نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (35) – أسلاف الكورد: الميديون
د. مهدي كاكه يي
ميديا بعد سقوط إمبراطوريتها (3)
عندما توجّه الأسكندر المكدوني الى المنطقة لإسقاط الدولة الفارسية، كان الملك الميدي (آتَرپات) يحكم جزءاً من كوردستان. المصادر التأريخية تذكر بأنه في خريف عام 333 قبل الميلاد، هزم (أسكندر المكدوني) جيشاً ضخماً للملك الفارسي (دارا الثالث) في معركة (إسسوس). هرب (دارا الثالث) الى بابل، وبدأ في جمع جيش جديد. وصل القائد الكوردي (آترپات) إلى بابل مع وحدة عسكرية تم تشكيلها في ميديا. إختار (دارا) قرية كوردية إسمها (گاوگامیلا Gaugamela) الواقعة قرب مدينة أربيل مقراً لجيشه. في 1 تشرين الأول/أكتوبر سنة 332 قبل الميلاد، حدثت معركة كبرى في هذه القرية بين الأخمينيين والمكدونيين والتي حددت مصير آسيا الصغرى عبر قرون عديدة وسُميّت هذه المعركة بإسم هذه القرية. إشتركت ميديا، تحت قيادة الملِك (آترپات) في معركة (گاوگامیلا Gaugamela) التي دارت بين الملِك الأخميني (دارا الثالث) والأسكندر المكدوني. في هذه المعركة، كان (آترپات) قائداً عسكرياً للجناح الأيمن من الجيش الأخميني والذي كان يُشكّل الوحدات العسكرية المهمة جداً في هذا الجيش. شارك الكادوشيون والألبان والسكيثيون الذين كانوا من سكان آذربايجان، مع الميديين تحت قيادة (آترپات) في هذه المعركة. قاد حاكم مقاطعة باكتريا (بيسوس Bessus) الجناح الأيسر من الجيش الأخميني في هذه المعركةa. نتيجة الضغط الذي تعرض له (دارا الثالث) من قِبل (أسكندر المكدوني)، ﻻذ (دارا) بالفرار، وبعد ذلك ﻻذ الجيش الفارسي أيضاً بالفرار. قاتل (آترپات) ومعه الكورد الخيالة (الفرسان) في هذه المعركة و حقق نجاحاً، حيث إستطاع فرسان (آترپات) الوصول الى مؤخرة الجيش المكدوني وقاموا بِنهب أمتعتهم، إلا أن هروب (دارا) حدّد نتيجة المعركة، حيث بقيت قوات (آترپات) تواجه القوات المكدونية لوحدها. بعد إختراق فرسان (آترپات) لمؤخرة الجيش المكدوني، تراجعت القوات الميدية الى عُمق ميديا. كان جيش (آترپات) يتألف أيضاً من الخيالة النسائية (أمازونيات Amazones).
بعد هزيمة الجيش الأخميني أمام الجيش المكدوني، أصبحت الإمبراطورية الأخمينية عاجزة عن الإستمرار في القتال والمقاومة، فهرب الملِك الأخميني (دارا الثالث) الى العاصمة الميدية (إكباتانا) (مدينة همدان الحالية)، حيث أنه أصبح في ضيافة الملِك الميدي (آترپات). حاول (دارا) تشكيل جيش جديد، لكن هذا الجيش لم يكن جاهزاً عندما إقتربت قوات الأسكندر المكدوني من عاصمة الإمبراطورية الأخمينية، (پيرسیپولیس) التي تم تدميرها من قِبل الأسكندر المكدوني في شهر حزيران/يونيو من سنة 330 قبل الميلاد. إضطر الملك الأخميني أن يهرب من مدينة (إكباتانا) الى الشرق. بعد مرور شهر على هروبه، تمّ قتله من قِبل (بيسوس) حاكم مقاطعة باكترياa، b. بعد أن إستطاعت قوات أسكندر المكدوني من دحر قوات (بيسوس) التي كانت متمركزة في باكتريا، إستسلم كبار قادة الفرس والكورد الواحد تلو الآخر لقوات أسكندر. من بين القادة المستسلمين كان الملِك الميدي (آترپات). قام أسكندر بِالإطاحة بِحُكم (آترپات) وإختار رجلاً ميدياً إسمه (أوكسيداتس Oxydates) حاكماً على ميديا، إلا أنه في سنة 328 أو 327 قبل الميلاد، بعد أن شكّ الأسكندر في ولاء (أوكسيداتس) له، تمت إعادة تعيين (آترپات) في منصبه السابق كحاكم لِميديا لأن الأسكندر المكدوني أراد أن يكون هذا النبيل الأصيل الى جانبه.
