نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (22) – أسلاف الكورد: الميديون
د. مهدي كاكه يي
توحيد القبائل والإمارات الميدية
قام الملك الآشوري (سرجون) بِحملات عسكرية وحروب كثيرة خلال حكمه، وكانت بلاد ميديا هي البلاد الأكثر تعرضاً لهذه الحملات الحربية، حيث قام الميديون بِإنتفاضات وثورات كثيرة ضد الآشوريين. بسبب هذه الثورات، خلال أو بعد حُكم الملك الميدي (دياكو) بقليل، قام الملك الآشوري (سرجون) بِجلب سكان من مدينة السامرة الفلسطينية وقام بتوطينهم في المدن الميدية ضمن سياسة التهجير والإستيطان التي إتبعها الآشوريون ضد البلدان والمناطق الثائرة.
تزامن إستيلاء الملك الآشوري (سرجون) على المدن الميدية مع قضائه على مملكة إسرائيل وإسقاط عاصمتها (السامرة) في سنة 721 قبل الميلاد1، حيث أنه في سنة 715 و713 قبل الميلاد تم إخضاع الميديين لِحُكم الملك الآشوري (سرجون) وصولاً الى مناطق أبعد من جبل (بيكني Bikni).
على الرغم من قيام الإمارات الميدية بالثورات المتكررة ضد الحكم الآشوري، إلا أن الميديين إضطروا أن يدفعوا الجزية لمملكة آشور خلال حكم خلفاء الملك الآشوري سرجون، كلاً من سنحاريب وأسرحدون وآشور بانيبال، كلما سار هؤلاء الملوك بِجيوشهم الشرسة الى ميديا. كانت هناك حصون آشورية موجودة في منطقة ميديا (جبال زاگروس) في وقت حملة أسرحدون (حوالي سنة 676 قبل الميلاد) مثل بيت پارناكي Bit-Parnakki) و (بيت كاري Bit-kari) و (هرهر Harhar (كار شاروكين Kar-Sharrukin). لقد تمت محاربة الميدييين من قِبل الملوك الآشوريين (شلمانصر الثالث) (858 - 823 ق.م)، و(شمشي حدَد الخامس) (821 - 811 ق.م)، و(تغلات پلاسر الثالث) (747 - 728 ق.م)، و(سرجون الثاني) (722 - 705 ق.م)، كما حاربهم (أسرحدون) (680 - 669 ق.م) و (آشور بانيپال) (668- 626 ق.م)a.
يذكر المؤرخ اليوناني، هيرودوتس بأن الميديين إختاروا رجلاً كان يتولى منصب العمدة في إحدى القرى الميدية ليكون ملكاً عليهم. كان إسمه (دياكو(Diyaoku إبن (فراورتيس Phraortes)b (حكم من سنة 727 – 675 قبل الميلاد) وكان الإغريق يُسمّونه (ديوكس Deioces) والفرس يسمّونه (كَيْقُباد). تمّ هذا الإختيار نظراً لإشتهار دياكو بالحكمة والحكم العادل عند فصل المنازعات، حيث كانت القبائل الميدية تلجأ إليه لحل مشاكلها الإجتماعية والإقتصادية. وهو أول حاكم ميدي منتخب، حيث كان الميديون ينتخبون ملوكهم.
يذكر الأستاذ (محمد مردوخي كوردستاني) بأن إسم مؤسس المملكة الميدية هو آراماس والمعروف عند اليونانيين بديوكس2. يقول المؤرخ الدكتور جمال رشيد أحمد بأنّ مؤسس المملكة الميدية لم يكن إسمه (دياكو)، بل أنّ (دياكو) كان لقباً رسمياً له وهو إسم مُركّب من كلِمتَين هما (دهيو) التي تعني (إقليم) و في الوقت الحاضر أصبحت هذه الكلمة في اللغة الكوردية (دێ Deh) التي تعني (قرية) والكلمة الثانية (وك أو ەكە) هي لاحقة غدت اليوم من صميم الخاصية الكوردية3. الكلمة العربية (دهاق) هي الصيغة المقاربة كلياً لأصل الكلمة الميدية. كلام الدكتور جمال رشيد أحمد يعضد ما يقوله الأستاذ (محمد مردوخي كوردستاني) بأنّ إسم مؤسس المملكة االميدية هو آراماس.
