ب. د. فرست مرعي
دون شك فإن العلاقات بين إيران كأرض ودولة (= الاخمينيون – الهخامنشيون) واليهود كديانة ترجع الى حقبة قديمة، فالعلاقة بين الجانبين ظهرت بعد السبي الآشوري لليهود من المملكة الشمالية (= إسرائيل) عام721 – 722ق.م، عندما سبى الملك الاشوري سرجون الثاني (722 – 705ق.م) اليهود الى نهر الخابور في سوريا وبلاد ميديا (= كردستان).وفي تلك الحقبة كان الشعبين الآريين: الماد وبارس يعيشون جنباً الى جنب تحت ظل الامبراطورية الاشورية الحديثة (911 – 612ق.م)، فالميديون كانوا يعيشون في منطقة أتروباتين(= ميديا الصغرى – أذربيجان الحالية) شمال غرب الهضبة الاريانية (= إيران)، بينما كان أبناء عمومتهم يعيشون الى الجنوب الغربي من ديارهم حيث سمي الاقليم بإسمهم ( بارس – فارس) المطل على الخليخ الفارسي – العربي.
وبعد أن تولى نبوخذنصر – بختنصر (605 – 562ق.م) الحكم عقب وفاة والده (نبوبلاصر)، أراد أن يوطد مركزه في فلسطين، فهزم فرعون مصر (نخاو الثاني) في معركة كركميش عام (604-603 ق.م) وأخضع (يهوياقيم) ملك (مملكة يهودا) لسيطرته ولكن سرعان ما تمرد عليه (يهوياقيم) ؛ مما اضطر نبوخذ نصر إلى إرسال قوات مشتركة من العمونيين والمؤابيين والأدوميين الذين كانوا خاضعين المسيطرة بابل اضافة الى جيشه المتواجد في سوريا، وقبل وصول هذه الحملة إلى القدس توفي يهوياقيم وخلفه ابنه (يهوياكين) الذي سرعان ما استسلم للملك البابلي بعد ثلاثة أشهر من توليه الحكم وأخذ اسيراً الى بابل. وكان يهوياكين قد اعلن في آذار 597 ق.م استسلام القدس للبابليين.
وبعد ذلك استولى نبوخذ نصر على خزائن أورشليم وسبى معظم قادتها وحرفييها تاركاً عامة الشعب وهذا ما عرف ب (السبي البابلي)، وعقب اسر يهوياكين نصب نبوخذ نصر عم الاخير (مثانيا) الذي غير اسمه الى (صدقيا) ملكاً على (مملكة يهوذا- المملكة الجنوبية). وعندما تولى حكم مصر فرعون جديد هو (واح ايب رع) عاد الأمل الى نفوس المسبيين في بابل، وطلب الملك صدقيا من الفرعون الجديد مساندته ودعمه بالرجال والخيول، ولكن الملك البابلي نبوخذنصر اكتشف هذه المؤامرة الجديدة في مهدها التي اشترك فيها ايضاً ملك عمون (شرق الأردن)، مما دعاه الى احكام الحصار حول القدس اعتباراً من كانون الثاني / يناير 588 ق.م حتى تموز/ يوليو 587 ق.م. ولكن حسب الخطة المبرمة تحرك فرعون مصر لنجدة حليفه الملك صدقيا، ولما اقترب الجيش المصري من القدس، رفع البابليون الحصار عن القدس وتحركوا صوب الجيش المصري حيث الحقوا به هزيمة شديدة، ثم واصلوا حصار القدس مرة ثانية بشدة وعنف أكثر من المرة الأولى حتى ساد الذعر في صفوف اليهود واستبدت بهم المجاعة. وأخيراً استطاع الجيش البابلي ان يتسلل الى داخل المدينة، وعم الذعر بين اليهود وعمد ملكهم صدقيا الى الهرب فقبض عليه عند اريحا وحمل الى منطقة ربله على نهر العاصي حيث ذبح أبناؤه أمام عينيه، ثم سملت عيناه بعد ذلك ثم قام القائد البابلي (نبوزادان) بتهديم اسوار القدس وتخريب المدينة بأكملها وهدم هيكل سليمان وأحرقه عام 586 ق . م.
