نقش أبي الفداء الملك المُؤيَّد الايوبي الكوردي على أحد صخور درب الحجّ بين تبوك والعلا
الكاتب: يوسف الأومري
المقدمة: في أثناء البحث عن درب الحجّ الشّاميّ استشهد بوصفٍ لرحلة الحجّ يُعدُّ من أفضل ما وصل إلينا من النّصوص, وكان صاحبُ النّصّ هو ملكَ حماة أَبا الفداء.
وبعد ذلك بفترة (بالمصادفة) وجد نقشًا لهذا الأمير الشّهير على أحد صخور درب الحجّ بين تبوك والعلا ؛ شعور جميل جدًّا، وكأنّ أبا الفداء وضعه لنا لنكتشفه بعد سبعة قرون!
لكنّ دراسة هذا النّقش لم تكن سهلة، فعندما وقف الآثاريين عليه أوّل مرّة لم يتبيّن النّصّ كاملًا، لأنّه أوّلًا كُتِبَ على صخرة صلدة فيها كتابات متشابكة، لكن تبيّن لهم أنّه نقش مهمّ, وبذل المصوّرون جهدهما في رصده قدر المستطاع؛ والسّبب الثّاني لصعوبته أنّه ليس مكتوبًا على سطر واحد، بل تناثرت الكلمات بلا ترتيب واضح.
وقد عالجت الصّوَرَ لاحقًا ببرامج التّحرير، واتّضحت لي معظم ملامح القراءة، وعلمْتُ أنّه نقشٌ للملك المؤيَّد، ولكن بقي لديَّ بعض الشّكّ، فاستعنت بأخِينا د.محمّد شفيق البيطار، فكان كعادته مفتاحًا لإيضاح ما استغلق عليّ، وأيّدني في أنّه للملك المؤيَّد الّذي يُعَدُّ من أبرز أعلام الحضارة الإسلاميّة في جميع عصورها، فهو أمير عادل أديب نثرًا وشعرًا مؤلّف مؤرّخٌ طبيب، واكتشفنا من رحلاته أنّه فارس لا يُشَقُّ له غبار، قطع درب الحجّ في (رَقْمٍ قياسيٍّ) كما سنذكر.
وقد قسمنا بحثنا هذا الى ستة أقسام كما يلي:
1-صورة النقش بعد المعالجة
النص كاملاً: حضر في هذا المكان صاحب حماة الملكي المؤيدي في مهل شهر المحرّم سنة عشرون وسبعماية
2-توزيع كلمات النقش
3-التعليق على النقش:
نلحَظُ أن ّالخطّ غير جيد، والكلمات لم تكن على سطر واحد، وقد يكون السّبب أنّه في الأساس بدأ بقوله: “حضر في هذا المكان”، وهذا استهلال شائع في نقوش العصور الوسطى مثل نقش الأمير ثابت الّذي نشرناه في الحلقة الماضية؛ وزاد من الصعوبة أن هناك نقش مختلف متداخل هو وهذا النّقش نصّه: “الله ثقة عيسى بن أمينسقّا” أي (أمين سقَّا)، وهذا التّداخل جعل تمييز الكلمة أصعب.
قوله “الملكي المويدي“: هذا اللّقب ساعدنا على معرفة الكاتب ، ففي العصر المملوكيّ كان للألقاب التّشريفيّة أهمّيّة عظمى، ولكلّ لقب درجة يسعى إليها المتنافسون، وقد لُقّب أبو الفداء “الملك المؤيَّد”، لقّبه به الملك النّاصر محمَّد بن قلاوون سلطان مصر والشّام؛ قال الصّفديُّ في (الوافي بالوَفَيات): “وتقدَّمَ السُّلْطان الملك النّاصر إلى نُوّابه بأنْ يكتبوا إليه [يقصد الى أبو الفداء] : (يقبِّلُ الأرضَ)، وكان الأمير سيف الدّين تنكز -رحمه الله تعالى- يكتب إليه: (يقبِّلُ الأرضَ بالمقام العالي الشّريف المَوْلَوِيّ السُّلْطانيّ الملكيّ المؤيّديّ العِماديّ)، وفي العنوان (صاحب حماة)، ويكتب السُّلْطان إليه: (أخوه محمّد بن قلاوون، أعزَّ اللهُ أنصارَ المَقام الشّريف العالي السُّلْطانيِّ الملكيِّ المؤيَّديِّ العِماديِّ)، بِلا (مَوْلَوِيّ) “. إذاً هذا اللقب “الملكي المؤيدي” إختص به ابو الفداء الأيوبي صاحب حماة.
ونَلْحَظُ أنّ كاتب النّقش استدرَكَ بعد هذا وكتب في الأعلى “صاحب حماة” ليؤكّد شخصيّته.
