نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (33) – أسلاف الكورد: الميديون .. ميديا بعد سقوط إمبراطوريتها (1)
د. مهدي كاكه يي
يذكر المؤرخ (حسن پيرنيا) بأن العشائر الكوردوخية (الكوردية) إحتفظت بإستقلالها في جميع أدوار التاريخ، حيث أنها كانت مستقلة في عهد الحكومات الكيانية والمكدونية والأشكانية والعربية والتركية1.
تمّ ذكر الكوردوخيين في كتاب (أناباسيس Anabasis) لمؤلفه المؤرخ والفيلسوف والقائد اليوناني (زينفون Xenophon) (430 – 355 قبل الميلاد)a. يذكر (زينفون) في كتابه المذكور بأنه في سنة 401 قبل الميلاد أي بعد سقوط الإمبراطورية الميدية ب(49) سنة، نشب صراع بين الملِك (أردشير الثاني) وأخيه (كورش)، فإستعان كورش بِجيش من مرتزقة يونانيين وإندلعت المعارك بين الجانبَين المتخاصِمَين في موقعة (كونكاس) شمال غرب بابل، حيث لقى (كورش) مصرعه في هذه المعركة. كان يتوجب على الجيش اليوناني بقيادة (زينفون) أن يعود التقهقري إلى بلاد الإغريق عبر أرمينيا2. سلك المرتزقة اليونانيون مجرى نهر الفرات، متجهين نحو منبعه. عبر المرتزقة اليونانيون جبال كوردستان وأرمينيا، متّجهين نحو البحر الأسود. إستغرق عبورهم لِجبال كوردستان سبعة أيام والذي واجهوا خلالها الأهوال، حيث أنهم بعد عبورهم مدينة مسبيلا (مدينة الموصل الحالية) وخرائب نينوى، جوبهوا بمقاومة شديدة من قِبل قوم أشداء يدعون (كوردوخ) {الترجمة الإنكليزية لكتاب (الأناباسيس) يُسميهم (kurds) حيث أن الحرفَين (و) و (خ) في نهاية كلمة (كوردوخ) هما لاحقة الجمع في اللغة اليونانية القديمة، ففي حالة المفرد تصبح الكلمة (كوردوس) أي (الكورد) في اللغة اليونانية الحديثة}. كانت بلاد (الكوردوخ) تمتد آنذاك من مدينة (تبريز) إلى مدينة آمد (ديار بكر) وإلى جنوب بحيرة وان. تكبّد الإغريق في معركتهم خسائر بشرية جسيمة إلى ان وصلوا إلى أرمينيا، أكثر مما ألحقه بهم الملِك الأخميني (أردشير الثاني). يذكر (زينفون) تفاصيل مهمة عن الكوردوخ وكيف أنه سمع من جنوده ان هؤلاء قوم شرسون وقد كبّدوا جيشاً فارسيا تعداده مائة ألف جندي خسائر فادحة حينما حاول هذا الجيش مهاجمة معاقلهم الجبلية وكيف أن هذا الجيش قد أُبيد عن بكرة أبيه. كما أنّه يذكر بأنّ تضاريس بلادهم جبلية وأنهم غير خاضعين لأية دولة أجنبية3.
يرى المؤرخ الإغريقي (تيودورس) أنه من الأفضل إبقاء الكورد في معاقلهم الجبليه بدلاً من إحتلال بلادهم لأن ذلك سيسبب للإمبرطوريات والجيوش التي تحتلها خسائر تفوق ما يمكن تحقيقه من مكاسب. كما يذكر الكاتب الأمريكي (جوناثان راندل) بأنّ أستاذ التاريخ القديم في جامعة كولومبيا الأمريكية (ويليام لين ويسترمان William Linn Westermann) أكد قبل نصف قرن أن بإمكان الكورد الإدعاء بأنهم حافظوا على نقاء عرقهم وحافظوا على السمات الرئيسية لثقافتهم لمدة زمنية أطول مما فعله أي شعب يعيش في أورپا اليوم)4.
مملكة آتروپات الميدية
في ظل الحكم الأخميني، تم تقسيم ميديا إلى قسمين: القسم الجنوبي، الذي كان يشمل إكباتانا و (رَي Rhagae)، الذي غالباً ما كان يُطلق عليه ميديا الأصلية أو ميديا العظمى، والذي شكّل الحاكمية الحادية عشرة في ظل نظام حُكم (داريوس)b. مقاطعات (Paricanians) و (Orthocorybantians)، القسم الشمالي، و مقاطعة (Matiane) مع المناطق الجبلية لِزاگروس ومملكة آشور الأصلية (شرق دجلة)، توحدت مع كل من (Alarodians) و (Saspirians) في شرق أرمينيا، وشكّلت الحاكمية الثامنة عشرc.
عندما إضمحلت الإمبراطورية الأخمينية وإستقلت قبيلة (كادوسي Cadusii) وغيرها من القبائل الجبلية، أصبح شرق أرمينيا حاكمية خاصة، بينما إتحدت منطقة آشور مع ميديا ولهذا السبب يطلق (زينفون) دائماً على (آشور) إسم (ميديا) في كتابه (أناباسيس Anabasis).
في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد كان (آترپات) ملِكاً على ميديا الصغرى، حيث أن البلاد تمت تسميتها بإسم آتورپاتكان Atoorpatkan أو آتروپاتينا Atropatena، حسب الكتابة اليونانية القديمة. هذه البلاد هي مقاطعة آذربايجان الحالية في إيران والتي تقع شمال نهر آراس.
المصادر
1. مشير الدولة، حسن پيرنيا (1921). تاريخ ايران القديم، صفحة 321 (باللغة الفارسية).
2. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، صفحة 36 – 37.
3. باسيلي نيكيتين (2007). الكرد – دراسة سوسيولوجية وتاريخية. ترجمة وتحقيق الدكتور نوري طالباني، الطبعة الثالثة، صفحة 47.
4. جوناثان راندل (1997). أمة في شقاق: دروب كردستان كما سلكتها. ترجمة وتحقيق فادي حمود، الطبعة الأولى، دار النهار للنشر ص34.
المراجع
a. Ancient History Sourcebook: Xenophon: Anabasis, or March Up Country.
b. Herodotus. iii. 92.
c. Herodotus. iii. 94; cf. v. 49, 52, VII. 72.
[1]