نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (17) – أسلاف الكورد: الميديون
د. مهدي كاكه يي
1. تسمية الميديين
تمهيد
نتيجة إفتقار الشعب الكوردي لِكيان سياسي منذ سقوط الإمبراطورية الميدية الى الآن بسبب إحتلال وطنه، كوردستان، فأن التاريخ الكوردي قد تعرض للإلغاء والتعتيم والسرقة والتزييف والتحوير من قِبل محتلي كوردستان. إن كوردستان هي مهد الحضارات وأنها تزخر بِمعالم آثارية كثيرة تعود لأسلاف الكورد، إلا أن قسماً منها تم إتلافه من قِبل محتلو كوردستان لِطمس التاريخ الكوردي والحضارة الكوردستانية، وقسم آخر مُهمَل ومتروك في مواقعه، كما أنه لابد أن تكون هناك آثار كثيرة تحتفظ بها أرض كوردستان والتي لا تزال غير مُكتشَفة، تنتظر تحرر كوردستان ليقوم الكوردستانيون بِمسحٍ عام للمناطق الأثرية، للعثور على آثار حضارة أسلافهم العظام. هكذا نرى أن هناك معلومات قليلة عن الإمبراطورية الميدية، بالرغم من أنها كانت إمبراطورية كبيرة وقوية دامت لِحوالي 150 سنة و إستطاعت، بالتحالف مع البابليين، إسقاط الإمبراطورية الآشورية. لهذا السبب إختفت سجلات ومدوّنات هذه الإمبراطورية العظيمة و لا يمكن التعرّف على تاريخ وحضارة الشعب الميدي من خلال مصادر عائدة له. هناك معلومات قليلة عن الشعب الميدي ودولته في المصادر الآشورية والأرمنية والفارسية وعن طريق بعض اليونانيين، من أمثال قائد المرتزقة العشرة آلاف، (زينوفون) والرحالة المؤرخ (هيرودوت) والطبيب المؤرخ (كتسياس).
أطلق شعوب المنطقة على الميديين أسماء مختلفة، حيث كان إسم (الميديين) باللغة الإيلامية الحديثة (ماتا- په Mata- pe)، وباللغة الأكدية (ماداي Madai)، وباللغة الآشورية (ماداي Medai) و (أماداي Amadai) و (ماتاي Matai)، وباللغة اليونانية القديمة (مادوي/ميدوي Madoi/Medoi)، وباللغة العبرية القديمة (ماداي Madai)، وباللغة الفارسية القديمة (مادا Mada)، وباللغة الفارسية الحديثة (مادي Madi)، وباللغة الأرمنية القديمة (مار-ك Mar-k)، وباللغة الفرثية (مات Mat)، وباللغة اليونانية {ميديا Μηδία (Midia)}، وباللغة الإنكليزية (ميد Mede) وباللغة الكوردية (ماد أو ميدي Mad/ Mîdî).
يقول المؤرخ اليوناني (هيرودوتس Herodotus)، بأنه تم ذكر الشعب الميدي بهذا الإسم في نصوص قديمة كثيرة، حيث أنه في العهود الغابرة في القِدم، كان يُطلق إسم (آريين) على الميديين من قِبل جميع الناس، إلا أنه بعد مجئ إمرأة بإسم ميديا من أثينا الى الميديين، غيّر سكان المنطقة إسمهم من (آريين) الى (ميديين) (مصدر a). (ميديا كانت إمرأة في المعتقدات الدينية اليونانية و كانت من سكان ميديا). كانت هذه الإمرأة إبنة آيتيس Aeetes ملك منطقة القوقاز وإبنة أخ (سيرس Circe) وحفيدة إلهة الشمس (هيليوس Helios) والزوجة الجديدة للبطل (جاسون Jason) واللذان خلّفا معاً طفلَين، هما (ماميروس Mermeros) و (فيريس Pheres).
يرى (دياكونوفDiakonoff ) بأن هناك تقارب في المعنى بين كلمة (أمادي) أو (ماداي) وكلمتَي (مارودي) و(أمارودي)، حيث يقول بأن كلاً من كلمة (ماردوي) و(أماردوي) باليونانية القديمة، و(مارتا) في كتاب زرادشت المقدس (آڤێستا الوسطى)، تعني (المحارب) أو (المقاتل) أو (المتمرّد) أو (المتمرّد الجبلي) (مصدر b)، بينما يقول (Tavernier) بأن كلمة (مادا) و(ماسا) تعني (عظيم أو كبير) (مصدر c).