ثُمَّ جاء السّطر الأخير، وكان أوضح ممّا قبله، يذكر فيه أنّه كتب هذا النّقش في بداية شهر مُحَرَّم، وهذا يعني أنّه كان راجعًا مِن الحجّ في طريقه إلى حماة؛ والتّاريخ “عشرون وسبعماية” اختلطت فيه الحروف، وهذا ليس بغريب في خطوط ذلك العصر، لكنّ هذه القراءة هي الوحيدة الممكنة.
– 4-حَجّات أبي الفداء كما رواها في كتابه:
من حسن الحظّ أنّ هذا الأمير الأديب قد ترك لنا مذكِّراتٍ شخصيّةً تحوي أهمَّ ما جرى له في حياته، وذلك في كتابه الموسوعيّ في التّاريخ العامّ المشهور (المخْتَصَر في أخبار البَشَر).
الحَجّة الأولى؛ حَجّة الفرض عام 703ﮪ:
قال: “وفيها توجّهنا إلى الحجّاز الشّريف لقضاء حَجّة الفرض، ووجدتُ (سلار) قد حجَّ من جهةِ مصر، وصُحْبَتَهُ عدةٌ كثيرة من الأمراء”، “ووقفنا الاثنين والثّلاثاء للشّكِّ في أوّل الشّهر، وعدنا إلى البلاد، وخرجَتْ هذه السّنة ونحن قد برزنا من مدينة الرّسول صلّى الله عليه وسلم”، “وفيها [سنة 704ﮪ] وصلتُ إلى حماة في يوم السّبت عاشِرَ صفَر، عائدًا من الحجّاز الشّريف، بعد زيارة القدس الشّريف والخليلِ صلواتُ الله عليه وسلامُه”. انتهى
ومن تتبّعنا لمذكِّراته تأكد لنا أنّه لم يحجَّ في موسِمِ 709-710 ﮪ وما بعده.
الحَجّة الثّانية عام 713 للهجرة:
قال: “في هذه السّنة أرسلْتُ طلبْتُ دُستورًا من مولانا السُّلْطان بالتّوجُّه إلى الحجاز الشّريف، فرسَمَ لي بالدُّستور، وجهَّزْتُ شغلي وقدَّمْتُ الهُجْنَ إلى الكَرَك، وجهّزْتُ وَلَدِي والثّقل مع الرَّكْب الشّاميّ، ووصلني من صدقات السُّلْطان ألفُ دينار عَيْنًا برسْمِ النَّفَقَة، ووصلني منه مراسِمُ شريفة بإخراج السّوقيّة من سائر البلاد إلى الرَّكب الحَمَويّ، وأن تسيرَ جِمالي حيثُ شِئْتُ قُدَّامَ المحْملِ السُّلْطانِيّ أو بعدَه، على ما أَراه، فقابَلْتُ هذه الصّدقاتِ بمَزِيدِ الدُّعاء.
وخرجتُ من حَماةَ في يوم الجمعة رابعَ عشَرَ شوّال من هذه السّنة الموافق لأوّل شُباط، وسرْتُ بالخيل إلى الكرَكِ، وركبْتُ الهُجْنَ مِن هناك، ورجعَتِ الخيلُ والبغال إلى حماة، واستصحبْتُ معي ستّة أرؤسٍ من الخيلِ نجائب، وسار في صُحْبَتي عدة مماليكَ بالقِسِيِّ والنُّشّاب، وسبقْتُ الرَّكْبَ إلى مدينةِ النّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.
ووصلْتُ إليها في يوم الجمعة العشرينَ من ذي القعدة، وتمكّنت من الزّيارة خَلْوَةً، وأقمْتُ حتى لحقني الرَّكب، ثُمَّ سبقتُهم ووصلت إلى مكّة في يوم السّبت، خامسَ ذي الحجّة، وأقمْتُ بها، ثُمَّ خرجنا إلى عرفات ووقفنا يوم الأربعاء، ثُمَّ عدنا إلى مِنى وقضينا مناسك الحجّ، ثُمَّ اعتمرْتُ لأنّي حجَجْتُ هذه الحَجّةَ مُفْرِدًا على ما هو المختارُ عند الشّافعيِّ، وكنتُ في الحَجّة الأولى قارِنًا، ثُمَّ عدنا إلى البلاد، وسبقْتُ الحُجّاج من بطنِ مُرّ، وسرْتُ منه يوم الثلاثاء خامسَ عشَرَ ذي الحجّة، الموافقَ لثامِنِ نيسان.
وسرت حتى خرجَتْ هذه السَّنةُ، واستهلَّ المحرَّمُ سنةَ أربع عشرة وسبعمائة وأنا قد عدَّيْتُ تَبُوكَ ووصلْتُ إلى حماةَ حاديَ عَشَرَ المحرَّم سنةَ أربع عشرة، وكان مَسيري من مكّة إلى حماة نحو خمسةٍ وعشرين يومًا، أقمت من ذلك في المدينة وفي العلا وفي بركة زيزا ودمشق ما يَزيدُ على ثلاثة أيام, وكان خالصُ مَسيري من مكّة إلى حماة دُونَ اثنين وعشرين يومًا، وكان مَسيري على الهُجْنِ، وكان صُحْبَتي فَرَسٌ وبغل، ولم يقف عني شيء منها، وهذه هي حَجّتي الثّانية، وحجَجْتُ الحَجّة الأولى في سنة ثلاث وسبعمائة“، انتهى.
