نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (25) – أسلاف الكورد: الميديون.. الهجوم الميدي – البابلي على الإمبراطورية الآشورية
د. مهدي كاكه يي
بعد إبرام التحالف الميدي - البابلي والإستعدادات العسكرية ، هاجم الميديون بلاد آشور في أواخر عام 614 قبل الميلاد، حيث أنهم في البداية إتجهوا نحو شرقي دجلة، فهجموا على منطقة ارابخا (كركوك) وسيطروا عليها، وإتخذوا هذه المدينة الإستراتيجية قاعدة لإنطلاق أعمالهم الحربية. توجهت القوات الميدية نحو بلاد آشور، قاصدةً مدينة آشور، العاصمة القديمة للآشوريين. في العام التالي أي في عام 613 قبل الميلاد، هاجموا قلب بلاد آشور، حيث تمكنوا من الإستيلاء على مدينة تربيص (شريف خال الحالية الواقعة قرب قرية الرشيدية الى الغرب من نينوى على نهر دجلة)1 التي كانت مركزاً إدارياً مهماً للآشوريين في شمال بلاد ما بين النهرَين، إلا أن الإسكيثيين وقفوا ضد القوات الميدية ومنعوها من الإستيلاء على المدينة المذكورة ولذلك فشل (كَيخَسرَو) في بادئ الأمر من الإستيلاء على مدينة آشور. أعاد الميديون الكرّة في الهجوم على مدينة آشور، حيث إنتقلوا عبر نهر دجلة فإنحدروا مع تياره نزولاً الى مدينة آشور التي حاصروها ثم إستطاعوا الإستيلاء عليها2. قام الميديون بِهدم أسوار مدينة آشور ونهب وتخريب المدينة وقتل أعداد كبيرة من الآشوريين وأسر الكثير منهم وقاموا بِأخذ الأسرى الآشوريين الى ميديا، كما هو مدوّن في النص البابلي الآتي: (في شهر تشرين الثاني، نزل الميديون الى مقاطعة عرفة وقاموا بالهجوم على مدينة ...السنة الثانية عشرة في شهر آب عندما قام الميديون ... بإتجاه نينوى ... وبسرعة إستولوا على مدينة تربيص في مقاطعة نينوى ... وإنحدروا مع التيار (من الشمال الى الجنوب) بمحاذاة دجلة وأقاموا معسكراً قبالة آشور وشنوا هجوماً ضد المدينة (وإستولوا عليها) وقد هدموا سور المدينة وألحقوا بها هزيمة مروعة وذبحوا السكان وأخذوا الغنائم و إقتادوا الأسرى ...)a.
لقد تمّ العثور على الكثير من الدلائل المادية في أطلال مدينة آشور التي تشير الى الخراب الحاصل للمدينة، إلا انه لم يُعثر إلا على القليل من ركام حريق ودلائل أخرى تشير الى الإنهيار في أحد مواقع السد الجنوبي، حيث تجمعت فيه الكثير من رؤوس السهام والمشابك البرونزية التي تشير الى حدوث قتال عنيف عند بوابة كريكوري. كما أنه تمّ العثور كذلك على كتل من خشب الأرز المحترق على الأرضية التي تعود الى سقف البوابة وهذه قد تكون دليلاً مادياً لإحتراق البوابة بعد إقتحام المدينة من قِبل الميديين. فيما يتعلق بالقبور الملكية، فقد تمّ تحطيمها تماماً وتمّ كسر النقوش وتحطيم المعبد الكبير لإله مدينة آشور ونهب وثائقهb. الحجرية الكبيرة المرتبة
يلاحظ من النصوص الملكية للملك نبوبولاصر ( 828- 805 قبل الميلاد)، أن هذا الملك لم يشترك بالهجوم على بلاد آشور، إلا انه إلتحق بالملك الميدي الذي كان مرتبطاً معه بِحلف والذي بموجبه خرج (نبو بولاصر) من تبعية الدولة الآشورية، ومع ذلك فأن الملك البابلي (نبو بولاصر) وصل متأخراً وقام بِعقد إتفاق جديد.
