً قويةً في بلاد ما بين النهرين. في عهده، إجتاز هذا الملك التهديد الذي كانت مصر تُشكله لها، وبدأ بالإهتمام بمملكة آشور، حيث قام بغزو آشور وسلبها ونهبها (مصدر رقم 1).
بعد غزوه لآشور، توجّه جيشه نحو الغرب، حيث عبر نهر الفرات وعلى طول الطريق وضعَ جميع ممالك غرب كوردستان تحت حُكمه ووصل جيشه الى ساحل البحر الأبيض المتوسط. كان يتطلع الى توسيع نفوذ مملكة ميتاني في الجنوب والوصول الى فلسطين، إلا أنه مع ذلك فأن الكثير من جنوب سوريا الحالية كان لا يزال تحت النفوذ المصري والتي كانت تُشكّل تهديداً لمملكة ميتاني.
الحرب مع مصر كانت من نتائج التوسع الذي قام به الملك (شاوشتاتار) للوصول الى فلسطين. على الرغم من أن الخوريين كانوا آنذاك يُشكلون نسبة كبيرة من نفوس فلسطين، إلا أن كان من الصعب على الميتانيين أن ينتصروا في الحرب على مصر. خلال التخطيط للقيام بِحربٍ ضد مصر، ماتَ الملك (شاوشتاتار) وخلّفه في الحكم إبنه (أرتاتاما الأول Artatama I) الذي بدأ التفاوض مع الفرعون المصري (أمنحوتب الثاني Amenhotep II) لعقد تحالف بينهما (مصدر رقم 1).
نهبَ الملك الميتاني (شاوشتاتار) العاصمة الآشورية، آشور في عهد الملك الآشوري (Nur-ili) (1466 – 1454 قبل الميلاد) وأخذ الأبواب الفضية و الذهبية للقصر الملكي الآشوري الى العاصمة الميتانية (واشوكاني Washshukanni). تم الحصول على هذه المعلومات من وثيقة حثية تتضمن معاهدة تم إبرامها بين الملك الحثي (سوپيليليوما Suppililiuma) والملك الميتاني (شاشاتيوازا Shattiwaza). بعد نهب آشور، من المرجح أن مملكة آشور دفعت جزية لمملكة ميتاني الى أن جاء الملك الآشوري (إريبا-أداد الأول Eriba-Adad I) (1390 - 1366 قبل الميلاد) الى الحكم. لا توجد أي إشارة لدفع الجزية للميتانيين في سجلات ملوك الآشوريين، وبالتالي فمن المحتمل ان آشور كانت تحكمها سلالة آشورية أصلية لها الولاء للملك (شاوشتاتار). خلال فترة تبعية آشور للميتانيين، تم بناء معبد (Sin) و (Shamash) في آشور.
كان كل من دولة حلب في الغرب و دولة نوزي و أرابخا (Arrapha) في الشرق، جزءً من مملكة ميتاني خلال حُكم الملك (شاوشتاتار) (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 62). تم إجراء الحفريات في قصر ولي العهد، حاكم (أرابخا)، و تم فيه إكتشاف رسالة من الملك الميتاني (شاوشتاتار) في بيت (Shilwe-Teshup). كان ختْمُهُ يحتوي على صور لأبطالٍ و مخلوقات مجنحة تقاتل أُسوداً وحيوانات أخرى وكذلك شمس مُجنّحة. هذا النمط مع العديد من الرسومات الموزعة في المنطقة بأكملها هي من النمط الخوري النموذجي. تم العثور في (ألالاخ) على ختمٌ ثانٍ عائد للملك (شوتارنا الأول) إلا أنه مستخدَمٌ من قِبل الملك (شوشتاتار). الختم يُظهر نمطاً آشورياً – أكدياً تقليدياً بشكل واضح. التفوق العسكري الميتاني قد يكون بسبب إستخدامِهم عربات حربية ذات عجلتَين تسحبها خيول. خلال حُكم الفرعون المصري (أمنحوتب الثاني Amenhotep II)، يبدو أن الميتانيين إستعادوا النفوذ في منطقة وسط وادي نهر العاصي التي كانت قد إحتلها (تُحتموس الثالث Thutmose III). حاربَ (أمنحوتب) الميتانيين في سوريا الحالية، إلا أنه لم يصل الى نهر الفرات.
أرتاتاما الأول (Artatama I)
كان (أرتاتاما الأول) ملكاً لمملكة ميتاني في أواخر القرن الخامس عشر قبل الميلاد وتزامن حكمه مع حُكم كل من الفرعون المصري (أمنحوتب الثاني) و(تحتموس الرابع) (مصدر 2). هناك معلومات قليلة عن هذا الملك، حيث لم يُعثر الى يومنا هذا على نقوش عائدة له. يتم ذكر الملك (أرتاتاما الأول) في رسائل تل العمارنة بأنه أبرمَ تحالفاً مع الفرعون المصري (تحتموس الرابع). تبعاً للتفسيرات الحديثة للمصادر النادرة المتوفرة، فأن هذا الملك جاء الى الحكم عندما أصبحت مملكة ميتاني ضعيفة من جرّاء الغزو الحثي لها (مصدر 3، صفحة 144). في ذلك الوقت كانت مملكة ميتاني تواجه مخاطر الحرب على جبهتَين، الحثيين في الشمال ومصر في الجنوب. لمواجهة هذه المخاطر، قدّم الملك (أرتاتاما) عرضاً لفرعون مصر (أمنحوتب الثاني) بتقسيم الأراضي المتنازع عليها في سوريا الحالية سلمياً (مصدر 3، صفحة 144). كان بالإمكان أن يتطور الحل السلمي للنزاع القديم بين مملكة ميتاني و مصر الفرعونية، الى تحالفٍ سياسي وعسكري بين المملكتَين، إلا أن المصريين شكّكوا في نوايا الميتانيين ولم يستجيبوا لسنوات للدعوات السلمية التي أطلقها الملك الميتاني (أرتاتاما) (مصدر 3، صفحة 144-145). في عهد الفرعون (تحتموس الرابع)، طلب هذا الفرعون الزواج من إبنة الملك (أرتاتاما)، إلا أن الملك الميتاني رفض هذا الطلب لأسباب غير معروفة (مصدر 3، صفحة 145). الفرعون المصري المذكور طلب الزواج من إبنة الملك الميتاني المذكور سبع مرات الى أن وافق الملك الميتاني (أرتاتاما) في نهاية المطاف على تزويج إبنته من الفرعون (تحتموس الرابع) (مصدر 3، صفحة 145). هذا يعني بأن الملك (أرتاتاما) هو والد الملكة (موتيمويا Mutemwiya) التي كانت الزوجة الرئيسة للفرعون (تحتموس الرابع) وكذلك فأن الملك الميتاني (أرتاتاما) هو جدّ الفرعون (أمنحتوب الثالث) من أمّه.