ويَلْفِتُ الانتباه حقًّا أنّه قطع الطّريق من مكّة إلى حماة في رقْمٍ قياسيٍّ عجيبٍ، لأنَّ المسافة لا تقلّ عن 1900 كم مشاها في 22 يومًا، وهذا يعني أنّه كان يقطع كلَّ يومٍ نحو 86 كم، وهذه مسافة كبيرة تدلّ على قوة الحامل والمحمول, أمّا قافلة الحجّ فمعدَّلُ ما تقطع في اليوم 45 إلى 55 كم على الأكثر، وكان عُمُرُ الأمير أبي الفداء حينها واحدًا وأربعينَ عامًا.
الحَجّة الثّالثة 719-720ﮪ:
هذه الحَجّة هي الّتي تتعلّق بنقشنا هذا, وقد سلَكَ أبو الفداء إلى مكّة في الذّهابِ طريقَ الحجّ المصْريّ مُرافِقًا للسّلطان النّاصر
وهذا ما قاله:
[ذكر مسيري إلى مصر ثم الحجاز الشريف]
وفي هذه السّنة حجَّ السُّلْطان من الدّيار المصريّة، ولمّا قرُبَ أوانُ الحجّ أرسل جمالَ الدّين عبدَ الله البريديَّ ورَسَمَ إليّ أنْ أحْضُر إلى الأبواب الشّريفة، فرَكِبتُ خيلَ البريد وأخذْتُ في صُحْبَتي أربعةً من مماليكي، وخرجْتُ من حماة يومَ الجمعة سادسَ عشَرَ شوّال، الموافق لِسَلْخِ تَشرينَ الثّاني، وسرتُ حتى وصلتُ إلى مصرَ […] مِن شوّال الموافق الثّامن كانون الأول، ونزلت بالقاهرة بدار القاضي كريم الدّين، وأقمتُ حتى خرجتُ صحبةَ الرّكاب السُّلْطانيّ.
[ذكر خروج السلطان وتوجهه إلى الحجاز]
وفي هذه السّنة، في يوم السبت، ثاني ذي القعدة، خرج السُّلْطان إلى الدّهليز المنصوب، وكان قد نصب له لرب العش، وخرج من قلعة الجبل بكرةَ السّبت المذكور، وتصيّد في طريقِه الكَراكيَّ، وكنتُ بين يديه، فتفرَّجَ على الصيد، وصاد عدّةً من الكراكيِّ من السّقاقر وغيرِها، ونزل بالدّهليزَ المنصوبَ وأقام به يتصيّد في كلّ نهار ببلادِ الحُوفِ، ورحل من المنزلة المذكورة بكرةَ الخميس سابع ذي القعدة، الموافق لعشرين من كانون الأوّل، وسار على درب الحاجِّ المصريِّ على السُّوَيْسِ وإِيْلَة، وسرتُ في صدقاته حتى وصلنا رابغٍ يومَ الاثنين، ثانيَ ذي الحجّة، الموافق لرابع عشر كانون الثّاني.
وأحرمَ مِن رابغٍ وسار منها في يوم الثلاثاء غَدَ النّهارِ المذكور؛ واتّفق من جملة سعادته وتأييده طِيبُ الوقت، فإنّه كان في وسط الأربعينيّات، ولم نجد بردًا نشكو منه مدَّةَ الإحرام [لاحظْ قولَهُ (ولم نجد) فهو كان في صحبة السُّلْطان].
وسار حتى دخل مكّة بكرةَ السّبت سابعَ ذي الحجّة، ثُمَّ سار إلى مِنى، ثُمَّ إلى مسجدِ إبراهيم، وأقام هناك حتى صلّى به الظهر وجمَعَ إليها العصر، ووقف بعرفات راكبًا تُجاهَ الصّخَرات في يوم الاثنين، ثُمَّ أفاض وقدِمَ إلى مِنى وأكمل مناسك حجِّه، وكان في خدمته القاضي بدر الدّين ابن جَماعة قاضي قضاة ديار مصر الشّافعي، وواكَبَ السّلطانَ في جميع أوقات المناسك، بحيث إنّ السُّلْطان حافَظَ على الأركان والواجبات والسُّنَن، مُحافظةً لم أرها من أحد، ولمّا كمّلَ مناسكَ حجّه، سار عائدًا إلى مقرِّ ملكه بالدّيار المصريّة؛ وخرجَتْ هذه السّنةُ -أعني سنةَ تسع عشرة- وهو بينَ يَنْبُع وإيلة، بمنزلةٍ يُقال لها القَصَب، وهي إلى إيلةَ أقربُ.