يشير (أرشاك سافرستيانArshak Safrastian ) الى أن بعض النصوص السومرية المعجمية التي نُشرت من قِبل الأستاذ ( Chirac. E)، تشير الى أن كلمة (Media) مرادفة لعبارة (الأرض) أو (البلد) مثل (مادا- گوتيام) أي (أرض الگوتيين)، إلا أن البابليين الذين كانوا متأثرين بالأدب السومري، أغفلوا المعنى الأصلي للكلمة، وإعتبروها إسماً لمنطقة أو شعب دون تحديد موقع هذه المنطقة أو هذا الشعب (مصدر 1). عندما تمّ إطلاق إسم (الميديين) على هذا الشعب القاطن في سلسلة جبال زا گروس، نقل (هيرودوتس) الإسم الى اليونانيين، ومنهم إنتقل بعد ذلك الى المصادر الأورپية كإسم لسلف الشعب الكوردي الحالي. رغم أنه كان يُطلق أسماء مثل (Mahi, Masi, Mada) على الشعب الميدي، إلا أن هذه الأسماء لها نفس المعنى أو ذات معاني متقاربة.
من جهة أخرى يذكر الباحثان (Skalmowski) و (Van Tongerloo) بأنه تم أخذ المصدر الأصلي للأسماء المختلفة التي تُطلق على الشعب الميدي و على لغته ووطنه، من الكلمة الهندوأوروپية القديمة (مادا Mãda)، حيث أن هذه الكلمة مرتبطة بالكلمة الهندأوروپية القديمة Med(h) التي تعني (مركز أو الواقع في الوسط) إستناداً الى الكلمة الهندية القديمة (Madhya) والكلمة الإيرانية القديمة (Maidiia) اللتين لهما نفس المعنى و تنتميان الى سلالات لغوية، منها الكلمة اللاتينية (Medium) و اليونانية (mėso) و الألمانية (Mittel)(مصدر d).
من المرجح أن الميديين كانوا يسمّون أنفسهم ب(Masa) الذي يعني باللغة الميدية (كبير، نبيل) (مصدر c). في اللغة السومرية كلمة (Massu) تعني (قائد) وكلمة Mes)) تعني (بطل) و في اللغة اللوڤية كلمة (Masana) تعني (إله) و كلمة (Mashani) تعني (تكبير أو تعظيم) و في لغة الآڤيستا كلمة (Masan) تعني (عظيم) و في اللغة الكوردية الحديثة كلمة (مەس، مەزن) تعني (كبير أو عظيم) أيضاً. هنا نرى تواصل لغات أسلاف الكورد مع بعضها وإحتفاظ أحفادهم الكورد بِلُغة أسلافهم رغم الفاصل الزمني الطويل بينهم.
عندما إحتل العرب كوردستان، تم إطلاق إسم (ماهات) على مركز السلطة الميدية من قِبل العرب، حيث أن (ماه) هو إسم الميديين (مصدر e) وأن اللاحقة (ات) هي لاحقة الجمع في اللغة العربية. يذكر (البلاذري) بأنه عند إحتلال كوردستان من قِبل العرب في العهد الإسلامي، تم تقسيم قسم من المناطق المحتلة لكوردستان الى عدة أقسام، حيث أن الضرائب (الجزية) المأخوذة من كل منطقة، كانت تُرسَل الى المسلمين الساكنين في منطقة محددة (مصدر 2). لذلك كان العرب يطلقون إسم (ماه الكوفة) على مدينة (دینەوەر) وأطرافها لأن الجزية المأخوذة من سكان مدينة (دینەوەر) وتوابعها كانت توزع على السكان المسلمين الجدد الساكنين في مدينة الكوفة. كذلك لنفس السبب تم إطلاق إسم (ماه البصرة) على مدينة (نَهاوند)، حيث كانت الجزية المستحصلة من سكان (نهاوند) كانت تُعطى لسكان مدينة البصرة الذين أصبحوا مسلمين بعد الإحتلال العربي الإسلامي. هكذا تم تقسيم مركز بلاد ميديا من قِبل المحتلين العرب الى (ماه الكوفة) و (ماه البصرة).