ونظراً لخلو المملكة من زعيم فقد عين بنوخذنصر (جداليا بن أحيقام) حاكماً من قبله على كل ما تبقى من مملكة يهوذا في أورشليم، ولكنه اغتيل من قبل (اسماعيل بن نتنيا) أحد افراد الاسرة المالكة وعشرة من أتباعه، ونتيجة لهذه العملية سبي بنوخذنصر دفعة ثالثة من اليهود الى بابل عام 581 ق.م قدرت بحوالي 745 شخصاً، فيما هرعت اعداد اخرى من اليهود بالهرب الى مصر في صحبة النبي إرميا ( سفر إرميا1: 1 – 3)؛ وقد ادت هذه العمليات الى سبي58,000 يهودي الى بابل اضافةً الى السبي اشوري الاول والبالغ حوالي ,00030 يهودي؛ مما أدى الى إزالة وجود الشعب اليهودي من فلسطين إزالة شبه تامة.
وقد خلد أحد شعرائهم من أولئك المسبِّيين في معسكر الاعتقال في بابل قصيدة بكائية(= أنشودة) يحن فيها العودة الى الوطن:
على أعواد الصفصاف علقت قيثاراتنا
قام معذبونا الذين يسبونا يطلبون منا أغنية من أغاني صهيون
لكن كيف نرنم للرب ترنيمة في أرض غريبة -
تنساني يميني إن نسيتك يا أورشليم... . (مزامير:137).
وبعد ان تمكن الملك الاخميني الفارسي كورش الثاني – سيروس( 559 - 530 ق.م) من القضاء على الدولة الميدية 550ق.م حسب الرواية الكوردية، أو 529ق.م حسب الرواية الفارسية، فانه كان يحلم بالسيطرة على بلاد بابل واسقاط الدولة الكلدانية، وتم له ما اراد عندما اسقط العاصمة بابل عام 538ق.م بحجة الدفاع عن المعتقدات الدينية للبابليين. حيث أعاد الأمل لهؤلاء اليهود الأسرى الذين اعتبروه منقذاً ومخلصاً لهم، حيث أظهر مزيداً من العطف والشفقة تجاههم ورد اليهم أطباق الذهب والفضة التي كان نبوخذ نصر قد أحضرها من القدس، وسمح لهم بالعودة الى فلسطين، وأخذ يعمر المعابد القديمة في القدس والتي كان العراقيون من الاشوريين والبابليين قد خربوها، لذا أبدى أنبياء بني اسرائيل احتراماً فوق العادة لكورش حيث جاء في كتاب (عزرا، الاصحاح الأول 2-4 ): {هكذا قال كورش ملك فارس: جميع ممالك الارض دفعها الى الرب اله السماء وهو أوصاني أن أبني له بيتاً في أورشليم التي في يهوذا. من منكم من كل شعبه ليكن الهه معه ويصعد الى أورشليم التي في يهوذا فيبني بيت الرب اله اسرائيل هو الاله الذي في أورشليم}.
كما أن كورش خيرهم بين البقاء في بابل والتمتع بخيراتها أو العودة إلى فلسطين. وهكذا عادت القافلة الأولى من هؤلاء اليهود إلى فلسطين بزعامة القائد اليهودي (زربابل) مؤلفة من (42360) شخصاً و (7337) عبداً، وتبعهم بعد ذلك جم غفير، بينما فضل قسما منهم البقاء في العراق بعد أن تيسر لهم رغد العيش. وقد جاء في كتاب مختصر تاريخ الدول لابن العبري: ان كورش تزوج اخت الربابل بن شلاشيل بن يوياخين بن يوياقيم ملك يهوذا، ولما دخل بها ارتفعت عنده وقال لها اطلبي مني ما شئت. فطلبت منه عودة بني اسرائيل إلى أورشليم (القدس) وان يأذن بعمارتها، فجمعهم كورش الملك وخيرهم قائلاً: من اختارالصعود فليصعد ومن اباه فليقم، فكان عدد مؤثري الصعود خمسين الفاً من الرجال غير النساء والاولاد.
ومما تجدر الإشارة إليه أن هؤلاء اليهود كانوا بمثابة الطابور الخامس للجيش الفارسي الاخميني : عند محاولته احتلال العاصمة بابل، حيث جاء في. كتاب إشعيا الاصحاح 45، 1-3 ما يلي : { هكذا يقول الرب لمسيحه كورش الذي أمسكت بيمينه لادوس أمامه أمماً وأحفاد ملوك أجل لافتح أمامه المصراعين والابواب لا تغلق. أنا أسير قدامك والهضاب أمهد، أكسر مصراعي النحاس ومغاليق الحديد أقصف، وأعطيك كنائز الظلمة وكنوز المخابيء لكي أتعرف أني أنا الرب الذي يدعوك باسمك اله اسرائيل}.