ولقد شاهدتُ مِن جزيل صدقاته في هذه الحَجّة ما لم أقدِرْ أن أحصُرَه، وإنّما أذكُرُ نُبْذَةً منه: وهو أنّه سار في خدمتِه ما يزيد على ستين أميرًا أصحابَ طبلخانات، وكان لكلٍّ منهم في كلّ يوم في الذّهاب والإياب ما يكفيه، من عليقِ الخيل والماء والحلوى والسّكَّر والبقسماط، وكذلك لجميع العسكر الذين ساروا في خدمته، وكان يفرِّق فيهم في كلِّ يوم في تلك المفاوز وغيرِها ما يقاربُ أربعةَ آلاف عليقة شَعِير، ومن البقسماط الحلوى والسُّكَّر ما يناسب ذلك، وكان في جملة ما كان في الصُّحبة الشّريفة أربعون جملًا تحمل محايِرَ الخَضْراوات مزروعةً، وكان في كلٍّ منزلةٍ يحصُدُ من تلك الخَضْراوات ما يُقَدَّمُ صُحْبَةَ الطّعام بين يديه، وفرَّقَ في منزلة رابغٍ على جميع مَن في الصُّحبة من الأمراء والأجناد وغيرهم جُمَلًا عظيمةً من الدّراهم، بحيث كان أقلّ نصيب فُرِّقَ في الأجناد ثلاثمائة درهم وما فوق ذلك إلى خمسمائة درهم، ونصيب أمراء العشرات ثلاثة آلاف درهم؛ وأمّا الأمراء أصحاب الطبلخانات فوصل بعضَهم بعشرين ألف درهم، وبعضَهم بأقلَّ من ذلك؛ فكان شيئًا كثيرًا، وأمّا التّشاريف فأكثرُ مِن أن تُحْصَرَ.
ثُمَّ دخلت سنة عشرين وسبعمائة: رحلَ السُّلْطان وسار حتى دخل قلعة الجبل، بكرةَ نهار السّبت، ثانيَ عشر المحرَّم من هذه السنة، الموافق للثّالث والعشرين من شباط”.
قلت: لاحظ قوله: (رحل السُّلْطان)، فهو لم يكن في صحبته، بل رجع إلى حماة، ولم يرافقه إلى مصر، وقد وهم ابنُ كثير -رحمه الله- إذ ظنّ أنّ الملك المؤيّد رجع صحبةَ السُّلْطان إلى مصر.
وهنا في غُرَّةِ مُحَرَّم كَتبَ اسمه على هذه الصّخرة، وكان بين العلا وتبوك في طريقه إلى مدينتِه حماة، وقد وصل إليها في (زمن قياسيّ) كعادته، ولكنّه لم يمكث في حماة إلّا قليلًا، لأنّه كان على موعد مسبق مع السلطان فذهب إلى مصر من فورِه و وصل الى القاهرة في 16من محرم!
والدليل قوله في احداث محرم 720ﮪ واصفاً سفره من حماة إلى القاهرة:
” ذِكْرُ ما أَوْلاني مِنْ عميمِ الصَّدَقات وجزيلِ التَّطَوُّلات: سِرْتُ من حماة على البريد، ولم يصحَبْنِي مركوبٌ لي ولا شيءٌ مِن أدوات المسافر …، ونزلْتُ أنا عند القاضي كريم الدّين بداره داخل باب زُويلة، بالقربِ إلى بينَ القصرَيْن، وأقمْتُ هناك، وتقدّم مرسومُ السُّلْطان بإرسال شِعار السّلطنة إليّ، وقُدِّمَ لي حصانٌ كاملُ العُدّة، فركبتُه بكرةَ الخميس سابع عشر المحرم الموافق للثّامن والعشرين من شباط بالشّعار المذكور، ومشَتِ الأمراء إلى أثناء الطّريق وركبوا؛ ولمّا قاربْتُ قلعةَ الجبلِ نزلوا جميعهم، واستمرَّيْتُ حتى وصلْتُ إلى قربِ باب القلعة، ونزلْتُ وقبّلْتُ الأرضَ للسّلطانِ إلى جهة القلعة، وقبّلْتُ التّقليدَ الشّريفَ، ثُمَّ أعدْتُ تقبيلَ الأرضِ مِرارًا، ثُمَّ طلَعْتُ صُحْبَةَ النّائب -وهو المقرّ السّيفيّ أرغون الدَّوادار- إلى القلعة، وحضرْتُ بين يديِ السُّلْطان في ضَحْوَةِ النّهار المذكور، فقبّلْتُ الأرض فأولاني مِن الصّدقة ما لا يفعله الوالدُ مع ولده، وعند ذلك أمرَنِي بالمسير إلى حماةَ، وقال: (أيا فُلان لكَ مُدَّةٌ غائب؛ فتوجَّهْ إلى بلدك)، فقبّلت الأرض وودّعتُه، وركبْتُ ودخلتُ حماةَ ضحوةَ نهار السّبت، السّادس والعشرين المحرَّم من هذه السنة الموافق لثامِنِ آذار”.