يتبين مما سبق بأن الميديين كانوا يسمّون أنفسهم (Masa)، بينما يُشار إلى إسمهم في السجلات التابعة للملك الساساني (أردَشير پاپەگان) المكتوبة باللغة الپهلوية بإسم (Masi). حرف (س) الميدي يصبح حرف (ھ) في اللغة الپهلوية، إلا أنه يبدو أن الساسانيين قد إستعملوا الإسم الميدي المستّخدَم من قِبل الميديين أنفسهم. كذلك يتحول حرف (س) السومرية والكوردية الى حرف (ھ) في اللغة الپهلوية. على سبيل المثال، الكلمة الكوردية (ماسي) التي تعني (سمكة) تصبح (Mahig) في اللغة الپهلوية والكلمة الكوردية (آسن) التي تعني (حديد) تصبح في اللغة الپهلوية (Ahan آهَن).
هكذا فأنه يُشار الى (بلاد الميديين) بإسم (ماه) في المصادر الإسلامية حتى القرن الثاني عشر الميلادي و أن العرب قاموا بجمع كلمة (ماه) و بذلك جعلوها (ماهات). إن الإسم (ماه) هو كلمة پهلوية وأن العرب أخذوا هذا الإسم من اللغة الپهلوية للإشارة الى بلاد الميديين (ميديا)، حيث أنه عند الإحتلال العربي الإسلامي للمنطقة كانت لا تزال النصوص المكتوبة باللغة الپهلوية سائدة في المنطقة و كانت اللغة الپهلوية تُستعمَل كلُغة الكتابة فيها (مصدر 3، 4)، لذلك قد يكون سكان المنطقة لم يستعملوا نفس الإسم الپهلوي ل(ميديا) في أحاديثهم اليومية، إلا أنه نتيجة إستخدام اللغة الپهلوية في الكتابة آنذاك، فأن الإسم الپهلوي ل(ميديا) تم إستعماله من قِبل العرب المحتلين. من الجدير بالذكر أن كلمة (Masa) السومرية والكوردية التي تعني (عظيم) وكانت إسم (الميديين)، تصبح في اللغة الپهلوية (Meh) وهذا يعضد التحليل المذكور أعلاه المتعلق بإسم بلاد ميديا (مصدر 5).
المصادر
1. أرشاك سافرستيان (1948). الكورد وكوردستان. مطبعة هارفيل، لندن ، صفحة 16.
2. البلاذري (2010). فتوح البلدان، صفحة 375.
3. كێو موكريانی (1961). فەرهەنگي مەهاباد. چاپي يەكەمين، هەولێر، چابخانەى كوردستان.
4. محمد مەردوخي كوردستانی (1991). مێژووی كورد و كوردستان. ترجمة السيد عبدالكريم محمد سعيد، مطبعة أسعد، بغداد.
5. سۆران حەمەڕەش (2013). كورد كێیە؟ مێژووی كورد و ڕەچەڵەكی زمانەكەی لە سەرەتای شارستانییەوە هەتاوەكو سەدەی دەیەمی زاینی. چاپی یەكەم، لەندەن، YPS-Publishing، ، لاپەڕە 11، پهراوێزی 4).
a. Rawlinson, George, Rawlinson, Henry and Wilkison, J. C. (1861). The History of Herodotus. New York, D. Appleton & Company 443 & 445 Broadway.
b. Diakonoff, I. M. (1985). The Cambridge History of Iran: Media, Cambridge University Press, Cambridge.
c. Tavernier, Jan (2007), Iranica in the Achaemenid Period (ca. 550-330 B.C.): Linguistic Study of Old Iranian Proper Names and Loanwords, Attested in Non-Iranian Texts, Peeters Publishers, ISBN 90-429-1833-0, page 558.
d. W. Skalmowski and A. van Tongerloo eds., Medioiranica (Orientalia Lovaniensia Analecta 48), Louvain, 1993, pp. 29-44.
e. Browne, Edward G. (1919). A literary history of Persia: A literary history of Persia from the earliest times until Firdawsi. T. Fisher Unwin Ltd, London, page 19.
[1]