وضع (دياكو) اللبنة الأولى للدولة الميدية، حيث قام بتوحيد القبائل و الإمارات المحلية الميدية في مملكة موحدة وجعلها شعباً موحداً وتمّ إنتخابه ملكاً لِميديا (حكم من سنة 727 – 675 قبل الميلاد)c. إنشغال الملك الآشوري (سنحاريب) بِحروبه مع البابليين والإيلاميين، ساعد (دياكو) على النجاح في القيام بتوحيد الإمارات والقبائل الميدية وبناء مدينة (إكباتانا) وجعلها عاصمة لِميديا.
يذكر (هيرودتس) بأن (دياكو) إختار (إكباتانا) لتكون عاصمة لمملكته (وهى مدينة همدان الحالية) و تعني ( محل الإجتماع أو ملتقى الطرق)، حيث قام بتحصينها لِمقاومة الغزوات الأجنبية. تم إختيار هذا الموقع لبناء مدينة (إكباتانا) وإتخاذها عاصمة للمملكة الميدية نظراً لأهميته الإستراتيجية، حيث كان يقع على الطريق التجاري العالمي، طريق الحرير، ووقوعه عند سلسلة جبال الوند المنيعة التي تساعد في الدفاع عن المدينة ضد الغزوات الأجنبية، بالإضافة الى جمال وسحر الطبيعة في هذه المنطقة، حيث الجبال والأنهار والشلالات والمصايف الخلابة. تم بناء القصر الملكي في مدينة (إكباتانا) على أراضٍ تبلغ مساحتها أكثر من 1.7 كيلومتر مربعd، والذي كان يحتوي على حوالي 100 غرفة. كان قصراً منيعاً وعلى شكل سبع قلاع. يقع قصر الملك وخزانته في الطابق السابع، في أعلى الأسوار السبعة. تمّ طلاء القصر الملكي والقلاع بألوان زاهية جميلة.
أقام (دياكو) حكماً لامركزياً، حيث أنشأ مملكة ذات نظام فيدرالي وقام بِسن القوانين وإقامة مؤسسات الدولة وتنظيم حياة المواطنين وتنظيم البيت الميدي وبناء جيش موحد ومسلّح، إلا أن ميديا كانت لا تزال تعيش تحت الحكم الآشوري آنذاك. أعلن (دياكو) الثورة على الإمبراطورية الآشورية وأعلن إستقلال مملكته، إلا أن الملك الآشوري (سرجون الثالث) أخمد الثورة الميدية وأسر (دياكو) في سنة 715 قبل الميلاد ونفاه هو وحاشيته إلى مدينة حَماه (Haniah) في سوريا الحالية. تخلص (دياكو) من الأسر بعد فترة وعاد الى ميدياa.
المصادر
1. هاري ساكز (1991). عظمة بابل. ترجمة عامر سليمان، جامعة الموصل، صفحة 135.
2. مەحەمەد مەردۆخی كوردستانى (1991). مێژووی كورد و كوردستان. وەرگێرانی عەبدول كەریم مەحەمەد سەعيد. مطبعة أسعد، بغداد.
3. الدكتور جمال رشيد أحمد (1984). دراسات كردية في بلاد سوبارتو. بغداد، صفحة 39.
المراجع
a. Diakonoff, I. M. Media .In: The Cambridge History of Iran, Vol. 2: 36-148. Cambridge University Press, Cambridge, England, 1985.
b. Herodotus : the history of Herodotus . translated by Harry Carter ( London – 1962) book 1. Chapter 10.1, pages 96-101.
c. Herodotus, with an English translation by A. D. Godley. Cambridge. Harvard University Press. 1920, 1.101.1.
d. Durant, Will and Ariel (1935). THE STORY OF CIVILIZATION. Page 384.
بقايا القصر الملكي في همدان الذي بناه مؤسس المملكة الميدية، دياكو
سهل نيشاي الساحر الذي يحيط بالعاصمة الميدية، إكباتانا
برج ميدي محصّن
[1]