5- هل هذا خط أبي الفداء نفسه
يَصْعُبُ إثباتُ ذلك، لكنّنا نَمِيلُ إلى هذا لسببين: الأوّل أنّه أديب كاتب ليس في حاجة إلى مَنْ يَخُطُّ له، والثّاني أنِّي عثرْتُ مصادفةً على مِثالٍ كتَبَهُ أبُو الفِداءِ بيدِهِ على نُسخةٍ من كتابٍ في الطّبِّ من تأليفه قرأها أحدهم عليه، ونصُّ ما كتبَه:
(بلغَتْ هذه النُّسْخةُ قراءةً عليَّ في شهورٍ آخِرُها ثامنُ ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وسبعمائة، وكتبَ إسمعيلُ بنُ عليّ بن محمود بن محمّد بن عمر بن شاهنشاه بن أيّوب حامدًا لله ومصلّيًا على نبيّه محمّد وآله وصَحْبِه).
ووجدْتُ تشابهًا ملحوظًا بين الخطّين، كما نرى في هذه الصورة:
والغريب حقاً هو أنه لا يستخدم التنقيط إلا نادراً سواء في النقش الصخري أو في المخطوطة أعلاه!!، غيرَ أنّ ما يَحولُ بيننا وبين القَطْعِ بأنّه خطُّهُ أنّ في النّقشِ خطأً نحويًّا يُستَبْعَدُ أن يقع من أبي الفداءِ وهو الأديبُ الشّاعر، وذلك قولُه: (في مَهَلِّ شهر المحرّم سنة عشرون وسبعماية) والصَّواب (عشرين).
6- ترجمة للملِكِ المؤيَّدِ
من كتاب الأعلام للزركلي:
ومن (الوافي بالوَفَيات) للصَّفَديّ المتوفّى سنة 764 للهجرة:
إسماعيل بن عليّ، الإمام العالم الفاضل السُّلْطان الملك المؤيَّد عمادُ الدّين، أبو الفِداء، ابنُ الأفضل، ابن الملك المظفَّر، ابن الملك المنصور، صاحبُ حماة؛ مات في الكهولة سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، كان أميرًا بدمشق، وخدم الملكَ النّاصر لّما كان بالكَرَكِ وبالَغَ في ذلك، فوعدَهُ بحماةَ ووَفَى له بذلك، وأعطاه حماةَ لّما أمرَ لأسندمر بحلبَ بعدَ موتِ نائبِها قبجق، وجعله سلطانًا يفعلُ فيها ما يشاء من إقطاعٍ وغيرِه، ليس لأحدٍ مِنَ الدّولة بمصرَ مِن نائبٍ ووزيرٍ معَهُ حُكْمٌ، وأركَبَهُ في القاهرة بشِعارِ الملْكِ وأُبَّهَةِ السَّلْطَنَةِ، ومشى الأمراءُ والنّاسُ في خدمته، حتى الأمير سيف الدين أرغون النّائب، وقام له القاضي كريمُ الدّين بكلِّ ما يحتاج إليه في ذلك المهِمِّ مِنَ التّشاريفِ والإنعامات على وجوهِ الدّولة وغيره، ولقَّبُوه الملِكَ الصّالِحَ، ثُمَّ بعدَ قليلٍ لقَّبَهُ الملِكَ المؤَيَّد.
وكان كلَّ سنةٍ يتوجّهُ إلى مصرَ بأنواعٍ من الخيل والرَّقيق والجواهر وسائر الأصناف الغريبة، هذا إلى ما هو مستمرٌّ طُولَ السّنةِ ممّا يُهديه من التُّحَف والطُّرَف، وتقدَّمَ السُّلْطانُ الملِكُ النّاصرُ إلى نُوَّابِهِ بأنْ يَكْتُبُوا إليهِ (يُقَبِّلُ الأرضَ)، وكان الأميرُ سيفُ الدِّين تنكز -رحمه اللهُ تعالى- يكتُبُ إليه: (يُقَبِّلُ الأرضَ بِالمقَامِ العالي الشّريفِ المَوْلَوِيِّ السُّلْطانِيِّ المَلِكِيِّ المُؤَيَّدِيِّ العِمادِيِّ), وفي العُنوانِ (صاحب حماة)، ويكتُبُ إليه السُّلْطانُ: (أَخُوهُ محمّدُ بنُ قلاوونَ أعزَّ اللهُ أنصارَ المَقَامِ الشّريفِ العالي السُّلْطانِيِّ المَلِكِيِّ المُؤَيَّدِيِّ العِماديِّ) بِلا (مَوْلَوِيّ).
وكان الملكُ المؤيَّدُ فيه مكارمُ وفضيلةٌ تامّةٌ مِن فِقْهٍ وطِبٍّ وحكمةٍ وغيرِ ذلك، وأجودُ ما كان يعرِفُهُ عِلْمُ الهيئةِ، لأنّه أتقنَهُ، وإنْ كان قد شاركَ في سائرِ العلومِ مشاركةً جيّدة؛ وكان محبًّا لأهلِ العلم مُقرِّبًا لهم، أَوى إليه أمين الدّين الأبهريّ وأقام عنده، ورتّب له ما يَكفيه، وكان قد رتَّبَ لجمالِ الدّين محمّد بن نباتة كلَّ سنةٍ ستَّمائة درهم، وهو مقيمٌ بدمشق، غيرَ ما يُتْحِفُه به.