وكان من شأن هذه العلاقة التاريخية بين الجانبين أن تزوج الملك الفارسي الاخميني أحشويروش الاول (485 - 465 ق.م ) من امرأة يهودية جميلة تدعى أستير (النجمة)، كان لها دور كبير بمساندة عمها (مردخاي) في تحريض الملك على الانتقام من وزيره (هامان) وشيعته المعادين لليهود، لذا فلا عجب أن رد أحبار يهود الجميل لفتاتهم (أستير) من خلال إطلاق اسمها على أحد أسفار التوراة تحت اسم (سفر أستير)، واعتبار يوم الانتقام من اعداء اليهود - الرابع عشر من شهر آذار/ مارس - عيداً لهم تحت اسم (البوريم) أي الفوز. ولهذه اليهودية (استير) وعمها مردخاي ضريح فخم في مدينة (همدان) الايرانية، تعد إحدى معالم المدينة الرئيسية ولها زيارات مستمرة من قبل يهود ايران واليهود الآخرين. ]،(سفر عزرا 6:14).
وقد أطلق على الملك الأخميني كورش الثاني (559-530 ق.م)، – المسيح المنتظر- تكريماً له، جراء قضائه على المملكة الكلدانية (البابلية)، واحتلال عاصمتها بابل عام 539ق.م، وإصداره أوامر تقضي بالسماح ليهود الأسر البابلي بالعودة إلى فلسطين، ومساعدتهم مادياً من أجل إعادة بناء المعبد السليماني (هيكل سليمان) الذي دمره الملك البابلي نبوخذ نصر عام586 ق.م، فجاء في سفر اشعيا: [ وهذا ما قاله الرب لكورش الذي مسحه وأخذ بيمينه ليخضع له الشعوب، ويضعف سلطان الملوك حتى يفتح أمامه المصاريع فلا تغلق في وجهه الأبواب، أسير قدامك، فأمهد الجبال، وأحطم مصاريع النحاس، وأكسر مغاليق الحديد، وأعطيك الكنوز الدفينة والذخائر المخبأة، فتعلم إني أنا الرب، اله إسرائيل، الذي دعاك باسمك، (أي الممسوح)].
كذلك أطلق الاسم في سفر زكريا على شخصيتين هما: الكاهن الأعظم يشوع، والملك زربابل، وهو حفيد الملك “جيهوى أشين” وكان وقتها زعيما ليهود المنفى الذين عادوا من بابل إلى يهودا (=المملكة الجنوبية قبل تدميرها على يد نبوخذ نصر) بموافقة الملك كورش الثاني. وعين زربابل في ظل حكم الملك داريوس الاول في سنة 521ق.م حاكماً لمقاطعة يهودا (=أورشليم- القدس وأطرافها)، وكان آخر حكامها من بيت داود. ويتحدث (كتاب زربابل) الذي كتب في زمنه والذي قيل انه وجد منقوشاً على الحجر، عن رؤى رآها زربابل (بذر بابل) عن ظهور المسيح.
وتذكر لنا الأحداث التاريخية التي دارت في منطقة المشرق قديماً بين الدول والحضارات المختلفة أن ثمة علاقة وطيدة كانت بين اليهود والفرس. وصار كل طرفٍ يدعم الآخر ويناصره ويواليه، ومن ذلك مثلاً أن اليهود في منطقة الجليل بفلسطين أمدّوا الفرس ب20 ألف جندي، وقيل 26 ألف جندي، ومهدوا لانتصار الفرس على الروم ودخولهم القدس واحتلالها بقوة السلاح عام 614م، ونجح كسرى الثاني أنوشروان في احتلالها في الفترة من 614 إلى 628م، ومنحها لليهود مرة أخرى إلا أن اليهود عاثوا فيها فساداً وقتلوا 50 ألفاً من المسيحيين والرومان هناك انتقاماً من الرومان لإجلائهم منها وقتلهم في الفترة الماضية؛ لأنهم كانوا ممنوعين من دخول المدينة من قبل الروم طيلة 700 عام تقريباً، وذلك على يد قائد جيش الرومان بومبي عام 63 ق.م، ثم استعادها الرومان مرة أخرى عام 628م وظلت بأيديهم حتى الفتح الإسلامي عام 633م، وتسلمها عمر بن الخطاب في ذلك العام، وقام بعمل العهدة العمرية للمسيحيين. وكان القرآن الكريم قد صور هذه الأحداث في سورة الروم بقوله تعالى: ﴿ألم غُلِبَ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بنصر الله﴾. (سورة الروم، الاية 1-3).
