نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (24) – أسلاف الكورد: الميديون
د. مهدي كاكه يي
المملكة الميدية في عهد الملك فراورتيس
بدأ (فراورتيس) حكمه بسياسة التهدئة مع المملكة الآشورية. هذه السياسة ساعدته في زيادة نفوذ الميديين في مناطق الشعوب الآرية، حيث إنضمت شعوب آرية أخرى الى الميديين، من ضمنهم كان الشعب الپارسي الذي تمّ إخضاعه للحكم الميدي، حيث قاد (فراورتيس) حملة عسكرية لإخضاع المملكة الپارسية ونجح في تحقيق ذلك. هكذا إستطاع هذا الملك الميدي أن يوحّد الميديين والفرس وبعض الممالك الصغيرة الأخرى. إنشغال الملك الآشوري (سرجون) بالقتال ضد (الأُورارتيين) و (المانيين) وشن حملات عسكرية مستمرة ضدهم، ساعد الملك (فراورتيس) في بسط حكمه في المنطقة، حيث مكّنت الميديين في التوسّع نحو الغرب وضم الشعوب المذكورة الى مملكتهم الفتية من خلال تلقّي المساعدة من (الكيمريين) وذلك في عام 670 قبل الميلاد. نجح الميديون أيضاً في إقامة جبهة ضد الآشوريين وذلك من خلال التحالف مع المانيين و الكيمريين.
بلغ الملك الميدي (فراورتيس) مكانة مرموقة في عصره، لدرجةٍ أنّ الملك الآشوري (أسرحدون) شرع يخطب ودّه والذي بدء يشعر بِقلق كبير من قيام الدولة الميدية والكيميرية والمانية التي كانت خاضعة لمملكته، بالهجوم على بلاد آشور وخاصةً العاصمة، نينوى. هذا القلق كان يشير الى وصول الدولة الآشورية الى حافة الضعف والإنهيارa.
هذه النجاحات التي أحرزها الميديون عززت قوتهم ودفعتهم الى الإمتناع عن دفع الجزية للآشوريين، التي كانوا مجبَرين على دفعها سنوياً منذ فترة زمنية طويلة و قاموا بتوسيع عملياتهم العسكرية وإقامة الإستعدادات لغزو مملكة آشور. هذه العلاقات المتشنجة بين الميديين والآشوريين سرعان ما قادت الى إندلاع الحرب بين الجانبَين وذلك في سنة 626 قبل الميلاد.
أعدّ الملك (فراورتيس) مع حلفائه المانيين و الإسكيثيين والقبائل الأخرى في كوردستان، جيشاً كبيراً وإتجهوا نحو العاصمة الآشورية، نينوى. عندما وصلوا إلى حدود مدينة نينوى، حاولوا مهاجمة المدينة، إلا أنهم عندما لاحظوا قوة الجيش الآشوري، تراجع حلفاء الميديين نحو الخلف وإنسحبت قواتهم قبل بدأ المعركة، وبقي الجيش الميدي وحيداً في ميدان المعركة، حيث أمر الملك الميدي (فراورتيس) جيشه بالتقدّم والهجوم على نينوى وهو يقودهم في الجبهة الأمامية، فقاموا بالهجوم وبدأت المعركة بين الطرفَين، حيث كان الملك (فراورتيس) أول من بدأ بتوجيه سهام رماحه نحو الجيش الآشوري وقتل أحد قادة الآشوريين. إلتقى الجيشان العظيمان وإنقضّ أحدهما على الاخر بالسيوف والرماح والفؤوس والدرق و سقطت أعداد كبيرة من الجانبَين في ساحة المعركة و فقدوا أرواحهم خلال هذه الحرب.
كاد النصر أن يكون حليف الميديين، لولا هجوم الإسكيثيين على الميديين من الخلف، حيث أن الإسكيثيين أنهوا تحالفهم مع الميديين وإنضموا الى الآشوريين نتيجة منحهم بعض الإمتيازات في المناطق الشمالية والشرقية من قِبل الآشوريينb. في هذه المعركة قُتِل الملك (فراورتيس) وخرج الجيش الآشوري منتصراً فيها.
بالإضافة الى نقض الإسكيثيين لحلفهم مع الميديين وإنضمامهم الى القوات الآشورية، فأنّ سياسة الملك الآشوري (أسرحدون) ودهائه وإمتلاك المملكة الآشورية للخبرات والمهارات العسكرية التي كانت قد إكتسبتها في ميادين القتال والحروب، كل هذه العوامل ساهمت في تمكين الدولة الاشورية التصدي للهجوم الميدي وإفشاله وتحقيق النصر على الملك الميدي (فراورتيس) وقتله.
إستغل الإسكيثيون الهجوم الميدي الفاشل على نينوى والذي تسبّب في إرباك الأوضاع الميدية الداخلية بعد مقتل الملك الميدي (فراورتيس)، فهاجموا بلاد ميديا وقاموا بإحتلالها، حيث بقيت ميديا تحت الإحتلال الإسكيثي لمدة 28 سنة، في الفترة الواقعة بين عامَي 653 و 625 قبل الميلاد1. بعد إحتلال ميديا، توجه الإسكيثيون الى الغرب وبمساعدة الكيميريين، نشروا الدمار والخراب في الأقاليم التابعة لآشور2. حكم (فراورتيس) 22 سنة. بعد موته، خلفه إبنه (كي أخسار Cyaxares كَي خاسرَو).
المصادر
1. طه باقر وآخران (1980). تاريخ إيران القديم. بغداد، صفحة 39 - 40.
2. المصدر السابق، صفحة 40.
المراجع
a. Will Durant and Ariel Durant (1993). The Story of Civilization. Book 1, part 2, page 204.
b. Hall, H. R. (1919). The Ancient History Near East. Fourth Edition, London, page 446.
[1]