ونظمَ (الحاويَ) في الفقه، ولو لم يعرِفْهُ معرفةً جيّدةً ما نَظَمَهُ، وله (تاريخٌ) مَلِيحٌ، وكتابُ (الكُنّاش) مجلَّدات كثيرة، وكتاب (تقويم البلدان) هذّبَهُ وجدوَلَهُ وأجادَ فيه ما شاء، وله كتاب (المَوازِين) جوَّدَهُ، وهو صغيرٌ.
ومات وهو في السِتّين، رحمهُ الله تعالى؛ وله شعرٌ، ومَحاسِنُهُ كثيرة.
ولّما مات رثاهُ الشّيخ جمال الدّين بن نباتة بقصيدةٍ أوّلُها:
ما للنّدى لا يلبِّي صوتَ داعِيهِ؟ … أظَنَّ أنَّ ابنَ شادِي قامَ ناعِيهِ؟
ما لِلرَّجاءِ قدِ اشتدَّتْ مذاهِبُهُ؟ … ما للزّمانِ قد اسودَّتْ نَواحِيهِ؟
نَعَى المُؤَيَّدُ ناعِيهِ فيا أَسَفَا … لِلْغَيْثِ! كيفَ غَدَتْ عَنَّا غَوادِيهِ؟
منها:
كان المديحُ لهُ عُرْسًا بِدَوْلَتِهِ … فأَحْسَنَ اللهُ للشِّعْرِ العَزَا فِيهِ
يا آلَ أيّوبَ صَبْرًا إنَّ إِرْثَكُمُ … مِنِ اسْمِ أَيُّوبَ صَبْرًا كانَ مُنْجِيهِ
وتوجّهَ الملك المؤيّدُ بعضَ السّنين إلى مصرَ ومعه ابنُه الملِكُ الأفضلُ محمّدٌ، فمَرِضَ ولدُه، فجهّز إليه السُّلْطانُ الحكيمَ جمالَ الدّين ابنَ المغربيِّ رئيسَ الأطبّاء، فكان يجيء إليه بكرةً وعشيًّا، فيراه ويبحث معه في مرضه، ويقرّرُ الدّواءَ، ويطبخ الشّرابَ بيده في دستِ فضّةٍ، فقال لهُ ابنُ المغربيّ: (يا خَوَنْدُ، أنتَ –واللهِ- ما تحتاجُ إليَّ، وما أَجِي إلّا امتثالًا لأمرِ السُّلْطان)، ولّما عُوفِيَ أعطاهُ بغلةً بسرجٍ وكنبوش َزركش وتعبيةَ قُماش وعشرةَ آلاف درهم والدستَ الفضَّةَ، وقال: (يا مولايَ، اعذِرْنِي فإنِّي لّما خرجْتُ مِن حماةَ ما حَسَبْتُ مرَضَ هذا الابن).
ومدحه الشّعراءُ وأجازَهم، ولمّا مات فرّقَ كتبَهُ على أصحابِه، وأوْقَفَ منها جُمْلَةً.
ومِن شعره:
اقرأْ على طِيبِ الحيا … ةِ سَلامَ صّبٍّ ماتَ حُزْنا
وَاعْلِم بذاكَ أحبّةً … بَخِلَ الزّمانُ بهِمْ وضَنّا
لو كان يُشْرَى قُرْبُهُمْ … بالمالِ والأرواحِ جُدْنا
مُتَجَرِّعٌ كأسَ الفُرا … قِ يَبِيتُ للأشجانِ رَهْنا
صَبٌّ قضى وَجْدًا ولَمْ … يُقضَى له ما قَدْ تَمَنَّى
وله أيضًا:
كَمْ مِنْ دمٍ حلَّلَتْ وَما نَدِمَتْ … تفعَلُ ما تَشْتَهِي فَلا عُدِمَتْ
لو أمكَنَ الشّمْسَ عندَ رُؤيتِها … لَثْمُ مَوَاطِي أَقْدَامِهَا لَثَمِتْ
وله أيضًا:
سرَى مَسْرَى الصَّبا فعَجِبْتُ منهُ … مِن الهِجْرانِ كيفَ صَبَا إِلَيَّا
وكيفَ أَلَمَّ بي مِنْ غَيْرِ وَعْدٍ … وفارَقَنِي ولَمْ يَعْطِفْ عَلَيَّا
وله موشَّحٌ -رحمَهُ اللهُ تعالى-:
أَوْقعَني العُمْرُ في لَعَلَّ وهَلْ … يا وَيْحَ مَنْ عُمْرُهُ مَضَى بِلَعَلْ
والشَّيْبُ وافى وعندَهُ نَزَلا … وفَرَّ منهُ الشَبابُ وارْتَحَلا
***
ما أوقَحَ الشّيْبَ الآتي … إذ حلَّ لا عَنْ مَرْضاتي
***
قد أضعفَتْنِي السِّتُّونَ لا زَمَنِي … وخانَنِي نَقْصُ قُوَّةِ البَدَنِ
لكنْ هوى القلْبِ ليسَ يَنْتَقِصُ … وفيهِ مَعْ ذا مِنْ جُرْحِهِ غُصَصُ