وبخصوص العلاقات الايرانية – الاسرائيلية في التاريخ المعاصر، فقد أصدرت إسرائيل، في الاونة الاخيرة، طابعا بريديا يحمل صورة لأسطوانة طينية اشتهرت باسم بيان كوروش، وذلك تكريما للملك الإخميني الذي ينسب إليه هذا البيان وهو كوروش بن كمبوجيه، محرر اليهود بعد سيطرته على ما بين النهرين (العراق).
وبحسب موقع إذاعة إسرائيل الناطقة بالفارسية، نشرت الدولة العبرية هذا الطابع تكريما لكوروش العظيم، وذكرت أن عالم التاريخ الإسرائيلي أمنون نتصر المتخصص في شؤون يهود إيران أكد في مقابلات عدة أن التوراة التي حافظت على اسم كوروش تعد الوثيقة التاريخية الأكثر وضوحا التي تذكر اسمه.
وكان كوروش بن كمبوجية بن كوروش بن جيشبيش بن هخامنش، الملقب بكوروش العظيم (بالفارسية: كوروش بزرگ)، أعظم ملوك الفرس على الإطلاق، حيث استولى على العراق (بين النهرين) وقضى على حكم نبوخذنصر ببابل، كما استولى على آسيا الصغرى (تركيا اليوم) وميديا (كوردستان الحالية)، وحكم من559 قبل الميلاد الى 529قبل الميلاد وقتل في ماساجت في آسيا الوسطى.
ونشرت إسرائيل الطابع البريدي بعدة نسخ، إحداها باللون الذهبي والأزرق عليها صورة لأسطوانة طينية منسوبة لقوروش، في حين يشكك البعض في صحة ما كتب على هذه الأسطوانة التي يقول مؤيدوها إنها تدعو إلى المساواة بين الشعوب وحرية الأديان.
لكن يذهب البعض الآخر إلى أبعد من ذلك، حيث يرون أنها مزورة تماما من قبل مستشرقين يهود بغية إحياء القومية الفارسية، ويؤكد المؤرخ الإيراني ناصر بوربيرار أن معاداة العرب هي السمة المشتركة التي تربط الحركة الصهيونية والنزعة الفارسية لإحياء إمبراطوريتهم، ويدخل بيان كورش المزور حسب اعتقاده خدمة لإحياء الحضارة الفارسية قبل الإسلام.
وفي سياق متصل ولمحاولة استعادة الأمجاد السحيقة وتحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية كان شاه إيران محمد رضا بهلوي(1941 – 1979م) أهدى في العام 1971 نسخة مقلدة لهذا البيان إلى الأمم المتحدة، مرفقة بالترجمة الإنكليزية والفرنسية ليظهر عظمة الإمبراطورية من خلال تبنيها حقوق الإنسان قبل 2500 عام.
ورغم الشكوك حول النسخة الأصلية، يقال إنها اكتشفت في القرن ال19 تحت أطلال مدينة بابل في العراق، وهي عبارة عن أسطوانة مصنوعة من الفخار كتب عليها بالخط واللغة الأكديين، وهي لغة عراقية قديمة من فروع اللغات السامية، وهي تشرح هزيمة الملك البابلي( نبونائيد)، إلا أنها تمجد مردوخ إله بابل، بالإضافة إلى تمجيدها لكورش الذي فرض سيطرة الفرس على منطقة الشرق، بعد أن قضوا على أهم حضارة بشرية حينها، وهي حضارة الرافدين حتى ظهور الإسلام بعد 1200عام تقريبا.
وخلافا للنسخة المترجمة التي قدمها الشاه للأمم المتحدة، يؤكد علماء اللغة أن النسخة الأصلية لم تشر إلى مفاهيم من قبيل إلغاء العبودية ومنح الحكم الذاتي للشعوب الخاضعة لكورش، والمساواة في الأجور وحرية المرأة، وهي مفاهيم ظهرت مع التطور الفكري والسياسي في الغرب.