تأخر الملك البابلي نبوبلاصر مع جيشه بشكل متعمد في تقديم المساعدة للميديين من خلال المشاركة في حربهم ضد الدولة الآشورية، ويمكن أن يكون سبب تأخر نبوبلاصر في مساعدة الميديين هو أن مدينة آشور القديمة ومعابدها كانت مقدسة من قِبل البابليين، لذلك لم يرغب أن يقوم بنفسه بتدنيس المقدسات الآشورية، و في نفس الوقت كان الملك نبوبلاصر غير قادر على وقف الزحف الميدي على آشور وإنقاذ الإله الآشوري من الموت. هذا ما يوضحه النص البابلي التالي: (... هب ملك أكد وجيشه لمساعدة (الميديين)، لكنه لم يأت في الوقت المناسب للمعركة، إذ كانت المدينة محتلة، إلتقى ملك أكد و(كَيخَسرَو) (اوماكشتار) أمام المدينة وتمّ عقد تحالف بينهما وأقاما صداقة جيدة ... عاد (كَيخَسرَو) وجيشه الى بلاده وعاد ملك أكد وجيشه الى بلاده ...) a. عند خرائب مدينة آشور التي إنبعث منها الدخان، إلتقى البابليون مع الميديين في شهر آب/أغسطس سنة 614 قبل الميلاد، وعقد نبوبلاصر والملك الميدي (كَيخَسرَو) معاهدة تحالف فيما بينهم والتي تمّ توطيدها بزواج الأمير (نبوخذنصر) إبن نبوبلاصر بالأميرة الميدية أوميد (اميتيس) إبنة الملك الميدي (كَيخَسرَو)3. (حدائق بابل المعلقة) الشهيرة، تمّ بناؤها لهذه الأميرة الميدية من قِبل زوجها نبوخذنصر، لِخلق أجواء جبلية لها.
أراد الملك الميدي (كَيخَسرَو) أن يكون الإستيلاء على مدينة آشور وما ينجم عنه، لِصالح
الميديين فقط، الا أن الطرفين الميدي والبابلي دخلا في حلف سياسي مبني على مصالح مشتركة. أول هجوم مشترك وناجح للكلدانيين والبابليين، كان على مدينة (دور شروكين) (خرسباد) التي كانت المدينة المقدسة عند الاشوريين .
في سنة 612 قبل الميلاد، أمر الملك (كَيخَسرَو) جيشه بالتقدم الى مكان مذكور في النص، إلا أن إسم المكان غير واضح بسبب التلف الذي تعرّض له النص. من المحتمل أن يكون هذا المكان هو مدينة نينوى، حيث عقد الجانبان البابلي والميدي معاهدة ثانية والتي بموجبها تم تأسيس حلف بينهما. تُطلِق الوثيقة البابلية على الملك الميدي إسم (ملك أُومّان مانْدا) والتي تعني باللغة الأكدية (القوة المُرعِبة) 4.
في طريقها الى نينوى، قام جيوش التحالف الميدي - البابلي بِعبور نهر دجلة، حيث تقع مدينة نينوى وعسكرت الجيوش أمامها لِمدة ثلاثة أشهر. من أجل شل مقاومة الآشوريين، قامت الجيوش المهاجمة على نينوى بِفتح نهر (الخوصر) الذي هو أحد روافد نهر دجلة وأحدثوا بذلك فيضاناً إتجه نحو مدينة نينوى. كان لهذا العمل تأثير كبير في فتح الثغرات في الجبهة الآشورية والذي ساعد القوات الميدية – البابلية المشتركة في الدخول الى العاصمة الآشورية، نينوى ومقتل الملك الآشوري (سين شار أشكن) والقيام بِنهب المدينة وذلك في 8 آب/أغسطس سنة 612.
المصادر
1. ساكز، هاري (1979). عظمة بابل. ترجمة عامر سلمان, الموصل، صفحة 165.
2. سليمان, عامر (1969). نتائج حفريات جامعة الموصل في أسوار نينوى. آداب الرافدين: 1، صفحة 54.
3. أندريه، فالتر (2003). آشور تنهض من جديد. دراسة الطالب أنور شكري محمود لنيل الدبلوم العالي، جامعة بغداد، كلية اللغات صفحة 57-58.
4. رو، جورج (1986). العراق القديم. ترجمة حسين علوان، مراجعة فاضل عبد الواحد علي، بغداد، صفحة 504.
المراجع
a. Openheim, A, Leo. Babylonian and Assyrian Historical. ANET, p. 304 .
b. Reqde, Julian (2003). Why did the medesInvaale Assyria? History of Ancient Near East. Monoyraphs, V., Padava, p.152.
[1]