هكذا أنهت معركة (گاوگامیلا) حُكم الفرس الأخميينين التي دامت حوالي 220 سنة. بقي قسم من كوردستان متمتعاً بإستقلاليته، حيث أن المقاطعة الميدية التي حكمهما (آتَرپات)، إحتفظت بإسمها ك(ميديا الآترپاتية) وحافظت على إستقلالها. في البداية كانت (ميديا الآترپاتية) تحت الحكم اليوناني، إلا أنه بعد فترة قصيرة إستطاع (آتَرپات) أن يستقل بمقاطعته وأصبح ملِكاً لهاc.
بعد النصر الذي أحرزته قوات (أسكندر المكدوني)، إتجهت هذه القوات الى العاصمة الميدية (إكباتانا)، وفي طريقها إحتلت مدينة (أوش كاني). لقد تمّ حرق ونهب عاصمة بلاد فارس (پاسارگادَي Pasargadae). أصبحت مدينة إكباتانا (همدان الحالية) العاصمة للدولة الجديدة.
كانت مدينة (إكباتانا) الجسر الذي يربط بين ميزوپوتاميا والبحر الأبيض المتوسط والحكام الشرقيين، حيث كان الأسكندر المكدوني يخطط للقيام بحملة عسكرية في الشرق ولذلك كان من المهم له أن يكون حاكم ميديا شخصاً يمكن الإعتماد عليه. كان (آترپات) في الواقع شخصاً يمكن الإعتماد عليه. عندما تم قتل (پارمینیون Parmenion) في مدينة (إكباتانا) الذي كان اليد اليمنى للأسكندر المكدوني، تمكن (آترپات) من المحافظة على أمن وإستقرار البلاد. في سنة 324 قبل الميلاد قام (آترپات) بإعتقال رجل متمرد إسمه (بارياكسيس Baryaxes) الذي إدعى بأنه ملك الميديين والفرس وقام بتسليمه الى الأسكندر المكدوني عندما قام بزيارة العاصمة الدينية لبلاد فارس، (پاسارگادَي Pasargadae)1. هذا أدى الى زيادة إحترام وتقدير (الأسكندر) ل(آترپات) بشكل كبير الى درجة أنه بعد وقت قصير تم تزويج جوتاپا (Jotapa)، إبنة الملِك الميدي (آترپات)، من (پيرديكاس Perdiccas) الذي كان أهم جنرال مُقرّب للأسكندر المكدوني والشخص الثاني في المرتبة بعد القيصر في الإمبراطورية المكدونية، حيث تمت إقامة حفلة زواج كبيرة في مدينة (سوسه) في فبراير/ شباط 324 قبل الميلاد. هذا الزواج كان يهدف الى تقوية التحالف المكدوني – الميدي.
المصادر
1. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، صفحة 416.
المراجع.
a. Heckel, Waldemar (2008). Who's Who in the Age of Alexander the Great: 67–73. doi:10.1002/9780470757604.ch2.1waw.
b. Gershevitch, Ilya; William Bayne Fisher; J.A. Boyle The Cambridge History of Iran, Volume 2 Cambridge University Press 1985 ISBN 978-0-521-20091-2 p.449.
c. Gmirkin, Russell E. (2006). Berossus And Genesis, Manetho And Exodus: Hellenistic Histories And the Date of the Pentateuch, T & T Clark International, New York, USA, page 153.
[1]