وثمة مؤرخون غربيون يعارضون بشدة محاولات الإيرانيين والإسرائيليين منح كورش صفات لا يستحقها، وإعطاء الحضارة الفارسية مكانة لم تبلغها. ويقول المؤرخ الهولندي جونا لندرنغ من خلال تسليط الضوء على كورش والأسطوانة الفخارية المنسوبة إليه: كل ما نقل في التاريخ حول الملك الأخميني كورش ليس إلا كذبة وتواطؤا تاريخيا، حيث استخدم محمد رضا بهلوي آخر ملوك إيران اسم وهوية كورش الكبير دعائيا.
وشرح المؤرخ الألماني ميتيوس شولز في مقال نشره عام 2008م في صحيفة ديراشبيغل، أن الأسطوانة التي يصفونها بأول بيان حول حقوق الإنسان (بيان كورش) وتعرض نسخة منها حاليا في الأمم المتحدة ما هي إلا رمز دعائي مخجل، متحدثا عن الترجمة المزورة للبيان.
وأما بخصوص أسطوانة كورش، التي يحتفظ بها المتحف البريطاني، فهي إرث لكورش الكبير، الإمبراطور الفارسي الذي اشتهر بتحرير اليهود من بابل القديمة بعد احتلال المدينة عام 539 قبل الميلاد. وهناك نسخة من الاسطوانة، المغطاة بالكتابة المسمارية التي من المفترض أن توضح تفاصيل ميثاق الحقوق القديم، معلقة أيضًا بجوار قاعة مجلس الأمن في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث يتم الاحتفاظ بها كرمز لسمعة سايروس كرئيس. حاكم عادل وعادل. ولكن هذه السمعة أصبحت الآن موضع تحدي من جانب المؤرخين الألمان الذين يزعمون أن الأمم المتحدة تحتفل ظلماً بحكم رجل لا يقل استبداداً عن أي زعيم آخر يستولي على الأراضي.
وقال كلاوس جالاس، الذي يجري أبحاثا بشأن مهرجان ألماني إيراني العام المقبل، لمجلة ديرشبيكل الالمانية: لقد ارتكبت الأمم المتحدة خطأ فادحا. وقال إن الأمم المتحدة أعطت مخطوطة كورش سلطة زائفة. وأضاف أنه طُلب من الحكومة الألمانية عرض الإعلان في علبة زجاجية في مبنى الرايخستاغ في برلين.
وفي وقت لاحق من عام 2008، نشرت صحيفة ديلي تلغراف تقريرا حول بيان كورش وخلافا لعقيدة القوميين الفرس، استنتجت الصحيفة أن كورش كان ملكا دمويا ظالما أرغم الشعوب على طاعته بالقوة، وأن كافة الصفات الحميدة المنسوبة إليه من قبيل احترام حقوق الإنسان والحضارات ما هي إلا كذبة تاريخية روجت لها أسرة بهلوي في العام 1971م، وما ذكر بهذا الشأن تحت عنوان فصل من فصول بابل هي دعاية ليس إلا.
وثمة مؤرخون وباحثون غربيون يتفقون جميعا على أن ما يستنتج من بيان كورش - سايروس حول تحليه بالعدل ودفاعه عن المساواة بين الشعوب والأديان، لا أساس له من الصحة، ومنهم كلائوس غالاس ودي كويته ويله، وبروفيسور روت واميليه كوهرت، وولفرد جي لمبرت الذي يبدد الادعاءات الإيرانية والإسرائيلية حول عدالة كورش، فيؤكد من خلال نظريته التاريخية بهذا الشأن: لم يتبن قوروش سياسة جديدة تجاه الشعوب التي خضعت له، حيث أمر بتدمير المعابد ونهب عاصمة الميديين( أجداد الكورد) هكمتانا - أكبتانا(همدان اليوم)، وبعد حرب أوبيس (على ضفاف دجلة)، نهب وسلب (بابل)، وقتل عددا كبيرا من الناس في بلاد (ما بين النهرين (.
ومن جانب آخرونظرا لهذه العلاقة الوطيدة بين الايرانيين والاسرائيليون فقد أطلق على أحد الشوارع في إسرائيل (شارع كورش) نظرا لاعتباره قائدا ذو أهمية عند اليهود الاسرائيليين لكونه ساهم في إنقاذ اليهود من السبي البابلي بحسب اعتقادهم.
ولازالت هذه العلاقات التاريخية بين الايرانيين وإسرائيل تلقي بظلالها على علاقاتهم في التاريخ المعاصر.[1]