بعد ذلك تحسنت العلاقات بين الميتانيين والمصريين وقام الملك الميتاني (شوتارنا الثاني) بزيارة مصر، حيث تم تبادل الرسائل والهدايا بين قادة المملكتَين. كانت مملكة ميتاني مهتمة بالحصول على الذهب من مصر. هذه العلاقة الودية قادت الى المصاهرات بين الطرفَين والتي تم الحديث عنها في الحلقة السابقة. عندما تمرّض الفرعون المصري (أمنحتوب الثالث Amenhotep III)، بعث الملك الميتاني الى هذا الفرعون تمثال آلهة نينوى (شاوشكا Shaushka)، التي إشتهرت بعلاج المرضى. كانت هناك حدود دولية ثابتة بين مملكة ميتاني ومصر والتي كانت تقع بالقرب من (قَطنا Qatna) الواقعة على نهر العاصي وكانت (أوگاريت Ugarit) جزءً من الأراضي المصرية.
إن سبب سعي مملكة ميتاني للسلام مع مصر قد يكون بسبب مشاكلها مع الحثيين، حيث قام الملك الحثي (تودهاليا Tudhaliya) بحملات عسكرية ضد (كيزوواتنا Kizzuwatna) و (ارزاوا Arzawa) و (إيشوا Ishuwa) و حلب و ربما ضد مملكة ميتاني نفسها أيضاً. قد تكون (كيزوواتنا) وقعت تحت الإحتلال الحثي في ذلك الوقت.
شوتارنا الثاني (Shuttarna II)
كان (شوتارنا الثاني) ملكاً لمملكة ميتاني في أوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد. (شوتارنا الثاني) هو إبن الملك الميتاني العظيم (أرتاتاما). كان حليفاً للفرعون المصري (أمنحتوب الثالث)، حيث أن النشاطات الدبلوماسية للملوك مسجّلة بشكل مختصر في رسائل العمارنة. في العام العاشر لحُكمه، تزوج الفرعون (أمنحتوب الثالث) إبنة الملك الميتاني (شوتارنا الثاني) وكان إسمها (گيلوهيپا Gilu-Hepa) وهذا الزواج عزز التحالف والعلاقات بين العائلة الملكية الميتانية والفرعونية. دفع الفرعون (أمنحتوب الثالث) مهراً كبيراً لهذا الزواج.
بلغت قوة وإزدهار مملكة ميتاني أوجّها في عهد هذا الملك. من مدينة (ألالاخ) من الغرب، كانت تشترك مملكة ميتاني في الحدود مع مصر في غرب كوردستان الحالي وكان نهر العاصي يفصل الدولتين عن بعضهما البعض. كان مركز المملكة يقع في حوض نهر الخابور، حيث تقع العاصمة (واشوكاني). في عهد هذا الملك كانت آشور و (أرابخا) في الشرق ممالكاً تابعة لمملكة ميتاني. حاول الحثيون غزو الأقسام الشمالية من مملكة ميتاني، إلا أنه تمت هزيمتهم من قِبل الملك الميتاني (شوتارنا). بعد وفاة هذا الملك، خلّفه في الحكم إبنه (أرتاشومارا) في ظروفٍ مُلتبسة.
أرتاشومارا (Artashumara)
جاء (أرتاشومارا) الى الحكم في القرن الرابع عشر قبل الميلاد بعد وفاة والده (شوتارنا الثاني). حُكمه لم يدم طويلاً، حيث بعد جلوسه على العرش بفترة قصيرة، تمّ قتله من قِبل المُعتمَد (أُدهي أو أُتهي or Uthi UD-hi). لا يُعرف شيئاً عن التطورات التي تلت القتل هذا. بعد موت (أرتاشومارا)، تسلّم الحكم أخوه توشراتا (Tushratta).
تجنّباً للإطالة، نكتفي في هذه الحلقة بهذا القدر من المعلومات عن عددٍ من الملوك الميتانيين وسنتحدث في الحلقة القادمة (الحلقة 12) عن القسم المتبقي من ملوك الإمبراطورية الميتانية.
1. Bryce, Trevor (2003). Letters of the Great Kings of the Ancient Near East.
2. Mitanni. Encyclopædia Britannica Online. 9 June 2008.
3. Bryce, Trevor (2005). The kingdom of the Hittites. Oxford University Press. ISBN 0-19-927908-X.
mahdi_kakei@hotmail.com
[1]