***
يَهْوَى جميعَ اللّذَّاتِ … كما له مِنْ عاداتِ
***
يا عاذِلي لا تُطِلْ مَلَامَكَ لي … فإنَّ سَمْعِي نأَى عَنِ العَذَلِ
وليسَ يُجْدِي المَلامُ والفَنَدُ … في مَنْ صَباباتُ عِشْقِهِ جُدُدْ
***
دَعْني أنا في صَبَواتي … أنتَ البَرِي مِن زَلَّاتي
***
كم سرَّني الدّهرُ غيرَ مُقْتَصِرِ … بالكأسِ والغانِياتِ والوَتَرِ
نَمْرَحُ في طِيبِ عَيْشِنا الرَّغِدِ … طَرْفي ورُوحي وسائِرُ الجَسَدِ
***
وكمْ صفَتْ لي خَطَراتي … وساعدَتْني أَوْقاتي
***
مضى رَسولي إلى مُعَذِّبَتِي … وعادَ في بَهْجَةٍ مَجَدَّدَةِ
وقالَ: قالَتْ تعالَ في عَجَلِ … لِمَنْزِلِي قبلَ أنْ يَجِي رَجُلِي
***
واصعَدْ وَجُزْ مِنْ طاقاتي … ولا تَخَفْ مِنْ جاراتي
قال: ومِنَ الغريبِ أنَّ السُّلْطانَ -رحمَهُ الله- كان يقول: (ما أظنُّ أنّي أَستكمِلُ من العمُرِ ستّينَ سنةً، فَما في أهلي -يعني بَيْتَ تَقِيِّ الدِّين- مَنِ استَكْمَلَهُ)، وفي أوائلِ السّتّينَ مِن عمرِه قالَ هذا المُوَشَّحَ، وماتَ في بقيّةِ السّنةِ، رحمَهُ اللهُ تعالى”.
———————
وقرأت في كتاب (تاريخ حماة) للأستاذ أحمد بن إبراهيم الصّابونيّ هذا النّصّ: “وبالجُملَةِ فقد كان أبو الفداء آيةً باهرةً وفردًا من أفراد الرجال. ومن آثاره جامِعُهُ المارُّ الذِّكْرِ، ومقبرةُ بابِ الجسرِ الّتي وقَفَها في حياتِه، وحمّامُ العبيسي الباقيةُ للآن، وقطعةُ حَرَمِ جامعِ نور الدّين الشّرْقيّة الّتي بناها مدرسةً للحَنَفيّةِ. وتآليفُه النافعةُ المعتَبَرَةُ في أقطار الأرض. تولّى ابنُه الملكُ الأفضلُ بعدَه أوقافَهُ وأوقافَ نور الدّين حَسَنٍ مُدّةَ حياته، ثُمَّ تبعْثَرَتْ تلك الأوقافُ بعدَهُ، وما زالت تُفْقَدُ وتتناقصُ حتى غُيِّرَتْ معالِمُها وبُدِّلَتْ رسومُها. توفِّيَ سنة 732، ودُفِن في جامعِهِ — المشهورِ ب(جامعِ الحَيَّاتِ) الآن — بحُجْرَةٍ صغيرة، وتحتَ هذه الحجرَةِ مَغارةٌ كبيرةٌ فُرِشَتْ أرضُها بالرّمْلِ الحجازيِّ، وفي وسَطِ الحجرَةِ قبرٌ من حَجَرِ الرُّخامِ محفورٌ بعضُ حجارتِه بالآيات القرآنيّة، وعند رأسِهِ حجرٌ محفورٌ بما صُورَتُه: (هذا ضَريحُ العبدِ الفقيرِ إلى رحمةِ ربِّهِ الكريمِ إسماعيل بن عليّ بن محمود بن محمّد بن عمر شاهنشاه بن أيوب بن عُمَر في شهور سنة 727).
ومن العجائبِ أنّ تاريخ القبرِ سابقٌ تاريخَ الوفاةِ، فالّذي
يَظْهَرُ أنّهم كانوا يُهيِّئون القبرَ قبلَ الموتِ زُهْدًا في الدّنيا”.
جامع أبي الفداء الّذي بناه
وننقل عن كتاب (حماة في ظلّ الأيّوبيِّين 570- 742 هجري) للدّكتور علي نجم عيسى– الصفحة (146) ما كُتِب على أحد أعمدته الرُّخاميّة:
(أمر ببناء المسجد المبارك السُّلْطان الملك المؤيّد عماد الدّين والدّنيا إسماعيل بن الملك الأفضل عليِّ بن الملك المظفّر محمود بن الملك المنصور ناصر الدّين بن الملك المظفّر تقيّ الدِّين عمَر بن شاهنشاه بن أيّوب في شهور سنة 727).
تنكز … قطلوبُغا)
هذا النّقش تنبّه له الأستاذ البيطار، وقال عنه : “أمّا تنكز فهو من فضَلاءِ أمراء دمشق في عهدِ أبي الفداء، وأمّا قطلوبُغا فقد جاء في تاريخ أبي الفداءِ قولُه في حوادث سنة (727 ﮪ): (وفيها في يوم السّبت ثالث عشر شعبان حضر من الأبواب الشّريفة [يعني من عند السُّلْطان النّاصر] الأمير علاء الدين قطلوبغا المعروف بالمغربي، وصحبته رسولا جُوبانَ وهما: أسندمر وحمزة، وتوجّه بهما وصّلَهما إلى البيرة مكرمَيْن، ثُمَّ عاد قطلوبغا المغربيُّ المذكور إلى حماة وتوجّه إلى الأبواب الشّريفة وتوفي عند وصوله).
وهذا الاسم (تنكز …[؟] قطلوبغا) يحتاج إلى بحثٍ، فظاهرُ النّقش أنّه رجلٌ واحد، وأُرَجّح أن يكونَ صاحبَ دمشق الّذي ذُكِرَ أنّه كان يكتبُ إلى أبي الفداء: (نُقَبِّلُ الأرضَ بالمقامِ الشريفِ العالي السُّلْطانيّ المولويِّ الملكيّ المؤيّديّ العِماديّ)”.
ومات الأمير سيف الدين قطلوبغا المغربيّ الحاجب بالقاهرة في ثامن رجب 726 للهجرة.
طقصبا (؟):
هنا كلمات متداخلة تصعب قرائتها، لكنْ لفت انتباهي هذا الاسمُ الّذي أشرت نحوه بالسّهم الأصفر، وتذكَّرْتُ نصَّ الأستاذ محمّد زاهد أبو غدة من أهل حماة إذ قال في مقال له بعنوان (حدث في الثّامن والعشرين من المحرَّم): “من تواضع الملك المؤيَّد أنّه زوّج ابنتَهُ من مملوكٍ له يُدْعَى الأميرَ سيفَ الدّين طقصبا، اشتراه وهو صغير وقرّبَهُ وربّاه وأحسن تربيتَه وزوّجَه ابنتَهُ وأمَّرَه، وكان يُرْسِلُه بهداياه إلى الملك الناصر محمّد بن قلاوون، وكان الملك النّاصر يُقْبِلُ عليه إقبالًا زائدًا. ولما مات أستاذُه -رحمه الله تعالى- استمرَّ في خدمة ولدِهِ الملك الأفضل على عادته، وهو أميرُ طلبخاناه بحماة، إلى أن توفِّيَ -رحمه الله تعالى- في شهر رمضان سنة 751″.
كما أنّه كان من المذكورين في تلك الحقبة من الزمان (الأمير سيف الدّين طقصبا بن عبد الله الحساميّ الظّاهريّ) من مماليك الظّاهر بيبرس، وكان ممّن وليَ قوص من بلاد مصر للملك النّاصر محمّد بن قلاوون، وذكره أبو الفداء في تاريخه بعدَ أخبار حَجّتِه عام 713 ﮪ فقال: “وفيها جرّدَ السّلطانُ من مِصرَ إلى مكّة عسكرًا وأُمراءَ مِن عسكرِ دمشقَ، وأرسلَ معَهم أبا الغَيْثِ بنَ أبي نِمِّيّ لِيُقِرُّوهُ في مكَّةَ، ويَقْبِضُوا أو يَطْرُدُوا أَخاه حميضةَ بنَ أَبي نِمّيّ، لأنّه كان قد ملك مكّةَ وأساءَ السّيرةَ فيها، وكان مقدَّمُ العسكرِ المُجَرَّدِ على ذلك سيفُ الدّين طقصبا الحُساميّ، فلمّا اجتمعْتُ بهِ في مكَّةَ أوصَلَنِي مِثَالاً مِن مَولانا السّلطانِ يتضمَّنُ أنِّي أساعدُهم على إمساكِ حميضةَ بالرِّجالِ والرّأيِ، فلمّا قرَّبْنا مِن مكّةَ -حرسَها الله تعالى- تركَها حميضةُ وهرَبَ إلى البرية،”، وتوفّي طقصبا الحساميّ الظّاهريّ سنة خمس وأربعين وسبع مئة وقد أناف على مئةٍ وعشرين سنة كما ذكر ابن تغري بردي في (النجوم الزّاهرة).
فأيُّ الرّجُلَيْنِ هو صاحبُ النّقْش؟ يَغْلِبُ أن يكونَ صِهْرَ الملك المؤيَّد.
[1]